تعتبر الفلسفة هي أكثر المجالات المعرفية إثارةً للجدل، فهي تُحاط دائماً بهالة من الغموض والتعقيد، ورغم ذلك جاذبة للعقول بما تطرحه من تساؤلات مرتبطة بغالبية البشر في ظروف حياتهم المختلفة، وكبقية المعارف والعلوم الأخرى فالاطلاع على الفلسفة بحاجةٍ لتمهيد ومقدمات حتى يستطيع القارئ التعامل مع رجالها وأفكارها، ومن جهة أخرى يُلاحَظ تزايد عدد القراء العرب الراغبين في الإحاطة بالفلسفة، لأن التفلسف مرتبط دائمًا في تاريخ الشعوب بفترات الصراع والتحول الاجتماعي.
ولكن أغلب تلك المحاولات غير منظمة وعشوائية، كما أنها أحيانًا ما أدت لنتائج ضد التفكير الفلسفي نفسه، ويعود ذلك لسبب محوري هو عدم الوعي بالطريقة المناسبة لقراءة الفلسفة؛ فالفلسفة تمتلك مصطلحات محددة كأي علم آخر، وكذلك لها تاريخ طويل متصل ببعضهِ البعض، فلو حاول قارئ التعامل مع فلاسفة من أمثال كانط أو نيتشه أو ماركس أو ابن سينا أو ابن رشد أو غيرهم، بدون امتلاكه لخلفية – ولو بسيطة – عن تاريخ الفلسفة، ومعانى مصطلحاتها سيكون من الصعب أن يفهم أفكارهم الفلسفية. لذلك أقدم لك تلك الخريطة لقراءة الفلسفة، والتي تنقسم لعدة مستويات مختلفة قائمة على التدرج من الأبسط إلى الأعمق في أهم موضوعات وفروع الفلسفة، ومن خلالها يمكن لك أخذ فكرة عامة عن الفلسفة أو التخصص فيها.
المستوى الأول/ مداخل أولية:
1.«عالم صوفي – رواية عن تاريخ الفلسفة»
تعتبر رواية عالم صوفي أبسط مدخل لقراءة الفلسفة، خاصة لمن لا يمتلك أي خلفية عنها، وهي عبارة عن قصة شيقة يشرح من خلالها الروائي تاريخ الفلسفة، وأهم أفكارها.
2.«قصة الفلسفة – وول ديورانت»
كان الكتاب الأشهر كمقدمة للفلسفة قبل ظهور رواية عالم صوفي بعقود، وهو يمتاز بأسلوب تاريخي شيق جدًا، فالمؤلف هو المؤرخ المعروف «وول ديورانت» صاحب موسوعة قصة الحضارة الشهيرة.
3.«تمهيد للفلسفة – محمود حمدي زقزوق»
كتاب لا غنى عنه في المرحلة التمهيدية لقراءة الفلسفة، حيث يعطي خلفية جيدة بطبيعة الفلسفة، وتعريفها، وأهميتها، وكذلك مراحل تطورها، وفروعها المختلفة، وهو يمتاز بالبساطة واللغة السلسة.
4.«فصول في الفلسفة ومذاهبها»
هو كتاب من تأليف الفيلسوف الإنجليزي «س .جود»، ومن تحرير وإعداد الدكتور محمد العناني، وهو عبارة عن مجموعة من الفصول المنتقاة من مؤلفات (جود) التي تهدف لتوضيح كيفية عمل التفكير الفلسفي في علاقته بجوانب الفكر المختلفة.
5.«الفلسفة الأسس – نيغيل واربورتون»
وقد نقله للعربية محمد عثمان، وراجعه الدكتور سمير كرم، يهدف الكتاب لمناقشة أهم القضايا والأفكار التي يعتبرها البشر مسلمات غير قابلة للجدل، ويكشف كيف تقوم الفلسفة بإعادة النظر فيها وتقديم وجهات نظر مختلفة حولها.
المستوى الثاني/ فروع الفلسفة
أما في المستوى الثاني من القراءة الفلسفية، فنتعرف فيها على مباحث الفلسفة، وهي الفروع الثلاثة الكبرى التي ينقسم لها الفكر الفلسفي وهي:
أولاً / «مبحث الوجود أو الميتافيزيقا»
يعتبر كتاب «مدخل إلى الميتافيزيقا للدكتور/ إمام عبد الفتاح»، هو الأفضل في المكتبة العربية تعريفًا بهذا الفرع الهام من الفلسفة، ومع الكتاب ملحق فيه ترجمة للفصول الخمسة الأولى من كتاب الميتافيزيقا للفيلسوف اليوناني الشهير «أرسطو».
ثانيًا / «مبحث نظرية المعرفة أو الابستمولوجيا»
كان (د. زكى نجيب محمود) أكثر المفكرين العرب اهتمامًا بهذا الجانب من الفلسفة، لذلك يعتبر كتابه «نظرية المعرفة» مدخل ممتاز للتعريف بهذا الفرع.
ثالثًا / «مبحث القيم»
القيم الكبرى في الفلسفة ثلاث: (الحق والخير والجمال)، فهي بمثابة التطبيق العملي في الفكر والحياة للنظريات الفلسفية التي انتهى لها الفيلسوف في مجال الوجود والمعرفة، حيث يبحث علم المنطق فيما هو صحيح فكريًا (الحق)، ويبحث علم الأخلاق فيما هو صحيح من جهة الأفعال (الخير)، ويبحث علم الجمال فيما هو لائق فنيًا (الجمال)
ويمثل كتاب «العمدة في فلسفة القيم لعادل عوا» خير مقدمة لهذا المبحث الفلسفي المتشعب.
رابعًا /«كتاب المدخل الى الفلسفة – أزفلد كوبله»
رغم أن العنوان يوحى بأنه مدخل للفلسفة إلا أن أهمية هذا الكتاب تكمن في أنه يضع تعريفات دقيقة جدًا لفروع الفلسفة الثلاث، ويشرح بشكل متخصص الفارق بين العلم والفلسفة، وكيف يمكن التفريق بينهم؟ كما أنه يقيم تعريفات دقيقة لأهم المذاهب الكبرى في تاريخ الفلسفة.
المستوى الثالث / مراحل تاريخ الفلسفة
أما المستوى الثالث فهو قراءة الأفكار الفلسفية بترتيب تاريخي منذ العصور القديمة وحتى العصور الحديثة، وقد قسم المؤرخون تاريخ الفلسفة لثلاث مراحل كبرى وهى:
المرحلة القديمة: تشمل الفكر الشرقي القديم والفلسفة اليونانية، ثم المرحلة الوسيطة: وتشمل الفلسفة المسيحية والاسلامية، ثم المرحلة الحديثة: وتشمل الفلسفة الأوربية التي ظهرت منذ عصر النهضة القرن الخامس عشر ميلاديًا وتمتد حتى القرن العشرين. وقد قام بالتأليف في تاريخ الفلسفة عدد من المفكرين العرب والغربيين وأهمهم:
1.«تاريخ الفلسفة الغربية – برتراند راسل»
من أهم فلاسفة القرن العشرين، وأكثرهم إثارة للجدل، وهو معروف بأسلوبه الشيق، والكتاب متوسط الصعوبة، ويمكن التعرف على وجهة نظر راسل في كثير من الفلاسفة من خلاله.
2.«مجموعة خلاصة الفكر الأوربي – عبد الرحمن بدوي»
يعتبر الدكتور عبدالرحمن بدوى من أوائل العرب الذين اهتموا بالفلسفة منذ بدايات القرن العشرين، وقد كانت عبقريته منقطعة النظير، فقد تجاوزت مؤلفاته المائة وخمسين كتاب في جميع مجالات الفكر، وقد استخدم أسلوب مميز للتأريخ الفلسفي من خلال مجموعته الشهيرة «خلاصة الفكر الأوربي» حيث عرض للفكر الفلسفي من خلال بعض المحطات والفلاسفة المهمين، ومن أهم مؤلفات تلك السلسلة:
- ربيع الفكر اليوناني.
- خريف الفكر اليوناني.
- فلسفة العصور الوسطي.
- الفلسفة الحديثة / شوبنهاور.
- الفلسفة الحديثة / نيتشه.
3.«ثلاثية يوسف كرم لتاريخ الفلسفة»
كان الدكتور يوسف كرم من أكبر أساتذة مصر في المجال الفلسفي في مطلع القرن العشرين، ورغم أنه لم يكن غزير الانتاج كعبد الرحمن بدوي، إلا أن ثلاثيته عن تاريخ الفلسفة قد تفوقت على مجموعة بدوى في الترتيب والتدقيق، فلم يهمل حقبة معينة أو فيلسوف، ومن يستطيع استيعاب تلك المجموعة يكون قد وصل لمرحلة متقدمة جدًا في فهم الفلسفة..
- الجزء الأول/ الفلسفة اليونانية.
- الجزء الثاني/ الفلسفة الأوربية الوسيطة.
- الجزء الثالث/ الفلسفة الأوربية الحديثة.
4.«سلسلة مشكلات فلسفية – دكتور زكريا إبراهيم»
أيضًا كان زكريا ابراهيم من أهم المشتغلين بالمجال الفلسفي في مصر في القرن العشرين، وتختلف سلسلة مشكلات فلسفية قليلًا في طريقة التأريخ للفلسفة حيث قام فيها بالتأريخ لأكبر المشكلات في تاريخ الفلسفة مثل: مشكلة الحرية أو الحياة أو الحب.. إلخ، وهي مجموعة شيقة جدًا و ليست معقدة.
5.«سلسلة تاريخ الفلسفة – إميل برييه ثماني مجلدات»
من أهم الكتب تفصيلًا و شرحًا لتاريخ الفلسفة من أقدم العصور، وحتى بدايات القرن العشرين، فيها شرح مفصل ومتخصص ودقيق جدًا لكل العصور الفلسفية وما فيها من رجال الفلسفة والمدارس الفلسفية والمقدمات التاريخية لظهورها، فهي موسوعة بمعنى الكلمة في تاريخ الفلسفة.
6.«كتب عن الفكر الشرقي القديم»
للعالم الشرقي القديم، السابق على الحضارة اليونانية بآلاف السنين، تراث ضخم ملئ بالأفكار والعلوم والأسرار التي صارت مع الوقت الأساس الذي قامت عليه الحضارة الإنسانية حتى الآن، ولذلك لابد من دراسة أهم الأفكار التي قدمها الإنسان الشرقي القديم للإنسانية
- الكتاب الأول «فلاسفة الشرق – أ.ف.توملين».
- الكتاب الثاني «الفكر الشرقي القديم – جون كولر».
المستوى الرابع / الفلسفة و المعارف الأخرى
في هذا المستوى ندرس علاقة الفلسفة بالمعارف الانسانية الأخرى كالعلوم الطبيعية والفن والتاريخ والدين والسياسة وغيرها..
أولًا / «فلسفة الدين»
أ – الكتاب الأول هنا هو كتاب «دين الإنسان لفراس سواح»، وهو كتاب ممتاز في موضوعه ويعتبر أفضل ما كُتب في اللغة العربية فيما يخص طبيعة الفكر الديني وفلسفته، والأسس التي تقوم عليها النزعة الدينية عند البشر.
ب – الكتاب الثاني الذي أنصح به هو «الزمان و الأزل: مقال في فلسفة الدين للفيلسوف ولتر ستيس»، والكتاب يشرح الجانب الفلسفي في الأديان على اختلافها وهو لا غنى عنه في دراسة حقل فلسفة الدين.
ثانيًا / «الفلسفة السياسية»
كان للفلسفة على مدار تاريخها الطويل الفضل في تطوير الكثير من الرؤى السياسية في المجتمع الإنساني، ويكفي أن أغلب الأفكار السياسية التي تحكم الحقل السياسي حتى الآن قد بدأت على يد فلاسفة السياسة والاجتماع من أمثال: ماركس وتوماس هوبز وجان جاك روسو وغيرهم..
ويعتبر كتاب «الفلسفة السياسية من أفلاطون لماركس – لأميرة حلمي مطر» خير مقدمة عن أعلام الفلسفة السياسية وأهم أفكارهم المؤثرة.
ثالثًا / «فلسفة التاريخ»
لطالما انشغل الفكر الانساني بالبحث عن تفسير ومعنى لحركة التاريخ وأحداثه، فهل هناك غاية نهائية لحركة التاريخ الانساني وصراعاته المتعددة؟ أم هي مجرد أحداث تحكمها الصدفة؟ وما القانون الحاكم للحقب التاريخية على اختلافها؟ ولمزيد من التوسع فيما يخص التاريخ وعلاقته بالفلسفة يمكن الاطلاع على الكتب التالية:
- «فلسفة التاريخ – مصطفى النشار».
- «النقد التاريخي – عبد الرحمن بدوي».
رابعًا / «فلسفة اللغة»
هو المجال الفلسفي الأهم والأكثر صعوبة في الفلسفة المعاصرة ككل، فقد اهتمت التيارات الفلسفية على اختلافها في القرن العشرين بالبحث في طبيعة اللغة الانسانية وعلاقتها بالعمليات العقلية المختلفة، وكذلك دورها في الكتابة العلمية والأدبية والفلسفية وغيرها، ويحتاج هذا الحقل من القارئ تعود كبير علي الفكر الفلسفي وتاريخه ومصطلحاته وخاصة في جانبه المنطقي. ويعتبر أفضل كتاب ممهد لهذا المجال في المكتبة العربية هو «في فلسفة اللغة – لمحمود فهمي زيدان»، بالإضافة لكتاب «فلسفة اللغة – لصلاح إسماعيل عبد الحق».
خامسًا / «فلسفة العلوم»
منذ أواخر القرن التاسع عشر ومع بداية القرن العشرين، أصبحت العلوم الطبيعية صاحبة الكلمة النهائية فيما يخص تحديد حقيقة الظواهر الكونية والإنسانية على اختلافها، فاكتسبت الفلسفة دورًا جديدًا وهو تحليل طبيعة العلم ومناهجه، وطرح التساؤلات حول مبادئه، وتفسير المعاني الكامنة من وراء نتائجه الأخيرة حول الكون والإنسان، حتى أصبح حقل «فلسفة العلوم»، إلى جانب «فلسفة اللغة»، الحقل الأهم في ميدان الفلسفة ككل، وتستطيع الاطلاع على هذا الحقل الهام من خلال الكتب التالية:
- «فلسفة العلم في القرن العشرين – يمنى طريف الخولي»
- «فلسفة العلم: الصلة بين العلم و الفلسفة – فيليب فرانك»
- «فلسفة العلم: مقدمة معاصرة – أليكس روزنبرج»
المعاجم والموسوعات الفلسفية:
لا غنى عن الاستعانة بالمعاجم والموسوعات اثناء قراءة الفلسفة حتى يمكن التعرف على معانى المفاهيم الغامضة أو التعرف السريع على فيلسوف أو مذهب معين، والفارق بين المعجم والموسوعة أن الأول مختص فقط بتعريف المصطلحات مثل: «الأزل – الأبد – العدم – الوجود»، أما الموسوعة ففيها رؤية موجزة عن فيلسوف أو مذهب أو مدرسة فلسفية معينة، ويعتبر «المعجم الفلسفي – لجميل صليبا» هو خير معجم عن الاصطلاح الفلسفي في المكتبة العربية، وأما بالنسبة للموسوعات فقد قام الدكتور عبدالرحمن بدوي بإعداد «الموسوعة الفلسفية» وهي الأشمل والأوسع والأكثر دقة فيما يخص الاحاطة بكل الموضوعات الفلسفية على اختلافها.
نصيحة:
إذا كنت ستلتزم بالخريطة كاملة فلا تستعمل المعاجم أو الموسوعات أبدًا في المستوى الأول للفلسفة الخاص بالمداخل، ويفضل الاستعانة بها من المستوى الثاني. في بداية معرفتك بالفلسفة يُفضل استخدام الكتابة والتلخيص لأهم الأفكار بأسلوبك الشخصي، أيضًا حاول أن تناقش الموضوعات التي تقرأها سواء مع نفسك أو مع أصدقائك، وهذه الطريقة مفيدة جدًا لمن يعاني من مشكلة اضطراب الأفكار خاصة.
لا تتسرع في فهم القضايا الصعبة والمفاهيم المعقدة وأعطي لعقلك الوقت الكافي للاستيعاب. وأخيرًا، لا تنتظر من الفلسفة إجابات جاهزة وبسيطة عن الأسئلة – التي تظن – أنها عادية ومباشرة، سترى في الفلسفة مشاكل فكرية يُجيب عنها كبار العقول التي عرفتها الإنسانية ولا تزال محتفظة ببريقها المثير للشك، أيضًا يجب أن تُعطي مساحة للرأي المخالف في الفلسفة مهما كان شاذًا أو غريبًا بالنسبة لك، وأخيرًا أعطي مساحة في عقلك لهذا العصف الذهني وستجد أن تأثيرها عليك أكبر من مجرد التسلية ببعض الأفكار الغريبة.
كتابة وإعداد: مصطفى ماهر.
مراجعة علمية: عصام أسامة.
تحرير: هدير جابر.