“الطَّاعون والنار”، كوارث مدينة لندن في القرن السابع عشر

depositphotos_208579180-stock-photo-london-1666-london-city-print
||

أصاب مدينة لندن في ستِّينيّات القرن السابع عشر حدثان مهمان كانا لهما الأثر الكبير في تغيير حياة الناس، في المقال التالي سنكتشف حياة مدينة لندن في تلك الفترة.

كانت الحياة في مدينة لندن في القرن السابع عشر الميلادي صعبة للغاية، فإلى جانب ارتفاع معدلات وفاة الأطفال الرضع وسوء الظروف الصحية والمعيشيّة وانتِّشار ظاهرة التسول والعوز، كان هناك نوعان من الكوارث الكبرى قد أصابا المدينة، وهما الطاعون العظيم وحريق لندن الكبير، وهنا يطرح السؤال نفسه، ما هي طبيعة حياة الناس في تلك الفترة؟

الطاعون العظيم عام 1665م:

سُجلت أول حالة لظهور هذا الطاعون في لندن عام 1665 م، ومع حلول سبتمبر من نفس العام كان الطاعون قد أودى بحياة حوالي مائة ألف شخص أي ما يقارب خُمس سكان لندن، مما دفع اللندنيين للهروب من المدينة لتجنُّب أثر الوباء الذي تفشَّى في المدينة، ولم يعودوا إليها مرة أخرى حتى ديسمبر من نفس العام.

لم يعرف الناس في تلك الفترة معنى الطاعون أو أسبابه، واعتقد الخبراء أن الطاعون الذي أصاب المدينة هو الطاعون الدبلي؛ وهو نوع من الوباء تنقله الفئران والبراغيث إلى البشر، وعند إصابة الإنسان به تبدأ عليه أعراض مختلفة مثل القيء والصداع والحُمَّى والورم المؤلم في مناطق الرقبة والإبطين والفخذ وانتشار البثور بالإضافة إلى السعال المُصاحَب بالدم، وقد أودت تلك الأعراض بحياة ثلثي الأشخاص المصابين بالمرض في غضون أسبوع واحد فقط، أي ما بين 1-3 من بين كل أسرة مات بسبب الطاعون، وفي بعض الحالات أودى الوباء بحياة الأسرة بأكملها.

طاعون لندن 1665م

ونتيجةً لذلك؛ تغيَّرت حياة الناس في لندن واضطر أغلبهم إلى هجرة المدينة، ولكن الأمر لم يقتصر على الهجرة فحسب؛ فلم يعد بإمكان من قرَّر البقاء في لندن أن يمارسَ حياته الطبيعيّة من زيارة المسارح أو تجمُّعات الألعاب الرياضية خشية انتشار المرض، وعانت المدينة اقتصاديًا بدرجةٍ كارثيّة؛ حيثُ خسرت الشركات ذات الأعمال الواسعة خسائرَ فادحةً، واضطر الكثير من الناس إلى التَّسوُّل أو سرقة الطعام، وانتشر الرعبُ بين من تبقَّى من سكّان المدينة، وابتعد الناس عن الأُسَر المُصابة، ولم يسعوا لمساعدتهم، وقامت بعض الأسر بطرد الخادمات المشبوه فيهن بالإصابة إلى الشارع، حتى أن صموئيل بيبز -وهو كاتب إنجليزي مشهور بكتابة اليوميات 1704م- قال في إحدى يومياته واصفًا حياة الناس وأخلاقهم أثناء تلك الفترة: “إن الطاعون جعل الجميع قاسين كالكلاب تجاه بعضهم البعض”، وظلَّ الطاعون في تراجع حتى بُلِّغ عن آخر حالة مُصابة به عام 1679م.

حريق لندن الكبير عام 1666م

بدأ حريق لندن الكبير في الاندلاع في سبتمبر من عام 1666م، واستمرَّ لقرابة خمسة أيام لمحاولة السيطرة عليه، فكان لهذا الحريق أكبر الأثر على حياة سكان المدينة، فقد أصبح أكثر من مائة ألف شخص بلا مأوى وطُمست واجهات ثلث المنازل وتأثَّرت الهندسة المعمارية في لندن بشكلٍ كبير.

بدأ الحريق في الساعة الواحدة صباحًا في مخبز توماس فارينرز بمنطقة بادينج لين بلندن، ويُعتقد أن سببه جاء نتيجة سقوط شرارة نار على آثار الوقود داخل المخبز مع وجود بعض الظروف الأخرى التي ساعدت على انتشاره، فبالإضافة إلى حرارة الجو الشديد في تلك الفترة؛ كانت منطقة بودينج لين محاطة بمستودعات تحتوي على موادَّ قابلةٍ للاشتعال، بينما كانت الرياح التي ضربت المدينة أكبرَ العوامل في انتشار الحريق في شوارع المنطقة الضيقة، مما جعل الظروف مثالية لوقوع كارثة حريق كبيرة.

ونتيجة الانتشار السريع للنيران؛ هرب الكثير من أهل لندن إلى النهر أو الحقول التي تقع خارج المدينة بدلًا من مواجهة النيران ومحاولة السيطرة عليها، وعاش أغلبهم في الخيام لعدة أشهر بعد أن دمر الحريق منازلهم، ونتيجةً أيضًا لعدم وجود مهنة رجال إطفاء الحريق في تلك الفترة، فقد وقعتْ مهمة السيطرة عليه على كاهل الجنود البريطانيّين الذين استخدموا رشاشات المياه للإطفاء والخطاطيف لمحاولة هدم المنازل المُحترِقة، حتى لا ينتقل الحريق إلى المنازل المجاورة، وظلَّت الرياح مستمرَّة منذ ليلة الثلاثاء حتى هدأتْ في صباح الخميس.

حريق لندن الكبير

وبالرغم من أن ضحايا الحريق لم يتعدَّ العشرة أشخاص، لكن أصبح الكثير من أهل المدينة بلا مأوى، فقد أُعيد بناء تسعة آلاف منزل، ورُمِّمتْ كنيسة القديس بولس التي  أصابها الدمار أثناء الحريق، واستمرَّ الترميم فيها حتى عام 1711م، وفي الواقع؛ استمرَّت الجهود لإعادة الحي إلى ما كان عليه حوالي خمسين عامًا، ومنذ تلك الفترة تمَّ وضعُ لوائحَ وقوانين جديدة تنظِّم بناء المنازل لمنع انتِّشار الحرائق، كما شهدته المدينة في نكبتها السابقة، ومن ضمن هذه اللوائح: العمل على اتّساع الشوارع، واستخدام الطوب في بناء المنازل بديلًا عن الخشب.

لم يكُن نظام التأمين على الحياة والمُمتلكات معروفًا في تلك الفترة، وفقد عددٌ كبيرٌ من الأشخاص ممتلكاتهم جراءَ هذا الحريق، ولم يتلقوا أي تعويضات، ومع ذلك نجح القليل منهم في اكتساب عطف الآخرين، مثل ريتشارد رويتسون، أحد باعة الكتب للملك تشارلز الثاني ( 1630- 1685م)، الذي تلقَّى مبلغًا يُقدَّر بثلاثمائة جنيه إسترليني من الملك تعاطُفًا معه نتيجة الخسائر التي تكبَّدها جراءَ الحريق العظيم.

المصدر

ترجمة: عمر بكر

تَدْقِيْقٌ لُغَوِيّ: محمود خليفة

تحرير: هدير جابر

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي