المحاكم البرازيلية تتصارع حول دواءٍ للسرطان غير مُوافق عليه حتى الآن

المحاكم

منعت محكمةٌ في الولاية البرازيلية «ساوباولو» توزيع مُركَّب أشاع عنه البعض أنه دواءٌ معجزة في علاج السرطان؛ بالرغم من عدم تجربته رسميًا على البشر.

ففي الحادي عشر من نوفمبر أسقطت محكمة الولاية أمرًا تم إصداره مُسبقًا من قِبَل المحكمة الفيدرالية العُليا، تم فيه إلزام أكبر جامعات الأمة البرازيلية بتزويد مئاتٍ من مرضى السرطان في المراحل الأخيرة بالمُركَّب. وبالرغم من محدودية تطبيق بُطلان القرار ليقتصر على طلبات العقار المُقدَّمة من سكان ساو باولو وحدهم، إلا أن إداريي الجامعة يُقدرِّون أنه يغطي حوالي 80% من الطلبات التي تلقوها بخصوص المركب.

 

فلقد أظهر مركب (الفسفوإيثانولامين- phosphoethanolamine) قدرةً على قتل خلايا السرطان في أطباق الاختبار وفي الفئران، ولكن الأدوية التي تبدو واعدةً في المختبر وحيوانات التجارب لها معدل فشل عالٍ لا يُستهان به عند تجربتها على البشر. وبالرغم من هذا؛ فإن بعض الكيميائيين بالحرم الجامعي لجامعة ساوباولو بمدينة سانت كارلوس قاموا بصنع هذا المركب على مدار سنوات وقاموا بتوزيعه على مرضى السرطان، والقليل من هؤلاء المرضى حققوا شفاءً ملحوظًا، مروجين بذلك سمعةً للمركب على أنه العلاج المعجزة.

 

وأفزع إدارة الجامعة هذا الانتشار الغير رسمي للفسفوإيثانولامين، فتحركت في سبتمبر 2015 وسَعَت لإيقافه، وكان نتيجةً لذلك أن قام المرضى بمقاضاة الجامعة، ففي أكتوبر 2015 قضت المحكمة الفيدرالية العليا بالبرازيل لصالح أحد هؤلاء المدعين الذين أرادوا الحق في تجربة المركب ثم قامت محكمة -تليها بعد ذلك في السلطة- بإصدار أوامر للجامعة لإمداد الأفراد به. ويقول الموظفون بالجامعة بأن الطلبات انهالت عليهم ووصل عددها إلى أكثر من 800 طلب.

 

ويقول (فولنيه جرافا-Volnei Garrafa) عالم بيولوجيا-أخلاقية بجامعة برازيليا أن القرار لم يتجاهل الآراء الطبية المتخصصة فقط، ولكنه تغاضى أيضًا عن حقيقة أن العقار لم تتم تجربته سوى على الحيوانات. ويضيف أيضًا أن قرارات المحكمة هذه ستكون السبب في جلب توقعات خاطئة للمرضى وأسرهم، محدِثةً بذلك لَغَطًا في المجتمع والتباسًا بين ما هو آمن وما ليس كذلك.

 

ويكفل الدستور البرازيلي مَنفَذ شامل للرعاية الصحية، ومن الشائع في البرازيل أن يتجه المرضى للمحاكم للحصول على الأدوية والتي لا يوفرها نظام الولاية للرعاية الصحية نتيجةً لتكلفتها؛ هكذا يقول (جرافا)، ويضيف أن الفسفوإيثانولامين يمثل قضية مختلفة، فهو ليس حتى بعقار في حقيقة الأمر، فلم توافق عليه وكالة مراقبة الصحة الوطنية بالبرازيل حتى الآن.

وهؤلاء الذين يجادلون مدافعين عن حق الأشخاص مرضى السرطان في مراحله الأخيرة في تجربة الأدوية التي لاتزال تحت الاختبار اعتبروا هذا القرار الذي صدر باكرًا بمثابة نصر مُدوٍّ؛ في حين اعتبرته إدارة الجامعة والمسؤولون عن تنظيم الأدوية وباحثو السرطان تجاهلًا وقحًا للمبادئ العلمية الأساسية: أن الدواء يجب أن يثبت أنه آمن وفعال قبل إعطائه للمرضى خارج التجارب الإكلينكية. ويقول (ماركو أنطونيو زاجو-Marco Antonio Zago) طبيب ورئيس جامعة ساوباولو أن هذا انتهاكٌ لاستقلال الجامعة، فهم يروننا وكأننا مصنع لإنتاج شيءٍ لا نؤمن بصحة فعله.

 

والفسفوإيثانولامين مركب أساسي ومهم؛ فهو من الدهون التي تتركب منها أغشية الخلايا، والذي يستطيع أيضًا أن يعمل كإشارة جزيئية تقوم بتنشيط عمليات خلوية معينة. وبالرغم من أن بعض الدراسات تقترح أن المركب بالفعل يمكنه قتل الخلايا السرطانية كما في مثال الخلايا المعزولة وفي الفئران، فإنه من غير الواضح تمامًا كيف يؤدي المركب إلى هذه الاستجابة. ويعتقد عالم الكيمياء الحيوية (درفاني أوجستو ماريا-Durvanei Augusto Maria) بمعهد بوتانتان في ساوباولو أن المركب -من المحتمل- أنه يُحْمَل إلى داخل الخلايا السرطانية ليحفز عمليات تقود الخلية إلى تدمير نفسها بمجرد دخوله، ويقول عالم المناعة (جيمس فنتوريني-James Venturini) بجامعة ساوباولو أنه وزملاؤه وجدوا أن مركب الفسفوإيثانولامين قد يعدل استجابة جهاز المناعة للسرطان أو يؤثر على انقسام الخلية.

 

ولكن لتبرير استخدام الفسفوإيثانولامين للأشخاص، يرى (فنتوريني) أنه يجب على الباحث اختباره بصرامة في سلسلة من التجارب الإكلينكية مستخدمًا فيها متطوعين من البشر ويضيف: «أنا أؤمن بشدة أن الدراسات الإكلينكية مزدوجة التعمية[1] والعشوائية في منتهى الضرورة.» ويضيف (جايسون بيتنكورجي أندراجي-Jailson Bittencourt de Andrade)سكرتير سياسة البحث والتطوير في وزارة العلوم والتكنولوجيا بالبرازيل، أنه حتى قبل البدء في هذه التجارب يجب القيام بالعديد من الدراسات قبل الإكلينكية، ويقول أن الوزارة تخطط لتمويل هذه الدراسات وقامت بالفعل بسؤال العديد من المعامل في البلد للقيام بذلك العمل، ويضيف أنه إذا كانت هذه الاختبارات وما يتبعها من تجارب إكلينكية ناجحة، فستمول الوزارة أيضًا البحث اللازم لتصعيد إنتاج الفسفوإيثانولامين لتصل به إلى الكميات والجودة اللازمة لدواءٍ موافق عليه.

 

ولكن هذه العملية ستحتاج إلى سنوات، وفي الوقت نفسه فإن المحامين المُمَثَّلين لمرضى السرطان أقسموا على الطعن ضد الحُكم الأخير. ويعرب (جي أندراجي) عن قلقه في حال تم قبول هذه الطعون، ففي هذه الحالة لن ينتظر الناس حتى اكتمال الاختبارات، وربما أيضًا هجروا الطرق التقليدية المُثبت فعاليتها لصالح الفسفوإيثانولامين. ويقول أن العديد من المرضى أتوا وقالوا أنهم جربوا الدواء بالفعل وقد نجح معهم، ولذلك فإن المرضى الآخرين وعائلاتهم يريدون الفسفوإيثانولامين الآن.

[1] (المترجم): تجربة يتم فيها ‘خفاء المعلومات الخاصة بالتجربة عن المشارك حتى نهايتها لضمان عدم التحيز من قبل القائم بها والخاضع لها.

 

إعداد/ترجمة:Zeinab Badawy

مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary

المصدر: http://sc.egyres.com/qBA3y

 

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي