اماديو مودلياني بين الفن و علم النفس

2-1

||||||||||

Amedeo Modigliani/ اماديو مودلياني

بين الفن و علم النفس

 

لا يجب أن نعامل الأعمال الفنية كاللوحات وغيرها بعد الآن كأشياء منفصلة، فاللوحة ماهي إلّا انعكاس سيكولوجي لروح الفنان؛ لأن كل ضربة فرشاة، كل لون، كل خط، كل منحنى اكتسب معناه الحقيقي من الحالة النفسية لصاحبها عندما قرر أن يضع لونًا هنا أو خطًا هناك، عندما فضل الأبيض على الأسود، عندما قرر أن يرسم منظرًا طبيعيًا بدلًا من صورة إنسان؛ فالحالة المزاجية للفنان، اختياره لأدواته، ألوانه، خطوطه، وأسلوبه كلها نتجت من نسيج الروح الخاص به.

يأتي موديلياني على تلك الخلفية كواحد من أكثر الفنانين شهرة من خلال لوحاته التي ما أن تراها، فتدرك على الفور صانعها، ولم يكن موديلياني بحاجة للتوقيع على أيًا منها؛ لأنك ستجد نفسك أمام لوحة لا تصنيف لها، تخبرك عن حالة الرجل الذي يقف خلفها.

وُلد موديلياني في ليفورنو، إيطاليا عام 1884، وقضى طفولته بين السعال والمرض؛ مما جعل أيامه الدراسية معدودة، وعندما بلغ بالكاد سن المراهقة بدا أن رئتيه قُضي عليهما نظرًا لما كان يبصقه، لكن مافعلته أمه من إلحاقه بمدرسة الفن في روما كان الشيء الوحيد الذي جعله يرى عالمًا في الفن بعيدًا عن الموت الذي كان يطارده كل يوم.

سافر موديلياني عام 1906 إلى باريس، وكان وقتها مبهورًا بالفنان «بول سيزان» الذي ظل يفوز بمعاركه الفنية حتى بعد موته، وبالفنان بابلو بيكاسو الذي تميز بعبقرية سقطت عليه كمذنب من السماء الفرنسية.

عرض موديلياني أعماله في البداية في صالات عرض صغيرة، وفي النهاية عرضها في )معرض المستقلين – (Le Salon des indépendants ، الصالون الذي يعتبر بمثابة حصن يضم الأعمال الخالدة التي لم يتعرف إليها البشر، لكن الشرطة أغلقت المعرض؛ لأن عاريات موديلياني في فرنسا اُعتبرت من الرذائل.

كانت هذه الفترة في حياة موديلياني فترة بطولية لرجل يعرف أنه سيموت، ولا يوجد طريق لهزم الموت إلّا بالعيش سريعًا؛ لذلك حاول أن يعيش حيوات كثيرة في حياة واحدة، وبدأ يرسم باستمرار بين نوبات السعال، وإدمانه الخمر والمخدرات، محاولًا أن يشبع رغباته الجنسية من خلال سلسلة لا منتهية من النساء العراة الذين ينظرون الآن إلينا من خلال لوحاته بعيونهن الضيقة.

عاش موديلياني كل يوم من حياته في مأساة، ومعاناة تحت ثلاثية ملعونة من المرض، والفق، والفشل، يستيقظ متأخرًا مع صداع دائم في الرأس، وكحة لا تنتهي، أشعة الشمس هي الشيء الوحيد الواضح في غرفته، كل شيء رمادي قاتم: السرير، الجدران، حتى وجه المنعكس في المرآة.

نستطيع أن نعرف الكثير من حياة موديلياني، وما مر به من تقلبات في المزاج، وسعال لاينقطع من خلال رسمه للوجوه البشرية؛ لأن شخصياتنا تكشف عن نفسها من خلال الأفكار، والكلمات، والحركات، والأفعال. اطلب من شخص أن يرسم وجه إنسان، وسوف يرسم بدون وعي شخصًا يمثله.

إنه من المحتمل أن نفهم سيكولوجية الفنان من خلال رموزه التي يضعها في لوحاته، وإذا كان بيكاسو جعل العالم مصنعًا للساعات هو صانعها، فإن موديلياني وضع العالم في ألبومات حيث رسم العديد من الفنانين، والأدباء، وكل من يراه خارجًا من الأوبرا، كما رسم أطفال الحي، كما لو أنه أراد أن يخلد كل من حوله، كما أنه رسم عشيقاته على وجه الخصوص، واعتبرت لوحاته عنهم كأكثر اللوحات عُريًا في تاريخ الفن.

تُعطي شخصيات موديلياني انطباعًا دائمًا بالوحدة، والعزلة، والحنين إلى الماضي، تعكس الاتجاه الانطوائي للفنان، أوضاعهم توحي بالانسحاب السريع إلى الداخل في إشارة للخوف والاحتراس الشديد من البيئة، أيديهم فوق بعضها موضوعة على صدورهم في موقف أقرب إلى المواقف الأمومية، كما لو أنهم يشعرون بحصار من قوى عدائية، وتشير الخلفيات الدخانية للوحاته إلى عالم سديمي من الكحوليات، والمخدرات، وحالة من الحنين إلى الماضي التي يعيشها الفنان.

تظهر نساء موديلياني فخورات، ذوات كبرياء، تمتلكن كرامة صلبة كالصخور، بعيني معبود تُرك في صحراء نائية صامدًا ضد هجمات عوامل الطبيعة، وتعاقب الدهور، بينما تشبه رجاله آلهة الأزتك في سكونهم، وخلودهم.

سيكولوجيًا، يُعتبر ذلك كشفًا عن شخصية موديلياني المعقدة: هو يرى وينظر إلى الآخرين بعيني طفل، ويرى الكبار عمالقة أقوياء لايحركهم شيئًا.

موديلياني الذي تصرف دائمًا كأنه طفل، جسد في نسائه النموذج الأمومي، وجعل كل امرأة في لوحاته نموذجًا للأم، المرأة، الإلهة التي تُحب وتُقدر؛ لذلك الموت غير موجود بالنسبة لهم.

إذا نظرنا إلى شخصيات موديلياني، فسنجد شيئًا ما سيعلق بذهننا، شيئًا يكشف عن جزء من حياة موديلياني، ينم عن حالته النفسية، وعقله الباطن، عما يخفيفه ويود لو يقوله إلى العالم، وسنسرد بعض من تفاصيل شخصياته الواردة في لوحاته؛ لنطلع على أسطور موديلياني.

  • العنق

يعتبر العنق الجزء الأكثر جذبًا للانتباه في لوحات موديلياني، تظهر الأعناق الطويلة الرفيعة كما رسمها موديلياني  في لوحات الأشخاص المصنفين سايكولوجيًا بأنهم فصاميين، وعندما يظهر الفنان شغفًا بالأعناق في لوحاته؛ فهذا يعني أنه في صراع بين دوافعه الجسدية، والالتزام الذي يمليه عليه عقله.

العنق هو العضو الذي يفصل بين الحياة الفكرية متمثلة في الرأس، والحياة الغريزية متمثلة في الجسد، وما فعله الفنان لأعناق شخصياته يكشف بوضوح حقيقة الصراع بين دوافعه الجنسية القوية، ورغبته في السيطرة عليها من خلال الزهد.

  • الرأس

تبدو رؤوس لوحات موديلياني مشوهة، وتعتبر رمزًا للأنا لكل قوانا الفكرية والاجتماعية، وسيطرتنا على دوافعنا الجنسية، وعندما يفقد الفنان القدرة على السيطرة على دوافعه، فإنه يعوض ذلك عن طريق تكبير حجم الرأس في لوحاته.

  • الفم

جعل موديلياني أفواه شخصياته مثل سهم كيوبيد، ويشير تكراره لهذا النموذج للفم في لوحاته إلى أن موديلياني يُظهر اهتمامًا بمنطقة الفم، وهي سمة للأشخاص المدمنين على الكحول، الراغبين في ممارسة الجنس باستمرار، والذين يعانون من طفولة سيكوجنسية؛ لذلك فهولاء الأشخاص لديهم رغبة قوية للتركيز على تلك المنطقة باعتبارها تمنحهم السعادة.

  • العيون

تشير العينان نصف المغلقتين إلى عدم النضج العاطفي، إنهما عينا شخص ينظر إلى العالم دون أن يراه، ماعدا رؤيته في بعض الأحيان كمُنتِج للتحفيز.

يحدق الفنان إلى العالم من خلال أعين شخصياته النصف مغلقة، بدون اهتمام، من مسافة يتحكم بها مرضه وإدمانه على الكحول.

على الجانب الآخر، العيون النصف مغلقة تعبر عن رغبة في البقاء بعيدًا عن العالم الخارجي، والتركيز على نفسه، وهوسه بالمرض.

  • الأنف

     

    تُعد الأنف جزءًا بارزًا في الرسم، وتظهر أُنُوف نساء موديلياني مسطحة ترمز إلى العجز الجنسي، وشخصية مضنية إلى حد ما، كما أنها تدل على الجمال في النساء علي عكس الرجال في الدول الناطقة بالإسبانية.

لقد ذهب موديلياني بشخصياته بعيدًا عن الموت والفناء؛ لأنه حولهم إلى أفكار منحوتة، هادئة حزينة كما لو أن موديلياني أراد أن يجد فيه السلام الذي حلم به، ولم يجده في العالم المحيط به.

بعض أعماله:

dark-young-woman-seated-by-a-bed-1918-jpglarge

girl-in-a-green-blouse-1917-jpglarge
girl-in-blue-1919-jpglarge
head-of-a-woman-jpglarge
jeanne-hebuterne-in-a-hat-jpglarge
lunia-czechovska-1919-jpglarge
portrait-of-a-girl-victoria-1917-jpglarge
portrait-of-jeanne-hebuterne-1918-1-jpglarge
portrait-of-jeanne-hebuterne-in-a-large-hat-jpglarge

young-woman-of-the-people-1918

يمكنكم معرفة المزيد عن حياة موديلياني من خلال مشاهدة الفيلم الذي يحمل اسمه، ويجسد دور البطولة الفنان آندي جارسيا:
http://putlockers.ch/watch-modigliani-online-free-putlocker.html

 

إعداد: Muhammed Mumtaz
مراجعة علمية: Dina Fawzy
مراجعة لغوية: Sherif M.Qamar
تحرير: Nada Ahmed

المصادر:

  1. Amedeo Modigliani | Italian artist | Britannica.com [Internet]. [cited 2016 Nov 20]. Available from: http://sc.egyres.com/OzKxF
  2. Modigliani Art History Articles,Amedeo Modigliani Articles,Amedeo Modigliani bio,Modigliani poverty,Modigliani poor health,Modigliani analysis,psychological study of Amedeo Modigliani,Modigliani pdf [Internet]. [cited 2016 Nov 20]. Available from: http://sc.egyres.com/0vOMK
  3. Modigliani: Misunderstood | Arts & Culture | Smithsonian [Internet]. [cited 2016 Nov 20]. Available from: http://sc.egyres.com/GG1q6
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي