اضطراب الشخصية السادية ومأساة كليفلاند

اضطراب الشخصية السادية ومأساة كليفلاند

كيف يمكن لشخص واحد أن يمارس مثل هذا الألم والمعاناة على البشر الآخرين، كما حدث في كليفلاند مع النساء الثلاثة اللاتي اختُطِفن في سن المراهقة، واحتُجِزن في الأسر مدة عشر سنوات. لم يقتصر الأمر على احتجازهنّ فحسب، بل أيضًا تعرضنّ للضرب والاغتصاب والإذلال بكل الطرق الممكنة. لماذا يفعل شخص مثل هذا الشيء الرهيب! بالنسبة لمعظمنا، من الصعب فهم أو شرح كيفيّة حدوث مثل هذا الشيء. لسوء الحظ، يحدث ذلك في كثيرٍ من الأحيان، ومحرقة اليهود مثال على تجريد البشريّة من الصفات الإنسانيّة.

لقد حدثت أنواع مماثلة لذلك في معسكرات أسرى الحرب؛ حيث يُضرب السجناء، ويُقتلون حتى بعد رفعهم الراية البيضاء وتَوقفهم عن القتال، وأيضًا كانت هناك أمثلةٌ كثيرة وحديثة على اختطاف آخرين واحتجازهم سنواتٍ عديدة.

ما الذي يجعل شيئًا كهذا ممكنًا حدوثه؟

إحدى النظريّات هي أنّ هؤلاء الأشخاص يعانون من اضطراب الشخصيّة الساديّة التي لا يوجد سبب معروف لها، و غير مدرَجة في قائمة الدليل التشخيصي والإحصائي (الطبعة الرابعة أو الخامسة).

على أي حال، فإن أحد التفسيرات هو أنّ مرتكبي هذه الأعمال الفظيعة قد تعرّضوا للاعتداء العاطفي، والجسدي، والجنسي خلال الطفولة. ويُعتقد أن التجارب غير الملائمة خلال الطفولة أو في المراحل المبكرة من التطور الجنسي، هي واحدة من العوامل الرئيسة المساهمة في تنمية الشخصيّة الساديّة. وقد لوحظ أيضًا أن الساديّة أو الشخصيّة الساديّة يمكن أن تتطور في الفرد خلال التعلم؛ على سبيل المثال: التعرّض المستمر لمواقف يكون فيها الاستمتاع الجنسي، أو الإثارة الجنسيّة بوساطة آلام وأوجاع الآخرين؛ يمكن أن يكون سببّا للساديّة أو الساديّة المازوخيّة، أو بعبارة أخرى: مشاهدة معاناة الآخرين تعطي السرور، ويلاحظ أنّ المعاناة شيء جيد يُشعرنا بالمتعة.

ما هو اضطراب الشخصية؟

وَفقًا لمجموعة مايو كلينك الطبية، فإن اضطراب الشخصيّة هو نوع من الأمراض العقليّة التي تواجه فيها الحالة صعوبةً في إدراك المواقف والأشخاص، والارتباط بهم، بما في ذلك ذاتها. وهناك العديد من الأنواع المحدّدة لاضطرابات الشخصيّة. لكن بشكل عام، وجود اضطراب في الشخصيّة يعني أنّ لديك نمطًا جامدًا وغير صحي من التفكير والتصرف بغض النظر عن الموقف؛ وهذا يؤدي إلى مشاكل وصعوبات كبيرة في العلاقات، والمواجهات الاجتماعيّة، والعمل، والمدرسة.

ما هي الساديّة؟

تتضمن الساديّة الحصول على المتعة من رؤية الآخرين يعانون من الألم أو الانزعاج. ولكن هذا ليس فقط ما يُظهره المصابون بالساديّة، بل أيضًا يحصلون على المتعة من خلال أدائهم أفعالًا ساديّةً. إنّ الأفراد الذين يمتلكون شخصيّةً ساديةً يُظهرون السلوك، والعدوان القاسي المتكرر. ويمكن أيضًا أن تتضمن الساديّة استخدام القسوة العاطفيّة، والتلاعب عن قصد بالآخرين بجعلهم يشعرون بالخوف، ويكون العنف شغلهم الشاغل.

الساديّة الجنسيّة

السمة الأساسيّة للساديّة الجنسيّة هي الشعور بالإثارة الجنسيّة الناتجة عن إعطاء الألم، أو المعاناة، أو الإذلال لشخص آخر. ويكون الألم أو المعاناة أو الإذلال الذي يصيب الآخر حقيقيًّا وليس متخيّلًا، وقد يكون إما جسديًا وإما نفسيًا بطبيعته. ويُطلق على الشخص الذي شُخّص بالساديّة الجنسيّة -أحيانًا- اسم السادي. إن اسم الاضطراب مشتقٌ من الاسم الحقيقي لماركيز دي ساد (1740-1814)، وهو أرستقراطي فرنسي اشتُهر بكتابة رواياتٍ حول موضوع إلحاق الألم بكونه مصدرًا للمتعة الجنسيّة.

تساعد كلّ هذه المعلومات في تقديم تفسير لسبب ارتكاب (أرييل كاسترو) الخاطف والمغتصب، المتّهم بتلك الأعمال المروّعة والساديّة. في الواقع، هو لم يفعل هذه الأشياء من “فراغ” ولكن لديه تاريخ سابق من سوء المعاملة؛ فمثلًا:

أُصدر أمر حماية ضد كاسترو من قبل زوجته في القانون العام لمعاملته لها بوحشيّة وخطف أطفالهما في عدة مناسبات لمنعهم من والدتهم. وأبلغت الزوجة الشرطة أنّ كاسترو قد كسر أنفها مرتين سابقًا، وكسّر أضلاعها، وأصابها بتمزق، وأسقط أسنانها، وتسبّب في تشكيل جلطة دمويّة في دماغها، وخلع كتفيها مرتين (مرةً لكل كتف)، وهدّدها بقتله بناتها. حدث ذلك من 3 إلى 4 مراتٍ في العام الماضي.

إلى جانب إصابته باضطراب الشخصية السادية، من الواضح أنّ هذا الرجل كان سيكوباتيًّا أيضًا، أو بعبارةٍ أخرى: لا يشعر بالذنب أو الندم تِجاه اللاتي عذّبهنّ؛ ولهذا السبب تمكّن من سجنهنّ طويلًا مدة عشر سنوات. ليس للمريض النفسي تعاطف أو شفقة مع الآخرين، وإلا كيف يمكن للمرء أن يسبب مثل هذا الألم والمعاناة للآخرين. بالإضافة إلى ذلك، سهّل سَبي هؤلاء النساء الثلاثة فرصة السيطرة الجنسيّة الكاملة عليهن؛ جعلهنّ يحملْن، ثم ضربهنّ وأوجعهنّ لإجهاضهنّ، ما عدا إحدى الحالات التي لم تجهض واكتمل حملها.

لقد مارس كاسترو سيطرته الكاملة عليهن من خلال إبقائهن في عالم مظلم؛ حيث ظللْن مقيّداتٍ، ومحتجَزات.

لدى معظم البشر مشاعر من الأخلاق والضمير، والتعاطف والدفء تِجاه الآخرين، وهي التي توجههم في الحياة، وهذا هو السبب في جعل شخصٍ مثل كاسترو غير مفهوم للغاية. ومع ذلك، فهو ليس الوحيد الذي ارتكب مثل هذه الأنواع من الأفعال الشنيعة.

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي