التخزين في الزجاج ومشروع سيليكا

التخزين في الزجاج ومشروع سيليكا

مشروع سيليكا (Project Silica) هو مشروعٌ بحثيٌّ تابعٌ لمعهد أبحاث شركة مايكروسوفت (Microsoft Research)، يَستخدم الاكتشافات الحديثة في بصريّات اللّيزر فائقة السّرعة والذّكاء الاصطناعيّ لتخزين البيانات داخل قطعةٍ من زجاج الكوارتز.[1]

يهدف مشروع سيليكا إلى تخزين ما يُعرف بـ«البيانات الباردة»؛ وهي بياناتٌ أرشيفيّةٌ قد تكون ذات قيمةٍ هائلةٍ، أو بياناتٌ يتعيّن على الشّركات حفظها، ولكن لا يلزم الوصول إليها بشكلٍ متكرّرٍ. قد يشمل ذلك البيانات الطّبّيّة الّتي يجب الاحتفاظ بها طوال حياة المريض، وبيانات التّنظيم الماليّ، والعقود القانونيّة، والمعلومات الجيولوجيّة المتعلّقة باستكشاف الطّاقة، وخطط البناء الّتي تحتاج المُدن إلى الاحتفاظ بها.[2]

كيف تتم عملية التخزين؟

يمثّل مشروع سيليكا استثمارًا من قبل مايكروسوفت آجور (Microsoft Azure) لتطوير تقنيّات تخزينٍ مصمّمةٍ خصّيصًا لأنماط الحوسبة السّحابيّة، بدلًا من الاعتماد على وسائط التّخزين المصمّمة للعمل في أجهزة الكمبيوتر أو السّيناريوهات الأخرى، وذلك اعتمادًا على خبرة معهد أبحاث مايكروسوفت. ويمكن تلخيص خطوات عمليّة التّخزين في الآتي:[5][2][1]

  • يشفّر اللّيزر البيانات على الزّجاج بإنشاء طبقاتٍ من أنماطٍ شبكيّةٍ نانويّةٍ ثلاثيّة الأبعاد وتشوّهاتٍ على أعماقٍ وزوايا مختلفةٍ.
  • تعمل ليزرات الأشعّة تحت الحمراء في مشروع سيليكا على ترميز البيانات في فوكسلات (voxels)؛ وهي المكافئ ثلاثيّ الأبعاد للبكسلات (pixels) الّتي تشكّل صورةً مسطّحةً.
  • يقوم مشروع سيليكا بتخزين البيانات داخل الزّجاج نفسه، على عكس وسائط التّخزين الضّوئيّة الأخرى الّتي تكتب البيانات على سطح شيءٍ ما. على سبيل المثال، قطعةٌ زجاجيّةٌ بسمك (2 مم) يمكن أن تحتوي على أكثر من (100) طبقةٍ من الفوكسلات.
  • تشفّر البيانات في كلّ فوكسلٍ عن طريق تغيير قوّة واتّجاه نبضات اللّيزر المكثّفة الّتي تشوّه الزّجاج جسديًّا. تشبه هذه العمليّة إلى حدٍّ ما إنشاء جبالٍ جليديّةٍ مقلوبةٍ على مستوًى نانويٍّ، بأعماقٍ وأحجامٍ مختلفةٍ تجعلها متمايزةً.
  • تقرأ خوارزميّات التّعلّم الآليّ البيانات مرّةً أخرى عن طريق فكّ تشفير الصّور والأنماط الّتي تنشأ عند تسليط ضَوْءٍ مُستقطَبٍ على الزّجاج.
  • يمكن للخوارزميّات التّركيز بسرعةٍ على أيّ نقطةٍ داخل المربّع الزّجاجيّ، ممّا قد يقلّل من وقت التّأخير لاسترداد المعلومات، على عكس تخزين الشّريط، الّذي يستغرق وقتًا في تدوير الشّريط للوصول إلى المكان الّذي تريد إعادة قراءته.

الكتابة على الزّجاج ليست ذات سرعةٍ عاليةٍ، وذلك حسب تصريحٍ للباحث الرّئيسيّ في معهد أبحاث مايكروسوفت الدّكتور آنت روسترون (Ant Rowstron)، معلّقًا على قطعةٍ صغيرةٍ من الزّجاج تحوي نسخةً من نظام التّشغيل ويندوز (Windows 10 ISO) -ما يعادل حوالي (3.5) جيجابايت من البيانات- حيث استغرقت عمليّة الكتابة على الزّجاج ليلةً كاملةً. وهذا ليس بسريعٍ بالطّبع، ولكنّ مايكروسوفت تأمل في أن تتحسّن هذه التّقنيّة وتصبح أسرع بمرور الوقت، حيث أنّ مشروع سيليكا لا يزال في أيّامه اﻷولى.[3]

مميزات زجاج السيليكا

يتميّز زجاج السّيليكا بعددٍ من الخصائص البصريّة والميكانيكيّة والحراريّة الفريدة أبرزها:[6][4][1]

  1. درجةٌ عاليةٌ من المقاومة والنّقاوة الكيميائيّة.
  2. درجة حرارة تليينه عاليةٌ وأيضًا مقاومته الحراريّة.
  3. تمدّدٌ حراريٌّ منخفضٌ وأيضًا مقاومةٌ عاليةٌ للصّدمات الحراريّة.
  4. يتمتّع بشفافيةٍ عاليةٍ للنّطاق الطّيفيّ من الأشعّة فوق البنفسجيّة إلى الأشعّة تحت الحمراء.
  5. مقاومةٌ عاليةٌ للإشعاع.
  6. يمكن لزجاج السّيليكا الصّلب أن يتحمّل:
    • الغَمر بالمياه.
    • الغلي في الماء السّاخن.
    • الخَبز في الفرن.
    • التّسخين في الميكروويف.
    • التّجفيف.
    • التّنظيف بالصّوف الفولاذيّ.
    • إزالة الخواصّ المغناطيسيّة.

وغيرها من التّهديدات البيئيّة، الّتي يمكن أن تدمّر المحفوظات التّاريخيّة الّتي لا تقدّر بثمنٍ أو الكنوز الثّقافيّة، إذا ساءت الأمور. حيث يمكن لتقنيّة التّخزين هذه أن تستمرّ لمئات السّنين، وتتحمّل الفيضانات أو التّوهّجات الشّمسيّة، ولا تتطلّب الاحتفاظ بها في درجة حرارةٍ معيّنةٍ أو التّحديث المستمرّ.[4][1]

اختبار مشروع سيليكا

تعاونت شركتا مايكروسوفت ووارنر بروز (Warner Bros) في تخزين واسترداد فيلم «سوبرمان – Superman» الشّهير لعام (1978) بالكامل على قطعةٍ من الزّجاج، تقريبًا بحجمٍ أقلّ من كفّ يد إنسانٍ طبيعيٍّ، وبسمك (75 × 75 × 2) ملم3.[1]

شكل قطعة التّخزين
شكل قطعة التّخزين

قالت فيكي كولف (Vicky Colf) كبير مسؤولي التّكنولوجيا في شركة وارنر بروز:[1]

«كانت هذه [التّكنولوجيا] دائمًا كمنارةٍ لأملنا فيما اعتقدنا أنّه سيكون ممكنًا في يومٍ من الأيّام، لذلك عندما علمنا أنّ مايكروسوفت قد طوّرت هذه التّقنيّة القائمة على الزّجاج، أردنا تجربتها للإثبات».

أثناء تحميل قطعةٍ من الزّجاج في نظامٍ يستخدم البصريّات والذّكاء الاصطناعيّ لاسترداد وقراءة البيانات المخزّنة على الزّجاج.
أثناء تحميل قطعةٍ من الزّجاج في نظامٍ يستخدم البصريّات والذّكاء الاصطناعيّ لاسترداد وقراءة البيانات المخزّنة على الزّجاج.

قال مارك روسينوفيتش (Mark Russinovich) كبير مسؤولي التّكنولوجيا في آجور:[1]

«إنّ تخزين فيلم «سوبرمان» بالكامل في الزُّجاج، والقدرة على قراءته بنجاحٍ يعدّ إنجازًا رئيسيًّا. أنا لا أقول أنّ جميع الأسئلة قد أجيبت بشكلٍ كاملٍ، ولكن يبدو أنّنا الآن في مرحلةٍ نعمل فيها على التّحسين والتّجريب بدلًا من التّساؤل عن إمكانيّة تطوير التّقنيّة».

هل التخزين الزجاجي عالي التكلفة؟

من المفترض أن يصبح التّخزين الزّجاجيّ خيارًا منخفض التّكلفة، لأنّ البيانات تُكتب على الزّجاج مرّةً واحدةً فقط باستخدام ليزر الفيمتو ثانية -الّذي يصدر نبضاتٍ ضوئيّةً فائقة القصر، كالّتي تستخدم بشكلٍ شائعٍ في جراحة اللّيزك- الّذي يعمل على حدوث تغيّرٍ بشكلٍ دائمٍ في بِنْية الزّجاج، لذلك يمكن الاحتفاظ بالبيانات لعدّة قرونٍ. لكن على الرّغم من أنّ الآلات المطلوبة لكتابة البيانات على الزّجاج ضخمةٌ، تقول مايكروسوفت أنّ هذه التّقنيّة ستتضاءل بمرور الوقت، مع تحسّن سرعات القراءة والكتابة أيضًا.[3][1]

من المهمّ الإشارة أيضًا إلى أنّ طريقة تخزين البيانات هذه ليست مخصّصةً للمستهلكين، لكنّها فقط مخصّصةٌ للشّركات الكبرى الّتي تتطلّع إلى تخزين البيانات الأرشيفيّة، حيث تخزَّن البيانات بها مرّةً واحدةً، ونادرًا ما يُرجع إليها مرّةً أخرى. حيث لا تتوقّع مايكروسوفت أن تكون هذه التّقنيّة حلًّا ضمن حلول التّخزين داخل أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الهواتف.[3]

قال البروفيسور بيتر كازانسكي (Peter Kazansky) مخترع الابتكار والباحث الرّئيسيّ في جامعة ساوثهامبتون:[2]

«جذبت الإمكانيّات الهائلة في استخدام الزّجاج النّانويّ لتخزين البيانات الرّقميّة اهتمامًا عالميًّا، منذ عرضها لأوّل مرّةٍ في عام (2013)، بتسجيل (300) كيلوبايت لملفٍّ نصّيٍّ. وما نجده أمرًا مثيرًا للغاية، هو أن نصل إلى هذا الإنجاز الأخير الّذي يكشف كيف توسّعت قدرة التّكنولوجيا بشكلٍ كبيرٍ».

فيديو توضيحي

شرح كيفيّة التّوصّل لسعة التّخزين (360) تيرابايت.

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي