الحلقة السابعة: المخدرات الرقمية

Ep-7

|||

في عام 2010، تم تأنيب ثلاثة طلاب في مدرسة موستانج الثانوية في أوكلاهوما؛ لأنهم كانوا سكارى كما لو أنهم تعاطوا نسبة عالية من الكحول أو ما شابه، وعند استجوابهم أوضحوا أن هذه الثمالة نتاج تعاطي عقار رقمي من النوع «i-dosers».

لم يتمكن المسؤولون من تحديد ما إذا كان هؤلاء الطلاب يهلوسون أم يبالغون أم أنهم ثملون بشكل كبير حقًا! ما جعل الوضع مقلقًا أكثر هو أن هؤلاء الأطفال لم يكونوا مشاغبين، ومع ذلك، أثار هذا القلق بين الآباء والمدارس الأخرى وخبراء المخدرات الذين كانوا يستعدوا بشدة لمواجهة هذا النوع من المخدرات. [1]

 

ما هي المخدرات الرقمية؟

المخدرات الرقمية أو ما تسمى بـ «النغمات الثنائية-binaural beats» هي مقاطع صوتية (موسيقى) [2]، عبارة عن إشارتين صوتيتين مختلفتين (نغمتان مختلفتان في التردد)، تصل كل إشارة منهما إلى أذن من أذني الإنسان، تحُث الدماغ على مزج الإشارتين لتصبح نغمة واحدة. [3] المخدرات الرقمية قادرة على تغيير أنماط موجات الدماغ، وإحداث حالة من الوعي المتغير المماثلة لتلك التي تكون في حالة تعاطي المخدرات. بدون سماعات الرأس الخارجية، لا يستطع المستمع التمييز –إلا قليلًا- بين النغمتين، فيبدو له أنها نغمة واحدة تنحرف قليلًا فقط، أما باستخدام سماعات الرأس، يتم عزل كل نغمة على حدى ويستطيع المستمع تمييز كل نغمة. [4]

تاريخ المخدرات الرقمية

تم اكتشاف المخدرات الرقمية في عام 1839 عن طريق الفيزيائي «هاينريش فيلهيلم دوف-Heinrich Wilhelm Dove»، وكشف ببحثه أن الإشارات ذات الترددات المختلفة عندما تتقدم في كل أذن؛ فإنها تسمح للدماغ بتسجيل الفرق بين الترددات ومحاولة توحيد ذلك الاختلاف. [1]

آلية عمل المخدرات الرقمية في الدماغ

طبقًا لما اكتشفه الفيزيائي دوف، في نفس الوقت، عندما يتصل الترددات، فإن المخ يولد إشارة ثالثة خاصة به. هذه الإشارة الثالثة هي ما سميناه مسبقًا بالـ «binaural beats». هذه النغمة تساوي الفرق بين الترددين الأصليين

النغمة الثنائية عند تردد ألفا بمقدار 10 هيرتز يمكنها إثارة مخ المستخدم ليتردد صداها في نفس التردد (10 هيرتز)؛ لتحرك نشاط المخ في مجال الألفا، يستخدم هذا الأسلوب أيضًا لتوجيه العقل بسهولة وبسرعة لأي حالة.

تردد ما بعد الاستجابة، هذا المصطلح يشير إلى التأثير المبذول على المخ من قِبل النغمات الثنائية ليتسبب في أن يتردد المخ مع هذه النغمة. هذه الظاهرة تم اختبارها والبحث فيها خلال عام 1973 بواسطة العالم «جيرالد أوستر- Gerald Oster» في مشفى «Mount Sinai» في مدينة نيويورك.

هل يمكن إدمان المخدرات الرقمية؟

إن معظم الادعاءات المثيرة للجدل التي تم تقديمها تدور حول ماهية الإدمان والتعاطي للمخدرات الرقمية، ومعظم هذه الخصائص المزعومة تتمحور حول إفراز المزيد من الدوبامين (أحد الناقلات العصبية التي تلعب دورًا أساسيًا في الإحساس بالسعادة والمتعة والإدمان.) و«البيتا إندورفين-beta-endorphin» (أحد أصناف هرمون الإندورفين المُساهم في تخفيف الآلام والشعور بالراحة) في الجسم، أيضًا زيادة معدلات سرعة التعلُّم، إضافةً إلى أن العديد من مقاطع الفيديو على الانترنت لأطفال يزعمون أنهم وصلوا لحالة من النشوة تضاهي تلك الناتجة عن تعاطي المخدرات.

إن العديد من المواقع الإلكترونية التي تقوم ببيع تلك النغمات، تقوم بتسويق «المحاكاة الترويحية» لاستبدالها مع الماريجوانا والأفيون والكوكايين أثناء مزامنتها مع موجات الدماغ؛ لتصبح مشابهة لتلك الحالة التي تحدثها جرعة ترويحية.

وبغض النظر عما إذا كانت هذه النغمات تؤثر فعليا بهذا المقدار أم لا، فإن مجرد الإعلان عن منتج مثل هذا قد يبادر في موجة مزعجة تجذب المراهقين لجميع الأسباب الخاطئة.

ومع ذلك، لا توجد أبحاث موثقة، أو دراسات تعزز من فكرة إدمان المخدرات الرقمية.

قالت كارينا فورست-بيركنز:

«أنا أعتقد أنها خطيرة للغاية!» (رئيسة قسم التشغيل بمؤسسة «Gateway to Prevention and Recovery» وهي مؤسسة اجتماعية علاجية متعددة الخدمات تقدم الرعاية للأفراد وللأسر وتقع في «شاوني-Shawnee»)، وأردفت قائلة: «وعلى الرغم من عدم وجود آثار عصبية معروفة، إلا أنها تشجع الأطفال على تعقب المواد التي تغير المزاج».

وقد تم ملاحظة أن بعض المواقع الإلكترونية للمخدرات الرقمية تروج الإعلانات لتحرض الشباب على شراء الحبوب الخطرة والماريجوانا الاصطناعية.[1]

إليكم الآن تجربة حقيقية لشخص يتحدث عن شعوره…

قررت فتاة (إحدى الأشخاص المهتمين بمسألة المخدرات الرقمية والتي قامت بكتابة مقال عن هذه التجربة) أن تقوم بتجربة بعض المقاطع الصوتية من أحد المواقع الإلكترونية التي تبيع النغمات الثنائية أو المخدرات الرقمية. وتوضح تلك الفتاة بأنه يوجد مختلف الأنواع من تلك المقاطع على الموقع الإلكتروني التي حصلت منه على مقاطعها، مثل المقاطع الجنسية، والرياضية، وخلافه..

قامت باختيار بعض المقاطع المتنوعة من الموقع المُرَوج، وشرحت شعورها خلال كل مقطع، كل مقطع مدته حوالي 15 دقيقة، والآن سنقوم بعرض تجربتها خلال إحدى هذه المقاطع:

«في بداية سماعي للمقطع، بدأت أفكر أن النغمات الثنائية تلك ما هي إلا كتلة من الغباء! ولكنني قررت أن أعطي الفرصة لهذا المقطع. جلست على كرسي في غرفة نومي، ووضعت سماعات الأذن، وشغلت المقطع، ثم أغلقت عيناي. بدأ المقطع الصوتي بهمهمة ميكانيكية، كانت تتقطع في بعض الأحيان بنوع من السكون. بعد ذلك اتجه إلى نغمة روحانية هادئة وناعمة، لم أشعر بأي شيء خلال أول دقيقتين، ولكن بعد ذلك بدأت أشعر بالثقل، ولكني أقنعت نفسي أن هذا مجرد شهور وهمي، ولكن بعد ذلك أدركت أن هذا حقيقي! بدأ رأسي في الشعور بالثقل، وبدأ هذا الشعور يتزايد تدريجيًا أكثر فأكثر. في نهاية الجلسة، كان جسدي مخدرًا ومرتعشًا قليلًا! (الشعور بالتنميل)، بدأت في التلويح بأذرعي لكي أثبت لنفسي أن هذا الشعور ما هو إلا بسبب جلوسي على نفس الوضع لمدة ربع ساعة، ولكن الأمر لم يجدي نفعًا! كان عقلي فارغًا، وبعد مرور خمس دقائق، كنت لا أزال أشعر أنني مخدَرة تمامًا. لذلك؛ فأنا أعتقد أن هذا الأمر حقيقي.»

بعد انتهاء الفتاة من سماع عدة مقاطع مختلفة قالت: «عرفت الآن لماذا يريد رجال الشرطة والمهتمين بالأمر حظر تلك النغمات، ولكني عرفت أيضًا لماذا يشعر الأطفال بالملل خلال سماع تلك المقاطع. لا تعتبر المخدرات الرقمية بنفس قوة ومتعة المخدرات الحقيقية، ولكنها ليست طريقة سيئة لتمرير الوقت خلال عطلة نهاية الأسبوع المملة.»[2]

ما ضرر المخدرات الرقمية؟

على الرغم من أن معظم الناس يمكنهم سماع النغمات الثنائية دون الإصابة بشيء، إلا أن هناك مجموعة من الأشخاص الذين لديهم مشاكل عصبية أو قلبية يجب أن يتوخوا الحذر في التعامل معها. ومن المعروف أن التأثير المنوم الذي يحدث في نصف الكرة الدماغي نتيجة لتأثير النغمات يحفز حدوث النوبات، بالإضافة إلى أنها تؤثر على اتزان ضربات القلب وتعرقل قدرة المستمع على التعامل مع الآلات.

والآن، سنقوم بتوضيح كل عَرَض مما تم ذكره..

1- النوبات

إن الأشخاص الذين لديهم تاريخ مع مرض الصرع، لا يمكنهم استماع النغمات الثنائية إلا تحت الإشراف الطبي، لأن خطر التنبيه الصوتي سيسبب حدوث النوبات. وبما أن نوبات الصرع هي نتيجة لنبضات عصبية غير طبيعية؛ فإن إخال «تقنيات الترددات المتتالية» المستخدمة بواسطة النغمات الثنائية يمكنها أن تؤدي إلى حدوث النوبات الانعكاسية.

2- مشاكل القلب

مرضى القلب، الذين يعانون من مشاكل في ضربات القلب، يجب عليهم استشارة الطبيب المختص قبل استخدامهم للنغمات الثنائية. وضحت الدراسات في مركز للأبحاث الخاصة بالأعصاب، أن أنماط الموجات الدماغية تتغير بالنغمات الثنائية، لذلك فإن هذا التأثير في إمكانه أن يدمر أوضاع القلب الحساسة.

3- التعامل مع الآلات

النغمات الثنائية تؤدي إلى حالة من الاسترخاء، التي بدورها تقود إلى حالة منومة للعقل؛ لذلك فلا يجب عليك الاستماع إليها أثناء القيادة أو العمل، أو أثناء أداء المهمات التي تتطلب التركيز. [3]

 

إعداد: Amira Esmail

تصميم: Momen Hesham Ahmed

المصادر:

1.

The Reality of Digital Drug Addiction Among Teens [Internet]. Addiction Hope. 2017 [cited 2018 Sep 27]. Available from: https://www.addictionhope.com/blog/digital-drug-addiction-teens/

2.

Asad A. Can Digital Drugs Get You High? [Internet]. Vice. 2012 [cited 2018 Sep 27]. Available from: https://www.vice.com/en_us/article/gqw35q/i-tried-to-get-high-using-digital-drugs

3.

What Are the Dangers of Binaural Beats? [Internet]. LEAFtv. [cited 2018 Sep 27]. Available from: https://www.leaf.tv/articles/what-are-the-dangers-of-binaural-beats/

4.

What is digital drugs? – Definition from WhatIs.com [Internet]. WhatIs.com. [cited 2018 Sep 27]. Available from: https://whatis.techtarget.com/definition/digital-drugs

 

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي