تخزين البيانات الرقميّة على الحمض النووي

ghjthd.003-e1537432859149
|

في ظلّ تطوير الأجهزة الإلكترونية والهواتف وأقراص التخزين؛ أصبحنا لا نتوقف عن التقاط الصور وتسجيل الفيديوهات والذكريات التي نحب الاحتفاظ بها مدى الحياة، ولكن، هل يمكن تخزين هذه الوسائط على أجهزة تخزينٍ تعيش مدى الحياة أو على الأقل لعدّة قرون؟!

على مدى آلاف السنين، تطوّرت وسيلةٌ مذهلةٌ لتخزين المعلومات في الحمض النووي لتُخزّن ملايين المعلومات الوراثية ولبناء البروتينات، ولكن يمكن استخدام الحمض النووي لأغراضٍ أكثر من ذلك بكثير. إنّ الحمض النووي أكثر كثافةً بكثيرٍ من وسائط التخزين الحديثة، حيث يمكن أن تتناسب البيانات على مئات الآلاف من أقراص الفيديو الرقميّة مع حجم علبة الثقاب من الحمض النووي! بالإضافه لذلك، الحمض النووي أكثر عمرًا -يدوم لآلاف السنين- من الأقراص الصلبة اليوم والتي تستمر فقط لسنواتٍ أو عقود.

تعود فكرة تخزين البيانات الرقمية في الحمض النووي إلى عدة عقود، لكنّ أحدث الدراسات أظهرت أنّ التقدم في أساليب معالجة الحمض النووي الحديثة يمكن أن يجعلها ممكنةً وعمليةً اليوم.

تجهيز البيانات الرقمية لتصبح نيوكليوتيدات

تقوم وسائل التخزين الرقمية التقليدية مثل أقراص (CD) أو أقراص (DVD) بتخزين البيانات الرقمية عن طريق تغيير خواصّ مغناطيسيةٍ أو كهربائيةٍ أو بصرية، للتخزين على هيئه كودٍ رمزي من نظامٍ ثنائي يتكون من 0 و1 فقط، حيث يتم تخزين أي نوع وسائط (صورة، فيديو، موسيقى، نص) على هيئة كودٍ متكونٍ من 0 و1 فقط.

في حالة تخزين البيانات على الحمض النووي، فإنّ المفهوم هو نفسه بالضبط، ولكنّ العمليّة مختلفة. جزيئات الحمض النووي هي سلاسل طويلةٌ من جزيئاتٍ أصغر، تسمى النيوكليوتيدات والتى تتكون من الأدينين A، السيتوزين C، الثيمين T، الجوانيين G. وبدلًا من إنشاء تسلسلاتٍ من 0 و1 (كما في الوسائط الإلكترونية)، يتمّ تخزين المعلومات على الحمض النووي في صورة تسلسلاتٍ من هذه النيوكليوتيدات.

توجد عدّة طرقٍ للقيام بذلك، لكن الفكرة العامة هي تعيين أنماط البيانات الرقمية إلى نيوكليوتيدات. على سبيل المثال، يمكن أن تكون (00) مساويه لـ (A)، و(01) لـ (C)، و(10) لـ (T) و(11) لـ (G).

مثالٌ آخر ولكن على تخزين صورة، نبدأ بترميزها كملفٍ رقميّ مثل (JPEG)، ويتكون هذا الملف في الأساس من سلسلةٍ طويلةٍ من (0) و(1)، دعنا نقول أنّ الثمانية بت الأولى من الملف هي (01111000)، فنقسمها إلى أزواج (01) ،(11)، (10) ، (00)، والتي تتوافق مع (CGTA)، فيكون هذا هو الترتيب الذي نحوّله إلى نيوكليوتيدات لتشكيل شريط (DNA).

والآن لدينا الخطة لكيفية تخزين البيانات، القادم هو كيفية فعل ذلك في الواقع؟

تخزين البيانات

بعد تحديد تسلسل الملف الرقميّ وتحويله إلى نمط النيوكليوتيدات، يتمّ تصنيع تسلسل الحمض النوويّ حرفًا بحرفٍ بتفاعلاتٍ كيميائية؛ حيث يتمّ تشغيل هذه التفاعلات بواسطة مُعدّات (والتي تؤخذ من عبوّاتٍ محضرةٍ من A’s وC’s وG’s وT’s)، تمزجها في محلولٍ سائلٍ مع موادّ كيميائية أخرى للتحكم في التفاعلات التي تحدد ترتيب سلاسل (DNA) الطبيعية. وبهذا يمكن تحضير التسلسل الذى نريده من الحمض النوويّ.

وبمجرد إنشاء فرعٍ واحدٍ من الحمض النووي؛ يمكننا نسخه عدّة مراتٍ وتخزينه لنسخه احتياطيًا مرةً أخرى لتكوين عدة سلاسل من المعلومات التي نريدها، ولكي نحمي هذه السلاسل من التلف الناتج عن الرطوبة والضوء، نقوم بتجفيفها ووضعها في وعاءٍ يُبقيها باردةً وبعيدةً عن الماء والضوء.

لا تكون هذه البيانات المخزّنة مفيدةً إلا إذا استطعنا استردادها لاحقًا، ولذا، هذا ما نقوم به في الخطوة التالية.

قراءة البيانات مرة أخرى

لقراءة البيانات المُخزنة مرةً أخرى، نستخدم آلة تسلسلٍ مثل تلك المستخدمة في المختبرات لتحليل الحمض النووي الجيني في الخلايا، فيعمل على قراءة هذا التتابع، ممّا يُكوّن تسلسل حروفٍ لكل جزيء، وللشريط ككل، والذي نقوم بعد ذلك بفكّ تشفيره إلى تسلسلٍ ثنائيٍ يساوي  0 و1 بالترتيب.

في الوقت الحالي، تتطلب معظم أنظمة استرجاع الحمض النووي قراءة جميع المعلومات المُخزّنة في عينةٍ ما، حتى لو كنا نريد القليل منها فقط. والذى يشبه قراءة معلوماتِ القرص الصلب بالكامل لمجرّد العثور على رسالةِ بريدٍ إلكتروني واحدة. لذلك طوَّرنا تقنياتٍ -تعتمد على طرقٍ كيميائيةٍ حيويةٍ مدروسةٍ جيدًا- تتيح لنا تحديد وقراءة الأجزاء المحدَّدة فقط من المعلومات التي يحتاج المستخدم لاسترجاعها من تخزين الحمض النووي.

التحديات المتبقية

في الوقت الحاضر، يُعدّ تخزين الحمض النووي تجريبيًا، ويجب تحسين عمليات بناء الحمض النوويّ والقراءة، فهي عُرضةٌ للخطأ وبطيئة نسبيًا. على سبيل المثال، يتيح لنا تركيب الحمض النووي اليوم كتابة بضع مئات من البايتات في الثانية الواحدة؛ القرص الصلب الحديث يمكن أن يكتب مئات الملايين من بايت في الثانية الواحدة. قد تستغرق صورة iPhone العادية عدة ساعاتٍ لتخزينها في الحمض النووي، على الرغم من أن الأمر يستغرق أقل من ثانيةٍ لحفظها على الهاتف أو نقلها إلى الحاسوب.

هذه تحدياتٌ كبيرة، لكننا متفائلون، فجميع التقنيات ذات الصلة تتحسن بسرعة، بالإضافة لذلك لا يحتاج تخزين بيانات الحمض النووي إلى الدّقة الكاملة التي تتطلبها البيولوجيا، لذلك من المحتمل أن يجد الباحثون طرقًا أرخص وأسرع لتخزين المعلومات في أقدم نظامٍ لتخزين البيانات في الطبيعة.

ترجمة: بهاء علاء
مراجعة وتحرير: إسلام سامي، ونسمة المُحمَّدي
تدقيق لغوي: هاجر زكريا

المصدر

Storing Data in DNA Brings Nature into the Digital Universe – Scientific American [Internet]. [cited 2019 Apr 3]. Available from: https://www.scientificamerican.com/article/storing-data-in-dna-brings-nature-into-the-digital-universe/

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي