الجسم المضاد.. جزء أم كل؟

الجسم المضاد

ممَ تتكون الأجسام المضادة؟

الأجسام المضادة عبارة عن بروتينات كبيرة تصنعها الخلايا البائية في الجهاز المناعي التكيفي. ويعتقد معظم الناس أن الأجسام المضادة تعمل فقط كجزيء كامل، لكن بعض الأجزاء الفردية من الجسم المضاد يمكنها أيضًا ربط وتعطيل المستضدات.

يتكون الجسم المضاد من سلسلتين ثقيلتين وسلسلتين خفيفتين تتجمعان في هيكل على شكل (Y)، يُعرف ساق (Y) باسم الجزء المتبلور (Fc- fragment crystallizable) ويتكون من سلسلتين ثقيلتين، ويُعرف ذراعا (Y) باسم أجزاء ربط مولد الضد الجزئي (Fab-Fragment antigen-binding) ويتكون كل منهما من سلسلة ثقيلة واحدة وسلسلة خفيفة واحدة -كما هو موضح في الجزء الأيسر من الصورة- وكما يوحي اسمها، فإن النصف العلوي من كل جزء (Fab) هو منطقة ارتباط مولد الضد بالجسم المضاد، وهو متغير -بمعنى أنه يختلف بين الأجسام المضادة التي تنتجها الخلايا البائية المختلفة-.

أما عن النصف السفلي من كل جزء (Fab) ومنطقة (Fc) بأكملها فهما ثابتان، مما يعني أنهما متطابقان في جميع الأجسام المضادة من نفس النمط، لكنهما يختلفان في الأجسام المضادة من الأنماط النظيرة المختلفة. على سبيل المثال، المناطق الثابتة متطابقة في جميع الأجسام المضادة IgG ولكنها تختلف بين الأجسام المضادة IgG وIgA.

هل يمكن استبدال الجزء المتغير في الجسم المضاد؟

في محاولة لتحديد الأجسام المضادة لسارس كوفيد-2 (SARS-CoV-2) المسبب لمرض كوفيد-19 المناسبة للوقاية من عدوى سارس كوفيد-2 وعلاجها، فحص العلماء مئة مليار مرشح مختلف من الأجسام المضادة لسارس كوفيد-2 من أجل قدرتهم على الارتباط و/أو إبطال سارس كوفيد-2 مما أدى إلى اكتشاف ab8. وهو جزء من الجسم المضاد يتكون من منطقة متغيرة ثقيلة (VH) ترتبط بشكل قوي وخاص بسارس كوفيد-2 ولها نشاط في إبطاله والقضاء عليه.

ولزيادة قوة الارتباط لـ ab8 بالمستضد -أي استقرار تفاعله مع المستضد- وإطالة عمره في جسم الإنسان، دمج العلماء هذا الجزء في جزء الـFc الخاص بالجسم المضاد IgG1، وهو نوع وفير ومستقر من الأجسام المضادة البشرية فأدى ذلك إلى إنتاج الجزيء المسمى بـ VH-Fc ab8 (كما هو موضح في الجزء الأيمن من الصورة).

ووجد العلماء أن VH-Fc ab8 يمكن أن يرتبط بالعديد من أشكال البروتينات الشوكية لسارس-كوف-2 (SARS-CoV-2 spike protein)، بما في ذلك عندما يكون البروتين مرتبطًا بسطح الخلية. ويمكن لـ VH-Fc ab8 أيضًا الارتباط وإبطال ستة عزلات مختلفة من سارس كوفيد-2 لها تغيرات مختلفة في الأحماض الأمينية في الجزء الخاص بالارتباط مع المستقبلات، مما يشير إلى أنها تفاعلية متصالبة (cross-reactive) على نطاق واسع. والجدير بالذكر أن الجزيء لا يرتبط بالخلايا البشرية، مما يجعله غير متداخل مع الوظائف الخلوية الطبيعية.

التجربة على الحيوانات

كخطوة تالية، قام الباحثون بتقييم قدرة VH-Fc ab8 على منع عدوى سارس كوفيد-2 في الفئران. فإذا تم إعطاؤه للفئران قبل إصابتها بسارس كوفيد-2، فإن VH-Fc ab8 يثبط تكاثر الفيروس في جميع الجرعات التي تم اختبارها، ولكنه يبطل الفيروس فقط عند أعلى جرعة تبلغ 36 مجم/كجم. وعلى الرغم من أن هذه النتائج كانت مشجعة، فغالبًا ما يكون من الصعب تفسير البيانات التي حُصِل عليها من الفئران من حيث الأهمية السريرية للإنسان؛ لإن الفئران لا تصاب بأمراض مرتبطة بكوفيد-19 التي لوحظت في البشر.

ووجد العلماء في الهامستر محاكاة لعدوى فيروس سارس كوفيد-2 البشرية في الرئة، مما يشير لإمكانية أن يكون نموذجًا مفيدًا للثدييات لكوفيد-19. حيث تسبب VH-Fc ab8 في انخفاض مستويات الفيروس المعدية في الرئة والغشاء المخاطي للأنف ولعاب الهامستر بشكل ملحوظ عند تناوله قبل يوم واحد (أي وقائيًا) أو بعد ست ساعات من الإصابة بفيروس سارس كوفيد-2 (أي علاجيًا) مقارنة بالحيوانات غير المعالجة، مما يشير إلى إمكانية استخدامه للوقاية من عدوى سارس كوفيد-2 وعلاجها.

وعلى الرغم من أن VH-Fc ab8 أدى إلى انخفاض أكبر في مستويات الفيروس عند إعطائه بشكل وقائي مقارنة بإعطائه علاجيًا، فما يزال الاستخدام العلاجي يؤدي إلى انخفاض كبير في الأحمال الفيروسية بالحيوانات المعالجة مقارنة بالحيوانات غير المعالجة حتى عند الجرعات المنخفضة جدًا. ولم يخفف VH-Fc ab8 من الالتهاب الرئوي ويقلل الأحمال الفيروسية في الرئة عند الهامستر فحسب، بل قلص أيضًا إفراز الفيروس في مجرى الهواء العلوي، مما قد يساعد في تقليل انتقال العدوى.

الجسم المضاد.. جزءٌ منه يكفي

وجد العلماء عند إعطاء الهامستر نفس الجرعات من VH-Fc ab8 أو IgG1 ab1 -وهو النسخة كاملة الحجم من الجسم المضاد-، ثم فحص تركيزاتهم في مصل الدم بعد خمسة أيام، أن مستويات VH-Fc ab8 أعلى بكثير من تلك الموجودة في الجسم المضاد كامل الحجم. ويشير هذا إلى أن توزيع الجسم لـ VH-Fc ab8 أطول عمرًا من توزيع الجسم المضاد كامل الحجم.

وعلى الرغم من أن النماذج الحيوانية الصغيرة يمكن أن توفر رؤى أساسية حول الآليات المسببة لأمراض العدوى الفيروسية، إلا أنها غالبًا ما تعطي تنبؤًا سيئًا بنتائج الأمراض البشرية. فالجدولُ الزمني العلاجي المتبع في تجاربِ الهامستر -أي إعطاء VH-Fc ab8 بعد ستِ ساعات من الإصابة- يَصْعُب تحقيقه في البشر؛ لإن الأدوية العلاجية لا تُعطى عادة إلا بعد ظهور الأعراض الواضحة، لذلك سيكون من الصعب تحديد ما إذا كان التأثير العلاجي لـ VH-Fc ab8 الذي لوحظ في الهامستر هو نفسه في البشر.

ومع ذلك هناك مزايا واضحة لاستخدام أجزاء من الأجسام المضادة بدلًا من استخدامها كاملة؛ ذلك لأن صِغر حجمها يسمح لها بالاختراق بشكل أكثر كفاءة إلى مواقع العدوى والارتباط بالمستضدات بسهولة أكبر وبمزيد من التحديد. كما تنتشر الجزيئات الأصغر أيضًا بسهولة أكبر عبر الأنسجة، مما يعني أنه يمكن إعطاؤها بطرق أخرى غير الحقن مثل الاستنشاق. وعلاوة على ذلك، نظرًا لأن الوزن الجزيئي لـ VH-Fc ab8 لا يتجاوز نصف وزن الجسم المضاد كامل الحجم، فستكون هناك حاجة إلى كميات أصغر للحصول على نفس عدد الجزيئات، مما يعني أن علاجات رؤوس الجسم المضاد يمكن إنتاجها بسهولة أكبر.

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي