Black panther: الرؤية السياسية للأفارقة (ترشيحات الأوسكار 2019)

wakanda-themed-e1549923008312

«بلاك بانثر».. والرؤية السياسية للأفارقة|«بلاك بانثر».. والرؤية السياسية للأفارقة|«بلاك بانثر».. والرؤية السياسية للأفارقة|«بلاك بانثر».. والرؤية السياسية للأفارقة

الزمان: عام 1992، المكان: ملعب كرة سلة في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا، الحدث: طفل صغير يتوقف عن لعب المباراة ويلقي نظرة إلى السماء.

بشكل مجازي، ينظر إلى الأمل المفقود، ضوء متوهج ينجرف في ثنايا الليل. وكما نعلم لاحقًا، يصدر هذا الضوء من طائرة مستقبلية في طريق عودتها إلى دولة أفريقية غامضة تُسمى (واكاندا – Wakanda)، وهي المكان الذي تدور به أحداث فيلمنا (بلاك بانثر – Black Panther).

إذ أخبره والده ذات مرة أن واكاندا بها أجمل غروب للشمس يمكن أن تراه عيناه؛ لذا احتضن هذه الرؤية الجميلة المُتَخيَلة في عقله أثناء أحلك ساعات حياته. ليظل يحلم برؤية الشمس وهي تغرب على واكاندا، وطنه الذي يتمنى الرجوع إليه في كل لحظة.

 

قصةٌ عن الوطن

«بلاك بانثر».. والرؤية السياسية للأفارقة
(واكاندا – Wakanda)

في المشهد الافتتاحي من الفيلم التابع لسلسلة أفلام مارفل (بلاك بانثر – Black Panther)، صوت صبي صغير يقول: «بابا، احكِ لي قصةً عن الوطن».

ليبدأ الفيلم والأب (نجوبو – N’Jobu) يحكي لابنه تاريخ أمة واكاندا. منذ ملايين السنين، ضرب نيزك الأرض، وكان يحمل في طياته أقوى معدن في الكون: (الفيبرينيوم – vibranium). يخبرنا نجوبو بأن أول بلاك بانثر تمكن من توحيد قبائل واكاندا المتناحرة، وأصبح معدن الفيبرينيوم أهم مورد لديهم.

وبتقدم تكنولوجي هائل للغاية، يتخطى خيال أي أمة أخرى، تختبئ أمة واكاندا عن العالم وراء غابة استوائية وهمية. وعلى حد معرفة العالم الخارجي، فهي مجرد دولة من دول العالم الثالث.

حضارة أفريقية متقدمة للغاية، تعيش في عزلة تامة، لم تمسّها قوى الاستعمار أو الحرب. هذه هي الرؤية البديلة الأولى للعالم الذي يستكشفه مخرج الفيلم (راين كوجلر –  Ryan Coogler)، ولكنه ليس الأخير ولا الأكثر إثارة للاهتمام. (1)

ومن أرشيف دولة واكاندا، ينطلق الفيلم إلى المستقبل في عام 1992، في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا. لنرى مشهد الطفل الصغير وهو يلعب كرة السلة، لتحلق فوقه طائرة من واكاندا، تحجبها السحب.

لحظة تسمح لنا بالتفكير في أوجه التشابه والاختلاف بين هذين العالمين. عندما بدأ العالم في استعمار وغزو الأراضي المحيطة بدولة واكاندا، وبدأ في استعباد أهلها، كان يمكن أن يساعد قادتها سكان هذه الأراضي، أو يظلوا في مخبئهم يحمون مواردهم الثمينة.

لكلا الخيارين عواقب وخيمة. اختار شعب واكاندا أن يستثمروا في أنفسهم، وقرروا أن يُخفوا معدن الفيبرينيوم وكل ما يقدمه من مزايا تكنولوجية رهيبة عن باقي دول العالم.

يحاول الفيلم أن يجد أرضًا مشتركة بين هذين العالمين، عالم لا يُمنع فيه الأفارقة السود من الاحتفاء بجذورهم وثقافتهم في الخارج، وعالم آخر تبتعد فيه الأيدي الطامعة عن أرض واكاندا. من خلال التركيز على مواطني واكاندا وخلافاتهم حول كيفية إدارة مستقبل بلادهم، يخلق المخرج كوجلر شعورًا بالفوضى التوافقية. فيريد الجميع الوصول لذات الهدف، حماية واكاندا والحفاظ على أراضيها، ولكن لكل منهم أفكاره المختلفة للوصول لهذا الهدف.

 

بلاك بانثر.. والرؤية السياسية للأفارقة

«بلاك بانثر».. والرؤية السياسية للأفارقة
(بلاك بانثر – Black Panther)

يخلق الفيلم عددًا من الانقسامات من وجهة نظر فلسفية: الانعزال مقابل الاستعمار، الهوية الوطنية مقابل الهوية العرقية الأفريقية، والعصبية مقابل سياسة الانفتاح الدولي. والأهم من ذلك، أنه يناقش فكرة الشتات الأفريقي حول العالم.

رأينا كيف اتجه شعب واكاندا إلى سياسة العزلة للحفاظ على تقاليدهم ووطنيتهم، بينما في أماكن أخرى نرى آثار الاستعمار والاستعباد والحرب حول العالم.

نرى الأب نجوبو وتخطيطه لهجوم مسلح على الحرس الوطني بكاليفورنيا، وهو أخو الملك (تتشاكا – T’Chaka). تحدث المواجهة بين الملك وأخيه نجوبو، تتقاطع وجهات النظر، إذ يرى نجوبو الظلم الذي يتعرض له الأشخاص ذوي البشرة السمراء في أنحاء الولايات المتحدة والعالم، ويصبح متطرفًا نتيجة لخبراته السابقة التي تعرض لها، من تمييز عنصري، وحرب المخدرات في الأحياء الفقيرة، والفقر الممنهج الذي يتعرض له من يحمل اللون الأسود. ليصل إلى استنتاجه النهائي بأن التكنولوجيا الخارقة لـ واكاندا يجب أن تُستخدم في تحرير الأفارقة المضطهدين حول العالم أجمع.

تحدث المواجهة بين الأخوين، ويقتل تتشاكا أخيه نجوبو. ليحلم ابنه (كيلمونجر – Killmonger) بالعودة يومًا ما إلى واكاندا، لتحقيق حلم أبيه بتحرير الأفارقة حول العالم.

يقدم الفيلم مادة فكرية متعمقة على عدة مستويات: خطايا الآباء تحدد مسار الأبناء، فكل من الملك الحالي تتشالا وابن عمه وعدوه كيلمونجر تقودهم أفعال ووجهات نظر آبائهم؛ وهو ما يمثل الانعزال عن العالم في مقابل غزوه.

التنافر والصراع بين التقاليد والحداثة، الحفاظ على الانعزالية أو الانضمام للمجتمع الدولي، والتدخل لمساعدة الأفارقة المضطهدين عالميًا. لنرى أن حتى الملك تتشالا اقتنع في النهاية بضرورة الانفتاح على العالم.

 

أرضٌ مشتركة

«بلاك بانثر».. والرؤية السياسية للأفارقة
بلاك بانثر في مواجهة عدوه كيلمونجر

كما عرفنا أن الشرير كيلمونجر الذي تبنى وجهة نظر والده في الثورة المسلحة، والتي جاءت نتاج تجاربه من العنصرية والاضطهاد في أمريكا. فقد تربى يتيمًا بعد مقتل والده على يد عمه الملك السابق، وانضم للجيش نتيجة لفقره، وخضع للاضطهاد الكامل الذي يتعرض له الأفارقة باستمرار. وبعد صراع مع الملك الحالي تتشالا على عرش واكاندا، وعلى الأحق بلقب بلاك بانثر، تحدث مع المجلس الحاكم للدولة قائلًا: «هناك ما يقارب 2 مليار شخص يشبهوننا يتعذبون في الجحيم، بينما تجلسون هنا في راحة. سيتغير كل شيء الآن».

في زمن الأزمات، يشيد الحكماء الجسور، بينما يبني الحمقى الحواجز

كما أن الملك تتشالا أيضًا يمثل تناقضًا بالغًا، فلقد وُضع على كاهله عبء القيادة دون أن يتعرض للألم الذي تعرض له ابن عمه كيلمونجر. فهو يحاول جاهدًا الحفاظ على عرشه، وتجنب محاولات اغتصاب العرش بعد وفاة والده في الفيلم السابق لمارفل (كابتن أمريكا: الحرب الأهلية). بالإضافة لمحاولته الحفاظ على تقاليد واكاندا في الانعزال عن العالم، متّبعًا خطى والده ومن سبقه من الملوك.

جاءت أصول هذا الموقف الانعزالي بدافع من الجذور القومية لدى شعب واكاندا. ويمكننا أن نرى ذلك عندما يعارض أحد الأشخاص فكرة قبول اللاجئين من الدول المجاورة، قائلًا: «المشكلة مع اللاجئين هي أنهم يجلبون مشاكلهم معهم».

كما يصف الفيلم، نشأت هذه القومية كوسيلة للدفاع ضد العالم الخارجي. ولكن في نهايته، يشكك الملك تتشالا في هذه القومية، نظرًا لقوة بلده التكنولوجية الرهيبة، ليجد أن هناك حاجة ماسّة للتغيير، على المستوى المحلي والعالمي.

هذا الانقسام بين الانعزالية واخضاع العالم نتيجة الصراع الأيدلوجي بين الملك تتشالا وعدوه كيلمونجر يقدم لنا فكرة مثيرة للاهتمام حول كيفية المضي قدمًا، وإيجاد أرضٍ مشتركة. ليرفض في النهاية هذا الانقسام، ويستمر في طريق التنمية للتغلب على الظلم بدلًا من استخدام القوة أو تجاهل المشكلة تمامًا كما كان يفعل الملوك السابقين.

 

كتابة وإعداد: محمد يوسف

المصادر:

1. Eells J, Eells J. Ryan Coogler: Why I Needed to Make “Black Panther” [Internet]. Rolling Stone. 2018 [cited 2019 Feb 11]. Available from: https://www.rollingstone.com/movies/movie-features/ryan-coogler-why-i-needed-to-make-black-panther-203737/
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي