الموجات الثقالية: ماذا يعني هذا الاكتشاف وهل له تأثير على حياتنا اليومية؟

GW

اكتشاف سيقودنا إلى عصرِ جديد من الاكتشافات في الفضاء وإعادة لرسم خريطة الكون بالكامل، فبفضل الانترنت انتشر خبر اكتشاف «الموجات الثقالية» بمنتهى السرعة، وعبّر العلماء عن هذا الاكتشاف بسعادة شديدة، فلم كل هذه السعادة؟ ماذا يعني هذا الاكتشاف على المستوى العلمي؟ وهل له تأثير على حياتنا اليومية؟

 

بداية ما هو الزمكان؟
قبل ظهور نظرية النسبية كان ينظر العلماء إلى الفضاء باعتباره مكون من 3 أبعاد فقط (طول، عرض، عُمق)، وكان ينُظَر إلى الزمان على أنه شيء منفصل تمامًا عن المكان حتى جاء أينشتاين منذ 100 عام بنظرية النسبية العامة التي اعتبر فيها الزمان بُعد رابع مرتبط مع المكان في صورة «نسيج» أطلق عليه «الزمكان» وهو عبارة عن نسيج مرن يمكنه الانحناء والتمدد والتموج أيضًا، حيث فسر أينشتاين الجاذبية على أنها انحناء في هذا النسيج، وكلما كان هناك مادة وطاقة في مكان ما كلما كان هناك انحناء أكثر في هذا النسيج. هذه الجاذبية تسبب موجات مثل الموجات الكهرومغناطيسية ولكن الفرق هنا إن هذه الموجات هي تموجات في نسيج الزمكان نفسه!

وتنبأ أينشتاين بأن أي حدث كوني يُحدث اضطراب قوي في نسيج الزمكان يمكنه أن يرسل موجات ثقالية في كل اتجاه ولكنه توقع بأنه من شبه المستحيل رصدها لشدة ضعفها. ولكن ها نحن نرصدها بفضل التطور التكنولوجي الذي بالتأكيد لم يتوقع أينشتاين حدوثه!

لتبسيط فكرة التموجات، تخيّل أنك ترمي حجرًا في مياه راكدة، ستلاحظ حدوث تموجات مصدرها الحجر وكلما ابتعدت الموجات كلما قلت شدتها. لذلك فلكيّ نرصد موجات أبعد سنحتاج إلى أجهزة رصد أكثر حساسية ودقة.

 

فكرة عمل التجربة
تم رصد هذه الموجات بواسطة مرصد الجاذبية «LIGO» في 14 سبتمبر من عام 2015. المرصد عبارة عن ذراعين طول كل منهم 4 كم، حيث يتم إصدار شعاع ليزر تقوم مرآة بفصله إلى شعاعين فرق الطور بينهما 180 درجة ويسلك كل منهما إحدى الذراعين ذهابًا وإيابًا حوالي 400 مرة ثم يتم تجميعهم بالمرآة مرة أخرى.

في حالة عدم وجود موجات ثقالية فإن الشعاعين يلاشي بعضهما البعض نتيجة ما يُعرف بـ «التداخل الهدام» ولكن في حالة وجود موجات ثقالية فأنها ستسبب طول أو قصر إحدى الذراعين الذي سيؤدي إلى تغير طفيف في المسافة التي يقطعها كلًا من الشعاعين فيتغير فرق الطور بينهما عن 180 درجة(يغير المسافة بين القمم والقيعان المتقابلة) مما ينتج ضوء (ولو بمقدار) يلتقطه الكاشف ويعبر عن وجود الموجات الثقالية.

وقد تم قياس هذه الموجات الثقالية بواسطة المرصدين التابعين لفريق الليجو في نفس الوقت، أحدهما في لويزيانا والأخر في واشنطن، وهذا لضمان صحة النتائج. مصدر هذه الموجات كان نتيجة الطاقة الناتجة عن تصادم ثقبين أسودين يبعدان عنا حوالي 1.3 بليون سنة ضوئية، ومن حسن حظنا أننا كنا في الوقت المناسب جاهزين لالتقطاهما.

عندما وصلت إلينا هذه الموجات كان تأثيرها ضعيف جدًا (حوالي 1/1000 من قطر البروتون) وهذا السبب وراء توقع أينشتاين بشبه استحالة رصدها.

التجربة لم تكن دليلًا مباشرة على وجود الموجات الثقالية فقط ولكنها كانت أيضًا أول محاولة رصد مباشرة لاندماج ثقبين أسودين.

تم تحويل هذه الموجات الصادرة إلى موجات صوتيه

 

التطبيقات العلمية
هذا الاكتشاف بالتأكيد سيفتح الباب أمام فرع جديد في علم الفلك، حيث أنه كل اعتمادنًا في اكتشاف الكون كان على الموجات المغناطيسية بأطوالها الموجية المختلفة (مثل: موجات الضوء المرئي، موجات أشعة أكس، الموجات أشعة جاما). أما الآن فسيتوفر لدينا طريقة مختلفة تمامًا لرصد الأحداث في الكون وهي الموجات الثقالية التي ستكون لها أطوالها الموجية أيضًا. وستمكننا هذه الموجات من رصد أحداث كونية لا تستطيع الموجات الكهرومغناطيسية رصدها مثل التعرف أكثر على الثقوب السوداء، التعرف على أحداث بداية الكون، التعرف على انفجارات السوبر نوفا التي لا تستطيع الأشعة الكهرومغناطيسية اختراقها نتيجة الغبار الكثيف الذي تسببه، وأخيرًا التعرف على النجوم النيوترونية ومعرفة ماذا يحدث للمادة العادية تحت ظروف الجاذبية الشديدة الموجودة في هذه النجوم شديدة الكثافة والجاذبية.

ببساطة الموجات الكهرومغناطيسية تمكنا من رؤية الكون أما الموجات الثقالية سوف تمكنا من سماع الكون. بهذا ستتوافر لدينا صورة كاملة عن الكون وأحداثه وسيتعمق فهمنا أكثر عن الكون.

يشبه العلماء الأمر بشخص أصمّ وفجأة أكتشف بأنه قادر على السماع. هل تتخيل كم المعلومات الجديدة التي ستتوافر لدينا نتيجة هذا الاكتشاف المذهل!

بالتأكيد انه في خلال الشهور الآتية سنكتشف المزيد من هذه الموجات وسنفهم أكثر عن الكون، حيث أنه جاري تحديث مرصد الليجو ليصبح أكثر دقة، كما أنه تم إطلاق مرصد «eLISA» الفضائي لرصد الموجات الثقالية في الفضاء ليحصل على نتائج أكثر دقة.

قال الفيزيائي والمتحدث الرسمي لتجربة ليجو “لن نستطيع رؤية الكون فقط ولكننا سنستطيع سماعه أيضًا”

تحدث الفيزيائي المصري، د.معتز إمام الأستاذ المساعد ورئيس قسم الفيزياء بجامعة ولاية نيويورك، بكورتلاند:
“ما حدث ليس أننا أثبتنا صحة كلام أينشتاين، فلم يكن هناك شك في صحته، إنما هو أننا وأخيرا استطعنا إيجاد التكنولوجيا المواكبه لعقله.
فلمن لا يتخيل حجم الاكتشاف أقول له أن موجات الجاذبية ليست مثل الموجات الكهرومغناطيسية مثلاً، لأن هذه الأخيرة تتحرك في المكان والزمان. موجات الجاذبية هي تموج المكان والزمان أنفسهم!
باختصار: المكان والزمان يتغيروا ويتموجوا ويتراقصوا.”

ويضيف الفيزيائي المصري (د.أحمد فرج علي) الأستاذ المساعد بقسم الفيزياء بجامعة بنها، تعليقا على الكشف قائلًا:

“بعد اكتشاف موجات الجاذبية باستخدام الليزر ورصد إشارة من تصادم ثقوب سوداء علي بعد 1.3 مليار سنة ضوئية، دعونا نتأمل في أمر ما بشأن الفيزياء النظرية!
أينشتاين لم يكن يعلم عن الليزر ولم يعتقد حتى بوجود الثقوب السوداء ولم يدر بخلده أساسا الطريقة التي يتم بها الكشف عن نتائج نظريته كالموجات الجاذبية، هنا نقف أمام قوة العلم والفيزياء عموما والفيزياء النظرية خصوصا، ببعض المفاهيم التجريدية المتناسقة فيما بينها رياضيًا يمكن أن تصل لأعمق نقطة في الكون بعقلك، هذا ما اتبعه أينشتاين و غيره من أفذاذ التاريخ البشري كديراك و فينمان و هيزنبيرج وغيرهم. العلم والمنهج العلمي فقط هو الوسيلة الوحيدة لأن تعلم وأن تقف الطبيعة بجانبك لأنك اتبعت منهجية معرفتها.”

 

أما عن تأثير ذلك على حياتنا اليومية.
فبالتأكيد ما يهم أي شخص خارج المجتمع العلمي هو انعكاس هذه الاكتشافات العلمية على حياته ورؤيته لإنجاز حقيقي يتحقق على أرض واقعه. فأما عن ذلك التأثير وانعكاسه على التكنولوجيا التي نستخدمها يوميًا فلا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن أن يأخذنا هذا الاكتشاف. مثلًا «أينشتاين» لم يكن يعلم بأن نظريته عن نسبية الزمان يمكن أن تكون السبب وراء ابتكار نظام تحديد المواقع «GPS» حيث أنه بدون أخذ نسبية الوقت في الاعتبار لما استطاعت الأقمار الصناعية تحديد مواقعنا بدقة.

أيضًا لم يكن يعلم العالم الألماني «فيلهلم رونتجن» أن اكتشافه للأشعة السينية «X-Rays»سيكون له تطبيق طبي ويساعدنا فيما بعد في تحديد أنواع الأمراض بل وعلاجها أيضًا بواسطة أشعة أكس.

لهذا لا يمكن أحد أن يتوقع حاليًا إلى أين سيأخذنا هذه الاكتشاف وإلى أي مدى سوف يؤثر على حياتنا. كل ما يمكننا قوله أنه مزيد من الاكتشافات العلمية يعني مزيد من الابتكارات التكنولوجية ومزيد من الرفاهية.

 

إعداد: أحمد حنفي

References

1.

Gravitational Waves Detected for First Time : Discovery News [Internet]. [cited 2016 Feb 16]. Available from: http://news.discovery.com/space/galaxies/gravitational-waves-detected-for-first-time-160211.htm

2.

LIGO | MIT [Internet]. [cited 2016 Feb 16]. Available from: http://space.mit.edu/LIGO/more.html

3.

Phys. Rev. Lett. 116, 061102 (2016) – Observation of Gravitational Waves from a Binary Black Hole Merger [Internet]. [cited 2016 Feb 16]. Available from: http://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.116.061102

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي