يُعد الأدب الإسكندنافي أو أدب الشمال هو الأعمال المكتوبة بلغة الدول الإسكندنافية والتي تشمل فنلندا والنرويج والسويد والدنمارك وجزر الفارو وأيسلندا. ما يميز تلك الدول أنها قدمت لنا عددًا من الكتَّاب الذين تركوا إرثًا مميزًا من الأعمال الأدبية الخالدة. فمثلا هنريك أبسين، هو السبب في شعبية الدراما الواقعية الحديثة بأعمال مثل البطة البرية وبيت العرائس (1)، لذلك -وتسهيلًا على القارئ الذي يدرك صعوبة إيجاد عمل جيد في خضم العدد المهول الموجود اليوم- نقدم لك عزيزي القارئ خمسًا من الروايات الإسكندنافية لن تنساهم أبدًا.
«الجوع» للكاتب كنوت همسون (1890)
ليست القصة ما يميز تلك الرواية فعلا، ألا وهي عن كاتب مبتدئ في مدينة أسلو النرويجية يفشل في إثبات نفسه كأديب ويتعرض لمعاناة الفقر والجوع فتتناول الرواية تبعيات ذلك، لكن ما يميز الرواية ذلك الصراع النفسي والفلسفي بين المادية والإنسانية، كما تتناول تلك المرحلة عندما تدخل عالم الكبار وتدرك أن عليك العمل ليلًا ونهارًا ما لم تكن فاحش الثراء، وأن تستبدل وقتك كله مقابل المال، وهذا ما رفضه بطلنا في كل فصول الرواية.(2,3)
وعلى الرغم من قِدم هذه الرواية لكنك دومًا تشعر بمرارة البطل، فقد خفَّف همسون الأضواء على الأحداث ولكن سلطها بشدة على أفكار وشعور بطل الرواية، فالرواية لا تخبرك ماذا فعل البطل فعلا ولكنها دوما تثير تلك الجدالات الفلسفية مثل أن كرامة الكاتب لا تسمح له أن يعمل ما هو دون عمله، أو أن البطل قد يبرر السرقة لنفسه في بعض الأحيان.(4)
حققت تلك الرواية النجاح الذي كان يطمح له همسون لسنوات، بل ومهدت له الطريق إلى العالمية ونوبل ليحصل عليها عام 192. تلك الرواية تعكس كثيرًا مما عاناه همسون شخصيا كطفل وبالغ وأديب، ولعل ذلك ما جعل التجربة حية.(5)
«ملحمة جوستا برلينج» للكاتبة سلمى لاغرلوف (1891)
قلَّ أن يكتب السويديون روايات تهتم بالجانب النفسي في ذلك الوقت، لكن تلك الرواية هي أحد الأمثلة على ما يسمى بال«PSYCHOLOGISM» وهو الميل إلى تفسير الأحداث من منظور شخصي أو التركيز على أهمية العامل النفسي، وهنا في ملحمة جوستا سترلينج أجادت سلمى لاجرلوف التركيز على المشاعر الإنسانية والعوامل النفسية لتخرج لنا تلك الملحمة الداخلية التي مر بها جوستا، وهذا ما أهّلها للحصول على نوبل عام 1909.(6)
تحكي الرواية عن قس يُطرد من عمله لمعاقرته للشراب، ثم يلتحق بمجموعة من الفرسان تقودهم امرأة، والتي سرعان ما ينقلبون عليها بسبب فتنة تحدث وقتها، وهنا يمارس بطل الرواية دوره كمشاهد لمشاعره أكثر منه راويًا للقصة.(7)
«سقوط الملك» للكاتب يوهانس فلهلم ينسن (1900)
يُعد يوهانس أحد أفضل كتاب الدنمارك، ساعدته تلك الرواية ومجمل أعماله في الحصول على نوبل للآداب عام 1944، كما حصدت روايته لقب «رواية القرن» بناءً على استفتاء الجمهور من جريدة بوليتيكان «Politiken» الدنماركية عام 1999.(8)
أكثر ما يميز تلك الرواية هو المزج بين الإمتاع والفائدة، ففي تلك الرواية يعرض الكاتب قصة فتىً حالم و طموح يسمى ميخائيل ثوجرسون يلتقي بالملك كريستيان الثاني بالصدفة، لتتشابك أقدارهم على طول فصول الرواية الثلاثة معلنةً عن صراع طويل ينتهي ب«سقوط الملك» وميخائيل والمجتمع والدولة.(9)
«أناس مستقلون» لهالدور لاكسنس (1934)
يُعد هالدور رمزًا أدبيًا هامًا في أيسلندا، لن تدخل بيتًا في أيسلندا إلا وبه أحد أعماله، كما أن هالدور هو الأديب الأيسلندي الوحيد الذي حصد نوبل للآداب، فقد استطاع هالدور في تلك الرواية إظهار «قوة هائلة في استحضار فن السرد الأيسلندي العظيم» على حد قول منظمة نوبل عندما منحته الجائزة عام 1955. (10)
في تلك الرواية يناقش الكاتب قضية الاستقلالية الذاتية بشكل صريح ويجعل منها العنصر الرئيسي في القصة، فتجد البطل بعد أن عمل لدى الغير ثمانية عشر عام يشتري أرضًا خاصة به، ورغم الشائعات ونذر الشؤم حولها، لكنك تجد بطلنا يقاوم ذلك في سبيل استقلاله.(11)
«سنوحي المصري» للكاتب ميكا فالتوري (1945)
لعل أكثر ما يميز هذا العمل الأدبي العريق هو البحث المضني الذي قام به الكاتب والذي جعل القارئ يستحضر أفضل صورة لشكل مصر وشوارعها وعادات أهلها، وانعكاسات ذلك العصر على كل هذا وهو ما أثنى عليه كلٌ من النقاد والقراء وعلماء المصريات أيضًا، بل وجعل الرواية من أكثر الأعمال الأجنبية مبيعًا في الولايات المتحدة. تعد سنوحي المصري أنجح روايات ميكا فالتري، ورغم أن فالتري لم يحصد نوبل ككتَّابنا السابقين إلا أنه حظي بسبع ترشيحات لها على مدى حياته.(12)
تحكي الرواية عن العصر الذي حكم فيه الملك إخناتون ودعوته لفكرة الإله الواحد، ويرويها الكاتب على لسان طبيبه الفرعون وبطل القصة (سنوحي)، كما يسلط الكاتب الضوء على أثر الحروب والصراعات السياسية، وما ينتج عنها من خسائر ترهق البشرية وتقتل الطيبين.(13)