الدغدغة.. مُضحكة أم مؤلمة؟ ولماذا لا يمكن أن ندغدغ أنفسنا؟

الدغدغة

هل سبق يومًا أن سمعت عن وفاة أحدهِم بسبب «الدغدغة-Tickling»؟ هل شاركت يومًا في حروب الدغدغة؟ هذه الأسئلة تلفت الانتباه إلى مفارقات عجيبة حول الدغدغة، وهو النشاط الذي يبدو ظاهريًا مُمتعًا، لكن في الحقيقة ما هو إلَّا صورة من صور التعذيب.

وفقًا لعلماء الأعصاب، ربما يكون هناك سبب بيولوجي حول الشعور بالألم والعذاب في نفس الوقت الذي نضحك فيه، وهناك سبب أيضًا لماذا نشعر بالدغدغة من الآخرين وإن حاولنا أن ندغدغ أنفسنا لا نشعر بشيء.

*أنواع الدغدغة، وأسباب التّنوُع:

قبل أن نخوض في التفاصيل، علينا أن نعرف أن هناك نوعين من الدغدغة:

  • الدغدغة المُثيرة للحكة «Knismesis».
  • الدغدغة الثقيلة المُثيرة للضحك «gargalesis».

ويرجع سبب تقسيم الدغدغة نوعين إلى عام 1897م،حيث قام «جرانفيل ستانلي هال-GranvilleStanley Hall»، وهو أحد الشخصيات المهمة في علم النفس الأميركي، وأحد مؤسسي جمعية علم النفس الأمريكية ومؤسس أول مجلة لعلم النفس في أمريكا،ومعه «آرثر ألين-Arthur Allin» عالم النفس الشهير الذي تتلمذ علي يدهالكثير من علماء النفس الموهوبين في السنوات التي قضاها بـجامعة بولدر (University of Boulder).

قام عالما النفس بتعريف «الدغدغة المُثيرة للحكة-Knismesis» على أنَّها الحكة اللطيفة الناتجة عن قيام أحدهم بتمرير ريشة برفق على البشرة، أو الناتج عن التخلص من الحشرات أو الطفيليات التي يمكن أن تكون قد زحفت على الجسم، وتنتج أيضًا عن التعرُض لتيار كهربائيخفيف. تُعد «الدغدغة المُثيرة للضحك-gargalesis» أكثر خشونة، وتُسبب الإحساس بالألم بجانب الضحك، والذي لا يمكن أن يتسبب به سوى شخصًا آخر؛ وينتج عنها غالبًا رد فعل جُسماني عنيف.

معظم الناس تمر يوميًا بالدغدغة المثيرة للحكة، فإذا ما لامست ذراعك الآخر ستشعر بحكة ولكن لن يتولد لديك الشعور بالضحك أو الرغبة في سحب ذراعك بعيدًا، كذلك هو الحال عند ملامسة قدميك؛ أمَّا في حالة الدغدغة المثيرة للضحك، فبعد ثوانٍ قليلة ستشعر برغبة في سحب قدميك أو ذراعك نتيجة الإحساس بالألم، كما أنَّ معظم مناطق الجسد يمكنها أن تحس بنوع الدغدغة المثيرة للحكة، على النقيض تمامًا النوع المُسبِّب للضحك، فهو يحتاج إلى مناطق محددة من الجسم من أجل استحضار الاستجابة، وأحيان كثيرة قد لا يتأثر البعض أساسًا بالدغدغة المُثيرة للحركة.

*كيف نشعر بالدغدغة:

يبدأ كل شيء في نهاياتنا العصبية، تُدرك ألياف النهايات العصبية المؤثرات الخارجية وتنقلها إلى المخ. لدينا بعض المناطق أكثر حساسيةً عن غيرها؛ كمنطقة الإبطين، وبطن القدمين،لتميز تلك المناطق بكثرة النهايات العصبية الموجودة بها.عند الدغدغة تقوم تلك النهايات بتوصيل الإشارات العصبية إلى المخليقوم بتحليلها ومعالجتها ومن ثمَّ الرد عليها، ويتم معالجة الإشارات من خلال منطقتين على وجهِ الخصوص؛القشرة الجسدية الحسية، والقشرة الحزامية الأمامية.«القشرة الجسدية الجسية- somatosensory cortex» هي الجزء المسؤول عن حاسة اللمس في الدماغ ويقوم بتحليل الإشارات العصبية للجسم المُسبب للدغدغة، أمَّا «القشرة الحزامية الأمامية-Anterior Cingulate Cortex» فهي المسؤولة عن رد الفعل والسيطرة على الانفعالات.

*لماذا لا نشعر بشيء عند الدغدغة الذاتية (Self-tickling)؟ ولماذا نهوى دغدغة أطفالِنا؟

إذا حاولت أن تُدغدغ نفسك، فلن تشعر بشيء، وبالتأكيد لن تضحك أو تُصدر أي رد فعل، وذلك لسببين؛ أولهما، أنَّ المنقطتين المسئولتين عن استقبال الإشارات العصبية ومعالجتها القشرة الجسدية الحسية، والقشرة الحزامية الأمامية، عندما نحاول دغدغة أنفسنا، تبقيان خاملتين نسبيًا، في الوقت الذي كان فيه المخيخ وهو السبب الثاني الذي يشارك في تنسيق وتنظيم النشاط العضلي يبدأ بالعمل، وتقوم منطقة المُخيخ (Cerebellum) بالتنبؤ بالدغدغة الذاتية مُحذرةً باقي مناطق المُخ بألا تستجيب لأي إشارات.

يرى العلماء أنَّ هناك فائدة تطورية للدغدغة، وأنَّها مُرتبطة بالذكاء الاجتماعي، لأنَّها توفر وسيلة للاتصال بين الآباء والأمهات والأطفال الرُضع قبل أن يصبح الأطفال قادرين على التحدث، والاستجابة بالضحك تجاه اللمس ينتج عنها ردود فعلٍ إيجابية للآباء والأمهات، مما يجعل البالغين أكثر انتباهًا على أطفالِهم، كما وُجد أنَّ الدغدغة تزيد من فرص بقاء الأطفال على قيد الحياة لفتراتٍ أطول.

*هل هناك فارق ما بين الضحك الطبيعي، والضحك الناتج عن الدغدغة:

للإجابة على هذا السؤال، قام العلماء بمتابعة أي مناطق الدماغ تتأثر بالدغدغة، ووُجد أنَّ منطقة «الوصاد الرولاندية-Rolandic Operculum» تنشط  دائمًا خلال جميع أنواع الضحك، لكن في حالة الضحكالناتج عن الدغدغة فقط تنشط أيضًا منطقة تحت المهاد (hypothalamus).منطقة تحت المهاد هي المسؤولة عن رد الفعل في حالات الطوارئ على وجهِ الخصوص، تُبلِغ الدماغ أنَّه على وشك الإحساس بالألم، كما أنَّها المسؤولة عن تنظيم ردود الفعل الفطرية تجاه المُستقبِلات المُختلفة، وخاصةً تنظيم رد فعل الجسم تجاه عملية الدغدغة؛ مما دفع علماء الأعصاب إلى الاعتقاد بأنَّ الضحك الناتج عن الدغدغة ما هو إلَّا آلية دفاع للجسم، وتنبيه للدماغ بخطورة الموقف،لهذا فدومًا ما نُسارع إلى إبعاد الشخص المُسبب للدغدغة أو إصدار أيردود فعل عنيفة، مما يُقلل من فُرص الضرر المُتوقعة، والبقاء على قيد الحياة لفترة أطول.

في النهاية، على الرغم من أنَّ الدغدغة لا تسبب أضرارًا فعلية، لكن لأدمغتنا آراءً أخرى، مما تجعل الجهاز العصبي يتصرف على نحوٍ مُفاجئ، ويتولد الإحساس بالألم، لذا في المرة القادمة التي تُخطط فيها لدغدغة شخص حتى الموت، تذكر أنَّ الدغدغة ليست مادةً للضحك فقط.

 

 

إعداد وتصميم: علي صلاح

مراجعة لغوية: أمنية أحمد عبد العليم

المصادر:

http://sc.egyres.com/gWVGt

http://sc.egyres.com/Jv8Za

http://sc.egyres.com/ns1Mb

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي