تعلُّم الآلة: تطبيقات في الفيزياء الطبية والعلاج الإشعاعي للأورام

تعلم-الآلة

هل تتعرف مواقع التواصل الاجتماعي تلقائيًّا إلى وجهك؟[2]  هل رأيت روبوتات تؤلف مقاطع موسيقية كاملة؟[3]
نعم سيدي، نحن نتحدث عن (الذكاء الصناعي – Artificial intelligence) وعن (تعلُم الآلة – Machine Learning) وعن الثورة التكنولوجية التي ستغير العالم، أو التي تقوم بتغيير العالم بالفعل.
في السطور القادمة، سنذهب في جولة للتعرف أكثر إلى هذه التكنولوجيا التي تتطور بسرعة الصاروخ، وتطبيقاتها، تحديدًا في الفيزياء الطبية وعلم علاج الأورام بالإشعاع.

تعلُّم الآلة.. مهلًا! هل تقصد الذكاء الصناعي؟

دائمًا ما يخلط القارئ بين تلك المصطلحات، التي هي بالفعل مصطلحاتٌ متقاربةٌ إلى حدٍ كبير، وللتوضيح، فإننا عندما نتحدث عن الذكاء الصناعي، فإننا نقصد تقنية تطوير الخوارزميات الحاسوبية القادرة على محاكاة الذكاء البشري في التعلم واكتساب الخبرات[4]، أما تعلُم الآلة -الذي هو فرع من فروع الذكاء الصناعي- فيُعرفه (إيثم البايدن-Ethem Alpaydın)، أنه مجال «برمجة أجهزة الكمبيوتر لتحسين معيار الأداء باستخدام الأمثلة أو الخبرات السابقة» [5]

وقد تم استخدام هذه التقنية في التعلم في مجالات كثيرة، مثل: التعرف إلى الأنماط، وهندسة المركبات الفضائية، وعلم البيئة، والتطبيقات الطبية الحيوية.

يمكننا -إذًا- فهم تقنية تعلم الآلة على أنها تدريب أجهزة الكمبيوتر، للقيام بأداء مهامٍ عن طريق التعلم من البيئة المحيطة من خلال الأمثلة المتكررة.

 التعلم باكتساب الخبرة.. كيف يحدث هذا؟

إن الهدف من تعليم الآلة هو محاكاة الطريقة التي يتعلم بها البشر -وغيرهم من الكائنات- عن طريق معالجة الإشارات الحسية (مدخلات الحواس) من أجل تحقيق هدفٍ ما، وقد يكون هذا الهدف مهمًا في التعرف إلى الأنماط مثلًا ،التي يرغب فيها المتعلم – الآلة في حالتنا هذه-  كتمييز التفاح عن البرتقال مثلًا.
فمثلًا كل تفاحةٍ وبرتقالةٍ تكون فريدةً من نوعها، ونحن قادرون -عادةً- على تمييز أحدهما عن الآخر.
وتتعلم الآلة بالعديد من التمثيلات الدقيقة للتفاح والبرتقال، فيمكن برمجتها لتتعلم التمييز بينهما من خلال التجربة المتكررة لرؤية  تفاحٍ وبرتقالٍ حقيقيين.
هذا مثالٌ جيدٌ على (التعلم تحت الإشراف- supervised learning)، وهو نوعٌ من أنواع تعليم الآلة [6]، حيث يتم إقران كل مثالٍ لبيانات الإدخال مثل (اللون والشكل والرائحة، إلخ) مع تصنيفها المعروف (التفاح أو البرتقال)، فيُسمح للآلة بالتعامل مع أوجه التشابه والاختلاف عندما يكون للعناصر المراد تصنيفها، العديد من الخصائص المتغيرة ولكن لا يزال لديها صفات أساسية تحددها.
ينبغي إذًا أن تكون الآلة المتعلمة هي القادرة على التعرف إلى تفاحةٍ أو برتقالةٍ لم يسبق لها رؤيتها من قبل.

تطبيقات طبية متنوعة

شهدت خوارزميات تعلُم الآلة زيادةً في الاستخدام -بشكل عام- في الطب الحيوي، بدءًا بعلم الأعصاب وعلم النفس المعرفي، من خلال أعمال (دونالد هب) في كتابه عام 1949، الذي طور فيه مبادئ (التعلم الترابطي أو الهبيبي – associative or Hebbian learning) كآليةٍ للتكيف العصبوني[7]، بالإضافة إلى أعمال (فرانك روزنبلات) بتطوير (البيرسيبترون – perceptron)، وهو نوعٌ من خوارزميات التعلم تحت الإشراف، والذي يقوم بتصنيف المدخلات كعميل ذكي[8]. وقد تم تطبيق خوارزميات التعلُم الآلي في الآونة الأخيرة على نطاقٍ واسعٍ في التشخيص والكشف عن سرطان الثدي.[9]

وقد ركزت التطبيقات المبكرة لتعلُم الآلة في علم (علاج الأورام الإشعاعي – Radiation Oncology) على التنبؤ بالسُمّية الطبيعية للنسيج، ولكن تطبيقاته قد تفرعت منذ ذلك الحين إلى كل جزءٍ من هذا المجال، بما في ذلك قولبة استجابة الورم، وضمان الجودة الفيزيائية للإشعاع، وتخطيط العلاج، والعلاج الإشعاعي الموجه بالصور، بالإضافة إلى إدارة الحركة التنفسية.[10]

هناك ميزتان هامتان لخوارزمية التعلُم الناجحة، أولًا، يمكن أن تحل كبديل للمجهودات البشرية المضنية والمتكررة، وثانياً -والأكثر أهميةً- أنه يمكن أن تتعرف إلى أنماطٍ أكثر تعقيدًا ودقةً بشكل أكبر من الذي يستطيع المراقب البشري -متوسط الإمكانيات-  ​​فعله.
كل هذه المزايا مهمةٌ للعلاج الإشعاعي، فعملية التعرف إلى النمط -الذي يعتمد على معرفة وخبرة المراقب، مع ظهور التشريح في الصور التشخيصية- عند الاستهداف اليومي للأورام والأعضاء المعرضة للخطر، هى عمليةٌ مستهلكةٌ للوقت، على سبيل المثال. وتلك المعرفة والخبرة البشرية لها حدودها مع ذلك، وبالتالي، هناك عدم يقينٍ وتفاوتٌ بين الفاحصين أثناء عملية استهداف الأورام. يأتي هنا دور تقنيات تعلُم الآلة، حيث من الممكن أن تقوم خوارزميةٌ -من أجل استهداف الورم-  بالتقاط أجزاء من النسيج أو الشكل في صورة واحدة، أو دمج بياناتٍ من مصادر متعددةٍ في نفس الوقت، أو مزج تجربة العديد من المراقبين، وبالتالى تقليل عدم التيقن أثناء الاستهداف.[1]

أكثر من نصف المرضى المصابين بالسرطان يتلقون العلاج الإشعاعي كجزء من علاجهم، وهو من طرق العلاج الرئيسية في مراحل متقدمةٍ من المرض. يشتمل العلاج الإشعاعي على مجموعةٍ كبيرةٍ من العمليات التي لا تمتد فقط من الاستشارة إلى العلاج، بل أيضًا إلى أبعد من ذلك، وذلك لضمان حصول المرضى على الجرعة الإشعاعية المحددة والاستجابة لها بشكل جيد. يمكن أيضًا أن يختلف تعقيد هذه العمليات، فقد يشمل عدة مراحل من التفاعلات المعقدة بين الإنسان والآلة، التي من الطبيعي أن تدعو إلى استخدام خوارزميات تعلُم الآلة من أجل تحسين وإتمام هذه العمليات.[1]

أخيرًا: يجب القول  أن تقنية تعلُم الآلة تُقدم خوارزميات كمبيوتر قادرة على التعلم من البيئة المحيطة لتحسين حلول المهام المطروحة، كما أنها تعتمد على الخبرات المكتسبة من مجالاتٍ مختلفةٍ مثل الذكاء الاصطناعي، والاحتمالات والإحصاء، وعلوم الكمبيوتر، ونظرية المعلومات، وعلم النفس العصبي المعرفي، كما أن تعلُّم الآلة يتمتع بتاريخٍ طويلٍ في الطب الحيوي، ولكن تطبيقاته في الفيزياء الطبية وعلم علاج الأورام بالإشعاع لاتزال في مهدها، لكن مع إمكانياتٍ عاليةٍ ومستقبلٍ واعدٍ لتحسين سلامة وفاعلية العلاج الإشعاعي.[1]

 

إعداد: محمد يوسف

مراجعة :محمد جمال

تدقيق لغوي: هدى بلشقر

المصادر:

1- El Naqa I, Murphy MJ. What Is Machine Learning? In: El Naqa I, Li R, Murphy MJ, editors. Machine Learning in Radiation Oncology: Theory and Applications [Internet]. Cham: Springer International Publishing; 2015 [cited 2018 Oct 8]. p. 3–11. Available from: https://doi.org/10.1007/978-3-319-18305-3_1

2-Simonite T. Facebook Creates Software That Matches Faces Almost as Well as You Do [Internet]. MIT Technology Review. [cited 2018 Oct 6]. Available from: https://www.technologyreview.com/s/525586/facebook-creates-software-that-matches-faces-almost-as-well-as-you-do/

3- Mantaras RL de, Arcos JL. AI and Music: From Composition to Expressive Performance. 1 [Internet]. 2002 Sep 15 [cited 2018 Oct 6];23(3):43–43. Available from: https://www.aaai.org/ojs/index.php/aimagazine/article/view/1656

4- Mitchell TM. Machine Learning and Data Mining. Commun ACM [Internet]. 1999 Nov [cited 2018 Oct 6];42(11):30–36. Available from: http://doi.acm.org/10.1145/319382.319388

5-Alpaydin E. Introduction to Machine Learning. MIT Press; 2009. 580 p

6- Jordan MI, Rumelhart DE. Forward models: Supervised learning with a distal teacher. Cognitive Science [Internet]. 1992 Jul 1 [cited 2018 Oct 6];16(3):307–54. Available from: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/036402139290036T

7-The Organization of Behavior
A NEUROPSYCHOLOGICALTHEORY by  Google [Internet]. [cited 2018 Oct 8]. Available from: https://scholar.google.com/scholar_lookup?title=The%20organization%20of%20behavior%3B%20a%20neuropsychological%20theory&author=DO.%20Hebb&publication_year=1949

8- Rosenblatt F. The perceptron: A probabilistic model for information storage and organization in the brain. Psychological Review. 1958;65(6):386–408.

9- El Naqa I, Li R, Murphy MJ, Springer Science+Business Media. Machine learning in radiation oncology: theory and Applications. Cham [etc.: Springer; 2015.

10- Gulliford SL, Webb S, Rowbottom CG, Corne DW, Dearnaley DP. Use of artificial neural networks to predict biological outcomes for patients receiving radical radiotherapy of the prostate. Radiotherapy and Oncology [Internet]. 2004 Apr 1 [cited 2018 Oct 6];71(1):3–12. Available from: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S016781400300272X

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي