صحة الجهاز الهضمي عند الأم تحدد مدى خطورة إصابة الأطفال بمرض التوحد

GutBacteria_N1611_ts508697480

||

تقدم كلية الطب بجامعة فيرجينا ورقة بحثية جديدة تربط بين مدى خطورة إصابة الطفل بمرض التوحد والمايكروبايوم الخاص بالأم أثناء الحمل، والمايكروبايوم (بالإنجليزيّة: Microbiome) هي مجموعة الكائنات الدقيقة من بكتيريا وفطريات وغيرهم تعيش في جسم الإنسان دون أن تتسبب له بضرر مباشر. وهذا العمل يرفع احتمالية منع الإصابة بمرض التوحد عن طريق تحسين النظام الغذائي للأم أو تناولها للبروبايوتكس (بالإنجليزيّة: probiotics).

بالإضافة إلى تمكُّنهم -أي علماء جامعة فيرجينيا- من السيطرة على تطوُّر اضطرابات النمو العصبيَّة المشابهة للتوحُّد في فئران التجارب؛ وجد الباحثون أن بإمكانهم وقف المرض بمنع جزئ معين يساعد على ظهوره ويفرزه الجهاز المناعي الخاص بالأم، إن استهداف هذا الجزئ والذي يُسمي إنترلوكين-17  (بالإنجليزيّة: interleukin-17a) يقدم لنا طريقًا آخرَ محتملًا لتقليل احتمالية الإصابة بالمرض، ولكنهم مع ذلك يحذرون من هذا الاكتشاف العلمي وأنه قد يكون معقدًا بسبب خطورة الإصابة بأعراض جانبية.

يقول الباحث جون لوكنز من قسم علوم الأعصاب بالجامعة وقائد الفريق البحثي:

«لقد تأكدنا من أن المايكروبايوم الخاص بالأم هو أحد المساهمين الرئيسيين في تحديد مدى عرضة الطفل للإصابة بمرض بالتوحد، لذلك نقترح أنه ولتقليل نسبة حدوث المرض؛ علينا استهداف إما المايكروبايوم الخاص بالجهاز الهضمي للأم أو ذلك الجزئ الالتهابي الذي يفرزه الجهاز المناعي والذي يمكن استخدامه أيضًا كعلامة على التشخيص المبكر للمرض».

المايكروبايوم والتوحد

إن العمل الرائد لقائد البحث لوكنز وزملاؤه يلقي الضوء على العلاقة المعقدة بين صحة المايكروبايوم الخاص بالأم والنمو الصحي لأطفالها. يفسر لوكنز الأمر قائلًا:

«يمكن للمايكروبايوم الخاص بالأم أن يحدد طريقة تطور ونمو المخ لدى الطفل بعدة طرق، فالمايكروبايوم الخاص بالأم مهم جدًا لقياس كيفية استجابة الجهاز المناعي للطفل للعدوى أو الإصابة أو الإجهاد والضغط العصبي».

أما إذا كان مايكروبايوم الأم غيرَ صحيٍّ فإنه قد يسبب مشاكل كبيرة للطفل فيما بعد ويوضح لوكنز الأمر مفسرًا:

«بأن الأم التي تمتلك مايكروبايوم غير صحي يمكنها أن تنجب أطفالًا أكثر عرضةً وقابليةً للإصابة بالاضطرابات العصبيّة. ولقد وجد الباحثون أن الجزيء (Interleukin -17a) هو من أحد المسببات الرئيسية لظهور أعراض مرض التوحد لدى فئران التجارب».

أما عن الناحية الإيجابية في الأمر أنه يمكن تحسين مايكروبايوم الأمعاء لدى الأم عن طريق إما النظام الغذائي، أو تناول البروبايوتكس، أو حتى عملية زرع البراز (بالإنجليزيّة: fecal transplant)، فكل هذه الطرق تؤدي إلى استعادة التوازن الصحي بين مختلف الكائنات الدقيقة التي توجد في القناة الهضمية الخاصة بالأم.

يقول لوكنز:

«في إطار ما توصلنا إليه من نتائجٍ على فئران التجارب وسعينا لتطبيقه على الإنسان؛ أعتقد أن الخطوة المقبلة الهامة هي أن نحدد معالم وصفات المايكروبايوم الموجود في القناة الهضمية لدى الأم الحامل والذي يرتبط بخطورة إصابة الطفل بمرض التوحد، كما أعتقد أن الشيء المهم حقًا هو معرفة نوع الأشياء التي يمكن استخدامها لتحسين المايكروبيوم في الأم بطريقة آمنة وفعالة قدرالإمكان».

خيار آخر لمنع التوحد

يقول لوكنز:

«إن منع جزيء (interleukin-17a) يقدم لنا طريقًا آخر لمنع مرض التوحد ولكنه يحمل مخاطرة أكبر من طريق المايكروبايوم، لأنه إذا فكرنا سنجد أن الحمل ما هو إلا استقبال جسم الأم لأنسجة غريبة والتي هي الطفل، وكنتيجة فإن الحفاظ على صحة الجنين تتطلب توازنًا معقدًا لتنظيم الجهاز المناعي لذلك يخاف الناس من التلاعب بالجهاز المناعي للأم أثناء الحمل».

إن هذا الجزيء كان سببًا في حالات مرضيّة عدّة كالتهاب المفاصل الروماتيدي، والتصلب المتعدد، والصدفية، وكانت هناك أدوية تستهدفه بالفعل. ولكن يشير لوكنز إلى أهمية هذا الجزيء مفسرًا:

«أن هذا الجزيء له أهمية كُبرى في إيقاف العدوى خاصة العدوى الفطرية، وإن استهدافه ومنعه في جسم الأم سيجعل الجسم عرضة لكل أنواع الإصابة والقيام بذلك أثناء الحمل يمكنه أن يخلق موجة من الآثار الجانبية المعقدة على نمو وتطور الجنين لم يضعها العلماء في الحسبان».

ويحاول لوكنز وفريقه في خطواتهم المقبلة البحث عن الدور الفعال لجزيئات مناعيّة أُخرى في تطور مرض التوحد وحالات مرضية آخرى، مؤكدًا على أن جزيء (interleukin-17a) يمكن أن يكون مجرد قطعة بازل صغيرة في أحجية كبيرة.

في حين يربط لوكنز بين الجهاز المناعي وتطور الاضطرابات العصبيّة، فإنه ينفي مشددًا أيَّ علاقة بين اللقاحات وكونها تساهم في ظهور وتطور مرض التوحد، ويقول:

«هناك علاقة وطيدة بين استجابة الجهاز المناعي وتطور المخ، ولكنَّ اللقاحات ليس لها أي دورٍ والكلام عنها لا يزال مبكرًا».

المايكروبايوم هي مجموعة الكائنات الدقيقة التي تعيش بداخل الإنسان طبيعيًا مثل البكتريا، ويستمر العلم في الكشف عن دورها الحيوي وتدخلها في صحة الإنسان يومًا بعد يوم. توصل الباحثون بكلية الطب في جامعة فرجينيا إلى علاقة تربط بين المايكروبايوم الخاص بالأم الحامل وخطورة الإصابة بمرض التوحد أو الإضطرابات العصبية

إن عمل لوكنز وزملاؤه ليس سوى أحدث الأبحاث التي أجرتها جامعة فيرجينا للتحدث عن المايكروبايوم وعلاقته بصحة الإنسان، على سبيل المثال فإن أحد زملاء لوكنز من قسم علوم الأعصاب في الجامعة وهو ألبان غولتير وجد أن البروبايوتيكس التي توجد في الزبادي يمكنها أن تقاوم أعراض الاكتئاب.

ترجمة: فيروز محمد سعيد
مراجعة علمية: حسناء الدباوي
مراجعة لغوية: حمزة مطالقة
تحرير: نسمة محمود
المصدر

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي