تمييز العقلية الانتحارية

suicide-graphic_123RF_71666362_s

تمييز العقلية الانتحارية

ينتحر أحدهم مُخلفًا وراءه موجة من التساؤلات المؤلمة للأقارب والأصدقاء: «ما الذي دفعه لذلك؟» أو «لماذا لم يطلب المساعدة؟»، أما أشدهم إيلامًا فيكون «هل كان هناك ما يمكن فعله لمنع ذلك ؟!». يميل العازمون على الانتحار إلى إخفاء نواياهم، وإنكار وقوعهم تحت سيطرة أفكارهم الانتحارية، مما يُصعّب من مهمة تبيّن الإشارات التحذيرية حتى على المختصين أنفسهم، مما حَدى بالخبراء إلى البحث عن إشارة واضحة وصريحة لتعرض الشخص لخطر الانتحار.

قام عالم النفس (ماثيو نوك-Matthew Nock) من جامعة هارفرد بالتعاون مع علماء نفس من جامعة هارفرد ومستشفى ماساتشوستس العامة (Massachusetts General Hospital) بإجراء بعض التعديلات على اختبار الربط الضمني (Implicit Association Test (IAT)) واستخدامه لتحديد العلاقة بين الحياة والموت وبين الإقدام على الانتحار، وقياس مدى فعاليته في توقع ذلك الخطر. يُستخدم اختبار الربط الضمني بشكل موسَّع لقياس الروابط التلقائية اللاواعِية التي ينشئها الناس حول مواضيع معينة. حيث يُعرض على المشاركين أزواجًا من الكلمات وتحدد سرعة إجابتهم ما إذا كانت في عقولهم مرتبطة معًا بشكل غير واعٍ. في نسخة اختبار الربط الضمني المستخدمة في هذه الدراسة، يُصنِّف المشاركون الكلمات المتعلقة بالحياة ك «التنفس»، الموت ككلمة «ميت»، وأنا كما في «ملكي»، ولست أنا ككلمة «هُم». حيث توحي الاستجابة السريعة لمحفزات «الأنا والموت» مقارنةً ِبمحفزات «الأنا والحياة» بوجود علاقة أقوى بين الموت والذات.

وقد شارك في هذه الدراسة أشخاصٌ ممن لجؤوا إلى غرفة الطوارئ النفسية لتلقي العلاج. حيث قاموا بإكمال اختبار الربط الضمني والعديد من اختبارات الصحة النفسية الأخرى. علاوةً على ذلك، تمت معاينة سجلاتهم الطبية مرة أخرى بعد ستة أشهر لتحديد إذا ما أقدموا على محاولات انتحار في هذه الفترة.

نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة (علم النفس- Psychological Science) -وهي مجلة تابعة لرابطة العلوم النفسية-، والتي صرّحت بأن المشاركين ممن نُقلوا إلى غرفة الطوارئ إثر محاولة انتحار لديهم علاقة ضمنية بين الموت والذات أقوى من أولئك المشاركين المصابين بحالات نفسية أخرى. بالإضافة إلى أن المشاركين ممن لديهم علاقة وثيقة بين الموت والذات كانوا أكثر عرضةً -بشكل ملحوظ- للإقدام على محاولة انتحار خلال ستة أشهر من أصحاب العلاقة الوثيقة بين الحياة والذات. تشير هذه النتائج أن وجود علاقة ضمنية بين الموت والذات قد يكون المؤشر السلوكي لمحاولات الانتحار. تشير هذه النتائج أيضًا أن مقاييس الإدراك الضمني قد تكون مفيدة في التوقع والكشف عن السلوكيات السريرية التي لا يتم الإبلاغ عنها.

يوضح ماثيو نوك ذلك قائلًا: «هذه النتائج مثيرة جدًا لأنها تتناول معضلة علمية وسريرية قائمة منذ أمد طويل من خلال تحديد طريقة لقياس الكيفية التي يفكر بها الناس حول الموت والانتحار بشكلٍ لا يعتمد على تقريرهم الذاتي.»، كما يُضيف: «إننا نأمل -في نهاية المطاف- أن تُمد هذه الورقة البحثية العلماء والأطباء بأدوات جديدة لقياس الكيفية التي يفكر بها الناس بتصرفات سلوكية سريرية حساسة قد يكونون غير راغبين أو غير قادرين على الإبلاغ عنها لفظيًا.»

يُضيف (مهزرين باناجي-Mahzarin Banaji) -الباحث المُساعد في هذه الدراسة وعالم النفس من جامعة هارفرد- أن هذا البحث يمثل حُجة قوية في الجدل المَطروح حول أهمية تمويل الأبحاث السلوكية الأساسية. ويقول موضحًا: «هذه النتائج هي خير مثال على كون الأبحاث الأساسية تساعد في حل مشكلة مقلقة ولها آثار مدمرة في كل مجتمع. لقد صُممت الطريقة التي استخدمناها لفهم العقل، ولكنها تحوّلت إلى تقنية يمكنها التنبؤ بالاضطرابات لعديدٍ من الأنواع. مما يدفع المرء للتساؤل لِما تبدو المؤسسات التمويلية التي من المفترض أن تعرف بشكل أفضل عن أهمية الأبحاث الأساسية ساذجةً جدًا عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات تخدم المصلحة العامة.»

ترجمة: إيناس الشبراوي

مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح

المصدر: http://sc.egyres.com/nHNSm

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي