الضغط النفسي قد يقود العديد من المبرمجين للجنون حرفيًّا

الضغط النفسي قد يقود العديد من المبرجين حرفيًا للجنون

يُعتبر العمل كمبرمجٍ أحد أفضل الوظائف هذه الأيام بسبب العائد الماديّ والأمان الوظيفيّ، ولكنّه قد يؤثّر بشكلٍ سيّئٍ للغاية على صحّتك العقليّة.

ظاهرتان تدفعان المبرمجين إلى الجنون حرفيًّا

تٌعرف أولاهما باسم متلازمة المحتال (بالإنجليزيّة: Imposter Syndrome)، وتحدث عندما تكون متأكّدًا تمامًا من أنّ جميع المبرمجين الآخرين الّذين تعمل معهم أذكى وأكثر موهبةً ومهارةً منك، فتعيش في حالةٍ من القلق والاضطراب خوفًا من أن يكتشف النّاسُ أنّك تقوم بتزييف ذكائك أو مهاراتك أو إنجازاتك.

يَكثُر اعتراف المبرمجات بأنّهن يعانين من متلازمة المحتال، وهذا ليس بالشّيء المفاجيء، فقد وُثِّقت بالفعل المتلازمة لأوّل مرّةٍ من قِبَل عالمتي النّفس: الدّكتورة بولين روز كلانس (بالإنجليزيّة: Pauline Rose Clance) والدّكتورة سوزان ايميس (بالإنجليزيّة: Suzanne Imes) باعتبارها قضيّةٌ خاصّةٌ بالنِّساء النَّاجحات. كما أنّها موضوع عددٍ من كتب المساعدة الذّاتيّة الموجّهة للنّساء للتّعامل مع هذه المتلازمة.

الضغط النفسي قد يسبب الجنون حرفيًا لعديد من المبرمجين
Woman Coding

ولكنّ الكثير من المبرمجين الرّجال يقولون بأنّهم يشعرون بذلك أيضًا وبشكلٍ مُتزايدٍ.

يميل هؤلاء الأشخاص إلى وضع معايير عاليةٍ للغاية لأنفسهم وليس للآخرين، ممّا يجعل متلازمة المحتال شائعةً في المهن الّتي يُعرض فيها العمل بطريقةٍ تنافسيّةٍ وتُرَاجع من قِبَل الأقران. وتُعدّ كتابة الأكواد (البرامج) واحدةً من هذه المهن، خاصةً البرامج مفتوحة المصدر حيث يُمكن لأيّ شخصٍ الاطلاع على الكود وتغييره.

من «المحتال» إلى «المبرمج الحقيقيّ»

يعتقد المبرمجون الّذين يقعون ضحيّة فخّ متلازمة المحتال، أنّهم بحاجةٍ إلى العمل بِجِدٍّ ليصبحوا جيّدين بما فيه الكفاية. وهذا يعني قضاء المزيد من الوقت في البرمجة وكتابة الأكواد -كلّ دقيقةٍ متاحةٍ- والانخراط في عددٍ متزايدٍ من المشاريع.

ويُطلق على هذا الشّعور متلازمة «المبرمج الحقيقيّ» كما ورد في مقالٍ أثار الكثير من الجدل على منصّة ريديت (بالإنجليزيّة: Reddit)، حيث ناقش فيه أحد مستخدمي ريديت الثّقافة الّتي تجعل من المُبرمج الحقيقيّ شخصًا يعيش فقط لكتابة الأكواد. فينتقدها قائلًا:

«المبرمج الحقيقيّ هو شخصٌ يحبّ البرمجة! يحبّها كثيرًا لدرجة أنّه يقضي كلّ وقته في كتابة الأكواد، المبرمج الحقيقيّ لا يعتبر البرمجة عملًا، لا يصبح المبرمج مبرمجًا حقيقيًّا إلّا إذا تطوّع للعمل لمدة 60 إلى 80 ساعةٍ في الأسبوع -بدون تعويضٍ نقديٍّ إضافيٍّ- لأنّه يفعل هذا من أجل المتعة… هذا ما توغّل في ثقافة صناعة البرمجيات… إذا كنت تريد أن تنجح كمبرمجٍ، فيجب عليك على الأقل أن تبدو كمبرمجٍ حقيقيٍّ… لذا فعليك أن تجعل النّاس يعملون في المساء والعطلات الأسبوعيّة حتى لو من أجل المظاهر فقط، حتى يحترقوا نفسيًّا»

ليس بالشّيء الجديد أن يعمل المبرمجون لساعاتٍ طويلةٍ بجنونٍ. لكنّ عملهم من تلقاء أنفسهم فقط من أجل المتعة، هو بالفعل شيئٌ جديدٌ.

على سبيل المثال، في العقد الماضي خلال ثورة الإنترنتّ، أصبح كتابٌ يُسمَّى مسيرة الموت (بالإنجليزيّة: Death March) من أكثر الكتب مبيعًا. فقد وثَّق الكتاب كيف أنّ ساعات العمل الطّويلة المُبالغ فيها تُسبّب مشاكل صحيةً عِدةً للمبرمجين. وأشار الكتاب إلى أنّ سوء إدارة المشروع هو السّبب الرّئيسيّ في هذا.

الضغط النفسي قد يقود العديد من المبرجين حرفيًا للجنون
مسيرة الموت – Death March

وفي عام 2004، قاضى المبرمجون شركة إلِكترونِك آرتس (بالإنجليزيّة: Electronic Arts) فيما يتعلق بالعمل الإضافي وفازوا بتسويةٍ قدرها 15 مليون دولارٍ.

وبعد أعوامٍ، تحديدًا في عام 2010، سردت زوجة مبرمج يعمل في برمجة ألعاب «الروك ستار» قصتها، وقالت كيف أنّ شركة زوجها تتوقّع من مبرمجيها العمل لمدّة 12 ساعة لمدّة ستّة أيامٍ أسبوعيًّا لشهورٍ أو سنواتٍ متتاليةٍ، مما يُضرّ بصحّة بعض المبرمجين نتيجة الضّغط والإرهاق المستمرّ بالعمل.

بحلول عام 2011، ترسّخ مفهوم المبرمج الحقيقيّ بعد مناقشةٍ تمّت على موقع التّواصل الاجتماعيّ للبرمجة، ستاك إكستشانج (بالإنجليزيّة: StackExchange)، بعد سؤال مبرمجٍ: «أنا لا أقوم بالبرمجة في وقت فراغي، هل هذا يجعلني مطوّرًا سيّئًا؟»

كان هناك إجماعٌ عامٌّ على أنّه بإمكانك أن تصبح مبرمجًا جيّدًا إذا كنت تعمل فقط خلال ساعات العمل العاديّة، ولكنّ المبرمج الفذّ هو من يعمل في أوقات فراغه أيضًا.

المزيد ليس دائمًا أفضل

ولأنّ هذه الفكرة مشكوكٌ في صحّتها، أسّس بعض الطّلاب من جامعة ستانفورد دراسةً حول مقدار الوقت الّذي يُمكن أن يقضيه الشّخص حقًّا في البرمجة بشكلٍ مُنتجٍ. وفي ما لا ينبغي أن يكون مفاجئًا، وجد الطّلاب أنّ كثرة العمل تُقلّل من الإنتاجيّة، ووجدوا أنّ المبرمجين الّذين يقضون 60 ساعةً من العمل أسبوعيًّا ينتجون أكوادًا أقلّ جودةً من زملائهم الّذين يعملون 40 ساعةً أسبوعيًّا.

ولكنّ هذا لم يمنع متلازمة المحتال/ المبرمج الحقيقيّ من الترسُّخ، فقد كانت هناك العديد من القصص المُحزنة حقًّا طوال الوقت.

على سبيل المثال، كتب مبرمج الشّركات كينيث باركر (بالإنجليزيّة: Kenneth Parker) منشورًا على مدوّنة البرمجة الخاصة مقالًا بعنوان «عرفت مبرمجًا جُنَّ تمامًا»، ذكر فيها قصّةً لزميلٍ له كان متفانيًا في عمله، حتّى جُنَّ تمامًا.

وقال:

«لقد كان واحدًا من أكثر العمال تفانيًا في عمله الّذين رأيتهم في مجال الصّناعة. فقد كان يُقيم في كثيرٍ من الأحيان بعد ساعات العمل الرّسميّة في المشاريع، ودائمًا ما كان متاحًا عندما تحتاج الإدارة إلى شخص ما لإنهاء العمل في عطلة نهاية الأسبوع، استعداده الدّائم للضّغط على نفسه لإنجاز العمل هو ما أعجبهم فيه. ومع ذلك، لم تكن إنتاجيّته كبيرةً جدًّا، حتّى وُضِع في مصحّةٍ نفسيّة»

في الآونة الأخيرة، بدأ مهندس البرمجيات نيك فلويد (بالإنجليزيّة: Nick Floyd)، مهندس برمجياتٍ بشركة نيو ريلِك (بالإنجليزيّة: New Relic)، بالكتابة والتحدُّث عن شيءٍ يُسمّيه توازن حياة المهووس (بالإنجليزيّة: Nerd Life Balance). بعد اعترافه بأنّه كان يعاني من متلازمة المحتال، وهو يعتقد الآن أنّ سعادة المهووس تأتي من عثوره على عمل يحبّه. وكتب:

«كونك عاملًا في نيو ريلِك يُمثّل تحدّيًا صعبًا ورائعًا في نفس الوقت، ولكنّه لم يكن عملًا أبدًا بالنّسبة إليَّ. قبل الانضمام إلى العمل بالشّركة، كنت أعتقد بأنّ العمل يجب أن يكون دومًا عملًا، وكان هذا في كثيرٍ من الأحيان مصدرًا للإحباط، لذلك كانت حياتي خارج العمل هي المهرب بالنّسبة إليَّ من الإحباط في العمل، ولكنّي هنا فكّرت في الأمر بطريقةٍ عكسيّةٍ؛ الحياة تكون رائعةً عندما يكون ما نُسمّيه عملًا معبّرًا عن شغفنا»

ومن ناحيةٍ أخرى، فقد عرض المبرمج الّذي انتقد ثقافة المبرمج الحقيقيّ على ريديت، ما هو بالتّأكيد أكثر الحلول عقلانيّةً قائلًا:

«كَم أتمنّى حقًّا أن نعيش في مجتمعٍ لا نحتاج أن نُعرِّف أنفسنا فيه من خلال وظائفنا اليوميّة، مجتمعٍ لا ينظر إلى تفانينا في العمل حتّى الموت على أنّه فضيلةٌ»

 

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي