التعدين في أعماق الحياة المائية

new-zealand-deep-sea-life-needs-better-protection-from-mining-study-shows

التعدين في أعماق الحياة المائية|التعدين في أعماق البحار|التعدين في أعماق البحار

تتزايد حاجات الإنسان ورغباته، ويتزايد معها وسائله لسد تلك الحاجات، ولا يخفى على أحد أن المعادن منذ آلاف السنين كادت في معظم الحضارات أن تكون العامل الأساسي لقيامها كما في العصر الحجري والبرونزي، والآن وبينما يصنف زماننا بعصر الثورة الصناعية حيث ارتفاع الطلب على المعادن للاستفادة منها في تطبيقات عالية التقنية مثل الهواتف الذكية، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة شرع الإنسان في استغلال المعادن في المناطق التي لم يمسسها من قبل على هذا الكوكب، كضفاف الأنهار وأعماق البحار.

فمتى شرع الإنسان في ذلك؟

كان التعدين في أعماق البحار في عين الاعتبار لسنوات عديدة، وخاصة منذ عام 2010، وذلك بعد تقديم الموافقة على العديد من العقود لاكتشاف المياة الدولية، فالاستكشاف قد يفسح المجال للاستغلال، ففي مايو 2018 أصدرت السلطة الدولية لقاع البحار أمرًا لدراسة رواسب البحار وإمكانية تعدينها لاستعادة عناصر الأرض النادرة (REEs أو معادن التكنولوجيا)، وتم تخصيص ما يزيد عن 1.5 مليون كم مربع من قاع البحر الدولي أي بحجم منغوليا تقريبًا، وذلك للتنقيب في المحيط الهادئ، والمحيط الهندي، وعلى طول سلسلة جبال الأطلس الوسطى والعديد من الأماكن الأخرى، ومن المتوقع أن يبدأ التعدين التجاري في المياه الوطنية في بابوا غينيا الجديدة بحلول عام 2020 ومن المتوقع أن يبدأ التعدين في عام 2025 في مواقع التعدين المحتملة أي في أعماق البحار ما بين 1000 و6000 متر تحت سطح المحيط، وغالبًا ما ستكون في الأنظمة الإيكولوجية (النظم البيئية) شديدة الاختطار، والنقاط الساخنة للتنوع البيولوجي.

الموارد المعدنية في أعماق البحار

توجد ثلاثة أنواع رئيسية من الموارد أو المعادن الرئيسية في أعماق البحار وهي: عقيدات المنجنيز، قشور الكوبالت، والكبريتيدات الضخمة،وفيما يلي سنتناول تلك الأنواع بشيء من التفصيل.

عقيدات المنجنيز

العقيدات المنجنيزية هي عبارة عن تكوينات من طبقات متحدة من الحديد وهيدروكسيدات المنجنيز حول النواة، تختلف أحجامها من المجهرية إلى عشرات السنتيمترات، وتنمو ببطء شديد بمعدلات 5-10 مم/مليون سنة، نصفهم مدفون في رواسب قاع البحار، على الرغم من أنه يمكن أيضًا العثور عليهم مدفونين في طبقات الرواسب العليا. وتختلف العقيدات في توزيعها، حيث تقتصر على مناطق ذات ترسيب منخفض جدًا عادة ما تكون على أعماق بين 4000 و6500م، وهي أكثر شيوعًا في المحيط الهادئ عنها في المحيطات الأخرى. ويمكنها تغطية ما يصل إلى 70٪ من قاع البحر. ولكي تكون العقيدات لها قيمة اقتصادية يجب أن تحدث بوفرة أكبر من 15 كجم/ متر مربع في مناطق تزيد عن عدة عشرات كم مربع.

قشور الكوبالت

تتكون القشور الكوبالتية على الأسطح الصخرية في المحيط عن طريق ترسيب المعادن من مياه البحر. تُشكل القشور طبقات تصل إلى 25 سم على الأسطح الصخرية ويمكن أن تمتد لعدة كيلومترات مربعة في أعماق مائية تتراوح من 400 إلى 4000 متر. وتُكون القشور السميكة والأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية على الحافات والسروج الخارجية لقمم الجبال البحرية في أعماق المياه التي تتراوح من 800 إلى 2500 متر.

الكبريتيدات المتعددة الفلزات

توزع الكبريتيدات المتعددة الفلزات في شكل رواسب محلية مترسبة في الينابيع الحارة في مراكز الانتشار البركاني (الحواف الوسط محيطية) لحدود الصفائح المحيطية في أعماق المياه من 500 إلى 5000 متر. وتتكون الينابيع الساخنة عندما يتم سحب مياه البحر إلى الشقوق والتشققات في قاع البحرحيث تُنتج تفاعلات بين الصخور والمياه في الأعماق تحت درجة حرارة عالية وضغط كبير من السوائل الحمضية الساخنة الغنية بكبريتيد الهيدروجين والمعادن الذائبة، وتترسب الكبريتيدات المعدنية عندما تصل هذه السوائل المرتفعة حراريًا إلى قاع البحر وتتفاعل مع مياه البحر وتشكل مداخن حرارية مائية.
إن التعدين بالنسبة لقشور الكوبالت وعقيدات المنجنيز سيختلف بشدة عن التعدين في الأرض؛ لأن المعادن تكمن في طبقات رقيقة جدًا في قاع البحر ومن ثَم فإن مناطق كبيرة ستحتاج إلى أن تكون ملغمة. والأمل في المناطق النائية من المحيطات ولا سيما منطقة كلاريون كليبرتون في وسط المحيط الهادئ والجبال البحرية في شمال غرب المحيط الهادئ. وسيكون تعدين الكبريتيدات المتعددة الفلزات أكثر قابلية للمقارنة بالتعدين على الأرض لأن الإيداعات ثلاثية الأبعاد.

الآثار المحتملة للتعدين في أعماق البحار

يحذر العلماء من أن التعدين في أعماق البحار قد يؤدي إلى خسارة في التنوع البيولوجي كبيرة وغير قابلة للتعويض؛ لأن مواقع التعدين كما ذكرنا غالبًا ما تكون في النظم البيئية شديدة الاختطار والنقاط الساخنة للتنوع البيولوجي، لذا يلزم إجراء تقييمات للأثر البيئي واستراتيجيات تنظيمية فعالة للحد من آثار التعدين في أعماق البحار وهناك أيضًا حاجة إلى دراسات أساسية شاملة لتحسين فهمنا للبحر العميق فالبحار العميقة لاتزال غير مفهومة لذا هناك العديد من الفجوات في فهمنا للتنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية وهذا يجعل من الصعب إجراء تقييم شامل للآثار المحتملة للتعدين في أعماق البحار ووضع ضمانات كافية لحماية البيئة البحرية.

استنادًا إلى المعرفة الحالية عن أعماق البحار، يمكن أن تؤثر أنشطة التعدين على التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية كالتالي:

اضطراب قاع البحر

يمكن أن يؤدي حفر قاع المحيط بواسطة الآلات إلى تدمير موائل أعماق البحار، مما يؤدي إلى فقدان الأنواع أو فقدان بنية النظام البيئي ووظيفته. فالعديد من الأنواع التي تعيش في أعماق البحار مستوطنة وهذا يعني أنها لا توجد في أي مكان آخر على كوكب الأرض ويمكن أن تؤدي الاضطرابات في موقع تعدين واحد فقط إلى القضاء على نوع كامل. هذا هو واحد من أكبر الآثار المحتملة من التعدين في أعماق البحار.

أعمدة الرواسب

بعض أشكال التعدين في أعماق البحار ستثير الرواسب الناعمة على قاع البحر المكون من الطمي والطين وبقايا الكائنات الدقيقة، مما يخلق أعمدة من الجسيمات المعلقة. ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكن لهذه الجسيمات أن تتناثر خارج منطقة التعدين، وكم من الوقت سيكفي لإعادة توطينها في قاع البحر، وإلى أي مدى قد تؤثر على النظم الإيكولوجية والأنواع، على سبيل المثال عن طريق خنق الحيوانات أو الإضرار بأنواع التغذية بالفلتر التي تعتمد على المياه النظيفة والواضحة مثل أسماك القرش والحيتان.

التلوث

يمكن أن تتأثر بعض الأنواع مثل الحيتان وأسماك القرش بالضوضاء والاهتزازات والتلوث الذي تسببه معدات التعدين والأوعية السطحية، فضلًا عن التسربات المحتملة كانسكاب الوقود والمنتجات السامة.

 

بشكلٍ أو بآخر سوف تؤثر هذه الأنشطة على النظم البيئية التي لم تتأثر بنفوذ الإنسان من قبل والكثير منها غير مفهوم بشكل جيد بسبب بُعدها وتعقيدها لكن فقدان الموائل سيكون أمرًا محتومًا.

التعدين في أعماق البحار
الآثار البيئية للتعدين في أعماق البحار
المصدر: https://seas-at-risk.org/images/Images/EU_marine_strategy_Blue_Growth/infographic_deep_sea_mining_SAR.jpg

 

ماذا يمكن أن يُفعل؟

  • إن الفهم الأفضل لأعماق البحار ضروري لتوجيه الاستراتيجيات وتطبيق اللوائح بشكل سليم من أجل الحد من الآثار البيئية لأنشطة التعدين.
  • هناك حاجة لدراسات أساسية شاملة لفهم الأنواع التي تعيش في أعماق البحار، وكيف تعيش، وكيف يمكن أن تتأثر بأنشطة التعدين.
  • تقييم الأثر البيئي حيث يلزم إجراء تقييمات بيئية عالية الجودة لتقييم النطاق الكامل ومدى ومدة الضرر البيئي الناجم عن عمليات التعدين في أعماق البحار. هذه التقييمات مطلوبة أيضًا لضمان أن ضياع التنوع البيولوجي نتيجة لعمليات التعدين يتم تفسيره بشكل صحيح في لوائح التعدين التي وضعتها السلطات، قبل الموافقة على أي قرار. وينبغي إدراج تكاليف البيئة البحرية في التقييمات المالية والاقتصادية التي تجريها شركات التعدين.
  • قد لا تكون التكنولوجيات الحالية كافية لتفادي إلحاق ضرر جسيم ودائم بالبيئة، بما في ذلك ضياع التنوع البيولوجي. سوف تحتاج استراتيجيات عمليات التعدين إلى إعطاء الأولوية لتفادي التأثيرات البيئية. ويجب أن يشمل ذلك إنشاء شبكات المناطق المحمية للحفاظ على أجزاء كبيرة من قاع البحر دون عوائق، فضلاً عن ضوابط صارمة ووقائية على المدى المسموح به ومدة عمليات التعدين. ويجب تحسين معدات التعدين للحد من اضطرابات قاع البحر.
  • تعزيز التنظيم حيث يعمل (ISA) لتعزيز تطوير المعادن في أعماق البحار مع ضمان أن هذا التطور لا يضر بالبيئة.
  • يجب تشجيع إصلاح وإعادة تدوير وإعادة استخدام المنتجات للمساعدة في تقليل الطلب على المواد الخام من أعماق البحار. كما يمكن أن يؤدي تحسين تصميم المنتج لاستخدام مواد أقل أو بديلة أيضًا إلى تقليل الطلب.

 

في النهاية، المخاطر والتحديات البيئية لا تنتهي! والجدير بالذكر أن جميع أشكال الحياة تستحق الحفاظ عليها.

https://vimeo.com/254977838

 

إعداد وترجمة: نورهان خالد
مراجعة علمية: أحمد فكرى
تدقيق لغوي: مريم سمير
تحرير: نسمة محمود
المصدر:

  1. Weaver PPE, Billett DSM, Van Dover CL. Environmental Risks of Deep-sea Mining. In: Salomon M, Markus T, editors. Handbook on Marine Environment Protection [Internet]. Cham: Springer International Publishing; 2018 [cited 2019 Feb 12]. p. 215–45. Available from: http://link.springer.com/10.1007/978-3-319-60156-4_11

 

  1. deep-sea_mining_issues_brief.pdf [Internet]. [cited 2019 Feb 12]. Available from: https://www.iucn.org/sites/dev/files/deep-sea_mining_issues_brief.pdf

 

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي