الحلقة الثانية – ما هو السرطان؟

14459737_1748513182070012_1542112177_n

تحدثنا في الحلقة السابقة عن تاريخ السرطان و علمنا أن هذا المرض ليس وليد هذا العصر بل تمتد أول جذور له إلى ما قبل التاريخ – حفرية جروجوصورص التي تبلغ من العمر 72 مليون عاماً – بل إن المصريين القدماء وصفوا حالات شخصوها كورم في الثدي و ذلك سنة 3000 ق.م . و علمنا أن أول من اشار إليه بلفظته المعاصر كان أبقراط الذي استخدم كلمتي Carcinos و Carcinoma لوصف هذه الأورام التي كانت تمتد لتشبه سرطان البحر. ثم كانت إضافة جالينوس و الذي أشار بكلمة Oncos إلى المرض و التي تعني الورم باليونانية ليتم استخدامها في علم دراسة السرطان Oncology و أطباء السرطان Oncologists .

السرطان هو أحد أكثر مسببات الموت حول العالم ، حيث تم تسجيل ما يقرب من 14 مليون حالة جديدة و 8.2 مليون وفاة حول العالم بسبب السرطان عام 2012. [1] و لنستطيع فهم آلية عمل هذا المرض فإنه علينا أن نبدأ بوضع تعريف له.

ما هو السرطان ؟

السرطان ليس مرضاً واحداً كما يسود الاعتقاد بل هو مصطلح يطلق وصفاً لمجموعة من الأمراض تشترك كلها في النمو الغير منضبط للخلايا و انتشارها و التي تؤثر على تقريباً كل أجزاء الجسد. هذه النمو عادةً ما يغزو النسيج المجاور و ينتشر إلى مواضع بعيدة عن طريق الدم و الأوعية الليمفاوية. هناك أنواع عديدة من السرطانات يمكن الوقاية منها بمنع التعرض لعوامل الخطر الشائعة مثل التدخين. بالإضافة إلى ذلك هناك أنواع يمكن العلاج منها كلياً عن طريف الجراحة أو الإشعاع أو العلاج الكيميائي خصوصاً لو تم تشخيصه مبكراً. [2،3،4]

كيف ينشأ السرطان ؟

يمكن للسرطان أن ينشأ تقريباً في أي مكان في الجسم. ففي الأشخاص الأصحاء، تنمو الخلايا و تنقسم لتكون خلايا جديدة حيث يكون الجسد في حاجة إلى هذه الخلايا. وعندما تصير الخلايا عجوز أو تتضرر, تموت و يحل محلها خلايا جديدة. هذه العملية تتعطل في مرضى السرطان حيث تصبح الخلايا غير طبيعية، فتنجو الخلايا المتضررة –من الموت – و تكون خلايا جديدة , هذه الخلايا يمكنها الإنقسام بدون توقف حيث تكون نمو يسمى الورم. [4]

هذه التغيرات التي تطرأ على الخلايا تكون نتيجة طفرات أو تغيرات في الجينات الورمية « oncogenes » و الجينات الكابحة للورم « tumor-suppressor genes ».

هناك مجموعة من الجينات تسمى جينات « proto-oncogenes » هي التي تتسبب في تحول الخلايا العادية إلى سرطانية إذا حدث بها طفرة حيث تتحول إلى الجينات  الورمية « oncogenes ». في الخلايا السليمة تعمل جينات « proto-oncogenes » على تكوين بروتينات مسئولة عن نمو الخلايا وعرقلة موتها و هي عمليات حيوية لبقاء الأعضاء الجسدية و نمو الجسد الحي. عند تحولها إلى « oncogenes » فإنها تعمل على زيادة تكوين هذه البروتينات و بالتالي زيادة نمو الخلايا و منع موتها مكونةً الخلايا السرطانية. [5]

أما الجينات الكابحة للورم « tumor-suppressor genes » فهي مجموعة من الجينات وظيفتها منع النمو و الإنقسام غير الضروري للخلايا كما تعمل على تحفيز موت هذه الخلايا بعد فترة للحفاظ على خلايا جسدنا في توازن– وظيفة مضادة لوظيفة الجينات الورمية -. و بالإضافة إلى ذلك فإن بعض هذه الجينات تشارك في عملية إصلاح DNA و بالتالي منع حدوث الطفرات في الجينات المتعلقة بالسرطان. هكذا تعمل هذه الجينات كالـ«فرامل» فتمنع تكون الخلايا السرطانية. و بالتالي فإن خسارة هذه الجينات قد تكون كارثية حيث تضع الخلايا الطبيعية على أسرع طريق للتحول لخلية سرطانية. [6]

الأورام السرطانية أو الخبيثة « Malignant Tumors » هي التي تنتشر أو تغزو الأنسجة المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الخلايا السرطانية تنفصل من هذه الأورام أثناء نموها و تسافر إلى أماكن نائية من الجسد عبر الدم أو الليمف لتكون ورماً سرطانياً آخر بعيداً عن الورم الأصلي « الورم النقيلي metastatic cancer » و الذي سنتطرق إليه فيما بعد.

و على عكس الأورام الخبيثة هناك الأورام الحميدة « Benign Tumors » و التي لا تنتشر ولا تغزو الأنسجة المجاورة. يمكن لهذه الأورام أن تكون كبيرة و لكن عند إزالتها لا تنمو مجدداً في الأغلب. الأورام الحميدة التي تنمو في الدماغ الوحيدة التي  قد تكون خطيرة. [4]

ما الفرق بين الخلايا السرطانية و الخلايا العادية ؟

تختلف الخلايا السرطانية عن الخلايا العادية في نقاط عدة ، فكما ذكرنا آنفاً أن الخلايا السرطانية تنمو و تنقسم بدون توقف و تغزو الأنسجة المجاورة كما أنها أقل تخصصاً من الخلايا العادية. بالإضافة إلى ذلك فإن الخلايا السرطانية لديها القدرة على تجاهل الإشارات التي تعمل على توقف إنقسام الخلايا العادية أو بدء موتها المبرمج « apoptosis » – و الذي يحتاجه الجسد للتخلص من الخلايا غير الضرورية-. تتميز الخلايا السرطانية أيضاً بقدرتها على حث الخلايا العادية المجاورة لها على تكوين أوعية لتغذية الورم بالأكسجين و المواد الغذائية لينمو بالإضافة إلى التخلص من فضلات الورم. و على الرغم من أن النظام المناعي يعمل في العادة على إزالة الخلايا الغير طبيعية أو المتضررة من الجسد، فإن هناك أنواع من السرطان لديها القدرة على الإختباء من النظام المناعي. [4]

كيف ينتشر السرطان في الجسد

يعرف السرطان الذي انتشر من مكان نموه إلى مكان آخر في الجسد عن طريق الدم أو الليمف باسم السرطان النقيلي « metastatic cancer » و تعرف عملية انتقال الخلايا السرطانية  إلى أجزاء أخرى من الجسد بالنقيلة « metastasis ». يمتلك السرطان النقيلي نفس نوع و اسم الخلايا السرطانية في السرطان الأولي أو الأصلي. على سبيل المثال فإن سرطان الثدي الذي ينتشر و يكون ورم نقيلي في الرئة هو سرطان ثدي نقيلي و ليس سرطان رئة. و بشكل عام تظهر خلايا السرطان النقيلي تحت الميكروسكوب كتلك التي نشأت منها من السرطان الأصلي. علاوة على ذلك فإن السرطان النقيلي و السرطان الأصلي عادة ما تظهر بينهم بعض الخصائص المشتركة مثل وجود تغيرات كروموسومية معينة. [4]

ما الذي يشبه السرطان و لكنّه ليس سرطاناً ؟

بالطبع ليس كل تغير يطرأ على نسيج في الجسد هو سرطان. و على الرغم من ذلك فإن هناك تغيرات تطرأ على الأنسجة قد تتحول فيما بعد إلى سرطان إن لم يتم معالجتها. من هذه التغيرات التي ليست سرطانية و لكن يجب مراقبتها مثلاً فرط التنسج « Hyperplasia » و التي تحدث عندما ينقسم النسيج بسرعة أكبر من الطبيعية و تتراكم بعض الخلايا أو تتكاثر. و لكن تحت الميكروسكوب يظهر النسيج بشكل عادي. فرط التنسج يمكن أن يحدث لأسباب عدة منها التهيج. هناك تغير آخر يسمى خلل التنسج « Dysplasia » و هو تغير أكثر جدية من فرط التنسج. حيث أن هناك تراكم لخلايا إضافية أيضاً. و لكن هنا الخلايا تظهر غير طبيعية و يحدث تغير في تنظيم النسيج. بشكل عام كلما ازدادت غرابة الخلايا أو مظهر النسيج كلما ازداد معها نسبة تكون السرطان.هناك أنواع من خلل التنسج تحتاج مراقبة أو علاج. مثال على خلل التنسج هو الشامة غير الطبيعية « dysplastic nevus » و التي قد تتحول إلى ميلانوما « melanoma » – نوع من أنواع سرطان الجلد – . و هناك تغير أكثر جدية يسمى السرطانة اللابدة « carcinoma in situ » و التي أحياناً ما تسمى سرطاناً « cancer » . السرطانة اللابدة ليست سرطاناً في الواقع لأن الخلايا غير العادية لا تنتشر خارج إطار النسيج و لا تغزو الأنسجة المجاورة مثلما يفعل السرطان. و لكن يجب معالجتها لأنه يمكنها التطور إلى سرطان. [4]

بعض أنواع السرطان

هناك أكثر من 100 نوع من السرطانات. هناك أنواع تسمى بإسم الأعضاء أو الأنسجة التي تنشأ بها. على سبيل المثال سرطان الرئة « lung cancer » و سرطان الدماغ « brain cancer ». و قد تسمى السرطانات أيضاً بنوع الخلية التي كونتها مثل الخلايا الطلائية « epithelial cells » أو الحرشفية « squamous cells ». [4]

 

 

إعداد : Muhammad Sadeq
مراجعة علمية : Hosny Ayman
تصميم:
Wael Yassir
المصادر:

  1. http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs297/en/
  2. http://www.who.int/topics/cancer/en/
  3. http://www.cdc.gov/cancer/dcpc/prevention/index.htm
  4. http://www.cancer.gov/about-cancer/what-is-cancer
  5. http://www.nature.com/scitable/topicpage/proto-oncogenes-to-oncogenes-to-cancer-883
  6. http://www.nature.com/scitable/topicpage/tumor-suppressor-ts-genes-and-the-two-887#
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي