تعّمَل العواطِف (الانفعالات) عمل البوصلة في بيئة كل شخص، تارة تشير إلى ما قد يُهدِّد صفاء ذهنك ويجلب لك الحزن، وتارة تشير إلى ما قد يُشعرك بالسعادة. هذه البوصلة -في أغلب الأحيان- تكون غير معصومة من الخطأ. فمِن السهلِ نسبيًا أن توجِّهَك إلى الاتجاه الخاطئ؛ فينتهي بِكَ الأمر بِتجنُب موقف أو شخص ما، مما قد ينتهي بتراكم الضعوط، التي بدورها قد تسبب اختلال في التنظيم العاطفي للفرد على المدى البعيد.
كمثال بسيط: قد يحدث أن تشعر بالخوفِ من إِخْبَارٌ رئيسك في العمل أنك ارتكبت خطأ ما؛ فيتوَلَّد لديك دافع لتجنبه، لكن في نفس الوقت باستطاعة رئيسك أن يعلم بخطأك هذا من شخصِِ آخر، ويزداد خوفك على الترقية التي سعيت إليها لأشهر.
حالة الهلع تلك قد تُسبِب لَكَ الكثير من المشاكِل. وهكذا، عليك أن تعرف كيف ومتى تثق ببوصلتك العاطفية، وهذا ما سأكتُب عنه.
التنظيم الانفعالي (العاطفي)
هناك ما يُعرَف في علم النفس بـ (التنظيم الانفعالي – Emotional Regulation)، غالبًا ما تسمع عبارات مثل: «الرجال لا يبكون»، «لا تجعل قلبك يتحكَّم في قراراتك»… إلخ.
تلك العبارات تُبيِّن أن محاولات الضبط والتحكم في انفعالاتنا النفسية أصبحت جزء من حياة كل شخص. فضبط الانفعالات لديك قدّْ يهب لَكَ القوَّة؛ لأن سهولة معالجة انفعالاتك تُمَكِنَّك من التعامل السليم مع الأشخاص والتنقل في محيط بيئتك بسهولة.
وقدّْ أوضَحَ جايمس جروس -العالِم النفسي والأُستّاذ بجامعة ستانفورد ومدير مختبر علم النفس الفسيولوجي- في دراسة(1) له الأساليب التي نُحاول من خِلالها تنظيم الانفعالات واقّتَرَح خمسة أنماط:
1- اختيار الموقف (Selection of the situation): من الممكن أن تسعى في اتجاه الأشياء والمواقف التي سوف تقودك إلى معايشة تجارب انفعالية سارّة، وأن تتجنب الأشياء والمواقف التي سوف تقودك إلى معايشة تجربة انفعالية سيئة.
2- تعديل الموقف (Modification of the situation): بإمكانك التركيز على ما قد يسبب التجربة الانفعالية ثم محاولة تغييره أو تعديله لصالِحك.
3- تشتيت الانتباه (Deployment of attention): بإمكانك تركيز انتباهك بقوة على شيءِ آخر غير الموقف المحفز لانفعالك.
4- التغيير المعرفي (Change of cognition): ما يعنيه ذلك هو قدرة الشخص على تغيير تقييمه لشيء ما، مما يُمَكِّنه من تغيير أثره الانفعالي.
5- تعديل الاستجابة (Modulation of responses): وهو أكثر أشكال تنظيم الانفعالات استخدامًا في الحياة اليومية، وعادة ما يحدث متأخرًا وبعد انتهاء الموقف المحفز للانفعال. وقد يرِكْن الشخص إلى تعاطي المواد المؤثرة على الأعصاب، الكحول، التمارين الرياضية أو كبت تلك الانفعالات داخله. وبشكلِِ عام يتوقف نجاح الفرد في تنظيم انفعالاته على مدى وعيه بتلك الانفعالات والمحفزات الخارجية.
استخدام الكتابة كوسيلة للمداواة النفسية
من فوائد الكتابة أنها تُنمّي التفكير الانتقادي بشكل ملحوظ لدى الأشخاص، يقول دكتور جوردان بيترسون -أستاذ علم النفس السريري والمفكر الكندي الذي بزغ نجمه مؤخرًا- عن أهمية الكتابة:
«الكتابة هي أقوى سلاح قد يتسلَّح به الفرد، وأفضل طريقة قد يتعلَّم بها التفكير الانتقادي. فإذا كان بإمكان المرء التفكير، التحدُّث والكتابة فسيصبح ذو قوة وبأس شديدين وأكثر فاعلية في المجتمع»
ما أنا بصدد الكتابة عنه الآن هو كيفية استخدام الكتابة كوسيلة لزيادة كفاءة الأشخاص في تنظيم انفعالاتهم النفسية وللتخلص التدريجي من الضغوط النفسية والحياتية. رُغم أن استخدام الكتابة في العلاج النفسي حديث نسبيًا ولديه دعم امبريقي ضئيل إلا أن الدراسة(2) التي أجراها جاميه بينيباكر -عالم النفس الاجتماعي والدكتور بجامعة أوستن تكساس- خلال العقد الماضي كانت الأفضل بخصوص هذا الشأن، أوضح فيها بينيباكر الدَوْر الذي تلعبه الكتابة لتنظيم انفعالات الشخص المضطرب.
نتائج تلك الدراسات كانت مهمة جدًا على المستويين العلاجي والوقائي. وفي العموم، يساعدك الحديث على فهم وتنظيم أفكارك بشكل كبير مما قد يجعلها متكاملة، ويزيد أيضًا من قدرتك على التنبؤ بانفعالاتك وانفعالات الآخرين ومن ثم يزيد من قدرتك على التحكم في مشاعرك.
إلا أن التجارب العلاجية لهذه الدراسة -على الرغم من أنها كانت بسيطة وواضحة- قد أظهرت نتائج على المستوى الفيزيولوجي أيضًا.
كانت الإجراءات التجريبية كالآتي: حضر المتطوعون إلى المعمل، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين، طُلب من أفراد المجموعة الأولى أن يكتبوا عن بعض التجارب القاسية أو الأحداث الصادمة التي مروا بها ولن يتم سؤالهم عن أيّ منها ولن يطّلع عليها أحد، ثم طُلب من المجموعة الثانية الكتابة عن موضوعات لا تثير أي انفعالات نفسية، كوصف حجرات نومهم وما شابه.
كشفت نتائج الدراسة أنه مع مرور الوقت تحسّنت الصحة البدنية لدى أفراد المجموعة الأولى وكانوا أقل تردُدًا على العيادات بصورة جوهرية من أفراد المجموعة الثانية. وبمقارنة الأداء الدراسي للطلبة من أفراد المجموعة الأولى فقد تغيّر للأفضل وبوجه عام قد تحسنت حياتهم للأحسن في كثير من الجوانب كالعلاقات مثلًا. كانت الكتابة التي يمكن من خلالها استكشاف انفعالات الفرد وأفكاره حول تلك الانفعالات هي العنصر الحاسم في تلك الدراسات.
فسّر الدكتور بينيباكر التأثير الإيجابي للكتابة على الانفعالات بأن تحويل الصور الذهنية المرتبطة بانفعالات الفرد إلى كلمات يغير من تنظيم الفرد للأفكار والمشاعر، إذ يجعلها أكثر منطقية وتماسكًا -وهي مرتبطة بالنقطة التي أثارها بيترسون أن الكتابة تُنمي الحس النقدي للشخص- مما كانت عليه داخل ذهن الشخص قبل وضعها على هيئة كلمات على ورق.
ما تبيّن أنه كلما زاد عدد الكلمات الانفعالية (سواء السلبية أو الإيجابية) التي يستخدمها الفرد وهو يكتب عن انفعالاته؛ كان ناتج عملية الكتابة أحسن وتأثيرها أشمل.
فقيام الفرد بالكتابة عن انفعالاته ومحاولته لسرد إجابات للأسئلة التي تؤرقه يساعده كثيرًا في تنظيم واستيضاح تلك الإنفعالات مما يزيد من وعيه وتقديره لذاته. وتعتبر الكتابة في العموم إحدى إستراتيجيات المواجهة الفعّالة التي بإمكان الجميع استخدامها كوسيلة علاجية من الضغوط.
إعداد: محمود إبراهيم
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
تدقيق لغوي: مي محسن
المصادر:
- http://psycnet.apa.org/record/1998-10496-003
- https://www.psychologytoday.com/intl/blog/sweet-emotion/201408/emotion-regulation-what-is-it-and-why-does-it-matter
- http://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1111/j.1467-9280.1997.tb00403.x
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/2018200