كانت الثورة الروسية الثانية عبارةً عن حركتين ثوريتين كبيرتين، نجحت الأولى في الإطاحةِ بالحكومة الإمبراطورية في فبراير، وتبعتها الموجة الثانية في أكتوبر التي أسلمت للبلاشفة مقاليد السلطة.
بالوصول إلى العام 1917، كانت الأواصر التي تربط القيصر بالشعب الروسي قد تآكلت بفعل الفساد الحكومي وعدم الكفاءة المتفشية. أدَّت سياسات القيصر الرجعية، بما في ذلك حل البرلمان الروسي (مجلس الدوما)، الذي كان واحدًا من أهم ثمار ثورة 1905 أكثر من مرة، إلى انتشار السخط حتى بين العناصر المحايدة. كما ازداد استياء الأقليات العرقية في الإمبراطورية الروسية بشكلٍ كبيرٍ في ظل الهيمنة الروسية.
ومع ذلك، كان أداء الحكومة المخزي في أحداث الحرب العالمية الأولى بمثابة الرهان الأخير الذي خسرته السلطة الروسية، فقد عانت الجيوش الروسية، التي لم تكن مجهزةً تجهيزًا جيدًا من سوءِ القيادةِ الذي كبَّدَها خسائرَ فادحةٍ أمام الجيش الألماني. هنا أصبح لا بد من قيام الثورة، حيث لم تعد جيوش روسيا العسكرية منافسًا قويًا لدول أوروبا الوسطى والغربية، مما أدَّى أيضًا إلى تعطيل الاقتصاد بشكلٍ مُحبِط وميؤوسٍ منه.
اندلعت أعمال الشغب في العاصمة بيتروغراد (سانت بطرسبرغ سابقًا) بسبب ندرة الغذاء في 24 فبراير، وعندما انضم معظم حامية بتروغراد إلى الثورة، اضطر القيصر نيكولاس الثاني للتنازل عن العرش في 2 مارس إلى شقيقه الدوق الأكبر مايكل، الذي رفض العرش وبالتالي كُتبَت نهاية أكثر من 300 سنة من حكم أسرة رومانوف.
شَكَّلَت لجنةٌ من مجلس الدوما حكومةً مؤقتة لتخلف الحكومة الاستبدادية، لكنها واجهت مشكلةً مع مجلس نواب العمال والجنود السوفييت في بتروغراد الذين تم اختيارهم (2500 مندوب) من المصانع والوحدات العسكرية من بتروغراد ومن حولها.
بالرغم من أن الحكومة المؤقتة كانت تسعى إلى مواصلة مشاركة روسيا في الحرب الأوروبية، إلا أن سرعان ما أثبت السوفييت أن حدود السلطة التي يتمتعون بها كانت أكبر وفي 14 مارس، أصدر السوفييت أمرههم الشهير رقم 1، الذي وجَّه الجيش بالالتزام فقط بأوامرهم لا بأوامر الحكومة المؤقتة، وكان كل ما منع سوفييت بتروغراد من إعلان أنهم السلطة الحقيقية في روسيا هو الخوف من إثارة بلبلة أو قيام انقلاب، ولم تتمكن الحكومة المؤقتة من التصدي لهذا الأمر.
في الفترة ما بين مارس وأكتوبر، تم إعادة تشكيل الحكومة المؤقتة أربع مرات. فكانت الحكومة الأولى تتألف بالكامل من وزراء ليبراليين، باستثناء الوزير الثوري الاشتراكي ألكسندر كيرنسكي، أما فيما بعد كانت الحكومات التالية في الأغلب تحالفات. غير أن أيًّا منها لم يتمكن من التصدي على النحو الملائم للمشاكل الرئيسية التي تعاني منها البلد مثل مصادرة أراضي الفلاحين، وحركات الاستقلال الوطنية في المناطق غير الروسية، وانهيار الروح المعنوية للجيش في الجبهة.
في الوقت نفسه، كانت المجالس المقامة على النموذج البتروغرادي في المدن والمدن الرئيسية وفي الجيش على اتصال أوثق مع مشاعر الشعب بالمقارنة بالحكومة المؤقتة. في هذه المجالس (Soviets)، كانت الأجواء الانهزامية التي تميل إلى الانسحاب الروسي من الحرب تحت أي شروط تقريبًا آخذةً في الازدياد لأسباب مختلفة. ربما كانت سيطرة الاشتراكيين المتطرفين بشكلٍ متزايد على الحركة السوفيتية في هذا الوقت أحد الأسباب. في أول مؤتمر سوفيتي مُكوَّن من أعضاء روسيين فقط، عقد في 3 يونيو (16 يونيو)، كان الثوريون الاشتراكيون أكبر كتلة واحدة، يليها المناشفة والبلاشفة.
أصبح ألكسندر كيرنسكي رئيسًا للحكومة المؤقتة في يوليو ونجح في قمع انقلابٍ قاده قائد الجيش لافار كورنيلوف (وفقًا لبعض المؤرخين، ربما يكون كيرينسكي قد خطط في الأصل مع كورنيلوف على أمل السيطرة على الاتحاد السوفييتي في بتروغراد). ورغم ذلك، فقد كان غير قادر على التصدي لانزلاق روسيا إلى هوة الفوضى السياسية والاقتصادية والعسكرية. وعلاوةً على ذلك، عانى حزبه من انقسامٍ كبيرٍ عندما انشق الجناح اليساري عن الحزب الثوري الاشتراكي.
ولكن في الوقت الذي تضاءلت فيه سلطة الحكومة المؤقتة، فإن سلطة السوفيت كانت تتزايد، كما كان تأثير البلاشفة داخلها يتزايد هو الآخر. بحلول أيلول (سبتمبر)، تجاوز البلاشفة وحلفاؤهم، الثوريين الاشتراكيين واليساريين الثوريين والمناشفة الاشتراكيين، بهذا جنوا أغلبية في مجالس السوفييت في بتروغراد وموسكو.
وبحلول الخريف، كان البرنامج البلشفي «الخبز، السلام والأرض للجميع» قد نال الإعجاب والإشادة بين مجتمعات العمال الجَوعى والجنود الفارين من الرتب. على الرغم من أن محاولة الانقلاب السابقة (أيام يوليو) قد فشلت، إلَّا أن الوقت يبدو الآن أكثر نضجًا. في 24 و25 أكتوبر (6-7 نوفمبر)، قام البلاشفة واليسار الاشتراكي الثوري بانقلابٍ بالكاد كان غير دموي، واحتلوا المباني الحكومية، ومحطات التلغراف، ومناطق استراتيجية أخرى. أثبتت محاولة كيرينسكي لتنظيم المقاومة عدم جدواه، وهرب فارًّا من البلاد. وافق كونغرس السوفييت الروسي الثاني، الذي عقد في بتروغراد في وقت واحد مع الانقلاب، على تشكيل حكومة جديدة تتألف بشكل رئيسي من المفوضين البلاشفة.
المصدر:
