الهومو ناليدي | أقربائنا القدامى، إلى أي مدى يشبهوننا؟

Hominin-640x360

الهوموناليدي|هومو ناليدي|الهوموناليدي|الهومو ناليدي|الهوموناليدي

من هو الـ(هومو ناليدي-Homo Naledi)؟

الهومو ناليدي (H. naledi) هو نوع منقرض من (جنس هومو-Genus Homo)، ذاك الجنس المُتفرع من الفصيلة الأَناسِيَّة والتي يندرج منها الإنسانُ الحديث، وتم اكتشاف بقايا H. naledi في كهفِ (النجم الصاعد-Rising Star) بجنوب أفريقيا وقُدِّمَت هذه البقايا إلى العالم في سبتمبر عام (2015)، وتُشير دراسة بحثية أجراها فريق من العلماء الدوليين بمعهد الدراسات التطورية في جامعة ويتواترسراند في جنوب إفريقيا على قدم H. naledi، إلى أنه على الرغم من أن أقدامه كانت الجزء الأكثر تشابهًا للبشر الآن في جسده؛ إلا أنه لم يكن يستخدمهم للمشي بنفس الطريقة التي نسير بها، حيث يُشِير التحليل التفصيلي لـ(107) من عظام أقادمه إلى أن H. naledi كان مُهيئًا بشكل جيد للوقوف والمشي على قدمين، وُيرجَّح أيضًا قدرته على تسلق الأشجار بأريحية، وبشكلٍ خاص تُمَثِّل هذه الدراسة مع دراسة أخرى متزامنة على يديِّ H. naledi، نظرة ثاقبة على شكل الهيكل العظمي ووظيفته التي ربما تكون قد ميزت الأعضاء الأوائل في جنسنا.

والجدير بالذكر أن الإنسان الحديث (هومو سبينس-Homo sapiens) وأنواعٌ أخرى منقرضة بما في ذلك
(نيدرثلنسيس-neanderthalensis)، و(هومو إريكتس-Homo erectus)، و(هومو هابليس-Homo habilis)، و(H. naledi) تندرج جميعًا تحت جنس الإنسان، ويُعرف كلٌّ من جنس الإنسان، وجنس الـ(إسترالوبيثيكس-Australopithecus) -وهو جنسٌ منقرضٌ من أشباه جنس الإنسان- بالـ(hominins).
[1]

قدم الـ(هومو ناليدي-Homo Naledi)

الهوموناليدي
إعادةُ بناءٍ رقمية لقدم  H. naledi
© Nature Communications

قال ويليام هاركورت سميث المؤلف الرئيسي لهذه الورقة البحثية:

«تُعَد قدم H. naledi أكثر تقدمًا عن أجزاء جسده الأخرى، على سبيل المثال، أكتافه، أو جمجمته، أو حوضه، ومن الواضح تمامًا أن امتلاك قدمٍ مُشابةٌ لقدم الإنسان كان شيئًا مميزًا لهذا المخلوق، لأن هذه القدم المتطورة أفقدته بدائيته ومظاهره الأولية التي تتشابه مع القرد».

والجدير بالذكر أن كل ذلك يشير إلى كم الضغوط الانتقائية التي تعرضت لها هذه الكائنات وواجهتها، والظروف التي تكيفت معها.

يُعَد المشي في وضع مستقيم هو أحد السمات المميزة للأنساب البشرية، وبما أن القدم هي البنية الوحيدة التي تتلامس مع الأرض في الكائنات ذوات القدمين؛ إذن يمكن من خلالها أن نستنتج الكثير عن طريقة انتقال وتحرك أقاربنا القدماء.

ففي كهف النجم الصاعد في جنوب أفريقيا وتحديدًا في غرفة دينالدي، استطاع فريق تنقيب الـ(H. naledi) الحصول على عينة واحدة على الأقل من كل عظمة في قدم الأنواع الجديدة، وتُمَثِّل هذه العظام ما لا يقل عن خمسة أفراد -اثنان من الصغار وثلاثة من البالغين- واستطاعوا كذلك الحصول على قدم واحدة كاملة تقريبًا وكانت تُمَثِّل القدم اليمنى.

وقد أظهر التحليل المُفَصَّل لهذه العظام أن عظام القدم تبدو أشبه بالعظام البشرية أكثر من عظام الشمبانزي، باستثناء منطقتين رئيسيتين: أصابعُ قدم H. naledi كانت أكثر انحناءً، وأرجلها كانت مُسَطَحة بشكل عام أكثر مما رأيناه في الإنسان الحديث.

وعلى الرغم من التشابه الوثيق في بنية القدم، إلا أنه من المُرجَح ألا يسير H. naledi بالضبط مِثلنا، حيث أن أجزاءً أُخرى من جسده (أصابعه طويلة ومنحنية، ومفصل كتفه أكثر تشابهًا بالقرد) ترسم صورة مخلوق كان بلا شك من ذوات القدمين ولكنه أيضًا كان متسلقًا للأشجار، وهذا النوع لديه مجموعة فريدة من الصفات تحت الرقبة، وبذلك تُضِيف نوعًا آخر من ثُنائِيات الحركة إلى سجل التطور البشري، وقال هاركورت سميث: «كانت هناك الكثير من التجارب المختلفة التي تحدث داخل hominins فلم يكن مجرد مسارٍ مستقيمٍ إلى أن وصلنا لكيفية المسير اليوم».

ولأن حفريات H. naledi لم يتم تأريخها بعد؛ فإن الباحثين لا يعرفون كيف يتلاءم هذا الشكل من أشكال المشي مع شجرة عائلتنا، ولكن هاركورت سميث قال:

«بغض النظر عن العمر، فإن هذا النوع سوف يسبب تحولًا نموذجيًا في الطريقة التي نفكر فيها حول التطور البشري، وليس فقط في الآثار السلوكية -التي هي رائعة- ولكن في المصطلحات المورفولوجية والتشريحية».[1]

يَد الـ(هومو ناليدي-Homo Naledi)

الهومو ناليدي
صورة توضح تكيّف اليد والقدمين بشكل فريد لكلِّ من تسلق الأشجار والمشي في وضع مستقيم.
الحقوق: بيتر شميد وويليام هاركورت سميث | جامعة ويتس

وَصَف تراسي كيفل المؤلف الرئيسي وزملاؤه يد H. naledi استنادًا إلى ما يقرب من (150) عظمة يد وُجدت في غرفة دينالدي، بما في ذلك اليد اليمنى الكاملة تقريبًا (فيما عدا عظمة الرسغ) لفرد بالغ واحد، والذي يُعَدُّ اكتشافًا نادرًا في سجل حفريات الإنسان، وتَكشِف يد H. naledi تركيبًا فريدًا من التشريح الذي لم يتم العثور عليه في أي إنسان أحفوري آخر من قبل، حيث أن عظام المعصم والإبهام تُظهِر السمات التشريحية التي يتم تقاسمها مع كلٍّ من البشر الحاليين والبدائيين والتي تشير إلى قوة الاستيعاب والقدرة على استخدام الأدوات الحجرية.

ومع ذلك، فإن عظام الأصابع تكون منحنية أكثر من تلك التي في معظم الأنواع البشرية الأحفورية المبكرة، مثل أنواع لوسي من جنس Australopithecus، مما يُشير إلى أن H. naledi كانت لاتزال تستخدم أيديها لتسلق الأشجار، وبذلك يوضح هذا المزيج من السمات الشبيهة بالإنسان مع خصائصَ أكثر بدائية أن يدها كانت مخصصة لأنشطة تتم باستخدام أدوات معقدة، مع استمرارية استخدام يديها لحركة التسلق.

يقول كيفيل:

«إن وجود ميزة القدرة على استخدام الأدوات في تركيب يده مع حجم دماغه الصغير يمثل مزيجًا مثيرًا للاهتمام فلماذا قد تكون هناك حاجة إلى المُتَطلِبات الإدراكية لصنع واستخدام الأدوات، واعتمادًا على عمر هذه الأحافير، فمن الممكن أن نعرف من الذي صنع هذه الأدوات الحجرية التي نجدها في جنوب أفريقيا». [2]

اكتشاف أحافير جديدة تعود لـ H. naledi بذاتِ الكهف

لم ينتهِ الأمر عند ذلك فلم تَفرُغ جُعبَةُ كهفِ النجم الصاعد بَعد، فقد اكتشف فريق دولي من الباحثين غرفة أُخرى تحوي المزيد من بقايا قريب الإنسان الجديد Homo naledi، وأُعلِنَ هذا الاكتشاف في مايو عام (2017).

يقول هوكس أحد قادة فريق البحث في كهف النجم الصاعد والمؤلف الرئيسي للورقة التي تصف الأحافير الجديدة: «إن العثور على مزيد من بقايا أفراد متعددين في حجرة تبعد مسافة ما عن غرفة دينالدي التي تحتوي على أحافير Homo naledi الأصلية يُضفِي ثقلًا على فكرة أن هومو ناليدي كان يُخَبّئ مَوْتاه! وهو سلوك يثير الدهشة ويشير إلى ذكاء حاد وربما تعد هذه أول بوادر الثقافة الإنسانية، مما يُضفي ثقلًا على صحة فرضية أن Homo naledi كان يستخدم الأماكن المظلمة والنائية ليدفن مَوْتاه».

تقع الغرفة الجديدة المسماة غرفة (ليسدي-Lesedi) على بعد حوالي (100) متر من غرفة دينالدي، عَثَر الفريق الذي يقوده هوكس بيرغر على أكثر من (130) حفرية من أحافير هومو ناليدي الجديدة في غرفة ليسدي، وهو الاسم الذي يعني «الضوء» في لغة سيسوانا، والجدير بالذكر أن الوصول إلى هذه الغرفة لم يكن أمرًا هينًا لما يُحيط بها من ظلام ٍدامسٍ ومسارٍ مُعقد يتطلب من المنقبين الزحف والتسلق للوصول إلى المخبئ الأحفوري.

يقول هوكس: «إن الهيكل العظمي للفرد الذي أُطلِقَ عليه إسم «نيو» هو واحد من أكثر الهياكل المُكتشَفَة اكتمالًا، ومن الناحية التقنية هو أكثر اكتمالًا من حفرية لوسي الشهيرة من حيث الحفاظ على الجمجمة والفك السفلي».

إن جمجمة هذا الهيكل العظمي الجديد لديها الكثير من تفاصيل الوجه، بما في ذلك العظام الرقيقة في منطقة العين الداخلية والأنف، كما يقول هوكس، وهو خبير في الـ hominins:

«بعض العظام الجديدة تضيف تفاصيل إلى ما كنا نعرفه من قبل، حيث أن الهيكل العظمي «نيو» لديه عظم الترقوة الكامل وعظم فخذ شبه كامل، مما يؤكد ما نعرفه عن هومو ناليدي أنّه كان على حد سواء ماشيًا ومتسلقًا».

وأردف هوكس:

«إن المثير للاهتمام حقًا حول هومو ناليدي هو أن هذه المخلوقات لها أدمغة يبلغ حجمها ثلث حجم أدمغتنا ومن الواضح أن هذا ليس إنسانًا، ومع ذلك يبدو أنه يتشارك في جانب عميق جدًا من السلوك الإنساني، وهو الرعاية الدائمة للأفراد الآخرين والذي يستمر حتى بعد وفاتهم، وهنا تتجلى رؤية الجذور العميقة للممارسات الثقافية الإنسانية». [3]

الهوموناليدي
طقوس الموت لـ H. naledi في كهف النجوم الصاعد في جنوب أفريقيا
المصدر: ناشيونال جيوغرافيك عمل فني من قبل: جون فوستور

إعداد: منة الله عماد

مراجعة علمية: أحمد فكرى

مراجعة لغويّة: حمزة مطالقة

تحرير: سامح منصور

المصادر

[1]- Story Reference

-“Foot Fossils of Human Relative Illustrate the Evolutionary ‘Messiness’ of Bipedal Walking | AMNH.” Accessed November 11, 2018. https://www.amnh.org/about-the-museum/press-center/foot-of-human-relative-illustrates-the-messiness-of-bipedal-walking.

-Journal Reference:
Tracy L. Kivell, Andrew S. Deane, Matthew W. Tocheri, Caley M. Orr, Peter Schmid, John Hawks, Lee R. Berger, Steven E. Churchill. The hand of Homo naledi. Nature Communications, 2015; 6: 8431 DOI: 10.1038/ncomms9431

[2]-“The Hand and Foot of Homo Naledi: Homo Naledi May Have Been Uniquely Adapted for Both Tree Climbing, Walking Upright.” ScienceDaily. Accessed November 11, 2018. https://www.sciencedaily.com/releases/2015/10/151006123631.htm.

[3]-“South African Cave Yields yet More Fossils of a Newfound Relative.” ScienceDaily. Accessed November 11, 2018. https://www.sciencedaily.com/releases/2017/05/170509083557.htm.

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي