تنشيط وتعطيل الجينات باستخدام المغناطيس، حقيقة أم خيال؟

magn

على مدى فترة طويلة من التاريخ الطبي كانت عملية مطابقة آلية عمل العقل البشري واستجابته تجاه التصرفات والعواطف عملية صعبة للغاية. أصبحَ هذا الأمر حقيقة فقط باستخدام طرق تكنولوجية معقدة منها علي سبيل المثال الجراحات الفصية. استطاع الباحثون الذين أزالوا أجزاء من المخ أن يلاحظوا نتائج مثل تلك العمليات الجراحية ومن الناحية الأخرى، كان على المرضى أن يتعايشوا مع النتائج.

استطاع علم البصريات الوراثي -الذي يستخدم الضوء في شكل ليزر لمعالجة الخلايا العصبية الفردية- أن يحسن الوضع قليلًا. ولكن هذه التقنية تعمل فقط على أجزاء المخ التي يصل إليها الضوء بسهولة، لذلك وُجب على علماء الأعصاب أن يضعوا كابل من الألياف العصبية حتى يتمكنوا من دراسة أي تركيب يُصعب الوصول إليه.

واستطاع مؤخرًا فريق بحثي من (جامعة فيرجينيا (University of Virginia- إثبات أنه يمكن استخدام مغناطيس للتحكم بتلك الخلايا العصبية المدفونة عميقًا داخل مخ الفئران. يمكن لمثل هذه التقنية أن توفر بديل غير جراحي لعلم البصريات الوراثي، ويمكنها أيضًا مساعدة هؤلاء الباحثين المتحسمين لمعرفة أسس العواطف، أو لمعرفة أسباب الاضطرابات المعرفية الإدراكية بصورة أوضح.

باستخدام هذه التقنية لتنشيط الجينات أو تعطيلها، استطاع الباحثون تتبع الدوائر العصبية وتحديد تلكَ السلوكيات والمشاعر التي تنتسب لمسارات محددة في المخ. وفي عدد السابع من مارس لمجلة الطبيعة      لــ (علوم الأعصاب (Nature Neuroscience-، قام فريق بحثي بقيادة عالم الكيمياء الحيوية )علي جولر Ali Guler   (بنشر نتائج البحث الذي أثبت صحة تلك التقنية.

وكان جولر على وعي بعيوب وتقصيرات الطرق الأخري للفحص، ولكنه أرادَ أن يكتشف وسيلة للتحكم بالخلايا العصبية عن بعد. وكانت فكرته هى إنشاء مماثلات جينية لتلكَ التقنيات المستخدمة في تغيير الوظائف الخلوية. فلو أنّ تعديلات بسيطة تمّ إجرائها على قنوات الكالسيوم، فإنّ تلكَ التعديلات يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في عمليات معقدة مثل انقباض العضلة وإفراز الهرمونات، لذا فقد تسائل جولر : لماذا لا يمكننا معالجة تلكَ المناطق التي يُصعب الوصول إليها في المخ إلا عن طريق التحول الجيني كمحفز؟

ومع أخذ هذه الاستراتيجية في الاعتبار، استطاع ابتكار آلة تربط بين الجين المسؤول عن بروتين (TRPV4)  (يُعتبر بمثابة الحارس على قنوات تبادل الأيونات)، والجين المسوؤل عن بروتين       Ferritin))  )يستخدم لإصلاح عنصر الحديد).

إنّ الربط بين الجينين بمثل هذه الطريقة، مكنَّ فريقه البحثي من سحب القنوات الأيونية ليتم فتحها أو دفعها لإغلاقها ببساطة عن طريق تقريب عنصر الحديد بجانب مغناطيس. يقول جولر أنه يوجد في الأساس مغناطيس بيولوجي في حجم النانوميتر. وقد أطلقَ عليها لقب) Magento)  نسبة إلى الشخصية الكوميدية لمارفل والتي لديها القدرة على خلق مجالات مغناطيسية بصورة جيدة.

(Magento : مولد كهربي صغير يحتوي علي مغناطيس دائم يُستخدم لإنتاج نبضات كهربية ذات جهد عالي، خصوصًا في أنظمة الاشتعال لمحركات الاحتراق الداخلي).

وفي تجربة بحثية، قامَ العلماء بجامعة فيرجينيا بوضع جينات -تمّ تصميمها خصيصًا- داخل فيروس وتحتوي تلكَ الجينات على Magento، وتمّ اُستخدمَ الفيروس كوسط انتقالي لعبور مركبات الجين الأكثر عرضة للحقل المغناطيسي للقشرة السفلية للمخ الأمامي(Striatum)  لستة فئران. وكان الهدف من هذه التجربة هو أن يعرفوا إذا ما كان بمقدروهم فتح وغلق البوابات الأيونية بطريقة يمكن معها محاكاة التأثيرات الممتعة للدوبامين. توجد الـ (Striatum) أسفل الجزء الأكبر المتجعد من المخ الأمامي، وأُثبت أنه من الصعب الوصول إليه بالطرق الأخرى. وإذا ما نجحت هذه التقنية فيمكنهم استخدام الـ Magento في أجزاء أخرى من المخ لمحاكاة تأثيرات الهرمونات والنواقل العصبية المختلفة. وكانت المجموعة التي تتم عليها الأبحاث وتم زرع Magento بداخلها تتكون من ست فئران.

وضعَ الباحثون 12 فأرًا داخل حجرة ممغنطة من ناحية واحدة، وكانت فرضيتهم تنص على أنّ الفئران التي تحمل Magento سوف تتدافع ناحية الجهة الممغنطة، ولذلك لأنّ القنوات الأيونية المفتوحة في القشرة السفلية لمخهم الأمامي سوفَ تمنحهم إحساس بالغ بالسعادة مثل الدوبامين. وبالفعل فإنّ كل الفئران الستة الذين يحملون Magento قضوا معظم وقتهم في الجانب الممغنط من الغرفة، في حين أن باقي الفئران الطبيعين بقوا في الجانب الغير ممغنط.

وعندما قاس جولر معدل استثارة الخلايا العصبية للفئران، وجدَ أنّ معدل الاستثارة بالفئران التي يُوجد بداخلها Magento والتي مكثت بالقرب من النهاية الممغنطة أعلي بكثير من معدل استثارة تلك الفئران الطبيعية (لا يوجد بداخلها Magento)، وهذا هو نفس التأثير المتوقع ظهوره مع الدوبامين الطبيعي.

يقول جولر »في المستقبل يمكن أن تُستخدم تلك التقنية لرسم خرائط للمسارات العصبية، التلاعب بالسلوكيات، وأيضًا مقارنة الخلايا العصبية في أجزاء مختلفة من المخ«. ويقول أيضًا »علي شاكلة استراتيجيات علم البصريات الوراثي، يمكن التعامل مع أي مجموعة خلايا عصبية تريد التحكم بها«.

قد تبدو تلكَ الأفكار غريبة، ولكن يجب أن تطمئن أنّ مثلَ تلك التقنيات ما زالت محصورة بين جدران المعامل حتى وقتنا الحالي. فتلكَ الجينات الاصطناعية والتي استجابت لمغناطيس جولر، تمّ تصميمها خصيصًا لهذا الغرض. أما المغناطيس قد لا يكون له نفس التأثير على الخلايا العصبية الطبيعية سواء في الإنسان أو الفئران.

المصدر : http://sc.egyres.com/4zgeb
ترجمة وإعداد: Hatem gamal
مراجعة: Sherif M.Qamar
تصميم: Wael Yassir

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي