بعد ستة عقود من عصر الفضاء، لا يزال استكشاف الفضاء صعبًا وخطيرًا، هذه الحقيقة تعززت يوم (11 أكتوبر) بعد الحادث الذي تعرض له صاروخ (سويوز-Soyuz) الروسي أثناء إطلاقه باتجاه محطة الفضاء الدولية.
انطلق الصاروخ (سويوز-Soyuz) من محطة الفضاء الروسية التي تقع في كازاخستان في يوم مشمس مشرق، كان من المقرر أن يَحمل رائد الفضاء الأمريكي (نيك هيج) ورائد الفضاء الروسي (أليكسي أوفشينين) إلى محطة الفضاء الدولية(1). بدأ الإطلاق كعمل روتيني، فقد أجُريت بعثات إلى (محطة الفضاء الدولية-ISS) كل بضعة أشهر خلال العشرين سنة الماضية. ولكن في غضون 119 ثانية من هذه الرحلة، بدأ مراقبو المهمة في إذاعة ناسا يتحدثون عن الفشل المحتمل.
في البداية، ظهرت لقطات مهتزة من كابينة الكبسولة التي شوهدت خلال البث المباشر وتُظهر الأجسام الطافية في منتصف الإطلاق، وقال الطاقم لبعثة التحكم إنهم شعروا بانعدام الوزن وهو مؤشر على وجود مشكلة خلال تلك المرحلة من الرحلة، يمكن سماع الأصوات التي تغمر الراديو بين مركز التحكم في المهمة وطاقم الكبسولة في الفيديو المباشر الذي بثته ناسا، ولا تزال التفاصيل والتسلسل الدقيق للأحداث غير واضحة. وبعد ذلك بوقت قصير، بدأ الطاقم بفصل الكبسولة عن الصاروخ(2).
ما مصير الطاقم
قال المعلق على البث المباشر في وقت لاحق إن فرق الإنقاذ وصلت إلى موقع هبوط الكبسولة، وإن الطاقم المكون من شخصين «في حالة جيدة»، وقد غادر الطاقم الكبسولة بالفعل عندما وصلت فرق الإنقاذ.
ووصفت ناسا الإبطال الطارئ بأنه (هبوط باليستي-ballistic landing)، مما يعني أن سفينة الفضاء التابعة للطاقم لم تحقق السرعة اللازمة لتحقيق المدار حول الأرض وبدلًا من ذلك سقطت مرة أخرى على الأرض، ونقلت وكالة أنباء (زفيزدا-Zvezda) الإخبارية الروسية عن رائد الفضاء الروسى السابق (ميخائيل كورنينكو) قوله إن الطاقم ربما عانى من قوة تصل إلى خمسة أضعاف جاذبية الأرض الطبيعية، ويبلغ معدل إعادة الدخول النموذجي أربعة أضعاف تلك القوة(2).
وفي النهاية، وصل عمال الإنقاذ إلى موقع الهبوط الاضطراري وقاموا بإجلاء الطاقم، وأظهرت الصور التي نشرتها الحكومة الروسية وحسابات ناسا على موقع تويتر في وقت لاحق الرجال يحتضنون عائلاتهم ويتمتعون بوجبة روسية لذيذة مرة أخرى على الأرض(3).
لماذا تحدث مثل تلك المشاكل
تنبع الصعوبة في جزء كبير من بيئة الفضاء غير المضيافة، والطاقات المدهشة المطلوبة لتسريع المركبات إلى سرعات رحلات الفضاء للوصول إلى مدار الأرض، على سبيل المثال، يجب أن تسافر المركبة الفضائية على الأقل بسرعة 17.500 ميل في الساعة، ومن الوارد جدًّا أن تتصاعد عملية إطلاق روتينية إلى كارثة إذا سُمِحَ لهذه الطاقة بالهروب أو الانتشار بطريقة غير خاضعة للرقابة(5).
فكر في الكارثتين اللتين تعرض لهما برنامج الفضاء التابع لناسا خلال 30 سنة من رحلتهما في 28 يناير 1986، حيث تسبب الطقس البارد غير المعتاد في إتلاف جزء من أحد معززات صاروخ (تشالنجر-Challenger)، هربت على إثره الغازات الساخنة من خلال الاختراق الناتج عن المعززات، مما تسبب في انهيار خزان الوقود الخارجي الضخم الخاص بشركة تشالنجر وانفصال المكوك وانفجاره بعد 73 ثانية فقط من الإقلاع، مما أدى إلى مقتل جميع أفراد الطاقم السبعة الذين كانوا على متنه(4).
وفي 1 فبراير 2003، حادثة تفكك المكوك كولومبيا عند العودة إلى الغلاف الجوي للأرض في نهاية مهمتها، وانتشرت الغازات الساخنة في الجناح الأيسر من خلال ثقب في الدرع الحراري للمكوك الذي تعرض للضرر بواسطة قطعة من الرغوة ألقى بها خزان الوقود الخارجي خلال عملية الاقلاع قبل أسبوعين، و مرة أخرى لقى جميع أفراد الطاقم السبعة حتفهم(4).
حادثتا المكوك ليستا مأساتي الرحلات الفضائية الوحيدة، توفي رائد الفضاء السوفييتي (فلاديمير كوماروف) أثناء عودته إلى الأرض في 24 أبريل 1967 عندما فشلت مظلة مركبة الفضاء (سويوز1) في الانتشار بشكل صحيح(4).
وفقد (جورجي دوبروفولسكي) و(فلاديسلاف فولكوف) و(فيكتور باتساييف) حياتهم في 29 يونيو 1971، بعد أن أمضيا ثلاثة أسابيع إقامة على متن محطة ساليوت 1 التابعة للاتحاد السوفييتي بسبب مشكلة صمام في كبسولة طاقم سويوز 11 للطائرات كي تخفض الضغط قبيل دخولها الغلاف الجوي للأرض(4).
كما حدثت وفيات أثناء التدريب وغيرها من الاختبارات، على سبيل المثال في 27 يناير 1967 توفي رائدا الفضاء (إد وايت) و(روجر شافي) في حريق أثناء اختبار يهدف إلى تمهيد الطريق لعملية إطلاق المهمة المخطط لها في 21 فبراير(4).
وفي 31 أكتوبر 2014 تحطمت طائرة الفضاء دون المدارية (VSS) التابعة لشركة (Virgin Galactic) خلال رحلة تجريبية صاروخية بعد أن تم نشر نظام إعادة الدخول قبل الأوان، قتل مساعد الطيار (مايكل أسبوري) وأصيب الطيار (بيتر سيبولد) بجروح خطيرة لكنه نجا(4).
ما الأثر المترتب على تلك الحادثة
ما سيحدث بعد ذلك سيكون له تداعيات كبيرة على كل من برنامج محطة الفضاء الدولية والشراكة الفضائية بين الولايات المتحدة وروسيا، الممارسة المعتادة هي إطلاق صاروخ بعد الفشل حتى يتم تحديد السبب ومعالجته.
الجدير بالذكر أن (سويوز-Soyuz) حاليا هو الصاروخ الوحيد القادر على ارسال رواد فضاء الى محطة الفضاء الدولية، حيث أن الشركات الامريكية مثل بوينج وسبيس اكس لن يكونا على استعداد لرحلةٍ فضائية حتى وقت ما من العام المقبل(2).
التعاون بين ناسا ووكالات الفضاء الروسية
إن التعاون بين الولايات المتحدة ووكالات الفضاء الروسية قد ابتعد إلى حد كبير عن الخلافات الجيوسياسية، على الرغم من المواجهة بين واشنطن وموسكو التي استمرت منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في البحر الأسود من أوكرانيا في عام 2014 ومزاعم بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016.
لكن في أغسطس أصبح الكشف عن تسرب للضغط على محطة الفضاء الدولية موضوع تكهنات مكثفة لوسائط الإعلام في روسيا، تم إصلاح التسرب بسرعة، ولكن رئيس (روسكوزموس-Roscosmos) وكالة الفضاء الروسية، اقترح أن التسرب كان سببه شيء آخر غير حادث أو عيب في الإنتاج.
وفي حديثه مع الصحفيين في موسكو قبل إطلاقه يوم الخميس، قال إن التعاون الروسي الأمريكي في الفضاء ما زال قويًا، وسط تحقيق في سبب التسريب.
وقال «هذه العلاقة قوية، ومهما كان ما يحدث على الأرض، فقد كنا دائما قادرين على الحفاظ على استكشاف الفضاء والاكتشاف والعلوم منفصلة عن أي نزاعات أرضية قد تكون موجودة».«ما يتعين علينا القيام به هو أننا يجب أن نسمح للتحقيقات بسلامة التحرك دون تكهنات، دون شائعات، دون تلميح، ودون مؤامرة»(5).
أفراد الطاقم يحتضنون عائلاتهم بعد نجاح عملية الهبوط الاضطراري في بايكونور/كازاخستان
إعداد: محمد طه
مراجعة: آية غانم
المصادر: