أُطلِقَ لفظ «المستعربون» بشكلٍ عام على المسيحيين الذين عاشوا تحت الحكم العربي الإسلامي في الأندلس بعد دخول العرب إليها عام 711م/ 92هـ. ومنذ اللحظةِ الأولى لدخول العرب إلى هذه البلاد، أظهروا احترامًا كبيرًا للمسيحيين مثلما فعلوا مع اليهود الذين قطنوا تلك البلاد قبل وصول العرب المسلمين إليها باعتبارهم أهلًا للكتاب، أي نزل على رسولهم الوحي مثلهم مثل المسلمين. وقد كفل الحكام الجدد لأسبانيا لهؤلاء جميع حقوقهم الدينية الخاصة، مثل ممارسة الشعائر وغيرها مقابل ما يدفعه هؤلاء من الضرائب المفروضة عليهم.
ومصطلح (Mozarabic) أو (Mozarabes) بالعربية يعني «المستعربون»، ويعني ذلك في مفهوم التراث الأدبي العربي عنصرًا غير عربيٍّ، ولكنه سعى أن يكون جزءًا من الهوية العربية ومن الوجود العربي بشكلٍ عام. ويمكن التفريق بينهم وبين «أهل الذمة» الذين عاشوا في كنف الحكم العربي، متمتعين بكل حقوقهم مثلهم مثل غيرهم من العناصر الاجتماعية، دون أن يكون لهم ميل أو إعجاب بكل مكونات الحضارة العربية. وهذان العنصران سواء المستعربين أو أهل الذمة اختلطا في مفهوم كثير من كتابات المؤرخين المعاصرين والمحدثين من حيث حقوق كلٍّ منهما. وفي الواقع يصعب ذلك، لأن المستعربين كانوا جزءًا لا يتجزأ من عقيدتهم الدينية المرتبطة بمفهوم أهل الذمة، ولكن ما يفرق بينهم وبين باقي أعضاء ملتهم هو ذلك الميل إلى دراسة الفنون والآداب العربية، بل والعمل والتدوين بها.
واستنادًا إلى ميثاق حقوقهم التي تمتعوا بها في ظل الحكم العربي في الأندلس، كان المستعربون يعيشون في مجتمعاتٍ محلية تربطهم رابطةُ الدين، وتجمعهم بيوت العبادة مع غيرهم من أعضاء مِلَّتِهم، ولهم قوانينهم الخاصة بهم، وقضائهم القوطي الخاص المنوط به الحكم فيما بينهم وبين بعضهم. وكان هذا الميثاق يستند إلى حصولهم على كافة الحقوق الدينية والاجتماعية مقابل الاعتراف بسلطة الحكم العربي ودفع بعض الضرائب المفروضة عليهم. ومع مرور الوقت، تَشبَّع هؤلاء بالثقافة العربية وأبدوا إعجابهم الشديد بها، حتى أُطلِقَ عليهم لفظُ المستعربين، وهو لفظٌ لم يظهر سوى في القرنين 11/12م – 5/6هـ.
لم يكتفِ دور المستعربين على التداخل في الثقافة العربية والتدوين بها، بل وصل الأمر إلى اشتراكهم في تولِّي بعض مهام الدولة نتيجة تشجيع الأمراء العرب واستخدامهم كمسؤولين في بعض المهام. ولكن مع مرور الوقت، بدأ التسامح العربي تجاه المستعربين يقل، وبشكلٍ خاص في القرن الـ 9 م / 3هـ، مما جعل المستعربين يقومون بعدة ثوراتٍ ضد الحكم العربي نتيجة فقدان النفوذ الذي شعروا به من قبل. ولقد كان للمستعربين دورٌ في ضياع هذا النفوذ الخاص بهم نتيجة اشتراكهم وموالاتهم لبعض الحركات المتمردة ضد الدولة الأموية في الأندلس، وبشكلٍ خاص في عهد الأمير الأموي الحكم بن هشام ( 180- 206هـ/ 796- 822م).
بعد نهاية حكم الامير الأموي الحكم بن هشام، شهدت فترة الخلافة الأموية التي قامت على يد الخليفة عبد الرحمن الناصر (300- 350هـ/ 912- 929م) بعضًا من استعادة بوادر السلام بين العرب وغيرهم ومن ضمنهم المستعربين، ولكن لم يدم هذا الود كثيرًا بسبب الخلاف بينهم وبين البربر بشكلٍ خاص، الذين اقتطعوا أجزاءً كثيرة من دورهم وأراضيهم مما جعل الكثير منهم يهاجرون إلى ممالك ليون ومنطقة الشمال الشرقي من أسبانيا.
وبدأت أعدادهم تتناقص، إما نتيجة الهجرة المذكورة آنفًا، أو نتيجة تزاوجهم مع العرب أنفسهم، فظهر لنا عنصرٌ جديد عُرِفَ بـ«المولدين»، أي نتاج التزاوج العربي الأسباني. وتجلَّى هذا النقص العددي بشدة في فترة دولتي المرابطين والموحدين في الأندلس نتيجة قيام هذه الدول على عصبيات دينية قوية.
ارتبط ظهور حركة الاستعراب بظهور لغةٍ للمستعربين، أو ما سُمِّيَت بلغة العجم، وهي عبارة عن لغة احتفظت بكثيرٍ من الألفاظ اللاتينية القديمة لدى القوط الأسبان مع تداخل بعض الألفاظ والمفردات العربية التي طغى استعمالها أثناء فترة الحكم العربي في أسبانيا، ولكن لم تخلُ لغة المستعربين تلك من قواعد اللغة الرومانثية التي تم استعمالها لفترات كثيرة حتى في ظل الحكم العربي ذاته.
إعداد: عمر بكر
تدقيق: Mohamed Sayed Elgohary
المصادر:
https://www.britannica.com/topic/Mozarabic-language
https://pocram.hypotheses.org/302
https://iberhistoria.es/edad-media/musulmanes/entradas/moriscos-mozarabes-mudejares-muladies/
https://losojosdehipatia.com.es/cultura/historia/las-revueltas-de-los-mozarabes-en-al-andalus/