مقدمة عن الحركة البراونية

fig-25-08-2018_23-35-27

الحركة البراونية

الحركة البراونية هي الحركة العشوائية لجسيمات الموائع (الغازات والسوائل) نتيجة تصادمها المستمر مع ذرات وجزيئات آخرى. وتعرف أيضًا في الإنجليزية باسم (Pedesis) والتي تشتق من الكلمة الإغريقية التي تعني (الوثب). وبالرغم من أن حجم تلك الجسيمات كبير جدًا إذا ما قورن بحجم ذرات وجزيئات الوسط المحيط، إلا أن عدد تلك الذرات المهول وسرعتها كفيلان بإزاحة تلك الجسيمات الكبيرة عند اصطدامها بها. ويمكن اعتبار الحركة البراونية حركة أجسام ماكروسكوبية (أي مرئية للعين) بتأثير من حركة جسيمات عشوائية ميكروسكوبية (غير مرئية).

ينسب اسم تلك الظاهرة إلى اسم عالم النباتات الإسكتلندي روبرت براون (Robert Brown) والذي قام برصد ودراسة الحركة العشوائية لحبيبات لقاح الزهور على سطح الماء. وقد وصف هذه الظاهرة عام 1827 لكنه فشل في تفسيرها. وبالرغم من أنه تم تسمية هذه الظاهرة على اسم العالم براون، إلا أنه لم يكن أول من يقوم بوصفها. فقد وصف الشاعر الروماني لوكريتيوس (Lucretius) حركة ذرات الغبار في الجو عام 60 قبل الميلاد تقريبًا، والتي اعتمد عليها كدليل لإثبات وجود الذرات.

وقد ظلت ظاهرة انتقال الجسيمات تلك مجهولة السبب حتى عام 1905 حينما نشر ألبرت أينشتاين مقالًا علميًا بين فيه أن حركة لقاح الزهور سببها جزيئات الماء. وبمثل اعتقاد لوكريتيوس، كان تفسير أينشتاين بمثابة دليل غير مباشر على وجود الذرات والجزيئات. ولتبق في اعتبارك حقيقة أنه، في أوائل القرن العشرين، لم تكن مسألة وجود هذه الوحدات الصغيرة من المادة إلا مجرد فرضيات لا دليل عليها. وفي عام 1908، قام جان بيرين (Jean Perrin) بإثبات فرضية أينشتاين عن طريق التجربة، وعلى ذلك استحق جائزة نوبل في الفيزياء «بفضل أعماله المتعلقة بطبيعة المادة الغير متصلة».

الحركة البراونية

محاكاة حاسوبية للحركة البراونية التي تظهر على جسيم كبير نسبيًا (ذرة تراب) يتعرض بالاستمرار للتصادم من قبل عدد مهول من جسيمات أصغر حجمًا (مثل جزيئات الغاز) والتي تتحرك بسرعات مختلفة في اتجاهات عشوائية.

ووصف الحركة البراونية وصفًا رياضيًا يتضمن حسابات إحصائية بسيطة نسبيًا. وأهمية تلك الحسابات لا تقتصر على الفيزياء والكيمياء فقط، بل هي من أجل وصف ظواهر إحصائية أخرى أيضًا. وأول من اقترح ابتداع نموذج رياضي لوصف الظاهرة كان ثورفالد ثيل (Thorvald N. Thiele) في مقال علمي عن طريقة المربعات الصغرى (Least squares method) والذي نشره عام 1880. أما النموذج الذي يعتد به حديثًا هو (عملية فينر) والتي سُميت إجلالًا لنوربرت فينر (Norbert Wiener) والذي قام فيه بتعريف عملية تصادفية (Stochastic process) على خط زمني متصل. وطبقًا لهذا النموذج، فإن الحركة البراونية من وجهة نظر رياضية عبارة عن سلسلة جاوسية (Gaussian process) أو حالة خاصة من سلسلة ماركوف (Markov process) – وهي عبارة عن دالة تصف تغير مجموعة من المتغيرات بالنسبة للزمن بحيث أن التهكن بما سيحدث في المستقبل لا يحتاج إلى معرفة الماضي – على مسار متصل خلال فترة زمنية متصلة.

تفسير ظاهرة الحركة البراونية

بما أن حركة الذرات والجزيئات داخل السوائل والغازات هي حركة عشوائية، فإن الجزيئات الأكبر حجمًا تتوزع داخل الوسط المحيط بالتساوي في كل مكان. فإذا وجدت منطقتين متلاصقتين من وسط معين، والمنطقة أ تحتوي على ضعف عدد جسيمات المنطقة ب، فإن احتمال انتقال جسيم ما من المنطقة أ إلى ب هو ضعف احتمال حدوث العكس. وانتشار الجسيمات من منطقة عالية التركيز إلى منطقة منخفضة التركيز يعد مثالًا ماكروسكوبيًا (مرئيًا) على الحركة البراونية.

وكل عامل من العوامل التي تؤثر على حركة الجسيمات في الموائع يؤثر بالتبعية على معدل حدوث الحركة البراونية. فعلى سبيل المثال، زيادة درجة الحرارة، أو زيادة عدد الجسيمات، أو صغر حجم الجسيم، أو قلة اللزوجة يزيد من سرعة الحركة.

أمثلة على الحركة البراونية

معظم الأمثلة على تلك الظاهرة ما هي إلا عمليات انتقال جزيئات المادة. وقد تؤثر تيارات عالية الشدة على حركة هذه الجسيمات، إلا أن ظاهرة الحركة البراونية لا تزال قائمة وواضحة.

ومن تلك الأمثلة ما يلي:

  • حركة لقاح الأزهار على سطح المياه الساكنة.
  • حركة ذرات الغبار في غرفة (إلا أن تلك الحركة تتأثر بشدة بتيار الهواء).
  • انتشار الملوثات في الهواء.
  • انتشار الكالسيوم في العظام.
  • حركة «فجوات» الشحنة الكهربائية في أشباه الموصلات.

أهمية الحركة البراونية

في البداية كانت هذه الظاهرة مهمة في كونها شاهدًا على صحة وجود الذرات. لكن في الوقت الراهن تستخدم النماذج الرياضية التي تصف تلك الظاهرة في مجالات الرياضيات، والاقتصاد، والفيزياء، والأحياء، والكيمياء، وغيرها من التخصصات.

التفرقة بين الحركة البراونية وحركة الكائنات الحية

من الصعب تحديد ما إذا كنا نتعامل فعلًا مع هذه الظاهرة في بعض الظروف. ذلك أن وجود عدة متغيرات أخرى يمكن أن يؤثر على النتائج. ففي علم الأحياء، يجب على المراقب أن يحدد ما إذا كانت العينة تتحرك لأنها كائن له القدرة على الحراك بواسطة أطراف (مثل الأهداب أو الأسواط) أو لأنها تحت تأثير الحركة البراونية. وفي العادة من الممكن التميز بين هاتين العمليتين بالعين المجردة بسهولة لأن الحركة البراونية تبدو فجائية وعشوائية، مثل الاهتزازات. أما حركة الكائنات الحية لها مسار محدد أو أن اتجاهها يتغير من أجل الوصول إلى وجهة محددة. وفي علم الأحياء الدقيقة، يمكن تأكيد ما إذا كانت العينة حية عن طريق حقنها داخل وسط شبه صلب. وإذا ما استطاعت العينة أن تهاجر بعيدًا عن ذلك الوسط وتخطت حدًا معينًا يسمى خط الوخز (Stab line)، تأكدنا بما لا يدع مجالًا للشك أن تلك العينة حية ولها القدرة على الحركة.

المصدر

http://sc.egyres.com/WLgXQ


ترجمة: حازم موسى
مراجعة: أحمد رضا
تحرير: زياد الشامي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي