تجميد التربة.. من إبداعات الهندسة الجيوتقنية

تجميد التربة.. من إبداعات الهندسة الجيوتقنية

ما هو تجميد التربة؟

يُعرف «تجميد التّربة» -أو كما تسمّيه بعض المراجع تجميد التّربة الاصطناعيّ (Artificial Soil Freezing)- بأنّه عمليّة التّدعيم المؤقّت للتّربة عن طريق تحويل الماء بين حبيبات التّربة إلى ثلجٍ. يتمّ ذلك عن طريق إزالة الحرارة من التّربة عن طريق سائل تبريدٍ يمرّ عبر نظامٍ متكاملٍ من الأنابيب المغروسة في التّربة المراد تجميدها. بدوره، يتحوّل الماء في الفراغات بين الحبيبات إلى ثلجٍ، والّذي يعمل كمادّةٍ لاحمةٍ (Bonding Agent) لحبيبات التّربة بعضها مع بعضٍ، ممّا يساهم في تكوّن كتلةٍ مجمّدةٍ من التّربة، ذات مقاومة انضغاطٍ أعلى، ونفاذيّةٍ أقلّ.[1][2][3]

قُدّم «تجميد التّربة» كحلٍّ لمشاكل التّربة لأوّل مرّةٍ في «فرنسا»، وتعود المرّة الأولى لتطبيقه واقعيًّا إلى عام 1862م عندما استخدمت كطريقةٍ لإنشاء بئرٍ (Shaft) -وهو النّفق الرأسيّ- لعمليّات التّعدين تحت الأرض في جنوب «ويلز» (Wales). وسُجّلت كبراءة اختراعٍ عام 1883م باسم مهندس التّعدين الألمانيّ «بوتش» (Poetsch). كانت فكرة «بوتش» هي استخدام نظامٍ من الأنابيب الخارجيّة، وبداخلها أنابيب بقطرٍ أصغر، ويُضخّ السّائل المبرّد -وهو محلول كلوريد الكالسيوم المبرّد (Chilled Calcium Chloride Brine) الّذي تنتجه وحدةٌ مخصّصةٌ للتّبريد- عبر هذه الأنابيب الدّاخليّة، ويُستقبل ناتج الضّخّ عبر الأنابيب الخارجيّة، وتستمرّ هذه العمليّة في صورة دورات تبريدٍ متكرّرةٍ حتّى اكتمال التّجميد. وقد حدث تطويرٌ آخر لهذه التّقنيّة في فرنسا مرّةً أخرى عام 1962م، حيث استُخدم النّيتروجين السّائل (LN2) بدلًا من محلول كلوريد الكالسيوم، وهذا التّطوير سمح بتنفيذ عمليّات تجميدٍ أسرع وفي وقتٍ أقصر إن لزم الأمر.[4]

طرق تجميد التربة

هناك طريقتان، هما الأكثر شيوعًا للاستخدام في عمليّة تجميد التّربة، وهما:[1]

1- التّجميد باستخدام محلول كلوريد الكالسيوم (الطّريقة غير المباشرة).

2- التّجميد باستخدام النّيتروجين السّائل (الطّريقة المباشرة).

كما يمكن إضافة طريقةٍ ثالثةٍ، وهي:

3- التّجميد باستخدام النّيتروجين السّائل ومحلول كلوريد الكالسيوم معًا (الطّريقة المختلطة).

وسنتناول الطّرق الثّلاث بشيءٍ من التّفصيل في الآتي.

تجميد التربة باستخدام محلول كلوريد الكالسيوم (الطريقة غير المباشرة)

تعتبر هذه الطّريقة ملائمةً للمشاريع الكبيرة طويلة الأجل، ويتمّ التّجميد باستخدام محلولٍ من كلوريد الكالسيوم المذاب في الماء بنسبة تركيز 30% تقريبًا. يُضخّ المحلول في التّربة عبر مواسيرٍ من الصّلب، ويتمّ عمل دورة تبريدٍ متكرّرةٍ بين المواسير ووحدة التّبريد. تتراوح درجة حرارة المحلول في دورة التّبريد من -35 إلى -38 درجةً مئويّةً تحت الظّروف العاديّة.[1][5]

مبدأ التجميد باستخدام محلول كلوريد الصوديوم (الطريقة غير المباشرة)

تجميد التربة باستخدام النيتروجين السائل (الطريقة المباشرة)

تُلائم هذه الطّريقة المشاريع الصّغيرة قصيرة الأجل، كما تُستخدم في حالات الطّوارئ، ولكنّها غالية الثّمن مقارنةً بالطّريقة الأولى. يغلي النّيتروجين عند درجة حرارة -196 درجةً مئويّةً تقريبًا. وبسبب نقطة غليانه المنخفضة للغاية يتجمّد الماء بفعل النّيتروجين السّائل بسرعةٍ شديدةٍ، ولكن بسبب التّكلفة العالية عادةً ما يُحتفظ بها للاستخدام في حالات الطّوارئ فقط. يُنقل النّيتروجين السّائل في خزاناتٍ مخصّصةٍ، وتُضخّ في التّربة مباشرةً في مواسير من النّحاس، وبدلًا من عمل تدويرٍ للسّائل بين المواسير وخزّان التّبريد، يُترك النّيتروجين للتّبخّر من سطح التّربة.[1][4][5]

مبدأ التجميد باستخدام النيتروجين السائل (الطريقة المباشرة)

تجميد التربة باستخدام النيتروجين السائل ومحلول كلوريد الكالسيوم معًا (الطريقة المختلطة)

تستخدم هذه الطّريقة النّيتروجين السّائل في مرحلة التّجميد، بينما كلوريد الكالسيوم في مراحل الصّيانة اللّاحقة؛ وذلك لتوفير الوقت مقارنةً باستخدام الطّريقة الأولى. من عيوب هذه الطّريقة أنّها غالية الثّمن؛ وذلك لأنّها تتطلّب نظام توزيعٍ منفصلٍ لكلّ سائلٍ، بالإضافة لأنواعٍ مختلفةٍ من المواسير. يجب الانتباه هنا لأمرٍ، ألا وهو وجوب تخفيض درجة حرارة محلول كلوريد الكالسيوم عن المعتاد؛ لأنّه يستخدم بعد النّيتروجين السّائل، حتّى يمكن إعادة تدويره في النّظام دون أن يتجمّد داخل المواسير.[1]

يوضّح الجدول التّالي مقارنةً مختصرةً تبيّن عوامل اختيار كلّ طريقةٍ.[1]

مرحلة التّجميد مرحلة الصّيانة العمل في الأماكن المحكومة حجم التّربة أكبر من 1000 مترٍ مكعّبٍ عمليّات الصّيانة أو مدّة تنفيذٍ أكبر من أسبوعين
الطّريقة غير المباشرة محلول كلوريد الكالسيوم محلول كلوريد الكالسيوم مناسبٌ مناسبٌ مناسبٌ
الطّريقة المباشرة النّيتروجين السّائل النّيتروجين السّائل غير مناسبٍ غالي الثّمن غالي الثّمن
الطّريقة المختلطة النّيتروجين السّائل محلول كلوريد الكالسيوم غير مناسبٍ غالي الثّمن مناسبٌ

التنفيذ في الموقع

تُجمّد التّربة في الموقع بمجموعةٍ متنوّعةٍ من المعدّات والخطوات، نضع ها هنا نموذجًا مختصرًا حول خطوات التّنفيذ.

اختيار طريقة تجميد التربة بناءً على طبيعة المشروع ومحددات التصميم

في البداية تُختار الطّريقة المناسبة لعمليّة التّجميد بناءً على ما يُجمع من معلوماتٍ حول: حجم المشروع، وشكل الحفر أو الكتلة المراد تجميدها، وطبيعة التّربة والمياه الجوفيّة في الموقع، بالإضافة إلى المنشآت والشّوارع المجاورة وأماكن الخدمات.[6]

اختيار معدة الحفر

تُحدّد معدّة الحفر الّتي ستستخدم لاختراق التّربة وتثبيت مواسير الحقن مثل: ماكينة الحفر الدّوّار.[1]

إحدى معدات حفر نقاط الحقن

اختيار معدات تجميد التربة اعتمادًا على طريقة الحقن

تختلف معدّات الحقن تبعًا للطّريقة المستخدمة كالآتي:[1][4]

أ- الطّريقة غير المباشرة: تُستخدم وحدة تبريدٍ متنقّلةٌ تحتوي على مبرّد أوّليٍّ مثل: الأمونيا أو ثاني أكسيد الكربون، ويزيل هذا المبرّد الحرارة من المبرّد الأساسيّ وهو محلول كلوريد الكالسيوم -أو الصوديوم أو الماغنسيوم- الّذي يُستخدم كسائلٍ يُضخّ في مواسير التّبريد لعمل دوراتٍ لتجميد التّربة، وتُستخدم مواسير عازلةٌ من البولي إيثيلين عالي الكثافة لعمليّات الضّخّ.

وحدات التبريد والحاويات المستخدمة في الطريقة غير المباشرة

ب- الطّريقة المباشرة: في هذه الطّريقة تُستخدم خزّاناتٌ متخصّصةٌ لنقل السّائل والمحافظة على خواصّه، ويُضخّ مباشرةً في التّربة عبر مواسير عازلةٍ من النّحاس.

الخزانات المستخدمة في الطريقة المباشرة

ج- الطّريقة المختلطة: يُستخدم مزيجٌ من المعدّات والمواسير الموضّحة في النّقطتين السّابقتين.

المتابعة والتحكم في عملية تجميد التربة

تعتبر مراقبة خواصّ وأحوال التّربة أثناء التّجميد والذّوبان، من أهمّ جوانب عمليّة تجميد التّربة، حيث يتمّ عمل ثقوبٍ إضافيّةٍ بالقرب من منطقة التّجميد، وتركيب مقياسٍ لدرجة الحرارة؛ لمراقبة التّغيّر في درجة حرارة التّربة. من الممكن أيضًا تركيب مقياساتٍ للانحراف والتّمدّد والميل، لمتابعة التّغيير في حجم التّربة نتيجة التّجميد ثمّ الذّوبان، ومتابعة الانحراف والميول أثناء حفر النّقاط.[4]

مقياس الميل
متابعة قراءات الميل أثناء الحفر

الاختبارات الحقلية والمعملية

يصمَّم برنامجٌ من الاختبارات الحقليّة المناسبة لاختبار التّربة المجمّدة، وذلك من أجل معرفة خواصّ التّربة في الموقع بعد التّجميد، ومن أمثلة هذه الاختبارات: اختبار مقياس الضّغط (Pressuremeter Test)، واختبار الاختراق المخروطيّ الاستاتيكيّ (Deep Static Cone Penetration Test)، وغيرهما.[6]

من الممكن أيضًا تصميم برنامجٍ من الاختبارات المعمليّة، حيث تُأخذ عيّناتٌ من التّربة -عيّناتٌ سليمةٌ أو مشوّهةٌ-، وتُجرى اختباراتٌ لتحديد التّغيير في خصائص التّربة تحت ظروفٍ قياسيّةٍ، مثل: اختبارات مقاومة الأحمال والتّشوّهات.[2]

الخواص الميكانيكية والفيزيائية للتربة المجمدة

نتيجة عمليّة التّجميد، يحدث تغييرٌ في العديد من الخواصّ الميكانيكيّة والفيزيائيّة للتّربة، اﻷمر الّذي يغيّر من سلوك التّربة عند مقاومتها للمؤثّرات المختلفة. نذكر في نقاطٍ مختصرةٍ تأثير عمليّة التّجميد على خواصّ التّربة كالتّالي:[4]

مقاومة الأحمال (Strength)

تُظهر التّربة المجمّدة مقاومةً أكبر للأحمال من التّربة العاديّة، وتزداد في العموم هذه المقاومة كلّما قلّت درجة الحرارة، وازداد الضّغط المحيط بالتّربة.

مقاومة التشوهات (Stiffness)

في العموم، تمتلك التّربة المجمّدة مقاومةً أكبر للتّشوّهات من التّربة غير المجمّدة.

نفاذية التربة أو التوصيلية الهيدروليكية (Hydraulic Conductivity)

تعتبر التّربة المجمّدة غير منفذةٍ للمياه، ممّا يجعل هذه الطّريقة قابلةً للتّطبيق في المشروعات المرتبطة بالمياه الجوفيّة والملوّثات تحت الأرضيّة.

التغير الحجمي (Volumetric Change)

يزداد حجم الماء الموجود داخل التّربة عند تحوّله إلى ثلجٍ تقريبًا بنسبة 90%، ممّا قد يؤدّي إلى حدوث انتفاشٍ لسطح التّربة. هذا الانتفاش، ربّما يؤدّي إلى أضرارٍ في المباني المجاورة لمنطقة التّجميد، نتيجة عمليّة التّجميد ومن ثمّ عمليّة الذّوبان مرّةً أخرى؛ والّتي ينتج عنها هبوطٌ في التّربة نتيجة الانكماش.

الإطار الزمني لعملية تجميد التربة

تعتمد المدّة الزّمنيّة لتنفيذ عمليّة تجميد التّربة على عدّة عوامل يعتبر من أهمّها نوع المادّة المستخدمة في التّجميد. كما ذكرنا، يلائم محلول كلوريد الكالسيوم المشاريع طويلة الأمد -من عدّة أسابيع لعدّة أشهرٍ-، أمّا النّيتروجين السّائل فيستخدم في المشاريع القصيرة -ربّما بضعة أيّامٍ- بسبب الحرارة المنخفضة للنّيتروجين السّائل؛ ممّا يجعله ملائمًا لعمليّات الطّوارئ. من العوامل الّتي تؤثّر في وقت التّجميد أيضًا: المسافة بين مواسير الحقن، حيث كلّما زادت المسافة بين المواسير، طالت المدّة الزّمنيّة لعمليّة التّجميد. وأخيرًا -وليس آخرًا- يؤثّر المحتوى المائيّ المتواجد في التّربة على المدّة الزّمنيّة لاكتمال التّجميد؛ فكلّما زاد المحتوى المائيّ طالت المدّة الزّمنيّة، وذلك لزيادة حجم الماء المراد تجميده داخل التّربة.[4]

رسم بياني يوضح العلاقة بين مدة التنفيذ والمسافة بين مواسير الحقن للطين والرمل باختلاف درجات الحرارة والمحتوى المائي

تكلفة عملية تجميد التربة

تختلف تكلفة عمليّة تجميد التّربة تبعًا لعدّة عوامل، مثل: الطّاقة المستخدمة في التّشغيل، وحجم التّربة المراد تجميدها، والعوائق الحقليّة المختلفة، والإطار الزّمنيّ للتّنفيذ، بالإضافة إلى المدّة المطلوبة لاستمراريّة النّظام، وبالطّبع نوع المادّة المستخدمة في التّجميد. قد تبدو عمليّة تجميد التّربة غالية الثّمن عند المقارنة المباشرة مع الطّرق الإصلاحيّة الأخرى، ولكن من خلال الخبرة العمليّة، يتبيّن أنّ عمليّة تجميد التّربة أوفر ماديًّا؛ وذلك نتيجة توفير الوقت للمشروع ككلٍّ، ممّا ينعكس على النّفقات الإجماليّة. وعمومًا، تعتبر موفّرةً مادّيًّا عند الاستخدام في المشاريع الضّخمة واسعة النّطاق أو معالجة الملوّثات طويلة الأمد. قد يكون من الصّعب تحديد التّكلفة الفعليّة لتجميد مترٍ مكعّبٍ من التّربة؛ وذلك بسبب تعدّد العوامل الّتي تحكم تقدير التّكلفة، ولكن كتقديرٍ تقريبيٍّ -من الخبرة العمليّة- قدّر أحد المهندسين الجيوتقنيّين عام 2014 سعر القدم المربّع من التّربة المجمّدة بين 30-60 دولار.[2][4][7]

مميزات وعيوب عملية تجميد التربة

تمتلك طريقة تجميد التّربة العديد من الميزات والّتي تجعلها إحدى الطّرق المنافسة لحلّ الكثير من المشكلات الإنشائيّة، ولكنّها على الصّعيد الآخر، تحتوي على عددٍ من العيوب الّتي لا تخلو منها أيّ طريقةٍ إصلاحيّةٍ أخرى. نستعرض هاهنا مميّزات وعيوب تجميد التّربة في نقاطٍ موجزةٍ.

مميزات تجميد التربة

أ- يعتبر تجميد التّربة طريقةً موفّرةً مادّيًّا عند الاستخدام للمشاريع كبيرة النّطاق، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الصّيانة.[7]

ب- تعتبر الطّريقة متعدّدة الاستخدامات، يمكن استخدامها في أعماقٍ مختلفةٍ، ولمعالجة كافّة أنواع التّربة، مثل: التّربة الحسّاسة أو ضعيفة القوام، كما يمكن استخدامها في مختلف الظّروف الموقعيّة الصّعبة، مثل: وجود كتلٍ صخريّةٍ كبيرةٍ في التّربة.[3][4]

ج- لا تحتوي عمليّة التّجميد على أيّ موادّ كيميائيّةٍ ضارّةٍ، وإنّما تُستخدم موادّ صديقةٌ للبيئة، مثل: محلول كلوريد الكالسيوم، والنّيتروجين السّائل.[8]

د- يمكن عمل حوائط أو كتلٍ من التّربة المجمّدة بمختلف الأشكال، وذلك بتغيير الأماكن والمسافات بين مواسير الحقن، ممّا يضفي عليها طابع تعدّديّة الاستخدام، ويجعلها صالحةً للاستخدام في مختلف التّطبيقات.[4]

الأشكال المختلفة لتجميد التربة: حائط، حلقة دائرية، كتلة مجمدة

عيوب تجميد التربة

أ- يحتاج تجميد التّربة إلى كمّيّةٍ كبيرةٍ من الطّاقة، ومعدّاتٍ متعدّدةٍ للتّجميد وموادّ التّجميد؛ ممّا قد ينعكس على التّكلفة في بعض المشاريع.

ب- يحتاج تنفيذ العمليّة إلى العديد من أنظمة المتابعة والتّحكّم، مثل: مقاييس متابعة درجة الحرارة، ومقاييس الانحراف، ومتابعة انتفاش وهبوط التّربة، وخواصّ المياه الجوفيّة، والضّغط داخل مواسير الحقن، بالإضافة إلى سمك الحائط أو الكتلة المجمّدة المطلوبة.

ج- قد يؤدّي عدم المتابعة الجيّدة للعوامل المذكورة سابقًا أثناء التّنفيذ إلى انهياراتٍ محتملةٍ.

د- تجب متابعة التّربة جيّدًا أثناء دورات التّجميد والذّوبان، لحدوث انتفاشٍ للتّربة أثناء التّجميد، ثمّ هبوطٍ أثناء الذّوبان، ممّا قد يؤثّر على المباني القريبة، وقد يؤدّي إلى كسر مواسير الحقن، وتسرّب مادّة الحقن خارج المواسير.[4]

تطبيقات تجميد التربة ومشاريع واقعية

توصّلنا فيما سبق ذكره إلى التّعدّديّة الّتي تتّسم بها طريقة تجميد التّربة، وإلى التّنوّع الكبير للتّطبيقات الّتي يمكن أن تُوظَّف الطّريقة فيها، وها هنا نستعرض أشهر هذه التّطبيقات، بالإضافة إلى بعض المشاريع الّتي طُبِّقت الطّريقة بها لحلّ مشكلةٍ معيّنةٍ.

إنشاء الآبار العميقة (Deep Shafts)

يُعتبر أكثر تطبيقات تجميد التّربة شيوعًا، وأوّلها استخدامًا لهذه الطّريقة كما ذكرنا في المقدّمة، حيث يتمّ عمل تجميدٍ حول محيط البئر -وهو النّفق الرّأسيّ كما ذكرنا-؛ وذلك لعمل تثبيتٍ للتّربة ومنع انهيارها أثناء حفر البئر، والتّحكّم في تسريب المياه بدلًا من أعمال سحب المياه، حيث أنّ لها عواقب بيئيّةٍ أخرى، أو تتطلّب معدّاتٍ معقّدةً غالية الثّمن.[8]

كمثالٍ على هذا التّطبيق، استُخدِم تجميد التّربة لعمل بئرٍ في مقاطعة «جيبسون» بولاية «إنديانا» الأمريكيّة، وذلك لتسهيل عمليّات التّعدين، والوصول إلى مناجم فحمٍ إضافيّةٍ.[10]

تطبيق تجميد التربة أثناء تنفيذ بئر مقاطعة «جيبسون»

أعمال الحفر المكشوف

يُستخدم تجميد التّربة لعمل حاجزٍ مقاومٍ للأحمال ومانعٍ لتسريب المياه حول منطقة الحفر المكشوف، ويتمّ عمل حاجزٍ منحنٍ حول المنطقة في معظم الحالات.

كمثالٍ على هذا التّطبيق، استُخدِم تجميد التّربة في مشروع دار الأوبرا في «برلين»، فقبل الشّروع في الحفر المكشوف استُبدلت بعض الخوازيق السّاندة للتّربة بأعمدةٍ من التّربة المجمّدة؛ وذلك لوجود مبنًى ملاصقٍ لمنطقة الحفر، ممّا جعل من الصّعوبة تنفيذ الخوازيق السّاندة في هذه المنطقة.[1][9]

استبدال الخوازيق الخرسانية بأعمدة من التربة المجمدة في مشروع دار الأوبرا ببرلين

صناعة الأنفاق

يستخدم تجميد التّربة بشكلٍ واسعٍ في صناعة الأنفاق، أو عمل الممرّات النّفقيّة الصّغيرة بين الأنفاق الكبيرة؛ حيث تُجمّد التّربة حول محيط النّفق المراد تنفيذه أسفل الطّرق أو السّكك الحديديّة، أو عمل الممرّات النّفقيّة بشكلٍ آمنٍ. تُستخدَم هذه الطّريقة هنا لضمان تدعيمٍ كاملٍ للتّربة أثناء الحفر، ومنع تسرّب المياه، ويحتاج الأمر إلى مجهودٍ مضاعفٍ إذا كان النّفق يقع أسفل منسوب المياه الجوفيّة، بالإضافة إلى وجود تربةٍ ذات نفاذيّةٍ عاليةٍ.[1][8][9]

كأمثلةٍ على هذا التّطبيق، استُخدِم تجميد التّربة على نطاقٍ واسعٍ؛ لتثبيت التّربة الضّعيفة أسفل خطوط السّكك الحديديّة؛ من أجل عمل ثلاثة أنفاقٍ ضمن ما يسمّى بمشروع «الحفر الكبير» في مدينة «بوسطن» بالولايات المتّحدة الأمريكيّة -وقد سبق أن تحدّثنا عن هذا المشروع في مقالٍ سابقٍ-. واستخدمت نفس الطّريقة أثناء تشييد «نفق الشّارع الأوّل» (First Street Tunnel)، وهو نفقٌ شُيّد في ولاية «واشنطن» لتخزين المياه، والتّخفيف من حدّة الفيضانات النّاتجة عن مياه الأمطار.[3]

تجميد التربة أسفل خط السكك الحديدية لعمل الأنفاق الثلاثة ضمن مشروع الحفر الكبير في مدينة بوسطن
تجميد التربة أثناء تنفيذ نفق الشارع الأول في ولاية واشنطن

وكمثالٍ على هذا التّطبيق في مصر، استُخدم تجميد التّربة أثناء عمل ممرّات الطّوارئ النّفقيّة بين نفقي الطّرق أسفل قناة السّويس، والّتي تُعرف «بأنفاق الإسماعيليّة»، حيث تمّ عمل اسطوانةٍ من التّربة المجمّدة حول الممرّات الأربعة الّتي نُفّذت في هذا المشروع.[1][5]

أعمال تجميد التربة أثناء عمل الممرات النفقية في مشروع أنفاق الإسماعيلية

ماكينات حفر الأنفاق

كامتدادٍ للفكرة السّابقة، يُستخدم تجميد التّربة أيضًا بالتّزامن مع ماكينات حفر الأنفاق العملاقة، حيث تُجمّد التّربة في مقدّمة ماكينة الحفر؛ وذلك لتأمين حركة الماكينة ومنع تسرّب المياه، مثل: خروج ماكينة الحفر من التّربة إلى المحطّات النّفقيّة أو العكس -كما يحدث في مشروعات مترو الأنفاق-. من الممكن أيضًا استخدام الطّريقة في حالات الطّوارئ المتعلّقة بماكينات الحفر، مثل: إنقاذ ماكينات الحفر العالقة.[1][5]

كأمثلةٍ على هذا التّطبيق، استخدم النّيتروجين السّائل لعمل حلقاتٍ من التّربة المجمّدة حول ماكينات الحفر العملاقة أثناء خروج الماكينة من محطّة مترو «أسكدار» في مدينة «إسطنبول» في «تركيا». أيضًا، استُخدم محلول كلوريد الكالسيوم لتكوين تربةٍ مجمّدةٍ حول إحدى ماكينات الحفر العملاقة، والّتي علقت أثناء تنفيذ الخطّ الثّالث من «مترو القاهرة الكبرى».[1] 

تجميد التربة أثناء دخول ماكينة الحفر العملاقة محطة مترو أسكدار في إسطنبول
أعمال تجميد التربة لإنقاذ ماكينة الحفر العملاقة أثناء تنفيذ الخط الثالث لمترو القاهرة الكبرى

خاتمة

كان هذا غيضٌ من فيضٍ، وقطرةٌ من بحر ما يمكن لعقول المهندسين أن تنتجه، عندما يتعلّق الأمر بإيجاد حلٍّ لمشكلةٍ ما، أو تحسين الطّرق المعتادة لتنفيذ الأمور. كان هذا طرحًا مختصرًا لإحدى الطّرق الّتي تستخدم لحلّ الكثير الكثير من المشكلات الإنشائيّة، والمشاكل الّتي تتعلّق بالتّربة، وتنفيذ الأنفاق، والتّعدين، والقائمة تطول. إنّه الإبداع المسمّى تجميد التّربة.

شارك المقال:

2 Responses

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي