على مدار عدّة قرون كان الوقود عاملاً استراتيجياً هاماً في تحديد مصائر الشعوب، سواء أكان ذلك في السِلم أم الحرب، إذ كانت البداية من الإنسان البدائيّ الذي استخدم الأحجار والأخشاب لتوليد نار الطهي والتدفئة، وصولاً إلى الإنسان المعاصر والمفاعلات النووية والطاقة الإشعاعية.
تعدّدت صور الوقود وأشكاله وأنواعه (كالفحم والبنزين والطاقة الشمسية وغيرها الكثير)؛ ليغطي احتياجات الإنسان، ويرضي طموحاته، ويواكب التطوّر المستمرّ في مجالات حياته. وتعتبر الثورة الصناعية الأولى نقطة البداية الأبرز والأهمّ لهذا التطور قبل ثلاثة قرون من الآن وتحديداً في إنجلترا؛ فقد أسّست الصناعة-من خلال استخدام الآلات والبخار كوقود للمرة الأولى- إنتاجاً صناعياً ضخماً وفي وقت قياسيّ، وعملت على تأسيس كيانات اقتصادية كبرى وتطوّر كبير في حياة الإنسان في الكثير من الجوانب.
الثورة الصناعيّة الأولى
استغلّ المهندس الاسكتلندي جيمس واط (James Watt) قوّة البخار في اختراع المحرّك البخاريّ الذي كان له الفضل في قيام الثورة الصناعية الأولى التي عملت على تحويل المجتمعات الريفية الزراعية في أوروبا وأمريكا إلى مجتمعات صناعيّة وحضريّة.
فقبل الثورة الصناعية كان التصنيع غالباً ما يتمّ في بيوت الناس باستخدام الأدوات اليدوية أو الآلات الأساسية، لكنّه شهد تحولاً إلى آلات ذات أغراض خاصة تعمل بالطاقة في المصانع وتقدّم إنتاجاً ضخماً.[1]
الثورة الصناعيّة الثانية
عُرفت بالثورة التقنيّة، بدأت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وشهدت تطوراً كبيراً في العديد من الصناعات وظهور صناعات جديدة لأوّل مرة؛ فاستُخدِمت الكهرباء في صناعة الأجهزة الكهربائية والمصابيح الضوئية، وظهرت الهواتف والسكك الحديدية والتلغراف(Telegraph)، وصُنع الفولاذ لأوّل مرة واستُعمل عوضاً عن الحديد، وتوسّعت البنية التحتيّة، وبُنيت أنظمةٌ للصرف الصحيّ والمواصلات والكهرباء في المدن الكبرى.[3]
الثورة الصناعيّة الثالثة
اختراع أجهزة الحاسوب ونقل أول رسالة عن طريق شبكة المعلومات(الإنترنت)، ودخول الحواسيب في معظم مجالات التصنيع والاتصالات والتعليم.
الثورة الصناعيّة الرابعة
وهي المرحلة مرحلة التي نعيشها حالياً، ومن أهم معالمها: الذكاء الاصطناعيّ (Artificial Intelligence) الذي يتجلّى في برمجة الإنسان الآلي والسعي لاستبدال الروبوتات بالعنصر البشريّ في الكثير من الوظائف، والبيانات الضخمة (Big Data)، والتحكّم في المورّثات، وتقنية النانو، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والهولوجرام (hologram)، وغير ذلك من التقنيات الحديثة المختلفة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الثورات الصناعيّة بمختلف عواملها ونتائجها قد اعتمدت على مصادر للطاقة لتتيح لها العمل على هذا التطوّر الصناعيّ المتدرّج، لذلك سنلقي الضوء على الوقود وأنواعه التي كانت مستخدمة وما زالت مستخدمة حتى الآن.
ما هو الوقود؟
يُعرّف الوقود بأنه المادة القادرة على توليد الطاقة من خلال تفاعلها مع مواد أخرى، والاستفادة من الطاقة الناتجة في العمل، ويُقسم الوقود عادة إلى قسمين: كيميائيّ ونوويّ.
أولًا: الوقود الكيميائيّ
الوقود الكيميائيّ هو المادة التي تنتج الطاقة عن طريق التفاعل مع المواد المحيطة خاصّةً من خلال عملية الاحتراق، إذ تتولّد هذه الطاقة الهائلة من كسر الروابط الكيميائية التي تربط هذه المركبات ببعضها.[3]
ويُقسم كالتالي:-
وقود ثانوي | وقود أولي | |
الفحم النباتي ، فحم الكوك | مثل الخشب، الفحم الحجري والروث والوقود الحيوي | وقود صلب |
مثل: الديزل، الجازولين، الكيروسين، الغاز المُسال، الإيثانول، النفط | البترول | وقود سائل |
مثل: الميثان، البروبان، الهيدروجين، غاز الفحم الحجري، غاز الماء | الغاز الطبيعي | وقود غازي |
الوقود الأحفوريّ هو عبارة عن هيدروكربونات (hydrocarbons) مثل الفحم والنفط بشكل رئيسيّ. والنفط قد يكون سائلاً أو غازاً طبيعياً، ويتشكّل عادةً من البقايا المتحجّرة من النباتات والحيوانات القديمة عند التعرّض للحرارة العالية والضغط في غياب الأكسجين في باطن الأرض خلال مئات الملايين من السنوات.
يعتمد الإنسان على الوقود الأحفوريّ أكثر من غيره من أنواع الوقود لتوفّره وسهولة استخدامه وإنتاجه المقبول من الطاقة، ولكن هذا النوع من الوقود يتّسم بعدم التجدّد، إضافة إلى أنّه يؤثر على صحة الإنسان ويسبّب الضرر للبيئة من خلال الانبعاثات الناتجة عن احتراقه وأهمّها غازَي أول وثاني أوكسيد الكربون.
وقود السيارات
نستخدم الوقود يومياً في حياتنا، وتتجلّى أكثر الاستخدامات شيوعاً في تسيير السيارات عن طريق البنزين في محرّكاتها، وتعتمد فكرة عمل المحرّكات ببساطة على استخدام الطاقة الناتجة من احتراق البنزين في دفع المكابس الموجودة داخل المحرّك لإنتاج الحركة في النهاية.
نستخدم عادة البنزين في محرّكات السيارات، ولكن هناك عدّة أنواع منه مثل بنزين 80 وبنزين 90 وبنزين 95، فما الفرق بينهم؟ وإلامَ يشير هذا الرقم؟
إن هذا الرقم يسمى «عدد الأوكتان»، وهو يدلّ على كفاءة الوقود في الاستخدام ومقاومة الاحتراق المبكّر، فكلّما زاد عدد الأوكتان زادت كفاءة الوقود والعكس صحيح.[4]
ثانياً: الوقود النوويّ
الوقود النوويّ هو مادة تستخدم في محطّات الطاقة النوويّة لإنتاج الحرارة لمحرّكات الطاقة، وغالباً ما تكون عناصر كيميائيّة مشعّة.
يتم تكوين الحرارة عندما يخضع الوقود النوويّ للانشطار النوويّ، إذْ تُضرب أنوية هذه الذرات غير المستقرّة بواسطة نيوترون (neutron) يتحرّك ببطء، فتنقسم وتخلق نواتَين ابنتين مع اثنين أو ثلاثة نيوترونات أخرى. تستمرّ هذه النيوترونات في شطر المزيد من الأنوية، ممّا يخلق تفاعلاً متسلسلاً ذاتيّ الاستدامة يتمّ التحكّم فيه في مفاعل نووي، أو يكون غير متحكّم به كما في السلاح النوويّ.
لا تُنتج جميع أنواع الوقود النوويّ الطاقةَ من الانشطار النوويّ؛ إذ يُستخدم البلوتونيوم 238(Plutonium 238) وبعض العناصر الأخرى لإنتاج كميّات صغيرة من الطاقة النووية عن طريق الاضمحلال الإشعاعيّ في المولّدات الكهربائية الحرارية العاملة بالنظائر المشعّة وأنواع أخرى من مولّدات الطاقة الذريّة.[5]
يحتوي الوقود النوويّ على كثافة طاقة عليا مقارنة بمصادر الوقود العمليّة، ولكنّه مُكلف للغاية ويحتاج إلى احتياطات سلامة عالية الأمان تجنّباً لوقوع كوارث نوويّة-كان من أهمّها انفجار مفاعل تشيرنوبل بأوكرانيا عام 1986، وانفجار مفاعل فوكوشيما النوويّ باليابان عام 2011.
إعداد: أحمد هشام
مراجعة علمية: أميرة إسماعيل
تدقيق لغوي: رؤى زيات
المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4
مصدر 5