القدرة التطورية للحياة الأولية لمواجهة التغيرات الجذرية

fbd85188bddfd8a9f3cbc5f1e4d8d09f

|

لغز الحياة دائما ما يشغل العلماء، كيف بدأت على الأرض؟ وكيف تطورت؟ فلطالما تساءلنا من أين جئنا وإلى أين سنذهب؟ وكيف يؤثر الماضي والحاضر على وجودنا المستقبلي على هذا الكوكب؛ لذا يظل العلماء في حالة بحث دائم ونشاط لمحاولة الإجابة على تلك الأسئلة.

قام عالمان من علماء الأحياء التطورية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المعروف بـ(MIT) «جريج فورنييه» وزميله «مارجريه كانتين» ببحث يقوم على تحليل تسلسل الجينات الممكنة المنتمية لأشكال الحياة الأولى على كوكب الأرض، طبقًا لهذا البحث فإنَّه يوجد احتمال أن الحياة على الأرض في بداية تاريخها البيولوجي قد نشأت في ظروف مناخية باردة بالقرب من السطح قبل أن تنتقل إلى البيئات الأكثر دفئًا.

وترجع جميع أشكال الحياة المتواجدة على كوكبنا اليوم إلى سلفين فقط من أشكال الوجود الأولى، الأول وهو انبثاق شكل الحياة الأول منذ بلايين السنين، والثاني وهو التطور اللاحق لآخر سلف مشترك شامل (Last Universal Common Ancestor-LUCA). أيًا كان شكل وطبيعة الكائنين (شكل الحياة الأول والسلف المشترك الأخير) ففي الواقع، هذان النوعان المنقرضان غالبًا ما احتلوا بيئات مختلفة جذريًا، هذه الحقيقة تشير إلى أنه كان على أشكال الحياة الأولى أن تخضع لعدة سلاسل من التغيرات التطورية لكي تساعدها على الاستمرار في الوجود على قيد الحياة، وربما مازال بإمكاننا الكشف عن آثار تلك التغيرات في الأحياء الموجودة اليوم.

يقول فورنييه:

«مواجهة تنوع بيئي كهذا في البداية قد يكون بالفعل ضروريًا لحصول (LUCA) على القدرة على التطور من أجل الاستمرار في التنوع وتعمير كل موطن على الأرض خلال أكثر من أربعة بلايين عام».

على الرغم من أنه في وقتنا الحالي قادتنا الدراسات إلى معرفة أن الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) يسود ككونه المخطط أو التصميم الأساسي للأحياء، فهنالك نظرية يتفق عليها العديد من علماء الأحياء التطورية تقترح أن الأحياء الأولى على الأرض لم تستعمل إلا الحمض النووي الأبسط وهو الحمض النووي الريبوزي (RNA) والذي بإمكانه تشفير المعلومات الوراثية تمامًا كالحمض النووي (DNA) وكذلك يمكنه التسبب في بدء تفاعلات كيميائية ضرورية لاستمرار الحياة تمامًا كالعديد من البروتينات.

قام الباحثان بتحليل سجلات من التسلسلات الجينية الموجودة بكل الأحياء الموجودة على الأرض في وقتنا الحالي، ومن ضمنهم التسلسلات التي يوجد احتمال تشابهها مع التسلسلات المتواجدة في أقدم الكائنات على وجه الأرض، من أجل تحديد أي من هذه التسلسلات تواجدت في شكل الحياة الأول. ومن ثم، قاما بفحص بحث سابق يدرس مدى جودة أداء الحمض الننوي الريبوزي  RNA مع اختلاف الظروف البيئية، سواء كانت ظروفًا جوية أو اختلاف في درجة الحموضة أو الإشعاع لاستنتاج كيف كانت طبيعة البيئات في بداية الحياة.

بإمكان الأشعة فوق البنفسجية إحداث أضرار بالـRNA، ويمكن أنها قد كانت تتسبب أيضًا في بدء تفاعلات كيميائية ساعدت في نشأة العناصر الأساسية للحياة. في الفترة التي نشأة فيها الحياة على الأرض منذ حوالي 4.4 بليون سنة كانت الشمس تطلق كمية أكبر من الأشعة فوق البنفسجية من التي تطلقه في يومنا هذا، وكذلك كانت الشمس أبرد نسبيًا مما هي عليه الآن، وبالتالي ربما كانت درجة الحرارة على الأرض أيضًا منخفضة نسبيًا عن اليوم، منخفضة لدرجة البرودة التي تسمح لتكون محيط جليدي على الأرض. يُعرف أنه من السهل للأحماض الأمينية وجزيئات الـRNA طويلة السلسلة أن تتجمع في الأسطح منخفضة الحرارة، وبإمكان الأسطح الجليدية والطينية أن تكون ساعدت على تركيز الجزيئات الحيوية التي أدت لنشأة الحياة بعد ذلك.
أدت جميع تلك النظريات إلى أن أفترض العالمان أن شكل الحياة الأول نشأ بالقرب من سطح الأرض تحت ما يشبه الدرع الإشعاعي كسطح من الماء أو غطاء جليدي أو رواسب أو أشياء أخرى من هذا القبيل، وكان لديه منفذ لبيئات غير محمية بهذا الدرع حيث أمكنه تكوين جزيئات حيوية أساسية.

على النقيض، فإن الـLUCA -وهو الجنس الميكروبي الذي جاءت منه جميع الأحياء الموجودة حاليًا- يحتمل أنه قد تواجد في مناخ معتدل نسبيًا، على الاقل منذ حوالي 4 بلايين سنة. بإمكان العلماء تخمين كيف كانت طبيعة كائن الـLUCA عن طريق النظر فيما تحتويه جينات الأحياء الموجودة الآن على قواسم مشتركة وتحليل كيفية تغير هذه الجينات مع مرور الزمن بسبب التطور ومن ثم استنتاج أشكال النُسَخ البدائية من هذه الجينات، توصل العالمان إلى أن الـ600 تسلسل أو أكثر من الجينات الموجود بـLUCA وكذلك الأحماض الأمينية المصنعة لأغلب البروتينات به عادة ما تكون مستقرة أكثر في بيئات معتدلة وهذا يتفق مع إفتراضهما لتواجد الكائن في بيئات معتدلة.
قال مارجريه كانتين: «بناء على أعمال الكثيرين السابقة، الحياة على الأرض توزعت وتأقلمت مع بيئات جديدة مبكرًا في تاريخها».

اقترح العالمان أيضًا أن LUCA عاش على سطح الأرض بالاختلاف مع دراسات أخرى افترضت أنه كان يعيش في الفوهات الحرمائية (Hydrothermal vents) الموجودة بقيعان البحار، معتمدين في افتراضهم على أنه لو كان نشأ بالفعل على السطح لحصل على جينات عملت على إصلاح الضرر الذي تتسبب به الأشعة فوق البنفسجية، واحتاج أيضًا ضوء فوق بنفسجي قريب لكي تنشط هذه الإصلاحات، وبالفعل تتواجد به تلك الجينات وهي السبب في اقتراح فورنييه وكانتين أن LUCA تعرض للأشعة فوق البنفسجية بالقرب من السطح.

بم أن الحياة نشأت في بيئة مختلفة عن التي تواجد بها LUCA، فهذا يقترح أن الأحياء البدائية تطورت للنجاة من التغيرات المتطرفة المحيطة كالقصف الشديد المتأخر (Late heavy bombardment) المعروف أحيانًا بالكارثة القمرية، والذي خلاله اصطدمت أسراب من المذنبات والكويكبات بالأرض وباقي الجزء الداخلي من النظام الشمسي مؤدية إلى تكون القشرة القارية وتوزيع المياة بشكل كبير علي سطح الأرض.
قال فورنييه:

«ربما كانت العلاقة البيئية المعقدة بين الأجناس المختلفة جزئًا مهما من الحياة على الأرض منذ مقربة بدايتها، وLUCA هو المثال الأوحد على أشكال الحياة التي كانت متواجدة في تلك الفترة». وأضاف إليه كانتين: «لربما كان تأسيس سريع لعلاقات بيئية معقدة أساسيًا حتى تستمر الحياة على الأرض بعد بدايتها».

وأخيرًا، الصورة التي رسمها فورنييه وكانتين عن التطور البدائي على الأرض يُعد سيناريو معقول لتخيل الحياة علي كوكب المريخ، يقول الباحثان أنه أثناء المطاردة لعلامات حياة على المريخ، لا ينبغى على عمليات البحث أن تكون مقيدة بالبيئات التي نظن نحن أن نشأة الحياة فيها محتملة فقط، فربما الحياة على المريخ نشأت ثم انتقلت لبيئات أخرى مختلفة تمامًا بعد نشأتها من قديم الزمن، يعتقد كانتين وفورنييه أنه في عمليات البحث عن الحياة على المريخ علينا بالتركيزعلى تلك البيئات التي ربما غنمت بآثار الحياة وأيضًا حفظتها مع الوقت.

المصدر:  https://www.space.com/40240-early-life-evolutionary-power-to-survive.html
ترجمة: كريم خالد
مراجعة لُغوية: Israa Adel
مراجعة علمية: Aya Ghanem

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي