ماذا يفعل المرء عندما يقع في حُبِّ غيمةٍ؟ في حُبِّ سِربٍ من الطيور في موسم هجرته الأخيرة؟ في حُبِّ نجمةٍ ظهرت لليلتين مُتتاليتين واختفت بعد ذلك للأبد؟ وتُرى.. ماذا يفعل المرء عندما يقع في حُبِّ نجمةٍ لم تولد بعد؟
تساؤلات عدة ومشاعر جمّة تسيطر عليك عند طرقك لباب هذا الفيلم الذي لم يسعني سوى أن أقول عنه إنه آسرٌ، آسرٌ للحدِ الذي يجعلك ترغب في الضحكِ، والبكاء، والغناء، والصراخ، والحُبِّ، والموتِ في آنٍ.. (A Star Is Born – مَوْلِد نَحمة).
غرام هوليود بهذه القصَّة الكلاسيكية
هذه النسخة من الفيلم تُعدُّ الرَّابعة فى تاريخ السِّينما الأمريكيَّة، حيث تم تقديمها ثلاث مرات من قبل:
النسخة الأولى كانت فى عام 1937، وكان الفيلم من إنتاج أشهر وأكبر منتجى تلك الفترة، وهو ديفيد أو سيلزنيك.
النسخة الثانية من الفيلم كانت فى عام 1954، وقد قام ببطولة الفيلم النجم الإنجليزى الكبير جيمس ماسون، والمُمثلة والمُغنية الأمريكية الشهيرة جودى جارلاند، وبالنسبة لتلك النسخة فجاء ترتيبها فى المركز الثالث والأربعين بين أفضل مائة فيلم أعلنها «معهد الفيلم الأمريكى – American Film Institute»، وجاء فى المركز السابع فى قائمة المعهد بالنسبة للأفلام الموسيقية، كما صُنِّفت أغنية الفيلم “The man who got away” ضمن قائمة أفضل أغنية فى فيلم أصدرها معهد الفيلم الأمريكى، وقد رُشِّحت جارلاند عن دورها فى الفيلم لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثلة.
وبالنسبة للنسخة الثالثة من الفيلم، التى هى الأقرب للتَّذكُّر، كانت فى عام 1976، وكان الفيلم من بطولة النجمة والمغنية الكبيرة باربرا سترايساند، والمغنى الكبير كريس كريستوفرسن، ونسخة برادلى كوبر قريبة جدًّا من حبكة النسخة السبعينية بالصورة على الأقل.
تدور أحداث الفيلم الأصلي -المقتبس كذلك من فيلم “What price Hollywood؟” إخراج جورج كيوكر- حول فتاة شابة هاوية للفن تقابل محض صدفة ممثل شهير لكنه على وشك الانطفاء بسبب الإدمان على الخمور وتراجع مستواه المتزايد، ولكنه يضعها على بداية طريق النجاح، ويقعا في الحب في ذات اللحظة، فنشاهد صعودها وإنحداره معًا. قصة بسيطة بالفعل، ولكنها الخلطة السحرية لهوليود التي تحب إعادة قص قصتها على هيئة أفلام.
ومنذ عام 2011 بدأ التفكير في إعادة تقديم القصة مرة أخرى، وكان كلينت ستود من سيقوم بالمهمة الأخراجية مع بيونسيه في دور البطولة ولكن تأجل المشروع عدة مرات، وذلك حتى عام 2016 ليصل الفيلم إلى كوبر ليأخذ أولى خطواته كمخرج في فيلم من بطولته ولايدي جاجا التي تمثل لأول مرة.
أحداث الفيلم..
يبدأ الفيلم بأصوات الحفل الموسيقي المُشتعَل والمملوء بالحماس، وبصوت بطلنا الذي أشعل الحفل بصوته وموسيقاه: (جاكسون ماين – Jackson Maine) والذي يلعب دوره النجم: (برادلي كوبر – Bradley Cooper)، بالإضافة قيامه بإخراج الفيلم كأوَّل تجربة إخراجية له، وجاسكون ماين هو مُغنِّي مشهور جدًا ولكنّه مُدمن على الكحول والمخدرات، ويُعاني من طنين في الأذنين منذ طفولته.
وبعد الحفل ينفذ الكحول من ماين أثناء وجوده في سيارته، فـ يدخل إلى أحد العروض الغنائية في حانة ويلتقي بفتاة تُدعى (آلي – Ally)، والتي تقوم بدورها (ليدي جاجا – Lady Gaga)، وهي مُغنية هاوية جيدة، ولكنها لم تجد الفرصة التي تستحقها، فتعمل عاملة نظافة نهارًا، وتُقدِّم عروضًا في الحانة ليلًا. فـ يراها جاكسون وهي تُغني الأغنية الفرنسية الشهيرة “La vie en rose”، فـ يُغرَم بأدائها الغنائي والاستعراضي.
يذهب جاكسون ليحادثها بعد العرض، ويعرف أنها تغنّي بعدّة لغات وتؤلف الأغنيات ولكنها لا تشعر بالراحة عندما تغني أغانيها، فتفضل إخفاء أغنياتها كما تخفي هويتها وشكلها الحقيقيين أثناء العمل، وأن لطالما كان أنفها هو العائق أمام ظهورها بشكل الحقيقي واحترافها الغناء، لأن الجميع يخبرونها أنها تملك أنف كبير، فيطلب منها جاكسون أن تزيل المساحيق التجميلية ليرى ملامحها الحقيقية، وعندما فعلت أخبرها أن أنفها جميل جدًا، وابتسم..
«الجميع فنانون، الجميع يملكون موهبة في شيٍء ما؛ لكن ليس لدى الجميع ما يقوله»
وكما هو الحال في كل قصةِ حُب، يقع جاكسون على الفور في غرام آلي كما لو أنها المرأة الوحيدة على الأرض التي تتقبَّل حقيقته كاملة دون أن ينتقص منها شيء كإدمانه واكتئابه. كما تقع آلي في حُب جاكسون الذي آمن بها وبموهبتها منذ اللحظة الأولى، والتي لم تضطر أمامه إلى التزييف أو التجميل.
-انتظري!
=ماذا؟
-فقط أردت أن أنظر إليكِ مرةً أخرى..
يأخد «جاكسون» بيد «آلي»، ويُفاجئها بأن يقوم بتقديمها إلى جمهوره أثناء حفلًا غنائيًا له، فتتوتر وترفض الخروج إلى الجمهور، فيضعها أمام الأمر الواقع ويبدأ بغناء أغنيتها التي كتبتها، فتنضم إليه «آلي»، ويقوما سويًا بتقديم تُحفة هذا الفيلم، أغنية: (Shallow).
تطوُّر الحبكة
تدور الأحداث.. وتستمر «آلي» في الصعود، فيعرفها جمهور «جاكسون» ويبدأ المنتجون في طلبها، ويسعد بها جاكسون ويشجّعها ويُلهمها، وتشتعل قصة الحُب أكثر، ويُشعلان هما الكون بالغناءِ سويًا أكثر فأكثر..
«تمامًا، كما لو أنَّك ذاهبٌ إلى مكانٍ ما عبر البحر، وفي الطريق رسيت على إحدى الموانئ لترتاح قليلًا، وعندما قررت استكمال المَسير، اكتشفت أنك نسيت وجهتك الحقيقية، وقتها ستدرك أن الأمر لا يعنيك كثيرًا، لأنك أحببت مكانك الحالي.»
وبينما تزداد نجوميتها، تجتمع الهموم على جاكسون نتيجة مشاكله مع أخيه، وإنشغال «آلي» عنه، ومروره بحالة اكتئاب أدت إلى إقباله على الكحوليات بشراهة، ومن ثَمَّ إهماله فنّه وجمهوره وغنائه.
برادلي كوبر: المُخرِج، والمُمثِّل، والمُغنِّي، والعازِف
عرفنا طويلًا برادلي كوبر كمُمثِّل يتميز بالوسامة والكاريزما اللذان أهلاه لتقديم الأدوار الرومانسية الخفيفة ثم في السنوات الأخيرة أقدم على اختيار أدوار أكثر جدية قبل أن ينتقل الآن إلى خطوة الإخراج ويقدم فيلمه الأول A Star Is Born.
يفاجئنا برادلي كوبر بأول تجربة إخراجية له مع رابع فيلم يُبنى على الحكاية الكلاسيكية التي يبدو أن هوليوود مُغرَمة بها، وفي حين أن الحبكة فيها شيء من التباطؤ، إلا أن كوبر يتمكَّن من إعادة الزخم إليها في نهايتها بشكلٍ مؤثر يفاجئك تمامًا، ويمسّ روحك بكل عمق.
أربعة أفلام بأربعة ممثلين مختلفين، الثلاثة في الأفلام السابقة لم يستطيعوا تخطي قشرة الشخصية، فقط آداء حركي لشخصية مكتوبة على الورق، فلم نشعر بمقدار حُب هذا الشخص للمرأة الشابّة، أو معاناته مع سقوطه المتكرر وتأثيره عليها، برادلي كوبر أخذ الشخصية لبعد آخر تمامًا، وهو الآداء الأفضل له على الإطلاق ربما ينافس أدائه في فيلم: “Silver Linings Playbook”.
ويُضيف كوبر اختلافًا كبيرًا في هذا الفيلم عبر إظهار آلي وجاكسون كشخصين متعاونين، يمتلكان الشغف ذاته، ويشجَّعا بعضهما البعض، بما في ذلك قصة الحُب التي يتخللها كيمياء غير عادية وتناغم واضح، سواء في المشاهد العاطفية، والأهم في الأغاني التي قدماها سويًا.
ويلعب كوبر دور النجم الذكر الذي ينطفئ نجمه ويعتنق هذا الدور بالكامل، بدءًا بالغناء المُتميز جدًا الذي أبهر الجميع، مرورًا بآداء دور المُدمن المُحطَّم على أكمل وجه، ببراعة تجعلك تتخطف تمامًا وتنسى أنه ليس مُغنيًا بالأساس.
فبدايةً تلك هي المرة الأولى التي يظهر فيها برادلي كوبر مغنيًا على الشاشة الكبيرة، وقد تدربَّ لمدة عام على عزف الجيتار بصورة شبه يومية حتى يصل إلى المستوى الذي قدمه في الفيلم، بالإضافة بالطبع إلى تدرُّبه على الغناء، خاصة وأن أغاني الفيلم كلها تم تصويرها مباشرةً خلال التصوير وليس في الاستوديو ليتم إضافة الصوت على الصورة بعد ذلك، وأكثر من أغنية تم تصويرها في حفلات حقيقية، منها أول أغاني الفيلم التي قدمها كوبر في حفل لأغاني الكونتري، وتم تصوير هذه المشهد بالطبع بدون إعادات خلال عشرة دقائق فقط، وتكرر ذلك مع «ليدي جاجا – Lady Gaga».
ليدي جاجا: النَّجمة
بالطبع كان هناك فضول كبير من جمهور ليدى جاجا لمشاهدتها تقوم بتمثيل فيلم درامى كبير، وأن تظهر فيه دون أزيائها الغريبة التى اعتادت الظهور بها، وحتى أن يتعرف الجمهور على ملامحها دون مساحيق تجميل ثقيلة، وبالنسبة لجانب التمثيل فقد خرج منها أداء لم يكن أحد يتوقعه، حظي بإشادة كبيرة في كل من مهرجان فينسيا ثم تورنتو، وإن كان به شيء من التخبُّط، ففى أحيان تظهر متكلفة، وأحيان أخرى تظهر على طبيعتها. ولكنَّها بشكلٍ رئيسي اعتمدت على أدائها الغنائيّ والذي قدّمته ببراعة مُتناهية.
وينتهي الفيلم مع آداء موسيقي حزين من ليدي جاجا تُغني وتذرف الدموع بقلبٍ مُحطَّم..
لماذا تلك هي النُسخة الأفضل؟
حقَّق فيلم “A Star Is Born” أرباح تتعدَّى النصف مليار بعد بضعة أشهر من عرضه بالرغمِ من ميزانتيه الصغيرة التي لم تتعدَّى الثلاثين مليون. وترشَّح فيلم “A Star Is Born” لـ 8 جوائز أوسكار، هم: «جائزة أفضل فيلم، برادلى كوبر لجائزة أفضل مُمثل، ليدى جاجا لجائزة أفضل ممثلة، سام إليوت لجائزة أفضل ممثل مساعد، جائزة لأفضل كتابة لسيناريو مقتبس، جائزة لأفضل تصوير سينمائى، جائزة أفضل أغنية، جائزة أفضل خلط أصوات».
«فـ عندما تغيبُ الشَّمس، وتتوقَّف الفرقة عن العزف، سوف أتذكَّرنا دائمًا بهذه الطريقة.»
- A Star Is Born review – a double act to leave you star-struck | Film | The Guardian [Internet]. [cited 2019 Feb 5]. Available from: https://bit.ly/2G9TVyB
- Dargis M. Review: ‘A Star Is Born’ Brings Gorgeous Heartbreak. The New York Times [Internet]. 2018 Dec 6 [cited 2019 Feb 5]; Available from: https://nyti.ms/2zS92bn
- Travers P, Travers P. ‘A Star Is Born’ Review: Cooper, Lady Gaga Hit All the Right Notes [Internet]. Rolling Stone. 2018 [cited 2019 Feb 5]. Available from: https://bit.ly/2MRoCcm
