التنمر الإلكتروني.. هل يؤدي إلى الانتحار حقًا؟

drawn-scar-physical-bullying-569683-1153310

نظرًا لتزايد عدد الأطفال الذين يستخدمون الهواتف المحمولة والأجهزة الرقمية الأخرى أكثر من أي وقت مضى في إرسال الرسائل النصية والدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمحادثات، يعد التنمر الإلكتروني مصدرَ قلقٍ متزايدٍ، ولكن هناك أشياء يمكن أن يفعلها الآباء لضمان بيئة آمنة لأطفالهم أثناء التواصل الاجتماعي على الانترنت.

كيف يختلف التنمر الإلكتروني عن التنمر التقليدي؟

بعد أن أصبح التنمر الإلكتروني قضيةً ملحة، لم يكن الخبراء متأكدين مما إذا كان نوعًا جديدًا تمامًا من التنمر، أم أن التنمر التقليدي قد اتخذ شكلًا جديدًا. خَلُصَ تقرير الأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب إلى أن التنمر الإلكتروني والتنمر التقليدي بينهما أمور متشابهة أكثر مما بينهما من اختلاف. ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات:

  • متى وأين: عادة ما يحدث التنمر وجهًا لوجه أثناء النهار، على سبيل المثال في المدرسة، ولكن يمكن أن يحدث التنمر الإلكتروني في أي مكان، في أي يوم من أيام الأسبوع وفي أي وقت من اليوم.
  • لا حاجة للإفصاح عن شخصية المتنمر: على الرغم من أن التنمر المجهول ليس شائعًا، سواء بشكل شخصي أو عبر الإنترنت، إلا أن التنمر الإلكتروني يمكنه أن يحدث دون معرفة من يقوم بإرسال الرسائل.
  • انتشاره واستمراريته وتناقله بين الأشخاص: يمكن أن تنتشر المشاركات المسيئة والمسببة للإحراج المنشورة أو المحرجة على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة عبر الإنترنت وهذا يمكن أن يزيد من الأذى النفسي أو الإحراج الناتج عن تجربة التنمر.

تمامًا مثل التنمر التقليدي، يمكن للأطفال تجربة التنمر الإلكتروني بطرق مختلفة، والأدوار قد تتغير أحيانًا في موقف ما، فقد يتورط الطفل في التنمر الإلكتروني بعدة طرق، يمكن أن يتعرض الطفل للتنمر، أو يتنمر على الآخرين، أو يكون شاهدًا على واقعة تنمر.

التنمر التقليدي، يُعرّف بأنه سلوك عدواني أو «فعل ضار» مقصود من قبل شخص واحد أو مجموعة، ويتم بشكل عام بشكل متكرر بمرور الوقت، وينطوي على فرق في القوة بين الطرفين، ويمكن أن ينطوي التنمر على عدوان مباشر أو غير مباشر، حيث يتضمن العنف الجسدي (الضرب والركل وأخذ الأشياء بالقوة) والعنف اللفظي (التهكم والإغاظة والتهديد) وهذا قد يشمل عادة على أفعال أكثر خداعًا وتلاعبًا (مثل الابتزاز، النبذ أو إخافة شخص آخر).

يتم تعريف التنمر الإلكتروني بأنه إيذاءٌ متعمدٌ ومتكررٌ من خلال استخدام أجهزة الحاسوب، والهواتف المحمولة، والأجهزة الإلكترونية الأخرى، وهذا التعريف مفيد بسبب بساطته ولأنه يجسد أهم العناصر، والتي تشمل: «متعمد» (يجب أن يكون السلوك مقصودًا وليس عرضيًا)، «متكرر» (يعكس التنمر نمطًا من السلوك، وليس مجرد حادثة منفردة واحدة)، «الضرر» (يجب أن يدرك الهدف أن الضرر قد وقع)، و«أجهزة الحاسوب، والهواتف المحمولة، والأجهزة الإلكترونية الأخرى» (وهذا ما يفرِّق التنمر الإلكتروني عن التنمر التقليدي). ويتضمن التنمر الإلكتروني بشكل عام إرسال رسائل مضايقات أو تهديدات (عبر الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني)، ونشر تعليقات ازدرائية وتحقيرية حول شخص ما على موقع ويب أو على شبكات التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك أو تويتر) أو الألعاب متعددة اللاعبين عبر الإنترنت، أو إخافة شخص ما أو تهديده جسديًا.

بعض أمثلة التنمر الإلكتروني

  • إرسال رسائل مسيئة إلى شخص ما.
  • مشاركة ونشر صور محرجة لشخص ما.
  • تلفيق قصص غير حقيقية ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة عن شخص ما.
  • إخبار الآخرين بتجاهل شخص ما أو استبعاده من المشاركة معهم في بعض الأنشطة.

هل التنمر الالكتروني مؤذٍ؟

كان التنمر -لعدة أجيالٍ- يعد طقسًا من الطقوس الطبيعية للمرور بمرحلة الطفولة، لكن الأبحاث الآن تظهر كيف أن التنمر يمكن أن يكون ضارًا للأطفال الذين يتعرضون للتنمر وإلى أولئك الذين يمارسون التنمر على الآخرين، وتشمل بعض الآثار السلبية للتنمر على:

  • صعوبات أكاديمية: فالأطفال الذين يتعرضون للتنمر قد يتجنبون الذهاب إلى المدرسة، أو يواجهون مشكلة في التركيز في الفصل، أو حتى ترك المدرسة.
  • مشاكل صحية بدنية ونفسية: يزيد التنمر من مخاطر إصابة الأطفال بالاكتئاب والقلق ومشاكل النوم، تشير الدراسات إلى أنه قد يزيد أيضًا من فرص إدمانهم للمواد المخدرة والكحول في وقت لاحق من الحياة.

وقد أظهرت الدراسات التجريبية وبعض الحالات البارزة وجود صلة بين التفكير في الانتحار والمرور بتجارب التنمر وإساءة المعاملة.

خضعت عينةٌ عشوائيةٌ عام (2007) مكونة من (1963) طالبًا من طلاب المدارس المتوسطة في إحدى أكبر المناطق التعليمية في الولايات المتحدة لدراسة استقصائية عن استخدام الإنترنت، وخَلُصَتْ الدراسةُ إلى أن الطلاب الذين تورطوا في التنمر التقليدي أو التنمر الإلكتروني، سواء كانوا مرتكبين أو ضحايا، كانت لديهم أفكارٌ انتحاريةٌ أكثر وكانوا أكثر عرضة لمحاولة الانتحار من أولئك الذين لم يختبروا مثل هذه الأنواع من الاعتداءات من أقرانهم، ووفرت النتائج دليلًا إضافيًا على أن اعتداء الأقران المراهقين على زملائهم يجب أن يؤخذ على محمل الجد في المدرسة والمنزل، ويقترح أن يكون عنصر الوقاية من الانتحار والتدخل لمنع ذلك أمرًا ضروريًا ضمن برامج الاستجابة الشاملة المطبقة في المدارس.

وقد تعززت صلاحية هذه الروابط من خلال الأبحاث التي تظهر كيف أن التعرض للتنمر من الأقران (في الغالب كضحية ولكن أيضًا كمرتكب) تسهم في الاكتئاب، وتقلل من قيمة الذات، واليأس، والشعور بالوحدة -وكلها بوادر للأفكار الانتحارية والسلوك الانتحاري- وافترض بعض الباحثين بالإضافة إلى ذلك أن العديد من المتنمرين كانوا في السابق ضحايا، وبالتالي يعانون من مشكلات نفسية ونفس-جسدية تؤدي إلى مخاطر انتحارية.

وتطورت طبيعة الاعتداء بين المراهقين في السنوات الأخيرة بسبب انتشار وتزايد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكانت هناك العديد من الحالات البارزة التي أنهى فيها المراهقون حياتهم بسبب تعرضهم للمضايقات والتنمر الإلكتروني.

ما هي العلامات التحذيرية التي تشير إلى تعرض الطفل للتنمر الإلكتروني أو أنه يمارسه ضد طفل آخر؟

  • زيادة أو قلة استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل ملحوظ بما في ذلك الرسائل النصية.
  • إظهار الأطفال لبعض الاستجابات العاطفية (الضحك، والغضب، والضيق) تجاوبًا مع ما يحدث على أجهزتهم.
  • إخفاء الطفل الشاشة أو الجهاز عندما يقترب منه الآخرون وتجنب مناقشة ما يفعله أثناء استخدامه لجهازه.
  • إيقاف حسابات وسائل التواصل الاجتماعي فجأة أو ظهور حسابات جديدة.
  • البدء في تجنب المواقف الاجتماعية، حتى تلك التي كانوا يتمتعون بها في الماضي.
  • انعزال الطفل وظهور علامات الاكتئاب عليه، أو فقد الاهتمام بالتواصل مع الآخرين وتجنب الأنشطة التي كان يمارسها من قبل.

ماذا يجب علي أن أفعل إذا تورط طفلي في التنمر الإلكتروني؟

قد لا يكون الأهل والمعلمون وغيرهم من البالغين على دراية بجميع الوسائط الرقمية والتطبيقات التي يستخدمها الطفل، حيث كلما زاد عدد المنصات الرقمية التي يستخدمها الطفل؛ زادت الفرص المتاحة للتعرض للتنمر الإلكتروني المحتمل.

إذا لاحظت علامات تحذير تشير إلى تورط طفل في التنمر الإلكتروني، فخذ خطوات لاستقصاء السلوك الإلكتروني لهذا الطفل، إن التنمر الالكتروني هو شكل من أشكال التنمر، ولذلك يجب على الراشدين اتباع نفس النهج للتصدي له: دعم الطفل الذي يتعرض للمضايقات، والتصدي لسلوك الطفل المتنمر، وأظهِرْ للأطفال أن التنمر الإلكتروني يتم التعامل معه بجدية ويؤخذ على محمل الجد. ولكن نظرًا لأن التنمر الإلكتروني يحدث عبر الإنترنت، فإن الرد عليه يتطلب أساليبًا مختلفة. إذا كنت تعتقد أن أحد الأطفال متورطٌ في التنمر الإلكتروني؛ فهناك العديد من الأشياء التي يمكنك القيام بها وهذه بعض النصائح التي قد تساعدك:

  • الملاحظة: لاحظ ما إذا كان هناك تغيير في مزاج أو سلوك الطفل وحاول استكشاف السبب المحتمل لهذا التغير، حاول تحديد ما إذا كانت هذه التغيرات لها علاقة باستخدام الطفل لأجهزته الرقمية.
  • الحرمان من الأجهزة الإلكترونية: لا تهدد طفلك بحرمانه من جهازه الإلكتروني أو تقليل الوقت الذي يقضيه عبر الإنترنت، قد يرون ذلك نوعًا من أنواع العقاب ويكونون أقل رغبة في إخبارك عن حالات التنمر في المستقبل.
  • التحدث معهم: اطرح أسئلة لمعرفة ما يحدث، وكيف بدأ، ومن يشارك به.
  • التوثيق: إذا كان هناك دليل، فقم بأخذ لقطات من المشاركات أو المحتوى الضار واحتفظ بسجل لما يحدث، قد يكون هذا مفيدًا إذا أصبح من الضروري الإبلاغ عن الحدث، وتشير معظم القوانين والسياسات إلى أن التنمر سلوك متكرر، لذا تساعد السجلات على توثيقه.
  • الدعم: تحدث مع طفلك عن هذه التجربة، حيث تشير الدراسات إلى أن وجود شخص واحد على الأقل يستمع إلى الأطفال الذين تعرضوا للمضايقات يساعدهم على التعامل مع الوضع بطريقة صحية، كما يمكن للأقران والمعلمين والبالغين الموثوق بهم أن يتدخلوا بشكل علني في بعض الأحيان للتأثير إيجابًا على موقف ينشر فيه محتوى سلبي أو مؤذي عن طفل ما، ويمكن أن يشمل التدخل العام نشر تعليقات إيجابية حول الشخص المستهدف بالتنمر لمحاولة تغيير المحادثة في اتجاه إيجابي، وقد يكون من المفيد أيضًا أن تحاول التواصل مع الطفل المتنمر والطفل الواقع هدفًا للتنمر وتعبر لهم عن مخاوفك، وحاول إن أمكن تحديد ما إذا كان هناك حاجة إلى دعم أكثر احترافية للمتورطين، مثل التحدث مع مستشار متخصص في الصحة النفسية.
  • الإبلاغ: معظم منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمدارس لديها سياسات واضحة وطرق معلنة للإبلاغ عن السلوكيات والمحتويات المؤذية، إذا كان زميل الفصل يتنمر، يمكنك الإبلاغ عنه إلى المدرسة، ويمكنك أيضًا الاتصال بالتطبيق أو وسائط التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن المحتوى المسيء وإزالته، وإذا كان التنمر ينطوي على تهديدات بالضرر البدني، أو إذا حدثت جريمة محتملة أو سلوك غير قانوني فيمكنك التفكير في إبلاغ الشرطة.
  • اعثر على الدعم الخاص بك أنت أيضًا: يمكن أن تكون تجربة التنمر التي يمر بها الطفل مرهقة بالنسبة لأحد الوالدين، حيث يجب على الآباء التفكير في العثور على شخص ما للتحدث معه للحصول على الدعم.
  • البحث عن المصادر التي تتحدث عن التنمر وكيفية مواجهته.

كيف يمكن للوالدين الحد من التنمر الإلكتروني؟

  • ناقش المواطنة الرقمية -معيار السلوك بخصوص استخدام التكنولوجيا- تحدث مع أطفالك حول الاحترام عبر الإنترنت وكيف يمكن أن تؤذي الرسائل السلبية الآخرين، وتذكر أنك نموذج يحتذى به، لذلك إذا كنت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بنفسك، فتأكد من كونك مثالًا يحتذى به في التفاعلات الإيجابية عبر الإنترنت.
  • اسأل أطفالك عن نوع الرسائل التي يشاهدونها، ويرسلونها، ويتلقونها، وكيف يشعرون تجاهها، حيث تُعدّ التجارب المبكرة التي يخوضها طفلك عبر الإنترنت مهمة ويمكنها تحديد الأسلوب والتوقعات المقدم عليها الطفل.
  • ضع خطة تحدد من خلالها الإرشادات والقواعد المهمة لعائلتك خلال استخدامها للوسائط الإلكترونية.

خطوات يجب اتخاذها على الفور

  • لا تقم بالرد على رسائل التنمر الإلكتروني ولا تقم بإعادة إرسالها.
  • احتفظ بدليل على التنمر الإلكتروني، قم بتسجيل التواريخ، والأوقات، والأوصاف الخاصة بالرسائل عند حدوث التنمر، واحفظ واطبع لقطات الشاشة ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية، واستخدم هذه الأدلة للإبلاغ عن التنمر الإلكتروني لمقدمي خدمات الويب والهاتف الخليوي.
  • قم بحظر الشخص الذي يتسبب في التنمر الإلكتروني.

أخيرًا، يجب عليك أن تعرف أنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الرقمية، فإن التعليقات والصور والمشاركات والمحتوى الذي يتم نشره بين الأفراد يمكن أن يطلع عليها الغرباء بالإضافة إلى المعارف أيضًا، وأن المحتوى الذي يشاركه الفرد عبر الإنترنت -سواء كان محتوى شخصيًا أو أي محتوى سلبي أو دنيء ​​أو مؤذي- يُنشئ نوعًا من السجل العام الدائم لآرائه وأنشطته وسلوكه، ويمكن اعتبار هذا السجل العام بمثابة سمعة على الإنترنت، والتي قد تكون متاحة للمدارس وأصحاب العمل والكليات والنوادي وغيرها من الأشخاص الذين قد يبحثون عن الفرد الآن أو في المستقبل، ويمكن أن يؤدي التنمر الإلكتروني إلى الإضرار بسمعة جميع الأشخاص المتورطين فيه -وليس فقط الشخص الذي يتعرض للتنمر، بل الأشخاص الذين يقومون به أو يشاركون فيه.

إعداد: حسناء الدباوي

مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح

مراجعة لغويّة: Matalgah Hamzeh

المصادر:

  1. StopBullying.gov. (2018). What Is Cyberbullying. [online] Available at: https://www.stopbullying.gov/cyberbullying/what-is-it/
  2. HealthyChildren.org. (2018). Cyberbullying. [online] Available at: https://www.healthychildren.org/English/family-life/Media/Pages/Cyberbullying.aspx
  3. StopBullying.gov. (2018). Prevent Cyberbullying. [online] Available at: https://www.stopbullying.gov/cyberbullying/prevention/index.html
  4. StopBullying.gov. (2018). Report Cyberbullying. [online] Available at: https://www.stopbullying.gov/cyberbullying/how-to-report/index.html
  5. Pdfs.semanticscholar.org. (2018). [online] Available at: https://pdfs.semanticscholar.org/7a31/16377b5654dc1f8362dee85b7845f07b5850.pdf
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي