يعيش العالم الآن في خطة طوارئ لم تكن في الحسبان، تأثرت بها كل دول العالم وتحولت الخطة من تحقيق الاستدامة إلى إنقاذ عاجل للأرواح، وشهد العالم تعاونًا في الجهود العالمية لمواجهة فيروس كورونا. وكان قد شهد العالم تعاونًا مماثلًا لتحقيق أهداف (التنمية المستدامة-SDGs) والتي كان شعارها 17 هدفًا لتحويل عالمنا. فهل ستتراجع جهود التنمية المستدامة جراء فيروس كورونا أم ستستفيد من هذه الأزمة ويكون الوباء بمثابة تنبيه مثالي في سبيل تحقيق شامل وعميق لأهداف التنمية المستدامة؟
التأثير السلبي لفيروس كورونا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة
يمثل (فيروس كورونا – COVID-19) أزمة لم يشهد العالم لها مثيلًا من قبل في العقود الأخيرة؛ من حيث آثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. مما قد يؤدي إلى انتكاسات لجهود التنمية المستدامة خلال السنوات السابقة، حيث يقود العالم إلى أزمة ركود عالمي كبرى تهدد نجاح أهداف التنمية المستدامة، وبينما يصعب التنبّؤ بالأثر الاقتصادي الكامل للأزمة، إلا أنَّ التقديرات الأولية تضعه عند 2 تريليون دولار.1
وقد كشف الوباء عن نقاط ضعف أساسية في النظام العالمي، وأظهر كيف أنَّ انتشار الفقر وعدم المساواة وضعف النظم الصحيَّة ونقص التعليم ونقص التعاون العالمي يؤدي إلى تفاقم الأزمة. كما أنَّ تفاقم أزمة فيروس كورونا في نفس الوقت تزيد من حدة الفقر وعدم المساواة وضعف النظم الصحيَّة والتعليميَّة، والذي سبّب تراجع في جهود خطة التنمية المستدامة 2030 والتي تشمل 17 هدفًا وشعارها «17 هدفًا لتحويل عالمنا» وسنتناول من هذه الأهداف فقط: القضاء على الفقر (SDG 1)، القضاء التام على الجوع (SDG 2)، العمل اللائق والنمو الاقتصادي (SDG 8). وذلك لما كان لفيروس كورونا من تأثير سريع ومباشر عليها.
الهدف (1): القضاء على الفقر
سوف تشهد معظم الأسر الآثار الناتجة عن التدابير التي اتُخذت لمواجهة فيروس كورونا؛ حيث فقدان الأفراد لوظائفهم وتعطل الخدمات التعليميَّة والصحيَّة وارتفاع في الأسعار وغيرها من الآثار السلبية، ولكنها ستكون أشد وطئًا وعمقًا على الفقراء؛ حيث يعمل الفقراء غالبًا في الأعمال الحرة أو في القطاع غير الرسمي، وكان وقع آثار فيروس كورونا أشد ما يكون على هؤلاء العاملين في القطاع غير الرسمي. كما أنَّ لتعطل معظم الخدمات العامة كالصحة والتعليم آثاره المدمرة على الفقراء؛ لاعتمادهم الأكبر على الخدمات العامة، فقد تسبّب إغلاق المدارس في بعض البلاد في نقص الغذاء الذي يصل إلى أطفال الأسر الفقيرة الذين يعتمدون على برامج التغذية المدرسية. كما أنَّ قدرة الحكومات على توفير مساندة سريعة لدخول الأسر المتضررة في المناطق الفقيرة محدودة. كما أنَّهم أكثر عرضة للإصابة بسبب الظروف التي يعيشون فيها -أعداد كبيرة تحت سقف صغير واحد- فتزداد فرص الإصابة بـ COVID-19 بسبب عدم قدرتهم على الحفاظ على البعد الاجتماعي.
فقد ينجرف حوالي 40-60 مليون شخص إلى الفقر المدقع خلال عام 2020، وذلك وفقًا للتقرير الذي نشره (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية – أونكتاد) في 13 مايو 2020. فهذه الزيادة غير المسبوقة في الفقر العالمي لم تُشهد منذ عام 1998 عندما شهد العالم الآثار اللاحقة للأزمة المالية الآسيوية.2 وبالنظر إلى المنطقة العربية فمن المتوقع أن يقع 8.3 مليون شخص إضافي في الفقر المدقع.6
الهدف (2): القضاء على الجوع
دائمًا ما يكون السبب في ارتفاع معدلات الجوع والفقر مزيج من: الحروب، والكوارث الطبيعية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، ثم يأتي (كوفيد-19- Covid-19) ليجعل الموقف أكثر سوءً وكارثية، يمكن للأزمة أن تتسبّب في تجويع عشرات الملايين من الناس، فحسب تقديرات (منظمة الأغذية والزراعة – فاو)، إنه سوف ينضم ملايين الأشخاص إلى صفوف من يعانون من الجوع نتيجة للركود الناتج عن فيروس كورونا. وسيختلف هذا العدد حسب شدة الركود الاقتصادي، فسوف تتراوح الأعداد بين 14.4 مليون و 38.2 مليون شخص، أو حتى من الممكن أن تصل إلى 80.3 مليون في حالة بلغ هذا الركود 10%. وأولئك الذين سوف يعانون من سوء التغذية في الفترة القادمة سيضافون إلى 820 مليونًا يعانون بالفعل من الجوع، وتبعًا لذلك يبدو أنَّ الهدف المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030 الذي وضعه المجتمع الدولي لنفسه أصبح غير قابل للتحقق.3
فقد ساهم الانكماش الاقتصادي في فقدان عدد كبير من الأشخاص حول العالم لأموالهم وتقلص دخلهم. كما أدى انخفاض قيمة العملة في الدول النامية التي تعتمد على السياحة أو انخفاض قيمة السلع الأساسية مثل النفط إلى تفاقم هذه المشاكل؛ مما جعل الغذاء المستورد أكثر تكلفة. فمثلًا تنفق المنطقة العربية حوالى 110 مليارات دولار على الواردات الغذائية، أي حوالي 4% من ناتجها المحلي الإجمالي. وتأتي أكثر من 50% من الأغذية المستهلكة في المنطقة العربية من الأغذية المستوردة، فقد تسجل المنطقة العربية نقصًا في الأمن الغذائي بسبب تعطل الإمدادات الغذائية العالمية وسيؤدي هذا الوضع إلى انخفاض الصادرات الغذائية بسبب إفراط البلدان المنتجة للأغذية في تخزين منتجاتها الغذائية. وسيؤثر ذلك على الأمن الغذائي في العديد من البلدان العربية بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية، ولا سيما الأغذية الأساسية والغنية بالبروتينات.6
الهدف (3): العمل اللائق والنمو الاقتصادي
كان لعمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي للتخفيف من تأثير الوباء نتائجه على القطاعات الاقتصادية، حيث تأثر سوق العمل كثيرًا؛ فانخفضت ساعات العمل بنسبة 10.7% في العالم ويتجسد هذا الانخفاض في خسارة 305 مليون وظيفة في العالم؛ وذلك وفقًا لآخر تقارير منظمة العمل الدولية.
وبالنسبة للمنطقة العربية فمن المقدّر لها أن تخسر حوالي 1.7 مليون وظيفة على الأقل، وقد شهدت البلدان التي تعتمد بدرجة أكبر على قطاع الخدمات والقطاع غير الرسمي حيث الضمانات الضعيفة ضد إنهاء التوظيف خسائر أولية في الوظائف أعلى بكثير، حيث انخفض متوسط الدخل في الاقتصاد غير المنظم بنسبة 60% في الشهر الأول من انتشار الوباء، كما من بين الشباب الذين كانوا يعملون قبل الوباء فأصبح واحدًا من كل ستة منهم بدون عمل، وانخفضت ساعات عمل الآخرين بنسبة 23%، أما بالنسبة للشباب الذين يخرجون من التعليم إلى سوق العمل هذه السنة يتمثل الخطر في أنهم سيقابلون أسواق عمل مضطربة بسبب كورونا. أما بالنسبة للقطاعات الأشد تأثرًا بجائحة كورونا وهي؛ تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح السيارات، والتصنيع، وخدمات الإقامة والغذاء، والأنشطة العقارية، وأنشطة الأعمال والأنشطة الإدارية فيوجد فيها وحدها ما لا يقل عن 436 مليون منشأة معرضة لمخاطر جسيمة وذلك وفقًا لآخر تقارير منظمة العمل الدولية. سيكون لهذه الآثار الصعبة على الشركات والوظائف والدخول آثار متتالية على الحالة الصحية والاقتصادية للعمال وتفاقم الفقر وعدم المساواة القائم مما يؤدي إلى توترات اجتماعية يمكن أن تهدم التنمية والسلام والتماسك الاجتماعي.4
أما بالنسبة للنمو الاقتصادي فكما ذكرنا من قبل أنَّ فيروس كورونا يقود العالم إلى أزمة ركود عالمية كبرى تهدد نجاح أهداف التنمية المستدامة، فإن التوقعات الأخيرة الصادرة عن البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تشير إلى ركود اقتصادي يتراوح بين 5% و 8% في أكبر ركود شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية. كما قدّر صندوق النقد الدولي أن يرتفع متوسط معدلات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 4.69% إلى 3.85% خلال العام، حيث يبلغ هذا الارتفاع مستويات أعلى بكثير في العديد من البلدان. وتتمثل أفضل وأسوأ سيناريوهات منظمة التجارة العالمية في انخفاض حجم التجارة العالمية بنسبة 13% في السيناريو الأفضل و32% في السيناريو الأسوأ.5
لقد نبهت أزمة كورونا العالم إلى ضرورة التعاون المشترك لإنقاذ الكوكب وبناء عالم أكثر عدلًا وأكثر أمانًا. وكشفت عن الضعف الموجود في النظم الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية حيث كان سببًا في تفاقم أزمة كورونا؛ فقد تمكّنت بعض الحكومات والشركات والمجتمع المدني في أقصر وقت ممكن من جمع المليارات لدعم الجهود المبذولة لمكافحة هذا الوباء. فإذا قمنا بتوجيه نفس هذا المستوى من الأهمية والإلحاح لمكافحة الفقر والجوع وتغير المناخ وغيرها من أهداف التنمية المستدامة فسوف نحقق النجاح بشأن هذه الأهداف، وتحقيقها سوف يضعنا على أساس متين ومسار ثابت للتعامل مع المخاطر العالمية، فلا يمكن فصل الجهود المبذولة لمواجهة الوباء عن الإجراءات المتخذة في أهداف التنمية المستدامة لأنها بشكل ما خطة جيدة لاجتياز هذه الأزمة وتخفيف آثارها طويلة المدى وكذلك تجنب حدوث مثل هذه الأوبئة في المستقبل.