النظرية النسبية من جاليليو إلى أينشتاين

النظرية النسبية من جاليليو إلى أينشتاين

تمدُّد الزمن وانكماش الأطوال!

تمدُّد الزمن وانكماش الأطوال، يبدو الأمر غريبًا عندما تعلم لأول مرة أن ساعة يدك وأنت في منزلك لا تسير بنفس السرعة حينما تكون على متن طائرة -حيث يكون التغير طفيفًا للغاية- أو عندما تكون على متن سفينة فضائية قادرة على الوصول لسرعةٍ قريبةٍ من سرعة الضوء -حيث يكون التغير كبيرًا- أو عندما تسمع عن مُفارقة التوأمين وكيف لتوأمين أن يكون أحدهم في عُمر الشيخوخة وما يزال الآخر في مرحلة الشباب، لكن الأمر حقيقيّ، إنها النسبية الخاصة لأينشتاين.

النسبية الجاليلية

يُعتبر العالم (جاليليو) أول من فكّر في النظرية النسبية، فتنص نسبية جاليليو على أن:

«كل قوانين الميكانيكا يجب أن تكون متوافقة في كل أُطُر الإسناد المرجعي»

وإطار الإسناد المرجعي هو المكان الذي يُشاهد فيه الجسم غير مُتسارع عندما لا تؤثِّر عليه قوة، فالأرض يمكن اعتبارها إطار إسناد مرجعي، حيث إنها تسير بسرعة منتظمة حول محورها وحول الشمس، وطائرة تسير بسرعة منتظمة يمكن أيضًا اعتبارها إطار إسناد مرجعي. ولتبسيط الفكرة؛ يُمكنك تخيُّل نفسك على متن سفينة تتحرك بسرعة منتظمة وأنت بداخل غرفةٍ ما داخلها لا يوجد بها نوافذ، ستشعر كما لو أنها غير متحركة حتى تنظر من نافذة وتُلاحظ حركتها.

وكمثالٍ على التوازن بين قوانين الميكانيكا في أطر الإسناد المرجعي؛ إذا كان هناك شخصٌ داخلَ قطارٍ متحرك بسرعة منتظمة قذف كرةً لأعلى ويراقبه شخصٌ آخر خارج القطار، سيُلاحظ الشخص الأول أن الكرة تحرَّكت تمامًا كما لو أنه على الأرض ساكنًا، تأخذ شكلًا عموديًا وتعود إلى نقطة البداية مرة أخرى إذا أهملنا مقاومة الهواء، ويتفق كلاهما على إمكانية تطبيق قانون الجاذبية وقوانين الحركة عند عجلة ثابتة، لكن سيلاحظ الشخص الثاني أن الكرة قد أخذت شكلَ قطع مُكافئ، فالشخصان قد اتفقا على إمكانية تطبيق قوانين نيوتن، لكن الشيء الوحيد الذي يُمكنه التفريق بين أطر الإسناد المرجعي هو الحركة النسبية على إطار ما بالنسبة إلى الإطار الآخر.

ونصَّت معادلات تحويل الزمكان الجاليلية إلى أن الوقت المُستغرق بين حدثين في أطُر الإسناد المختلفة يعتبر واحدًا، وعلى الرغم من قُرب هذه الفرضيات إلى أفكارنا إلَّا أنها قادتنا إلى تناقضات عديدة بعد ذلك أثبتت عدم صحة هذه المعادلات. (1)

سرعة الضوء

اكتشف العالم الدنماركي (أوول رومر) أن للضوء سرعة مُحددة لكنها عالية جدًا لأول مرة عام 1676 عن طريق أقمار كوكب المشتري، فلاحظ رومر أن خسوف هذه الأقمار لم تكُن موزّعة على فترات زمنية متساوية على عكس المتوقع، وبما أن المسافة بين الأرض والمشتري متغيرة، لاحظ رومر أن خسوف أقمار المشتري تظهر متأخرة كلما ازدادت المسافة بين الأرض والمشتري، مما يعني أن للضوء سرعة مُحددة يمكن حسابها، وبناءً على ذلك، ستُلاحَظ ظاهرة الخسوف بعد وقت ما، أي إنها لن تظهر إلا بعد بعض الوقت تبعًا للمسافة بين الأرض والمُشتري وسرعة انتشار الضوء، فإذا كانت سرعة الضوء غير محددة سيُلاحَظ خسوف هذه الأقمار بمجرد حدوثها بغض النظر عن المسافة بين الأرض والمشتري، ولو كانت المسافة بين المُشتري والأرض لا تتغير، فسيظهر الخسوف على الأرض بعد مدة زمنية محددة لا تتغير في كل مرة وتعتمد فقط على سرعة الضوء.

استخدم رومر لحساب سرعة الضوء لأول مرة ملاحظاته لظهور خسوف قمر من أقمار المشتري مُبكرًا عندما كانت الأرض قريبة من المريخ، ولظهوره متأخرًا عندما كانت الأرض بعيدةً عنه.

وجد رومر أن سرعة الضوء 140000 ميل لكل ثانية، وهذا يعتبر غير دقيق مقارنةً بالقيمة التي توصلنا إليها مؤخرًا التي تساوي 186000 ميلٍ لكل ثانية. لكن على الرغم من ذلك، فما توصل إليه رومر يُعتبر إنجازًا عظيمًا  حيث إنها كانت أول مرة يتم فيها إثبات أن لسرعة الضوء قيمة محددة.

لم تظهر نظريات ملائمة لانتشار الضوء حتى عام 1865، حيث تنبأت معادلات ماكسويل بوجود تموجات بالمجال الكهرومغناطيسي تنتشر بسرعة محددة كتلك التي توجد في برك المياه، لكن الأمر لم يتوافق مع نظرية نيوتن آنذاك التي تنفي وجود فكرة السكون المطلق، فإذا كان الضوء ينتشر بسرعة ثابتة، فعلينا إيجاد ماهو الشيء الذي سيكون الضوء ثابت بالنسبة له، ومن هنا جاءت فكرة الأثير. (2)

مدى صحة فرضية وجود الأثير

يتطلّب وجود الأثير بعض التناقضات، فإذا تحركنا حركة منسوبة للأثير سنرى الضوء بسرعات مختلفة، ولإثبات فرضية وجود الأثير أجرى العالمان (مايكلسون ومورلي) تجربةً قائمةً على مقارنة سرعة الضوء في اتجاه حركة الأرض خلال الأثير مع سرعة الضوء في زوايا قائمة على اتجاه حركة الأرض وكانت النتيجة مُدهشة، كانت النتيجة واحدة في كل الاتجاهات، أي إن فكرة الأثير غيرُ صحيحة.

ولكن العالم (ماكسويل) توصَّل إلى معادلات تُعبِّر عن سرعة انتشار الموجات الكهرومغناطيسية، التي تساوي 300,000 كيلومتر لكل ثانية، وبما أن الضوء موجات كهرومغناطيسية فإنه ينتشر بنفس السرعة.

وفي نسبية أينشتاين لا حاجة لوجود الأثير، وإنما فكرة النسبية تتطلّب تغيير بعض أفكارنا عن الزمان والمكان، ففي الميكانيكا النسبية الأمرُ مختلف عن الميكانيكا لدى نيوتن، فلا يوجد طولٌ مُطلق أو زمنٌ مطلق، لكن الطول والزمن يقاسوا نسبةً إلى أطر الإسناد التي يُحسَب طول وزمن هذه الأجسام فيها. (2)

 

تنص النسبية الخاصة لأينشتاين على مبدأين:

1-كل قوانين الفيزياء يجب أن تكون متوافقة في كل أطُر الإسناد المرجعية.

2-ثبات سرعة الضوء؛ فسرعة الضوء تظل كما هي بغض النظر عن السرعة التي يتحرك بها المراقب أو التي يتحرك بها مصدر الضوء.

والمبدأ الأول هو تعميم لمبدأ جاليليو الذي يشير إلى قوانين الميكانيكا فقط. (1)

نتائج النسبية الخاصة

يترتب على نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين تباطؤ الزمن وانكماش الأطوال، هناك عدة أشياء تجعل عقلنا لا يستوعب هذه النتائج للوهلة الأولى، فلم يلاحظ أيٌّ منا أبدًا من قبل تباطؤ ساعته، لكن هذا نظرًا لأننا نتحرك بسرعات صغيرة جدًّا مقارنةً بسرعة الضوء. ففي خلال كل تلك السرعات تتباطأ ساعاتنا لكنها لا تتباطأ بالقدر الذي قد نلاحظه.

 

معادلة تباطؤ الزمن-كتاب سيرواي
معادلة تباطؤ الزمن-كتاب سيرواي

وتبعًا لمعادلة تباطؤ الزمن؛ كلما اقتربت السرعة من سرعة الضوء، أصبح تباطؤ الزمن ملحوظًا.

ولأن من مبادئ النظرية النسبية الخاصة ثبات سرعة الضوء، فتباطؤ الزمن عن السرعة يتطلب تغييرًا في الأطوال، فتختلف الأطوال باختلاف السرعة، ففي سفينة فضائية تقترب سرعتها من سرعة الضوء -ولتكن 0.95 من سرعة الضوء على سبيل المثال- تتباطأ الساعات وتنكمش الأطوال بقدر كبير، ربما لو كنت على متن هذه السفينة لن تلاحظ الأمر لأن كل شيء من حولك ينكمش هو الآخر، ولن تُلاحِظ تباطؤ ساعتك لأن ساعتك البيولوجية ستتباطأ أيضًا. (3)

مفارقة التوأمين

تخيّل الآن مفارقة بين توأمين، يظل الأول على كوكب الأرض والآخر سيذهب في رحلة على سفينة تسير بسرعة كبيرة جدًّا تقترب من سرعة الضوء، عندما يمر 40 عامًا على كوكب الأرض ويعود المُسافر من رحلته، ربما يكون في الثلاثين من عمره ويكون أخوه في مرحلة الشيخوخة، ويرجع الأمر كله إلى تباطؤ الزمن بسبب السرعة التي سار بها والتي اقتربت من سرعة الضوء. (3)

 

معضلة التوأمين
قد يعود أحد التوأمين إلى كوكب الأرض شابًّا عندما يكون توأمه في مرحلة الشيخوخة- كتاب سيرواي

قد تكون النسبية الخاصة واحدةً من أكثر النظريات التي لا يستوعبها العقل البشري في البداية؛ وذلك لبعض التناقضات بينها وبين أفكارنا المعتادة التي لم نلاحظ خلالها أبدًا أيَّ تباطؤ لساعاتنا أو انكماش لأطوالنا، لكنها بالتأكيد واحدةٌ من أعظم النظريات الفيزيائية وأكثرها مُتعةً في التاريخ.

 

المصادر:

(1) Physics for scientists and engineers, 9th edition: https://jsnegroup.net/data/GENERALPHYSICS(2)-Book_9thedition-Bookphy1019th-civilianteam.pdf
(2) A Brief History of Time – Stephen Hawking https://www.fisica.net/relatividade/stephen_hawking_a_brief_history_of_time.pdf
(3) Relativity, a very short introduction by Russell Stannard

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي