العنف ضد المرأة في مصر

no
العنف ضد المرأة في مصر|العنف ضد المرأة في مصر

مقدمة

أصبحت قضية العنف ضد المرأة مشكلة اجتماعية وقانونية خطيرة في مصر. هذه المشكلة ظلت تتفاقم وتنتشر ولم يٌسلط الضوء عليها أو يُعترف بوجودها لفترة طويلة في الماضي وحتى زمن قريب. ومع ذلك وعلى مدار العقدين الماضيين قامت العديد من وسائل الإعلام ونشطاء حقوق المرأة بعمل دؤوب وسعي مستمر لتوعية المجتمع المصري بالممارسات الشائعة والمنتشرة من صور وأشكال العنف ضد المرأة. قامت أيضًا المنظمات المحلية والدولية بتقديم تقارير عديدة عن مدى توسع الموضوع وعن السبل الممكنة للتغلب عليه.

إن ما يمارس ضد المرأة من عنف ما زال مستمرًا في كل بلد من بلدان العالم إلى الآن، وتم اعتباره انتهاكًا لحقوق الإنسان وعائقًا كبيرًا أمام تحقيق المساواة بين الجنسين. هذا العنف غير مقبول سواء قام به أشخاص من الأسرة أو قام به أشخاص غرباء، سواء في الحياة العامة أو الخاصة، في وقت السلم أو في وقت الصراع.

وفيما يبدو حاليًا أنه لا يوجد إحصائيات رسمية للجرائم والتعديات الجنسية ضد النساء. يرجع ذلك لسبب أن ضحايا مثل هذا النوع من العنف عادة يمتنعون عن الإبلاغ عما يحدث لهم بسبب الخوف من الثأر أو أن يلحق العار بهن. ومع ذلك في تقرير قدمته الأمم المتحدة في عام (2013) عن دراسة أجريت بهذا الصدد، وُجد أن التحرش الجنسي (اللفظي والجسدي) في مصر قد وصل إلى مستوى غير مسبوق من الانتشار.

وطبقا للدراسة وُجد أن (99.3%) ممن خضعن للدراسة قلن بأنهن تعرضن لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي المختلفة. فوق كل هذا لا زالت النساء في مصر يخضعن لعمليات الختان بالإكراه بمعدلات مرتفعة للغاية. وطبقًا لإحصائية أجريت في أكتوبر عام (2015) فإن تسعة من كل عشر سيدات تقريبًا في الفئة العمرية بين (15 – 49) عام يقعن ضحايا لجريمة الختان في مصر. (1)

الآثار النفسية السلبية للعنف الجنسي ضد المرأة

إن الحوادث التي تتعرض لها المرأة من تحرش أو اغتصاب أو خطف ربما تتسبب لها في بعض الاضطرابات النفسية التي قد تؤثر عليها خلال حياتها. فقد تهددها مثل هذه الأحداث لأن تتعرض لبعض المشكلات مثل:

الإصابة بنوبات الهلع

نوبة الهلع هي نوبة مفاجئة من الخوف الشديد الذي يحفز ردود فعل الجسم مع عدم وجود خطر حقيقي أو سبب لهذا الخطر، وقد تشعر خلالها بأنك تصاب بنوبة قلبية أو أنك تموت أو الشعور بالهلاك أو الخطر أو ضيق في التنفس أو الهبات الساخنة.

وتكون النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة باضطراب نوبات الهلع. الحوادث مثل الاعتداءات الجنسية أو الاعتداء الجسدي في مرحلة الطفولة أو التعرض لحادث خطير تؤدي كلها لزيادة فرص الإصابة باضطراب الهلع.(2)

الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة النفسية

وهي حالة تصيب الصحة العقلية نتيجة الاستجابة لصدمة حدثت مؤخرًا أو في الماضي البعيد، بصفة عامة تتضمن الصدمة الأحداث الخطيرة التي تهدد حياتك أو خطر الإيذاء الجسدي لنا أو لمن نحبهم.

من الأعراض الأساسية لهذا الاضطراب استرجاع الأحداث السابقة والمؤلمة على صورة كوابيس، أو ذكريات، أو فيض من المشاعر، أو محاولات من الشخص لتجنب ما يذكره بهذا الحدث من أحداث أو مشاعر، وكذلك تتضمن الأعراض الأفكار السلبية وردود الفعل العاطفية، كما أنه يؤثر على أجزاء من الدماغ مثل منطقة اللوزة أو (Amygdala) وهي المنطقة المسؤولة عن المشاعر والاستجابة للخطر بحيث يزيد من نشاطها ويكبح من نشاط القشرة الدماغية المسؤولة عن إعطاء المعنى للأحداث وتحديد أفضل استجابة للمواقف. (3) (4)

يوم في حياة امرأة مصرية

«كونك امرأة وتعيشين بمصر، سيكون عليكِ أن تقضي كل حياتك تتجنَّبين المضايقات ومحاولات التحرش، إن والدتي في أواسط الخمسينات من العمر ولا تزال تتعرض للتحرش إلى الآن».

هذا ما استهلت به نور ذات الأربع وعشرين ربيعًا وهي تحكي حادثة الاعتداء التي تعرضت لها ليلًا في حوار صحفي أجرته مع صحيفة أجنبية.(5)
في إحدى المرات ذهبت نور إلى حفل ساهر في منطقة تدعى فيصل -إحدى ضواحي محافظة الجيزة- بعيدًا عن وسط القاهرة. كان أول أيام عيد الفطر وكانت الشوارع ممتلئة بالأشخاص الثَّملين حوالي الساعة الثانية صباحًا. حينما انتهى الحفل قامت نور باصطحاب سيارة أجرة للعودة إلى المنزل، فوجئت بأحد الأشخاص الذين قاموا بمعاكستها لفظيًا قبل دخولها للحفل وقد قامت بالرد عليه وتعنيفه وقتها، فوجئت به يقوم باقتحام السيارة ويشدها من عنقها وقدمها إلى خارج السيارة محاولًا خطفها والاعتداء عليها.

«قاومته بعضّه بأسناني ومحاولة جرحه بأظافر يدي، وقام سائق سيارة الأجرة بمحاولة لجذبه ورميه خارج السيارة، ولكن عندها قام المعتدي بإخراج سكين من جيبه وهددنا بالقتل».

قام بعض الأشخاص المحيطين بالتجمع حول السيارة، ولكن بدلًا من تقديم المساعدة قاموا بمعاونته والاشتراك في الجريمة، حاولوا إخراج نور من السيارة بالقوة ولكن دون جدوى، وانتهى الأمر بتحطيم زجاج السيارة الخلفي.

«لقد كانت فوضى عارمة، كنت مغطاة تمامًا بقطع الزجاج المكسور ولم أستطع فعل أي شيء سوى الصراخ فقط حتى تمكنت من الهرب والاحتماء داخل سيارة صغيرة يمتلكها زوجان قاما بحمايتي من تلك العصابة».

بعد تلك الواقعة المشينة، لم يعد شيئ كالسابق. اختبأت نور داخل حجرتها ولم تجازف بالخروج منها لمدة أسبوعين كاملين. كانت تعاني من كوابيس ونوبات هلع متكررة وأصيبت بالاكتئاب. وصف لها الأطباء أدوية مضادات اكتئاب، ولكنها توقفت عن تعاطيها لأنها كانت تشوش تفكيرها وظنت أنها تزيد الأمر سوءً. وأصبحت تحركاتها محدودة؛ تتجنب الأماكن والأشخاص والمواقف التي تتسبب باستعادتها للذكرى الصادمة التي تعرضت لها، أصبحت حياتها محاطة بالخوف من كل جانب.

لم تذهب نور بعدها إلى الشرطة، فلم تجد جدوى من ذلك. «عندما تكونين خارج المنزل في الثانية صباحًا لأي ظرف كان، ينظر إليك الناس على أنك إحدى فتيات الليل أو أنك سيئة الخلق. وإذا تم الاعتداء عليكِ أو التحرش بك، فإنه خطؤكِ أنتِ».

ما هو الدافع الرئيسي وراء التحرش ؟

على مدار الأعوام القليلة الماضية، كان هناك عدد غير معروف من حوادث الاعتداء الجنسي ضد النساء قد حدثت في مدينة القاهرة، والتي للأسف لم يكن هناك الأدوات والوسائل الكافية لرصدها.

ولكن طبقا لدراسة قامت بها الأمم المتحدة في عام (2013)؛ وُجد أن (99%) من سيدات مصر كنّ ضحايا لحوادث التحرش، كل سيدات مصر تقريبًا إذا صح القول. وطبقًا لمؤسسة (طومسون رويترز- Thomson Reuters)، صُنّفت مدينة القاهرة على أنها المدينة الأكثر خطورة في العالم للمرأة كي تعيش فيها. (1)

وقامت اثنتان من المنظمات الحقوقية الداعية للمساواة بين المرأة والرجل بعمل إحصائية للوقوف على أسباب زيادة معدلات التحرش بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وطبقًا للإحصائية كشفت الأرقام أن هناك حوالي (43%) من الرجال بمصر يعتقدون أن النساء تحب أن يتعرضن للتحرش، مفترضين أن السبب في ذلك أنهن يجدن متعتهن في جذب الانتباه. ووُجد أن ثلثي الرجال تقريبًا من الخاضعين للدراسة اعترفوا بارتكابهم لوقائع التحرش بالنساء، وأن أكثر من ثلاثة أرباعهم كانوا يبررون سلوكهم قائلين إن الملابس التي يرتديها النساء هي ما يستفزهم لفعل هذا.
ليس ذلك فحسب فهناك (84%) من الإناث بمصر يعتقدن بأن من ترتدي زيا مثيرًا أو كاشفًا تستحق أن تتعرض للتحرش، يبدو حقًا أن التضامن بين الإناث ومثيلاتهن ممن تعرضن للتحرش الجنسي يكاد يكون معدومًا نتيجة للثقافات المتوارثة.

ما الدور الذي يلعبه الدين؟

تقول عالمة الأنثروبولوجيا من جامعة ولاية أريزونا (إنجي عبد المنعم) بأنه كثيرًا ما يرى الرجل المصري أن زيّ النساء المكشوف محرض ومثير للاستفزاز، هذا لأنه يعبر عن تحرر المرأة ويعكس اتجاه «ليبرالي» يُراد به تقويض القيم الدينية والمجتمعية. بينما تقول الصحفية قبطية الديانة (كارولين كمال) إن التحرش في مصر لا يوجد ارتباط بينه وبين الدين، فالمسلمات اللاتي يرتدين الحجاب يتعرضن للتحرش مثلما يتعرض أتباع الديانات الأخرى للتحرش. لا يفرق المتحرش بين ديانة أو أخرى، ولكننا نجد أن الاعتداءات تتزايد إذا كانت الإناث ترتدي أزياء كاشفة أو ذات طابع غربي.

حب السيطرة

وتقول كارولين إن السبب أبسط من ذلك: المسألة مسألة إظهار القوة فقط. يؤمن الرجال بقوة أن النساء ملكية خاصة، وهذا هو السبب في أنهم يعاملون زوجاتهم «كأشياء» يمكنهم التلاعب بها واستخدامها لأغراضهم الخاصة وقتما يشاؤون.
وتأكيدًا لهذا الرأي نعرض ما رصدته الإحصائية عن الهيمنة الذكورية ورأي كل من الذكور والإناث تجاه تحكم وسيطرة الرجال على نسائهم، وفقًا لما قاله الخاضعون للدراسة من المتزوجين:

• يعتقد (93%) من الذكور أنه من حق الزوج أن يعرف مكان تواجد زوجته في أي وقت يريد، بينما كان (86%) من الإناث على نفس الرأي.
• يؤمن (98%) من الذكور وحوالي (65%) من الإناث بأنه من حق الزوج التحكم بما ترتديه الزوجة من ملابس.
• يرى (96%) من الذكور أنه يجب على الزوج أن يتحكم في الوقت الذي يمكن لزوجته مغادرة المنزل خلاله، وكان (84%) من الإناث بالمثل.(6)

الثقافة السائدة في المجتمع

يقول علماء الاجتماع في مصر بأن الوضع الاقتصادي غير المستقر للبلاد يجعل هناك شعورًا متزايدًا بانعدام الأمان، وفي ضوء البطالة والفقر المتفشيان، لم يعد بإمكان غالبية الرجال أداء أدوارهم باعتبار أنهم العائل الوحيد للأسرة. وهذا هو سبب رئيسي ضمن أسباب أخرى لتأخر الزواج، مما قد يدفع بعضهم لارتكاب التحرش الجنسي كوسيلة من وسائل فرض السيطرة الذكورية وإظهار الرجولة.
أيضًا أصبحت ثقافة التملص من الخطأ وإلقاء اللوم على أي شيء آخر بدلًا من تحمل مسؤولية الخطأ هي الثقافة السائدة، وكأن المتحرش لا يمكن أن يكون أب، أو أخ، أو ابن، أو مُعلّم. 

ماذا عن حالات الاغتصاب في مصر؟

الميل إلى العنف في المجتمع المصري يبدو سلوكًا سائدًا بشكل عام: نصف الرجال اعترفوا بممارسة العنف مع زوجاتهم في مناسبة واحدة على الأقل. ويعتقد (90%) من الرجال وكذلك (70%) من النساء الخاضعات للإحصائية أنه يجب على النساء «التسامح مع العنف طوعًا للحفاظ على الأسرة». (6)

بسبب معتقداتهن التقليدية تساهم النساء بدعم وتقوية اللامساواة والعنف بقوة في المجتمع، إذ تعتقد (60%) من المجيبات أنه «إذا تعرضت امرأة للاغتصاب، فينبغي عليها الزواج من مغتصبها إخفاءًا للعار»، وهناك قوانين تسقط عقوبة المغتصب إذا تزوج من الضحية في بلدان أخرى غير مصر.
هناك على ما يبدو العديد من المبررات الظاهرة للاغتصاب في مصر. قال محام مشهور في حوار تليفزيوني إنه لا توجد مشكلة على الإطلاق في إساءة معاملة النساء اللائي يرتدين سراويل ممزقة أو كاشفة. بل قال نصًّا: «التحرش الجنسي بهذه الأنواع من الفتيات هو واجب وطني، واغتصابهن واجب قومي!» أظهرت الضجة اللاحقة على وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل في بعض شرائح المجتمع المصري، أن الناس يدركون مخاطر هذا النوع المتشدد من التفكيرالخاطئ على النساء. وقد قام المدعي العام المصري بتوجيه التهم إلى ذلك المحامي، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعدها.

ما الدور الذي تقوم به الدولة حاليًا لمواجهة العنف ضد المرأة؟

النظام التشريعي الحالي في مصر مقيد بمبادئ القوانين واللوائح الدولية متضمنة تلك المتعلقة بحقوق المرأة. وكانت مصر قد أبرمت اتفاقية التخلص من كل أشكال التمييز والعنصرية ضد المرأة في سبتمبر من عام (1981). وقد اعترفت مصر أيضًا ببيان الأمم المتحدة الصادر في عام (1993) والذي يحث على التخلص من أشكال العنف ضد المرأة. ومن ثم قام القانون الجنائي بتجريم بعض أشكال العنف ضد المرأة المقيدة في تشريع أصدره سنة (1993) منها الاعتداء الجسدي، والاغتصاب، والتحرش الجنسي، والاتجار بالنساء.

لا يستند تجريم العنف ضد المرأة طبقًا للقانون الجنائي المصري للقوانين الدولية الغربية فقط، وإنما يتأثر أيضًا بمبادئ التشريع الإسلامي كذلك، بسبب اعتبار الدستور المصري أثناء وضعه في عام (2014) الإسلامَ المصدر الرئيسي للتشريع في مصر. (1)

قسّم قانون العقوبات المصري جرائم العنف الجنسي ضد النساء إلى فئتين جنح  وجنايات 

تشمل الجنح قضايا التحرش الجنسي، أما الجنايات فتشمل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، والاغتصاب، والخطف، والاعتداء الجنسي.

أالجنح

التحرش الجنسي: وفقًا لقانون العقوبات هناك نوعان من التحرش؛ الجسدي واللفظي. أما التحرش الجسدي فهو أي فعل فاحش يتعرّض به الجاني جسد الضحية أو بإتيانه فعلًا جنسيًا يتعرّض به للغير في الأماكن العامة والخاصة.

وأما التحرش اللفظي فيشمل أي قول، أو إيماءات، أو إشارات جنسية يتعرّض بها للغير في الأماكن العامة والخاصة.

ب- الجنايات

 (1) الاغتصاب: يُعرف الاغتصاب، وفقًا لقانون العقوبات المصري، بأنه «من واقع أنثى بغير رضاها».
وقد حددت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض أن العامل الرئيسي في تحديد إذا كانت الجريمة اغتصاب أو تحرش هو الاتصال الجنسي الكامل.

(2) الخطف: ينص قانون العقوبات على أنه كل من خطف بالتحايل أو الإكراه شخصًا، يُعاقب بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن (10) سنوات.

(3) الاعتداء الجنسي: عرّفت محكمة النقض المصرية جريمة الاعتداء الجنسي بأنه فعل فاحش يتعرض له جسد الضحية عنوة ولا يرقى إلى جريمة الاغتصاب، قد يقترن بقوة كاستخدام سلاح ما لارتكاب الفعل ولا يشترط ترك الجاني لعلامات على جسد الضحية ليُتهم بالاعتداء الجنسي.

(4) تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية: ينص قانون العقوبات على أنه «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تتجاوز سبع سنوات كل من قام بختان لأنثى بأن أزال أيًا من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهةً مستديمة، أو إذا أفضى ذلك الفعل إلى الموت».

القوانين والتشريعات التي سنتها الحكومة المصرية لحماية حقوق المرأة والتصدي لجرائم العنف الجنسي

يقع عاتق حماية حقوق المرأة المصرية ضد جرائم العنف الجنسي حاليًا على وثيقتين، الدستور المصري لعام (2014) وقانون العقوبات لعام (1937) وتعديلاته:

أ- الدستور المصري (2014)

لعل المشهد الأبرز خلال طوابير استفتاء يناير عام (2014) كان توافد النساء على اللجان الانتخابية بأعداد تفوق الرجال. وقد حلل البعض ذلك بإقرار الدستور حقوق المرأة كاملة؛ حيث لم يحافظ الدستور المصري لعام (2014) على الحقوق التي أقرتها الدساتير المصرية السابقة فحسب، بل تضمّن موادًا تهدف لحماية المرأة من كل أشكال العنف والتمييز على أساس جنسي. 

تنُص المادة (11) على سبيل المثال على أنه: «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية وفقًا لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة، والطفولة، والمرأة المعيلة، والمسنة، والنساء الأشد احتياجًا».

تقدم هذه المادة التزامات جديدة لحماية المرأة لم تكن موجودة في أي من الدساتير السابقة. علاوة على ذلك وعلى نحو غير مسبوق طالبت المادة (180) من الدستور بتخصيص ربع عدد مقاعد المجالس المحلية للنساء.

ب- قانون العقوبات لعام (1937) وتعديلاته

كانت مصر من أوائل الدول العربية التي ألغت المادة التي تعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوج من ضحيته، حيث واجهت تلك المادة معارضة قوية من جماعات حقوق المرأة. تبعًا لذلك وفي عام (1999) صوت البرلمان المصري على إلغاء مادة قانون العقوبات والتي كانت تنص على أنه: «إذا تزوج الخاطف بمن خطفها زواجًا شرعيًا لا يُحكم عليه بعقوبة ما».

وفي عام (2011) صدر مرسومٌ رئاسيٌّ بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بخصوص الجرائم المرتكبة ضد المرأة تشمل الاعتداء الجنسي، والاغتصاب، والخطف، والتحرش الجنسي في الأماكن العامة. تم تعديل العقوبة المفروضة على جريمة خطف أنثى إلى السجن المشدد مع الأشغال الشاقة. والسجن المؤبد أو الإعدام إذا اعتدى الخاطف جنسيًا عليها. وزادت عقوبة الاغتصاب من قانون العقوبات من السجن المشدد إلى المؤبد أو الإعدام. ووقع آخر تعديل لقانون العقوبات في يونيو (2014) عندما وافق الرئيس المصري المؤقت آنذاك عدلي منصورعلى المرسوم الرئاسي الذي يأمر بتعديل مادتين من قانون العقوبات المصري.

حيث تنص النسخة المعدلة من المادة الأولى على أنه:
1- يعاقب المتهم بالحبس مدة لا تقل عن (6) أشهر وبغرامة لا تقل عن (3) آلاف جنية، ولا تزيد على (5) آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.

2- تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنية ولا تزيد على عشرة آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.

3- في حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديها الأدنى والأقصى.

وتنص المادة الأخرى على أنه: «يُعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويُعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على عشرين ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين».

وإذا كان للجاني سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنية ولا تزيد على خمسين ألف جنية.

أفكار ومقترحات لتحسين القوانين القائمة والنظام القضائي

على الرغم من وجود القوانين السابقة والعقوبات الرادعة للمجرمين، إلا أنها للأسف غير كافية وفقًا لبعض التقارير التي نشرتها منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل منظمة العفو الدولية. وقد ذكرنا من قبل أنه لا توجد أرقام رسمية معلنة لمرتكبي أعمال العنف الجنسي ضد المرأة، ولكن المصادر قالت إنه بسبب وجود ممانعة من الضحايا للإبلاغ عن مثل هذه الجرائم؛ وهذا نتيجة للفهم الخاطئ لضحايا العنف الجنسي في الجزء المتعلق بإبلاغ السلطات المختصة والقضاء عن الحادث.

وهنا نعرض بعض الاقتراحات لتعديل القانون والنظام القضائي لتحسين هذه الأوضاع، وتعمل هذه الاقتراحات على ثلاث محاور رئيسية:

• إلغاء أو تعديل الأحكام التي يتم من خلالها التمييز ضد المرأة في القانون الجنائي.
• إضافة أحكام جديدة للقانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية ليحفظ حق المجني عليه في الخصوصية، وكذلك مراعاة التدخل المناسب في القضية من وزير العدل أو وزير الصحة أو الداخلية.
• تحسين نظام العدالة الجنائية بشكل عام، عن طريق تدريب الضباط وحملات التوعية العامة.

تعديل القانون الجنائي

على الرغم من الإصلاحات الأخيرة للقانون الجنائي، ولكن منظمات حقوق المرأة صرحت بوجود أحكام في القانون الجنائي يشوبها التمييز ضد المرأة، وقامت جماعات حقوق المرأة بالمناقشة حول تغيير هذه الأحكام أو رفضها.
على سبيل المثال القانون الجنائي يميز بين المرأة والرجل اللذان تم ضبط كل منهما بممارسة الزنا، حيث تحصل المرأة على عقوبة أكبر، أما الرجل المتزوج الذي تم ضبطه يقوم بجريمة الزنا في بيت الزوجية يتم حبسه لمدة أقصاها ست أشهر، وإذا قام بهذا الفعل مع امرأة غير متزوجة خارج بيت الزوجية فلا توجد إدانة له! وإذا انطبقت نفس الشروط على المرأة فإنه تعاقب بمدة أقصاها سنتين.
وقام النشطاء بتحديد بعض الأحكام التي ينبغي أن تطبق في القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية والتي تدعم المرأة التي تتعرض للعنف الجنسي، تم تقديم هذه التعديلات للسُلطات ضمن نموذج يحتوي على القوانين المقترحة من منظمات حقوق المرأة.

الإجراءات المقترحة لتحسين النظام القضائي

قامت المنظمات الداعمة لحقوق المرأة باقتراح بعض التعديلات على النظام القضائي لتدعيم حقوق المرأة التي تتعرض للعنف الجنسي منها ما يلي:
• تدريب ضباط الشرطة، ومكتب الفحص الطبي، ومكتب المدعي العام والذي يقوم بالتحقيق مع الضحية بحيث لا يتم انتهاك كرامة أو خصوصية الضحية وتخصيص ضباط شرطة من النساء أو فاحصات طبيات للتعامل مع الضحية.
• تزويد ضحايا العنف الجنسي بالمساعدات الصحية والنفسية المناسبة .
• تغيير القانون بحيث يمنع المعتدي من التواصل مع الضحية فيما بعد سواء في المنزل أو العمل.
• إلزام السلطات التنفيذية بوضع خطة قومية ممنهجة لمكافحة العنف الجنسي، ويتم تجديد وتطوير هذه الخطة سنويًا.

الملخص

لقد كان العنف الجنسي مشكلة مستمرة في مصر؛ على الرغم من التعديلات التي أُدخلت مؤخرًا على القانون الجنائي والرامية إلى الحد من هذه القضايا، فقد حدد المعلقون أوجه قصور أخرى في القوانين والممارسات فيما يتعلق بحق ضحايا العنف الجنسي في الخصوصية وكذلك المساعدة المتاحة لهؤلاء الضحايا. دعا الناشطون ومنظمات حقوق المرأة والمجلس القومي للمرأة فروع الحكومة الثلاثة إلى وضع خطة عمل ليس فقط لتعزيز العقوبات من أجل ردع مرتكبي هذه الجرائم، ولكن أيضًا لتوفير الحماية الكافية بحيث يمكن للضحايا أن تقاضي وتشهد ضد هؤلاء الجناة.
هناك مجموعة من القضايا والمبادرات القانونية المتعلقة بحماية ضحايا الجرائم الجنسية التي تجري مناقشتها كجزء من النقاش الدائر، بما في ذلك إنشاء قاعدة بيانات للمعتدين جنسيًا؛ وتقديم مفهوم أوامر التقييد وتعزيز الوعي العام حول المخالفات وحقوق الضحايا.

المصادر:

المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع
المصدر الخامس
المصدر السادس


إعداد: عبدالسلام حمروش، أحمد فارس، محمود ابراهيم
مراجعة علمية: بسمة التهامي
مراجعة لغوية: حمزة مطالقة
تحرير: هدير جابر

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي