“الكوديكولوجيا” علم دراسة المخطوط.

011116_1402_1

|||||


تحتل دراسة التراث العربي وتحقيقه أهمية كبيرة عند كبار الباحثين والمحققين، ذلك الاهتمام الذي يعتمد في المقام الأول على دراسة أمهات الكتب من خلال النسخ الأصلية لها والتي حررها أصحابها بخط أيديهم، ومقارنة هذه النسخ بعضها البعض للوصول إلى المضمون الأقرب إلى الكتاب الأصلي، فلم يكون المصدر التاريخي أو الجغرافي أو غيرهما من المصادر القديمة يكتب لمرة واحدة، بل كان ينسخ منه ” بخط اليد ” العديد من النسخ لسد حاجة سوق الوراقة أو الإهداء أو هدف لتعلم طلاب العلم، لذا ظهر لنا علم قائم بذاته يعرف بعلم دراسة الكتاب المخطوط باليد أو فيما يعرف باسم “الكوديكولوجي”.

الكوديكولوجيا La codicologie أو علم دراسة المخطوطات هو لفظ مشترك من لفظان، أولهما الكلمة اليونانية Logos التي تعني “علم”، والآخر كلمة لاتينية هي Codex والتي تعني الكتاب الرأسي المكون من كراسات، ظهر هذا العلم بشكل مستقل في منتصف القرن العشرين وهو مرحلة تالية بعد ظهور علم تطور الخط أو ما يعرف بـ La paleographie والذي ظهر في القرن التاسع عشر.

    ركزت دراسة علم الكوديكولوجيا في بداية الأمر بدراسة المكتبات وتاريخها والكتب والمجموعات والموسوعات، ثم تطور هذا التركيز ليهتم بشكل خاص بدراسة الشكل المادي للكتاب المخطوط من حيث كونه تراثًا وأثرًا ماديًا عن طريق دراسة العناصر التي تطور منها المخطوط من حيث حوامل الكتابة “البردي والرق والكاغد” والمواد المستخدمة في الكتابة أمثال “الأقلام والأصباغ” بالإضافة إلى شكل الكراسات وأحجامها وترتيبها وإخراج الصفحة وتهذيبها، كل ذلك لا يتدخل في نص الكتاب أو موضوعه من حيث القيمة العلمية والأدبية للمخطوط والذي عُرف بعلم الدراسات الفيلولوجية، والتي نُسبت إلى أعمال الفيلولوجيين الكلاسيكيين الفرنسيين منذ القرن السابع عشر الميلادي والتي تتضمن أعمالهم في دراسة كل ما يتعلق بالمخطوط حتي ظهور الكوديكولوجيا والمهتم بالجوانب المادية فقط.

    إن هذا الاستقلال الذي حظي به علم الكوديكولوجيا جعل منه علمًا شبيهًا بعلم الأركيولوجي أو علم دراسة الآثار حتى ان أحد العلماء البلجيكيين ويدعى “مازاي Mazai ” أراد أن يطلق عليه علم “آثارية المخطوط archeologie du manuscript ” ، وزاد الاهتمام بهذا العلم الحديث حتى ظهر لنا أول معهد لدراسة هذا العلم تحت مسمى “معهد البحث وتاريخ النصوص” على يد الفرنسيين في ثلاثينيات القرن العشرين.

    إن كل كتاب مخطوط تتم الدراسة عليه يخضع لظروف بيئته وعصره بمعنى أن كل العناصر التي تتم دراستها بواسطة الكوديكولوجيا من أقلام وأحبار وغيرها تخضع صناعتها وجودتها للعصر الذي كُتب فيه هذا المخطوط وحسب الأعراف التقاليد التي سادت هذا العصر والمرتبطة بصناعته وجودته، لذا اهتم علم الكوديكولوجيا بجانب الأشكال المادية للمخطوط بدراسة الظروف التي أنتج فيها المخطوط والطريقة التي اتبعها النساخ والوراقون والمزخرفون والملجدون في عملها في عصر المخطوط المدروس، واختلاف البيئة الجغرافية والزمنية وأثر ذلك على إنتاج المخطوط.

ويمر علم دراسة المخطوط أو الكوديكولوجيا بعدة خطوات وهي:

أولًا : دراسة الحوامل:

وهي المواد التي كانت تُستخدم للكتابة عليها، وقد اختلفت هذه المواد باختلاف العصر والمكان، ومن هذه المواد:

  1. العسيب: وهي أوراق السعف وجريد النخل وكذلك الكرانيف وهي السعف الغليظ الملتصق بالنخلة مباشرة.
  2. الأديم: وهو الجلد الأحمر المدبوغ وقد استعمل على أيام عصر صدر الإسلام والخلافة الراشدة.
  3. البردي: وهو نبات البردي الذي ظهر في مصر وفلسطين وبلاد ما وراء النهرين وصقلية، واستخدم في اللغة العربية باسم “القرطاس” و “ورق القضب” بالإضافة إلى المسمى الأشهر له “ورق البردي” ، ويرجع استخدامه كحامل في الكتابة لما قبل الميلادى بـ ثلاثة آلاف عام.
  4. الرق: وهي الجلود التي كان سمكها يسمح بالكتابة عليه مثل جلود الغزال، يقوم العامل بنتف الشعر منه ويجفف مع بعض القليل من الدباغة.
  5. الورق: أول من أستعمله الصينيون، وقد عرفه المسلمون بعد فتح سمرقند عام 87هـ، وبدء الاستخدام به كحامل للكتب المخطوطة على نطاق واسع.


مخطوط من الرق مكتوب بماء الذهب

ثانيًا : دراسة الكراسات:

وهي عملية دراسة تتم على ترتيب الحوامل بعضها البعض بشكل الكراسات، وتمر هذه المرحلة بعدة أشكال منها: أنواعها (كراسات من ورقتين أو أربعة أو ثمان ورقات)، فحصها (وهي التدقيق في ترتيب الكراسات دون فقد أحد أورقها)، مصدرها (أي المنطقة الجغرافية التي تنتمي إليها الكراس).


    شكل لكراسة مخطوط تقليدية

ثالثًا: دراسة أدوات النسخ والرسم:

وتهتم هذه المرحلة بدراسة الأدوات التي تم بها الكتابة على الحوامل مثل:

  1. القلم: عُرف القلم بعدة أسماء منها ( الطومار والرياسي والنصف والثلث والثلثين).

شكل لأقلام مشرقية ومغربية


  1. المداد: وهو ما يستعين به القلم للكتابة مثل الزيوت ومداد الكربون غيرها.
  2. الأحبار: ويراد به اللون الذي يُعطى للمداد للكتابة.

    مداد بني مستخدم على ورق داكن


رابعًا: التسطير وإخراج الصفحة: من خلالها يتم دراسة ضبط الأسطر وقياس أبعادها.

خامسًا: دراسة الخطوط: وتُعني بدراسة الخط المستعمل في الكتابة وأشكال كتابته وزخرفته.

سادسًا: تزويق الكتاب المخطوط وزخرفته: وهي دراسة أساليب الزخرفة والرسم والتذويق التي تم إستعمالها في تجميل المخطوط واختلاف هذا التزيين بين الغلاف والصفحات الأولى وباقي الكراسات.

سابعًا: التجليد: وهي وتُعنى بحماية الكراسات المخطوطة من الخارج من التلف وقد استخدم فيه الورق والرق والنسيج والمعادن والخشب وغيره.


نمط تجليد الكتاب المخطوط

ثامنًا: دراسة حرود المتن والتأريخ: وحرود المتن هي بعض الفراغات التي يستفيد منها كاتب المخطوط لكتابة بعض المعلومات عن الكتاب مثل تأريخه ونصه والسماعات أي عن من سمع المخطوط، وعلامات الوقف أي وقف المخطوط لجهة معينة والإجازات وهي حق منح الرواية المسموعة وعلامات التملك مثل الأختام التي تنسب الكتاب لصاحبه وغيرها من المعلومات، وغالبًا ما يكون الحرد في نهاية الكتاب المخطوط.

إعداد: عمر بكر

مراجعة: عبدالله طه

مصادر المقال:

  1. أحمد شوقي بنين : دراسات في علم المخطوطات والبحث الببلوغرافي ، مطبعة الوراقة المغربية الوطنية، مراكش ، طـ ، 2004م .
  2. إياد خالد الصباغ : المخطوط العربي ، دراسة في أبعاد الزمان والمكان ، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب ، دمشق ، 2011م .
  3. حلوى فتيحة : صناعة المخطوط ودوره في بناء الحضارة الإسلامية ، رسالة ماجستير ، كلية الآداب واللغات ، جامعة أبو بكر بلقايد ، الجزائر ، 2010م .
  4. فرانسوا ديروش : المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي ، نقله إلى العربية وقدم له : أيمن فؤاد سيد ، مؤسسة الفرقان للنشر ، لندن ، 1431هـ ، 2010م .
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي