فيزياء الكم.. من الترابط الكمي إلى الحوسبة الكمية

quantum

|||

التراكب (الترابط) الكمي

لفهم مبدأ التراكب الكمي (superposition)، قام العالم النمساوي شرودنجر بتجربة فكرية شهيرة باسم (قطة شرودنجر) حيث شَبَّه الإكترون بقطة. تخيل أنه وضع القطة في صندوق به قنبلة بارود غير مستقرة باحتمال 50% أن تنفجر خلال دقيقة. قبل أن يفتح الصندوق ويرى حالة القطة، هو لا يعلم إذا ما كانت حية أم ميتة. إذا قام بتكرار هذه التجربة عدد كافي من المرات ففي نصف عدد المرات سيجد القطة حية وفي النصف الآخر ستكون القطة قد ماتت. بالمنطق الإنساني العادي، قبل أن يفتح العالم الصندوق ويكتشف حالة القطة، تكون القطة إما حية أو ميتة. لكن بمنطق ميكانيكا الكم، القطة قبل فتح الصندوق تكون في حالة تراكب بين الحياة والموت أي إنها حية بنسبة 50% وميتة بنسبة 50%، وقيامه بفتح الصندوق هو ما يُجبر الطبيعة على الاختيار. فمصير القطة مرتبط بنتيجة التجربة ومشاهدته للتجربة هي ما تلغي حالة التراكب وتُجبر النتيجة على الانحياز لأحد الخيارات وتحديد مصير القطة. (1)

قد لا يبدو هذا منطقيًا أبدًا في عالمنا ومشاهداتنا اليومية، لأن مبدأ الطبيعة المزدوجة للأجسام لا يكون واضحًا مع الأحجام والأوزان الكبيرة، ولكن لأجسام مثل الإلكترونات، هذا ما يفسر كل شيء.(2)

الحوسبة الكمية

تعمل الحواسيب التقليدية (الكلاسيكية) عن طريق تخزين البيانات على شكل رقم ثنائي (بت-bit) له قيمة محددة إما (0) أو (1) في قطع إلكترونية مثل الترانزستور، ويمكن تغيير هذه القيم بين ال(0) وال(1) عن طريق خوارزميات منطقية يطبقها برنامج موجود على الحاسوب. لكن الحواسيب الكمية تستخدم رقم كمي (كيوبت-qubit) يمكن أن يكون (0) أو (1) في نفس الوقت بنسب متفاوتة لإيجاده في كل حالة منهم -مثل قطة شرودنجر- وهذا ما يعطيها قدرتها الخارقة، ويمكن لكثير من الأجسام أن تلعب دور الكيوبت مثل الفوتون أو نواة ذرة أو الإلكترون.

إذا أخذنا الإلكترون كمثال، فبناءً على طبيعته المزدوجة، يصاحب كل إلكترون مجال مغناطيسي، فيمكن أن نعتبر الإلكترون قضيب مغناطيسي (bar magnet) صغير، بوضعه في مجال مغناطيسي سيتجه باتجاه التيار (أي تكون قيمة الكيوبت=0) ويمكن إجباره على الاتجاه عكس التيار (قيمته=1) ويمكن أن يكون في الحالتين معًا.

إلكترون في تراكب بين حالتين بقيمة تمثل إحتمالية إيجاده في كل حالة منهم.
شكل1: إلكترون في تراكب بين حالتين بقيمة تمثل إحتمالية إيجاده في كلٍ منهم.

لنفهم علاقة هذا بقدرة الحاسوب الخارقة؛ لنتخيل نظام مكون من إلكترونين يتفاعلان معًا. في الحالة التقليدية (الحاسوب الكلاسيكي) يمكن لرقمين ثنائيين (2 bits) التعبير عن 4 حالات للنظام، إذًا فبتحديد قيمة رقمين يمكن التعبير عن هذا النظام أي يُمكن تخزين رقمين.

نظام مكون من بتيْن(2 bits) كلاسيكيين
شكل2: نظام مكون من بتيْن كلاسيكيين (2 bits)

لكن في حالة الإلكترونات (qubit)، يمكن للنظام أن يكون في أحد الأربع حالات أو في خليط بينهم بنسبة لكلٍ منهم، إذًا فيمكن التعبير عن هذا النظام بتحديد قيمة 4 أرقام أي يُمكن تخزين 4 أرقام.(3)

نظام مكون من إلكترونين أي كيوبتيْن(2 qubits)
شكل3: نظام مكون من إلكترونين أي كيوبتيْن(2 qubits)

للتقريب يمكن أن نعتبر الكيوبت مثل كرة تخيلية، في حين أن الـ (بت-bit) الكلاسيكي يمكن أن يكون في حالة من حالتين فقط -أحد قطبي الكرة- يمكن للكيوبت أن يكون في أي مكان على الكرة. وهذا يعني أن الحاسوب باستخدام هذه الكيوبتات يمكنه استخدام كمية كبيرة من المعلومات باستخدام طاقة أقل من الحاسوب الكلاسيكي.(4)

أين يمكن أن تستخدم الحوسبة الكمية؟

شغلت الحوسبة الكمية الأذهان منذ أكثر من 50 عامًا؛ لأنها واعدة بأن تسهم في حل المشاكل التي يعجز الحاسوب التقليدي عن حلها مثل محاكاة التفاعلات الكيميائية لتطوير جزيئات ومواد جديدة، وعمليات التشفير، وتطوير آليات تعلم الآلة وعمليات التحسين (optimization) وإيجاد أفضل البدائل (optimal solution) بالذكاء الاصطناعي. (6)

كان الوصول إلى أجهزة الحواسيب الكمومية يقتصر على المتخصصين في عدد قليل من المختبرات في جميع أنحاء العالم. لكن التقدم على مدى السنوات العديدة الماضية أتاح بناء أول نظام نموذجي في العالم فأصبح من الممكن اختبار الأفكار والخوارزميات والتقنيات التي كانت حتى هذا الوقت نظرية، لكن يتطلب التقدم في هذا الأمر وجود مواد فائقة التوصيل (100 مرة أكثر برودةً من الفضاء الخارجي)، والتحكم الصارم في الحالات الكمومية (المتراكبة) الدقيقة وحماية المعالج من أي أشعة ضوء.(6)

حدود الحوسبة الكمية

لكن المشكلة في هذا النوع من الحوسبة يكمن في السبب الذي يميزه من الأساس، أي مبدأ الترابط الكمي. حيث أن كل حسابات الكيوبت تتم في حالة الترابط تلك وأي عملية قياس للنظام ينهار الترابط وتسكن الإلكترونات في حالة محددة غير متراكبة وتضيع المعلومات التي تم تخزينها، إذًا يجب على الحاسوب أن يستمر بطريقةٍ أو بأخرى في الحسابات دون إجراء أي عملية قياس حتى الوصول للناتج النهائي.(5)

لماذا لا تُعد الحوسبة الكمية بديلًا عن الحوسبة الكلاسيكية؟

الحوسبة الكمية ليست أسرع من الحوسبة الكلاسيكية في المطلق، فهي أسرع في أنواع معينة من العمليات الحسابية حيث يحتاج الوصول للحل النهائي إلى القيام بعمليات كثيرة على التوازي. لكن في العمليات العادية التي يقوم بها المستخدم التقليدي، فلن تعطي تقدمًا كبيرًا؛ أي أن الحوسبة الكمية لا تجعل كل عملية حسابية على أسرع على حدًا، لكنها تجعل عدد العمليات الحسابية المطلوبة للحصول على الحل أقل.(3)

إعداد: سارة سمير
مراجعة: محمد رضا
تدقيق: أمنية أحمد عبد العليم

المصادر:

  1. https://bigthink.com/scotty-hendricks/the-life-and-death-of-schrodingers-cat-and-what-it-really-means
  2. https://www.sciencealert.com/researchers-explain-why-quantum-behaviour-doesn-t-occur-in-everyday-life
  3. https://plus.maths.org/content/how-does-quantum-commuting-work
  4. https://www.wired.co.uk/article/quantum-computing-explained
  5. https://www.thoughtco.com/what-is-a-quantum-computer-2699359
  6. https://www.scientificamerican.com/article/quantum-computing1/
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي