سلسلة نشأة الكون: الجزء 7 الأخير: نظرية كل شيء والكون العظيم

سلسلة نشأة الكون: الجزء 7 الأخير: نظرية كل شيء والكون العظيم

من ضمن آليات دراسة الإنسان لهذا الكون الجميل، هي أن يتم وصف الكون بالمعادلات والنظريات الرياضية، التي تدل على النظام الذي يعمل به الكون وعناصره، وعلاقتها ببعضها البعض، حيث تحقق ذلك عندما استطاع العلماء بفهم علاقة الاجسام الكبيرة في الفضاء ببعضها البعض، ووصف جميع القوى الأساسية، ودراسة الأجسام الصغيرة، ونظريات أخرى كثيرة.

لكن لم يقف فكر الأنسان عند هذا الحد، حيث أراد العلماء وصف الكون في نظرية علمية واحدة، تكون ذات مرجع كامل لفهم الكون وكل ما بداخله، وتم تسميتها بنظرية كل شيء. فما هي نظرية كل شيء، وما دورها في فهمنا لهذا الكون؟

ما هي نظرية كل شيء؟

نظرية كل شيء – Theory of Everything، هي نظرية افتراضية –لم يصل إليها العلماء بعد- تفسر كل الظواهر الفيزيائية في الكون، حيث يحاول الباحثون والعلماء الوصول لذلك النموذج منذ تطور ميكانيكا الكم، وظهور النظرية النسبية في أوائل القرن العشرين (2).

كلٌ من هذه الركائز الفيزيائية الحديثة تصف حال عناصرها –أي من أصغر الجسيمات إلى أكبرها في الكون- بدقة مذهلة، ولكن فشلت كلً من ميكانيكا الكم والنظرية النسبية في تطبيق مبادئهم على عناصر بعضهم البعض؛ لذلك يصعب على العلماء الوصول الي مبدأ نظرية لكل شيء، حتى أنَّ بعضهم يعتقد أنَّه شيء غير واقعي.

سلسلة نشأة الكون: الجزء 7 الأخير: نظرية كل شيء والكون العظيم

هذا الاعتقاد جاء من اختلاف المضمون الفيزيائي بين النظرية النسبية، وميكانيكا الكم، فان النظرية النسبية بدأت بكونها النظرية النسبية الخاصة، التي جاء بها اينشتاين عام 1905م، والتي تنص أن قوانين الفيزياء لا تتغير لكل الاجسام الغير متسارعة في إطارها المرجعي، وأن سرعة الضوء في الفراغ مستقلة عن حركة الأجسام المراقبة. قدمت هذه النظرية مفاهيمًا جديدة لقوانين الفيزياء، ومبادئ واقعية لفهم الزمان والمكان.

ظل أينشتاين يعمل على ادخال عنصر التسارع في نظريته لمدة عشر سنوات، حتى جاء بنشر بحثه عن النظرية النسبية العامة عام 1915م، والتي تنص أنَّ الاجسام الضخمة تسبب انحناء في نسيج الزمكان، وهذا ما يمثل مفهوما جديدًا للجاذبية. النظرية النسبية توضح كل الظواهر الفيزيائية للأجسام الكبيرة في الفضاء بشكل عام، والتي كانت أكبر مرجع واقعي لفهم الجاذبية بشكل أفضل (9).

بينما تُعرف ميكانيكا الكم بأنها فرع من فروع الفيزياء، الذي يوضح كل ما هو متعلق بالأجسام الصغيرة جدا، مثل الذرات، والأجسام الدون ذرية – Subatomic Particles (الاجسام الأصغر من الذرة) مثل الالكترون. ساهم العالم هايزنبرج في هذا المجال بتقديمه لمبدأ الشك -uncertainty principle، والذي يوضح أنه لا يوجد افتراض وحساب صحيح بنسبة مائة في المائة، لأي من خواص المادة (3).

سلسلة نشأة الكون: الجزء 7 الأخير: نظرية كل شيء والكون العظيم

 

يشتهر تطبيق هذه النظرية على كلا من السرعة والمكان الخاصين بجسيم أولي، وهو الشكل الأبسط لأصغر جسيم وصل إليه العلماء، والذي يتكون منه كل الأجسام الأخرى. بمعني إنه لا يمكن تحديد وحدتي القياس تلك في آن واحد، إمَّا أن يتم تحديد السرعة، فيظل المكان مجهول، او يتم تحديد المكان فتظل السرعة مجهولة.

بناءً على مضمون كل فرع من تلك الفروع الفيزيائية الأساسية، ذكر العالم ستيفن هوكينج في كتابه كتابه: نظرية كل شيء: أصل الكون ومصيره: إن الوصول لنظرية موحدة يعد أمرًا صعبًا جدًا، وذلك لأنَّ كون النظرية النسبية، نظرية كلاسيكية أي إنَّها لا تعتمد على مبدأ الشك، بينما معظم النظريات الجزئية تعتمد على هذا المبدأ؛ لذلك يجب أن تكون أول خطوة أساسية هي الدمج بين نظرية النسبية العامة وبين مبدأ الشك، ولكن هذا قد يؤدى إلي كثير من العواقب، كافتراض مثلا أنَّ الثقوب السوداء ليست سوداء، أو أن الكون يحتوى نفسه، وليس له حدود!.

سلسلة نشأة الكون: الجزء 7 الأخير: نظرية كل شيء والكون العظيم

العلماء والنظرية الموحدة

بدأ العالم أينشتاين عام 1920م في البحث وراء الوصول إلى نظرية موحدة، وكان لا يتقبل المتناقضات الغريبة التي احتوتها ميكانيكا الكم، حيث اعتقد أنَّ الرياضيات قادرة على وصف القوى الكهرومغناطيسية، وقوى الجاذبية –القوتان المعروفتان في هذا الوقت-، في إطار نظرية واحدة.

قال أينشتاين لأحد تلامذته عام 1925م:

«أريد معرفة كيف خلق الإله هذا الكون، لا اهتم لتلك الظواهر الفيزيائية الموجودة في أطياف هذه العناصر. أريد أن اعرف أفكاره، وما تبقى فهو مجرد تفاصيل.» (10)

وفى أواسط القرن العشرين، طور الفيزيائيون نموذج يسمى بنظرية كل شيء تقريبًا – Theory of almost everything، والتي تفسر التفاعلات الفيزيائية بين الاجسام الدون ذرية، وبين ثلاث من أصل أربع من القوة الأساسية: القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية القوية، ولكن لم يتم ادراج قوة الجاذبية في تلك النظرية (1).

من النظريات التي ظن العلماء انها تضم الجاذبية في حسبانها، هي نظرية الجاذبية الكمية – Quantum Gravity، وهي نظرية توضح كيف تعمل قوة الجاذبية في الفضاء على نطاق المجرات الضخمة، وبين الاجسام الدون ذرية، مثل الكوارك – Quark، وكل ما بينهم (4).

بعض العلماء يعتقد أيضا ان نظرية الاوتار – String Theory، هي أحد النظريات التي تلائم كل الملاحظات والمناهج المقصودة للوصول الى نظرية كل شيء، حيث انها تقدم شرحا ذات صلة، لكل القوى والمواد الموجودة في الكون، عن طريق معادلة رياضية. تلك المعادلة تنص ان كل جزيئات الكون عبارة عن كيانات وترية الشكل، ذات بعد واحد، تقوم بالاهتزاز في واقع ذات احدى عشر بعج. تلك الاهتزازات المسؤولة عن تشكيل أي مادة، وتحديد خصائصها، مثل الكتلة، والشحنة المختزنة (6).

هل توصلنا الى نظرية كل شيء؟

يعتقد بعض العلماء أنَّ نظرية الوتر تنتهي بمنهجية فكرية مسدودة، حيث قال الفيزيائي النظري الأمريكي بيتر وويت على مدونته وهو أحد أساتذة جامعة كولومبيا:

«إن المشكلة ليست في التطوير البحثي البطيء لنظرية الأوتار على مدار الثلاثون سنة الماضية، ولكن المشكلة في أن كل النتائج التي تم التوصل لها هي نتائج سلبية، حتى إن كل ما تم تعلمه وملاحظته أوضح أنَّ الفكرة لا تعمل.» (8)

ناقش العالم ستيفن هوكنيج في أحد أفضل كتبه مبيعاً «تاريخ موجز للزمن» رغبته في الوصول إلى نظرية كل شيء، ولكن تغير رأيه فيما بعد تجاه ذلك الغرض، واعتقد أنَّ الوصول لتلك النظرية سيكون خارج متناول البحث إلى الأبد، وذلك بسبب أنَّ الجنس البشري غير دقيق في وصفه للواقع، وهذا وفقاً لما ألقاه في محاضرة عام 2002م (7).

لكن هذا الاستنتاج لم يصيبه بالحزن، بل أضاء بريق الأمل داخله حيث قال:

«انا سعيد بسبب أن أبحاثنا للفهم لن تتوقف أبداً، مما يؤدي إلى تحديات لاستكشافات جديدة، ولولا هذا لكنّا جلسنا ساكنين.»  (7)

ختم هوكينج كتابه “نظرية كل شيء: أصل الكون ومصيره” بقوله:

«لو اكتشفنا تلك النظرية، ستكون مفهومة للجميع على مدار الوقت، وليس فقط بعض العلماء. في هذا الوقت، سيشارك الجميع في مسألة البحث عن أسباب وجود الكون، وإذا اكتشفنا تلك الإجابة، سنكون على علم جيد عن سبب وجود الجنس البشري، مما يساعدنا على فهم عقل الآلة.»

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي