عندما يخضع المريض لعملية معنية، فإنه يتم تخديره غالبًا لكي يكون المخ في وضع فقدان الوعي حتى لا يشعر المريض بالألم – لكن – السؤال هنا هو ماذا يحدث بداخل الدماغ أثناء فقدان الوعي؟
قام ثلاثة باحثين يعملون بمركز علوم الوعي (Center for Consciousness Science) بجامعة ميشيغان بمحاولة إيجاد إجابة لهذا السؤال، وقد تمت الأبحاث بشكل خاص من أجل معرفة كيفية تفتت وانفصال الشبكات العصبية بالدماغ أثناء حالة اللاوعي من خلال 3 أبحاث نشرت في ثلاث مجلات علمية.
يقول الدكتور (جورج أ. ماشور- George A. Mashour) أستاذ علم التخدير ومدير مركز علوم الوعي: «هذه الدراسات نتجت عن فرضية وضعناها أنا وزملائي منذ فترة طويلة تتعلق بمعرفة الصفات الأساسية التي تميز حالة الوعي على وجه الخصوص، بالإضافة إلى دراسة كيفية فقدان الشخص للوعي، بناءً على أنماط نقل المعلومات بداخل الدماغ».
ويتحدث الدكتور (UnCheol Lee) الأستاذ المساعد في علوم التخدير، قائلًا:«لقد كنا نحاول لعقود عديدة الوصول إلى فهم واضح عن كيفية تعطل الوظائف المكانية والزمانية للدماغ أثناء فقدان الوعي، وكيفية قياس مدى هذا التعطل، وما تاُثيره على عملية معالجة المعلومات وتناقلها في الدماغ».
اختبار جوانب مختلفة من فقدان الوعي
كان أساس الأبحاث الثلاثة التي تناولت هذا الموضوع وأعمال أخرى أجريت في مركز علوم الوعي هي فرضية وضعها ماشور أثناء فترة تخصصه، ويقول ماشور: «أثناء فترة تخصصي نشرت بحث نظري في علم التخدير اقترح فيه أن التخدير لا يعمل عن طريق إيقاف عمل المخ في حد ذاته، ولكنه يقوم بعزل التواصل بين الشبكات والعمليات العصبية في مناطق معينة من الدماغ عن بعضها. فبدلًا من رؤية دماغ يعمل ككتلة واحدة ذات تواصل كبير بين أجزائها، يقوم التخدير بتقسيم الدماغ إلى مجموعة من الجزر، وبالتالي تنفصل الوظائف المعرفية وعملية معالجة المعلمومات عن بعضها. وقد قمنا في بحثنا الحالي بالبناء على هذه النظرية بالإضافة إلى الاعتماد على مجموعة من الأبحاث الأخرى».
في الدراسة التي نُشرت في جورنال علوم الأعصاب (Journal of Neuroscience) قام الفريق بتحليل مناطق مختلفة من الدماغ أثناء تسكين الألم، وأثناء التخدير الجراحي، وأثناء حالة الغيبوبة.
ويقول الدكتور (أنتوني هوديتس- Anthony Hudetz) الأستاذ في قسم التخدير: « من المقترح غالبًا أن المناطق المختلفة من الدماغ التي عادة تتحدث لبعضها، تفقد هذه المزامنة والتواصل أثناء فقدان الوعي. أظهرنا في النتائج أن خلال المراحل المبكرة من تسكين الآلام (sedation) أن الخط الزمني لمعالجة المعلومات في الدماغ يصبح أطول وإن التواصل بداخل كل منطقة دماغية على حدى يصبح أقوى بكثير. هذا التواصل القوي داخل المنطقة الواحدة قد يمنعها من التواصل مع المناطق الأخرى البعيدة عنها».
في دراسة أخرى نُشرت في مجلة (Frontiers in Human Neuroscience)، تعمق الفريق البحثي في كيفية دمج المعلومات داخل الدماغ وكيفية قياس مدى هذا الترابط في العالم الحقيقي تطبيقيًا.
يقول ليي (Lee) الباحث الرئيسي في الدراسة: «لقد نفذنا مهمة حسابية معقدة للغاية؛ وذلك من أجل قياس تكامل وترابط المعلومات في الدماغ و قمنا بتجزئة هذه المهمة إلى مهمات أصغر حتى يمكننا العمل عليها بشكل أسهل. لقد اكتشفنا أنه كلما انقسم المخ إلى وحدات أصغر منفصلة تمتلك محادثات وتواصلات داخلية لكل وحدة على حدى، فإن قياس تكامل المعلومات يبدأ في النقصان. لقد قمنا في الأساس بمحاولة النظر لكيفية حصول هذه التجزئة والانفصال في الدماغ، وكيفية قياسها، وهو ما يعطينا فكرة عن السبب وراء فقداننا الوعي».
أما المقال الثالث والأخير فقد نشر في مجلة (Trends in Neurosciences)، وكان الهدف منه جمع عمل الفريق في البحثين السابقيين بالإضافة إلى أبحاث أخرى في نفس الموضوع لتكوين صورة أوضح وأشمل.
يقول ماشور:«لقد قمنا باختبار فقدان الوعي خلال ثلاثة ظروف مختلفة: فيسولوجيًا وعلاجيًا ومرضيًا. وقد وجدنا إنه خلال فقدان الوعي فإن الخلل الذي يحدث في الاتصالات العصبية يؤدي إلى إيجاد ظروف غير مناسبة لنقل المعلومات وتكاملها بكفاءة لكي يتكون الوعي».
كيف تساعد هذه الدراسات المرضى؟
وجد أعضاء الفريق البحثي أن هذه الأبحاث قد تساعد المرضى مستقبلًا، حيث يقول هوديتس (Hudetz): « نحن نبحث عن طرق لتحديد عمق التخديرأثناء العمليات الجراحية حتى نتحكم في الجرعات بصورة أفضل، بالإضافة إلى تقييم الوعي في بعض الحالات كتقييم حالة شخص أصيب بسكتة دماغية أو تلف في الدماغ، فعلى سبيل المثال، قد نفترض أن المريض غائب تمامًا عن الوعي بناءً على تصرفاته وَرَدَة فِعْلُه، ولكن في بعض الأحيان قد لا يظهر المريض أي ردة فعل ولكنه يظل واعيًا».
يأمل الفريق في أن يؤدي هذا البحث وغيره من الأبحاث المستقبلية إلى طرق علاجية جديدة تفيد المرضى. ويوضح ماشور ذلك قائلًا: « نريد أن نفهم كيف يحدث الخلل في التواصل في الدماغ أثناء فقدان الوعي حتى نتكمن بدقة من تحديد أهداف أو طرق مراقبة لهذه الدوائر العصبية؛ كي نوفر للمريض تخديرًا أكثر أمانًا، وحتى نستطيع أيضًا أن نعيد التواصل بين هذه الدوائر مرة أخرى بعد الإفاقة من غيبوبة».
ترجمة: أحمد شلبي
مراجعة علمية: Mahmoud Ahmed
تدقيق لغوي: Israa Adel
تحرير: علي صلاح
#الباحثون_المصريون
المصدر: http://sc.egyres.com/DVGss