السينما الصامتة.. فن نطق إبداعًا

الصامتة-e1550840898496

|السينما الصامتة|السينما الصامتة|السينما الصامتة|السينما الصامتة|السينما الصامتة|السينما الصامتة|السينما الصامتة||

السينما الصامتة
السينما.. ذلك الفن الذي يجمع بين عبقرية المُبدع وشغف المُشاهد وهُوية الأرض ليُقدم إحدى أقوى صور القوة الناعمة التي تتسلل إلى ثنايا العقل والقلب مُحدِثةً أعظم الأثر.
المصدر: democraticac.de

منذ أن عرفت البشرية الفن، سعى الإنسان إلى تطويره واكتشاف أسراره جنبًا إلى جنب مع بناء الحياة، فصُبِغَ الفن بلونِ تلك الحياة وأصبح مرآةً لما يعايشه الإنسان من ابتساماتٍ وآمالٍ ودموعٍ وأحزانٍ ترسمها ريشةُ الفنان وتُصوِّرها عيونُ المُبدع.

وتجلَّى الفن في أروعِ صوره عندما استطاع أن يجسد الحياة بعيون الكاميرات، ليخلق عالمًا مُذهلًا وقف الإنسان مدهوشًا له وهو يرى تفاصيله اليومية أمام ناظريه. فنٌّ استطاع أن يجمع بين مفردات الإبداع ليستحق عن جدارة أن يكون الفنَّ السابع.. إنه السينما.

السينما.. ذلك الفن الذي يجمع بين عبقرية المُبدع، وشغف المُشاهد، وهُوية الأرض، ليُقدِّم إحدى أقوى صور القوة الناعمة التي تتسلل إلى ثنايا العقل والقلب مُحدِثةً أعظم الأثر، هذا كله والسينما على الحال التي نعهدها الآن، فما بالك والسينما في بداياتها حيث كانت عاجزةً عن النطق! هل ترى أن صمتها قد أثَّر في قدرة المبدعين وحدَّ من رغبتهم في إشباع غريزة الفن بداخلهم وأطفأ شغف المشاهد؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال، ما رأيك في جولةٍ سريعةٍ حول السينما الصامتة؟! وحينها في اعتقادي نستطيع الإجابة عن هذا التساؤل.

ميلاد السينما الصامتة

لم يكن انطلاق السينما الصامتة يومًا مشهودًا أو حدثًا جللًا عند عرض الأخوين «لوميير» أفلامهما للجمهور عام 1895 م، ففي خلال تلك الفترة كان هناك استمرار لمجموعة من التجارب والخدع الأولى التي كانت تستهدف تقديم صور متتالية مثل التمثيل الصامت المبهر عام 1892 م لـ«إميل رينو»، وفيلم «فانتا سماجوريا» عام 1898 م لـ«إيتين جاسبار»(1).

أٌطلق على السينما الصامتة هذا الاسم لضعف التقدم والتطور آنذاك، حيث لم تكن هناك تقنية يمكن بواسطتها دمج الصوت بالصورة. عَجْزُ تلك الإمكانات وَلَّدَ نوعًا من السينما اتسم بالتميز والانفراد، حيث رأى الكثيرون أن السينما في حينها قد وصلت إلى أقصى درجات النضج الإبداعي من خلال قدرة المؤدين والممثلين على إيصال أقوى الأفكار بأقل الإمكانات وبأعلى تأثير.

بالإضافة إلى ذلك، استطاع هذا الصمت أن يجد جمهورًا عريضًا لهذا النوع من الفن السينمائي، حيث لا تشترط المشاهدة معرفةَ لُغةٍ معينةٍ للتمكُّن من فهم أحداث العمل السينمائي، حيث إن الصمت هو اللغة المشتركة بين جميع البشر.

ولم تكن السينما صامتةً بمعناها الحرفي، فقد صاحبت الموسيقى عرضَ الأفلام لمساعدة المُشاهد على فهم ما يدور أمامه من لقطات، سواء أكان ذلك بالارتجال على آلة البيانو، أو من خلال المدونات الموسيقية الأوركسترالية لكبار الموسيقيين، ولكن في جميع الأحوال تعتبر الموسيقى رفيقة الدرب للفيلم الصامت والشاهد على نجاحاته.

وإلى جانب ذلك، كان يُصاحب عرض الأفلام الأولى وخاصة غير الروائية مُحاضرة أو مُنادٍ ليوضح قصة الفيلم، كما طوَّرت اليابان نظامًا عُرِفَ باسم «البنشي» الذي يقوم بعملين هما التعليق على الحدث والنطق بالحوار، وبفضل هذا النظام بقي الفيلم الصامت في اليابان فترة أطول عن البلدان الأخرى التي انتقلت إلى الفيلم الناطق(2).

تاريخ السينما الصامتة

السينما الصامتة
بدأ التركيز على الإنتاج في استديوهات مُتسعة أشبه بالمصانع، حيث تم تجميع كل جوانب العمل بدءًا بالإنتاج ومرورًا بالدعاية والتوزيع ووصولًا إلى العرض داخل نظام جديد عُرف ب «نظام الاستديو»،
المصدر: www.albayan.ae

لقد تطورت السينما على نحوٍ سريعٍ في العقدين الأولين من سنين وجودها، فما كان في عام 1895 م مُجرَّدَ شيءٍ جديدٍ أصبح مع عام 1915 م صناعةً راسخة. ولم تكن الأفلام الأولى تزيد عن لقطاتٍ خاطفةٍ مُتحركة مدتها دقيقة واحدة. ومع عام 1905 م، امتد طولها بين خمس وعشر دقائق. ومع أوائل عقد 1910 م تظهر أول أفلام روائية طويلة، إن سينما هذه الفترة من منتصف سنوات 1891 م إلى منتصف سنوات 1910 م يُشار إليها أحيانًا على أنها سينما «ما قبل هوليوود»(3).

بين عاميّ 1907 م و1913 م، بدأت صناعة الفيلم في الولايات المتحدة الأمركية وأوروبا منافسةَ المشروعات الرأسمالية الصناعية المعاصرة، ولقد ازداد التخصص عندما أصبح الإنتاج والتوزيع والعرض مجالات منفصلة ومُتميزة، وعمدت أفلام تلك الفترة إلى تقديم نصوص سردية روائية مُتماسكة من داخلها، وبلغ متوسط الفيلم ألف قدمٍ طولًا، ويستغرق عرضه حوالي خمس عشرة دقيقة. وفي عام 1907 م وحدها تم إنتاج ما يُقارب ال 1200 فيلم(4).

مثَّل عام 1910 م نهضة هوليوود، حيث بدأ التركيز على الإنتاج في استديوهات مُتسعة أشبه بالمصانع، حيث تم تجميع كل جوانب العمل بدءًا بالإنتاج ومرورًا بالدعاية والتوزيع ووصولًا إلى العرض داخل نظامٍ جديد عُرِفَ بـ«نظام الاستديو»، وكان على البلدان الأخرى حينها أن تحاكي هذا التقدم الهوليوودي لكي تدخل في مضمار المنافسة(5).

هيمن التوزيع والعرض لأفلام هوليوود على الانتشار العالمي المُتسع للسينما، واجتاح إنتاج الأفلام الروائية الطويلة المدن، فأصبح لكل دولة بصمتها في تاريخ هذه السينما الصامتة مثل دول النمسا والدنمارك وفرنسا وألمانيا واليونان والمجر واليابان والنرويج وبولندا ورومانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمركية ويوغوسلافيا، إلى جانب أستراليا التي أُنتج بها أول فيلم روائي عالمي مدته أطول من ساعة زمنية(6).

وبحضور الحرب العالمية الأولى إلى المشهد، بدأت في نشر تأثيراتها، حيث ساهمت في نمو الاستديوهات، ومهدت الطريق للهيمنة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب، ولعب الفيلم دورًا واضحًا في تشكيل المشاعر العامة نحو الصراع، وفي تشكيل جمهور يتفهَّم معنى الحرب(7).

مشاهير السينما الصامتة

عند البحث في تاريخ السينما الصامتة، سوف نجد استعراضًا له من خلال أسماء قد لمع نجمها في سماء هذا الفن، وشكَّلوا بطاقةَ هويةٍ له، واستطاعوا أن يسجِّلوا أنفسهم كأيقوناتٍ حُفِرَت في ذاكرة الجمهور، في حقيقة الأمر هم كُثُر، ولكن سوف نذكر منهم أسماءً على سبيل المثال لا التهميش للآخرين.

تشارلي تشابلن.. صعلوك الفن

السينما الصامتة
كان تشابلن واحدًا من أعظم كوميديي السينما الصامتة إن لم يكن الأعظم، وبطلًا في عيون محبيه.
المصدر: www.almrsal.com

لم يكن ذلك الطفل الصغير الذى عانى ويلات الفقر والحرمان وسوء المعيشة يعلم أن أيامه القادمة ستجعل منه واحدًا من أعظم كوميديي السينما الصامتة إن لم يكن الأعظم، وبطلًا في عيون محبيه، وفنانًا تُباع صوره وتماثيله ويتشبَّه به الناس في ملبسه وطريقة كلامه التمثيلية.

كان تشابلن واحدًا من أكبر المدافعين عن السينما الصامتة، ورافضًا لدعوات التحول إلى السينما الناطقة عند ظهورها في ثلاثينيات القرن العشرين، فكان نتاج ذلك إغناء السينما العالمية بتراث هائل من الأعمال التي ضاع معظمها بفعل عوامل الزمن، وبقي بعضها شاهدًا على براعة هذا الرجل الذي خاطب قلوب الكثيرين بما يستهويها.

تنقَّل بين العديد من شركات الإنتاج الأمريكية بأجور متنامية نحو الأعلى، حتى أسس شركته الخاصة (United Artist) مع كلٍّ من «دوجلاس فيربانكس» و«ماري بيكفورد» و«ديفيد وورك جريفيث»، لتُمثِّل ثورةً جديدةً في عالم السينما الصامتة، حيث كانت شركات الإنتاج هي المتحكم الرئيس في المُمثلين.

على مدار سنوات عمله الفني، لم يكن هدف تشابلن إضحاك الجماهير وإسعادهم فحسب، بل كان يدعوهم من خلال أفلامه إلى التفكُّر والتأمُّل في مناحي الحياة التي يعيشونها، وكل ما يدور حولهم من إرهاصات تولَّدت في المجتمع، فنجده يقدم رؤية كوميدية للحرب العالمية الأولى  في فيلم (أسلحة الكتف – Shoulder Arms)، ويشن هجومًا على التعصب الديني في (المهاجر – The immigrant)، وغيرها من الأعمال التي عبَّر فيها عن التطور الذي بدأ يشهده العالم مثل دخول الآلة في الصناعة والاستغناء عن الإنسان من خلال فيلم (الأزمنة الحديثة – Modern Times).

إن الكلام عن هذا الرجل لن ينتهي، فهو قامة كبيرة أفاضت على العالم من موهبتها الربَّانية التي استطاعت أن تصنع حياةً أفضل لكن من آمن بها. رجلٌ عشق الفن وأحب الناس وسعى إلى نشر الضحكة رُغم قلبه الحزين، فاستحق أن يكون بالمعنى الحرفي فنانًا قلَّمَا يجود علينا الزمان بمثله.

لوريل وهاردي.. رفقاءُ طفولة

السينما الصامتة
استطاع الثنائي على مدار سنوات تجاوزت العشرين أن يُقدما فنًّا راقيًا وضحكاتٍ صافية.
المصدر: www.elcinema.com

عند بحثي المتعمق عن أشهر مُمثلي السينما الصامتة، قفز إلى خاطري شخصان اسمهما لوريل وهاري، لم أستطع أن أمنع نفسي من تجاهل الكلمات البحثية الجافة والبحث في ذكريات طفولتي، حيث العودة إلى حيث تجلس الصغيرة تتابع ما يُعرض على شاشة التلفاز، ويظهر أمامها شخصان أحدهما نحيف والآخر بدين، يقومان بأفعالٍ تنتزع من صدرها الضحكات، وتستفز عقلها الصغير نحو التدقيق في تصرفاتهما التي تنُمُّ عن موهبةٍ مُفرطة كانت من علامات تعلقها بالفن.

«ستان لوريل» و«أوليفر هاردي» يُعدَّان من أعظم المواهب الكوميدية في تاريخ السينما الصامتة، حيث استطاعا على مدار سنوات تجاوزت العشرين أن يُقدِّما فنًّا راقيًا وضحكاتٍ صافية، ولا عجب في ذلك، حيث كان لوريل من زملاء تشارلي تشابلن ضمن الأجيال التي درَّبها «فريد كارنو» مدير فرقة لندن آنذاك، وقدم لوريل وهاردي مجموعةً رائعةً وغنيةً من الأعمال من بينها: (أنا وصديقي – Me and My Pal)، (اللمسة النهائية – The Finishing Touch).

إلى جانب هؤلاء المبدعين، يوجد الكثير ممن أثروا في هذا الفن الصامت مثل «بِستر كيتون»، «أستانيلسن»، «ديفيد وورك جريفيث»، «سيسل ب. ميل»، «ليليان ودوروثي جيش»، «رودلف فالنتينو»، «جوزيف م. شنيك»، «سيد جرومان»، «إريك فون شتروهايم»، «ماري بيكفورد»، «دوجلاس فيربانكس»، «فرانك بورزاج»، «وليم إس. هارت»، «توم ميكس»، وغيرهم ممن لمعوا في سماء السينما الصامتة وأفرزوا لوحاتٍ تنطق جمالًا.

السؤال الذي ظلَّ يُراود عقلي أثناء البحث عن تاريخ هذا الفن، أين نحن من هذا الجمال وأرضنا خُلق فيها الإبداع بكل ألوانه، أيعقل أن أوروبا وأمريكا سطع في سمائهم نجمٌ لم يظهر لدينا، وظللت أبحث حتى كشفت لي أوراقنا الفنية القديمة أننا كنا على الخريطة الفنية وأثبتنا وجودًا في هذا المجال.

السينما الصامتة في مصر

كانت مدينة الإسكندرية بحكم طبيعتها الجاذبة لكل ما هو جميل وآخاذ، أول المدن المصرية التي وصل على أرضها اختراع السينما، حيث تم عرض شرائط السينما التي صنعها الأخوان لوميير في يوم الخميس 5 نوفمبر من عام 1896 م، لتصل بعد ذلك إلى القاهرة في اليوم الثامن والعشرين من نفس الشهر، لتحقق المشاهدة نجاحًا كبيرًا يؤذن بميلاد جديد.

ثم بدأ الأخوان لوميير يفكران في تصوير المدن المصرية لعرضها على المُشاهد الفرنسي والأوروبي لتزداد متعة المشاهدة بما يقدمونه في هذا الاختراع العجيب، ليبدأ الأخوان بإرسال بعثةٍ إلى مصر عبر بوابتها الإسكندرية ليتم التصوير، لتتمكَّن البعثة من تصوير خمسة وثلاثين فيلمًا قصيرًا، ليتم إيفاد بعثةٍ أخرى بعد تسع سنوات لتصوير أفلامٍ أخرى تمزج هذه المرة بين جمال المناظر وعرض صورٍ حيَّةٍ للجمهور المصري بما يشتمله من فكر وعادات وتقاليد.

وكما بدأت السينما في العالم وثائقيةً، كان هو الحال كذلك في مصر، حيث اُعتبرت البداية الحقيقية للسينما المصرية في عام 1907 م مع فيلم «زيارة جناب الباب العالي للمعهد العلمي في مسجد أبي العباس»، حيث تم عرضه مقابل تذاكر مدفوعة الأجر، وكان هذا الفيلم مشروعًا مِصريًّا خالصًا صنعه كلٌّ من «عزيز بندرلي وأمبرتوملافاس دوريس»، أجنبيَّا المولد مِصريَّا الإقامة، حيث تم الطبع والتحميض على أرض مصر، وينجح الفيلم، لتتوالى بعده عدد من الأعمال السينمائية الوثائقية(8).

ثم يتجه عددٌ من المتحمسين لفن السينما نحو صناعة الأفلام الروائية القصيرة، فيُسجِّل النقاد عددًا كبيرًا من الأفلام وصانعيها، ففي عام 1918 م قام مُصورٌ إيطالي يدعى «لاريتشي» بإخراج فيلمٍ فكاهيٍّ قصيرٍ اسمه «مدام لوريتا»، قام ببطولته الفنان فورزي الجزايرلي وابنته إحسان الجزايرلي، مع عدد من مُمثلي فرقة الجزايرلي التي كانت تعمل وقتئذٍ على مسرح «دار السلام» بحي الحُسَين، وقد صُوِّرَت كل مناظر الفيلم في الشوارع، لأنه لم تكن هناك في ذلك الوقت استديوهات سينمائية بالقاهرة(9).

وكان من أكثر من عملوا في بدايات السينما تميُزًا «محمد بيومي» الذي أخذ ينهل من المعلومات التي تتوافر بين يديه حول هذا الفن، إلى جانب اطلاعه على السينما الألمانية عندما كان هناك، ليستفيد بذلك كله في صنع فيلمه الروائي الأول «برسوم يبحث عن وظيفة» عام 1923 م، الذي أوكل فيه البطولة لصديقه الفنان «بشارة واكيم»، وكذلك في فيلمه الروائي القصير الثاني «الباشكاتب» عام 1924 م، الذي كان بطله «أمين عطا الله» أحد ممثلي المسرح الكوميدي في ذلك الوقت، ليقدم بعدهما عددًا من الأفلام التي تشهد بفضله على هذا الفن.

البداية الحقيقية.. أول فيلم روائي طويل

اختلف النقاد والمؤرخون الفنيون حول هوية الفيلم الذي حظي بشرف لقب أول فيلمٍ مصريٍّ روائيٍّ طويل، لكن الأكيد أن عام 1927 م كان هو العام الذي مثَّل ضربة البداية للسينما المصرية عن حق، ففي هذا العام احتفت مصر بفيلمَين روائيين طويلين هما فيلم «ليلى»، وفيلم «قبلة في الصحراء».

السينما الصامتة
قام إبراهيم لاما بكتابة قصة الفيلم وإخراجه وتصويره، بينما قام بدر بتمثيل دور البطل وشاركته المُمثلة «بدرية رأفت».
المصدر: www.elcinema.com

كان الأخوان لاما الفلسطينيان «بدر وإبراهيم لاما» يستعدان لعملهما الروائي الأول الصامت «قُبلة في الصراء»، حيث قام إبراهيم لاما بكتابة قصة الفيلم وإخراجه وتصويره، بينما قام بدر بتمثيل دور البطل وتشاركه البطولة الفنانة «بدرية رأفت»، وتم تصوير المناظر الخارجية في الشوارع والصحراء، أما المناظر الداخلية فقد صُورت في الفيلا التي استأجراها في حي فيكتوريا بالإسكندرية، حيث كان الأخوان لاما يقومان بتحويل الصالة الفسيحة في الفيلا من ديكور إلى آخر، ويستخدما أوراق الحائط ذات الألوان المزخرفة المختلفة مع كل مشهد(10).

السينما الصامتة
أقدمت الفنانة «عزيزة أمير» على صُنع فيلم روائي طويل صامت بناء على نصيحة من المخرج «وداد عرفي» ذي الأصول التركية.
المصدر: www.elcinema.com

كما أقدمت الفنانة «عزيزة أمير» على صُنع فيلمٍ روائيٍّ طويلٍ صامتٍ بناءً على نصيحةٍ من المخرج «وداد عرفي» ذي الأصول التركية، لما قد يمثله ذلك لها من نجاحٍ شخصيٍّ بشكلٍ خاص، وللفن في المصلحة العامة، لتقتنع بالفكرة ويتم تنفيذها بالفعل بعد مرورها بمشكلات وخلافات كثيرة كان في مقدمتها خلاف البطلة عزيزة أمير مع عرفي، ليسند الإخراج إلى الفنان «إستيفان روستي» الذي مثَّل فيه أيضًا، لتخرج في النهاية « ليلى» إلى النور، وسجَّل عددٌ من النقاد أن فيلم قبلة في الصحراء سبق فيلم ليلى في التنفيذ بحوالي ستة أشهر، في حين أن ليلى كان الأسبق في عقول مُنفذيه.

زينب 1930 م

السينما الصامتة
يعد هذا الفيلم تجربة رائدة لا يمكن التغافل عنها، فهو أول فيلم مأخوذ عن عمل أدبي يظهر على الشاشة.
المصدر:
www.elcinema.com

لم يكن فيلم «زينب» بالطبع أول فيلمٍ روائيٍّ طويل، فقد سبقه ما أقدمنا على ذكره آنفًا، ولكن يعد هذا الفيلم تجربةً رائدة لا يمكن التغافل عنها، فهو أول فيلم مأخوذ عن عمل أدبي يظهر على الشاشة، مؤلفها هو الدكتور «محمد حسين هيكل» الذي صاغها عندما كان يدرس القانون في فرنسا عام 1910 م، لكنه لم ينشرها باسمه بل بإمضاء: «مناظر وأخلاق ريفية.. بقلم مصري فلاح».

أُعجب بقصة الرواية المخرج «محمد كريم» عند قرائته لها في ألمانيا أثناء دراسته للسينما، فأعدَّ لها سيناريو لكنه لم يجد لها منتجًا، حتى قرر أن يقوم بهذه المهمة الفنان «يوسف وهبي» الذي كان صديقًا له، ليُكلفه هذا الفيلم خمسمائة جنيه كاملة منهم، وقد ابتكر محمد كريم فكرة تلوين أحد مشاهد الفيلم، فأرسل المشهد إلى باريس لتلوينه باليد ليكلِّفَ هذا المشهد وحده المنتِج ربع ميزانية الفيلم، وكانت النسخة الصامتة في الفيلم من أداء الفنانين «بهيجة حافظ» و«سراج منير» و«زكي رستم» وآخرين.

لكن هذا المجهود لم يضع سدى، فقد حقَّق هذا الفيلم نجاحًا باهرًا جعل مؤلف القصة الدكتور «محمد حسين هيكل» يعيد نشر القصة باسمه مستفيدًا من هذا النجاح، كما شجَّع المُخرج محمد كريم على إعادة إنتاج نسخة ناطقة من الفيلم عند ظهور السينما الناطقة عام 1952 م، كما حاول إنتاجه ثالثًا عند ظهور الأفلام المُلونة.

السينما الصامتة العربية

لم يكن العالم العربي بعيدًا عن هذا الجمال الفني، فقد كانت هناك مجموعةٌ من التجارب التي تستحق الإشادة، حتى وإن ضَعُفَ مستواها العام، فنجد في سوريا أفلامًا قد تم إنتجها مثل فيلم «تحت سماء دمشق» الذي لم يلقَ إقبالًا كبيرًا بسبب ظهور السينما الناطقة وإنتاج جارتها مصر لأول أفلامها الناطقة «أنشودة الفؤاد»، كما يوجد للسينما اللبنانية حضورٌ قوي، لكنها عانت من تعنُّت الاحتلال الفرنسي حيالها(11).

مؤخرًا، حاول عددٌ من مُحبي الفن في فرنسا إحياء السينما الصامتة من خلال فيلم (الفنان- The Artist) الذي تم إنتاجه عام 2011 م وحاز عددًا من الجوائز، وذلك كخُطوة لتعريف الناس بأهمية هذه النوعية الفنية، وإيجاد جمهور لها.

إن القراءة المُتعمقة والبحث الجاد في تاريخ السينما الصامتة يُثبت شيئًا مهمًا، أن رواد هذا الفن قد صنعوا تُحفًا فنيةً مكانها الحقيقي متاحف تُخلِّد هذا المجهود، وتوثّق ما عانوه من إمكانيات ضعيفة لكن الدافع لهم نحو الاستمرار كان حبهم الفني، وعلينا أن ندرك أنه لولا ما فعلوه ما توصَّلنا إلى ما نحن نتمتع به الآن من فن، ولكن ليس أي فن، فعليه أن يكون فنًّا حقيقيًّا يضيف رونقًا إلى قديمه لا تشوهًا إلى معالمه.

إعداد: هدير جابر
تدقيق لغوي: محمد سيّد الجوهري

المصادر:

1- سميث،ج.ن.(2010).موسوعة تاريخ السينما في العالم(المجلد الأول) السينما الصامتة، (ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد).القاهرة: المركز القومي للترجمة. (العمل الأصلي نشر في عام 1996م)، ص 33.

2- نفس المرجع السابق، ص ص 34-35.

3- نفس المرجع السابق، ص61.

4- نفس المرجع السابق، ص89-90.

5- نفس المرجع السابق، ص143.

6- نفس المرجع السابق، ص175.

7- نفس المرجع السابق، ص ص 205-210.

8- حلمي، سامي.(2013). بدايات السينما المصرية (1907-1939). ط1.القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، ص ص17-18.

9- توفيق، سعد الدين.(1969). قصة السينما في مصر- دراسة نقدية. القاهرة: دار الهلال، ص10.

10- نفس المرجع السابق، ص ص 18-19.

11- ألكسان، جان.(1982). السينما في الوطن العربي. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص ص93-124.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي