الفيزياء قد تصنع المعجزات: توليد المجالات المغناطيسية وتبديدها عن بعد قد يكون ممكنًا

CTL2004_WEB_IMG_Wisconsin_SoftMaterial_MagneticField

اكتشف العلماء طريقةً لتكوين المجالات المغناطيسية وتبديدها عن بعدٍ.

تنطوي هذه الطّريقة على تشغيل التّيّار الكهربائيّ عبر نسقٍ خاصٍّ من الأسلاك لتكوين مجال مغناطيسيٍّ يبدو كما لو أنّه قد تولّد من مصدرٍ آخر. ولهذا الوهم تطبيقاتٌ حقيقيّةٌ: تخيّل دواءً للسّرطان يمكن توصيله مباشرةً إلى ورمٍ عميقٍ في الجسم عن طريق كبسولاتٍ مصنوعةٍ من جسيماتٍ نانويّةٍ مغناطيسيّةٍ. بالطّبع ليس بإمكاننا أن نلصق مغناطيسًا في الورم لإرشاد الجسيمات النّانويّة خلال رحلتها، ولكن ماذا لو تمكّنّا من تكوين مجالٍ مغناطيسيٍّ من خارج الجسم بحيث يتركّز مباشرةً على هذا الورم، فيمكن بسهولةٍ توصيل الدّواء دون إجراءٍ جراحيٍّ؟

تقلّ قوّة المجال المغناطيسيّ كلّما ابتعدنا عن المغناطيس، وتقضي «مبرهنة إيرنشو» المُثبتة في عام 1842م، بأنّ من غير الممكن خلق بقعة شدّة المجال المغناطيسيّ القصوى في الفراغ.

شرحت (روزا ماتش باتل) عالمة الفيزياء من مركز التّكنولوجيا الحيويّة النّانو-جزيئيّة التّابع لمعهد التّكنولوجيا الإيطاليّ بإيطاليا وهو المركز الّذي قاد البحث:

إذا لم نستطع وضع شدّة المجال المغناطيسيّ القصوى في الفراغ، فهذا يعني أن ليس بإمكاننا تكوين مجال المصدر المغناطيسيّ في مكانٍ بعيدٍ عنه، أي دون وضع مصدرٍ [مغناطيسيٍّ] فعليٍّ في الموقع المستهدف.

تحويل الفرضيّة إلى حقيقة

اعتقدت (ماتش باتل) وزملاؤها على الرّغم من ذلك أنّهم قد يتمكّنون من التّحايل على هذه المشكلة. لقد استلهموا من العمل في مجال علوم البصريّات استخدام الموادّ الهندسيّة المعروفة باسم الموادّ الخارقة (وهي موادّ مصمّمةٌ كي تتمتّع بخصائص غير موجودةٍ في أيّ مادّةٍ متاحةٍ بشكلٍ طبيعيٍّ)، الّتي كانت تستخدم في التّقنيّات البصريّة للتّغلّب على قيود الدّقّة الّتي يفرضها الطّول الموجيّ للضّوء. وبالمثل، اعتقدوا أنّ الموادّ المغناطيسيّة الافتراضيّة قد تصنع المستحيل في عالم المجالات المغناطيسيّة.

تصوّر الباحثون مادّةً ذات نفاذيّةٍ مغناطيسيّةٍ سالبةٍ تساوي -1 (وتشير النّفاذيّة المغناطيسيّة للمادّة إلى مقدار زيادة أو نقصان المجال المغناطيسيّ خلال المادّة عند تعرّضها لذلك المجال). في مادّةٍ ذات نفاذيّةٍ مغناطيسيّةٍ تبلغ قيمتها -1، يكون اتّجاه المغناطيسيّة المستحثّة خلال المادّة في عكس اتّجاه المجال المغناطيسيّ الأوّليّ.

بطبيعة الحال لن تكون الطّريقة الجديدة لتحفيز المجالات المغناطيسيّة بالاعتماد على موادّ غير موجودةٍ في الحقيقة مفيدةً بأيّ شكلٍ. ولكن على الرّغم من عدم وجود هذه المادّة الافتراضيّة ذات النّفاذيّة السّلبيّة، يستطيع الفيزيائيّون خلق نوعٍ من المحاكاة لمادّةٍ مؤقّتةٍ باستخدام التّيّار الكهربائيّ الّذي يمرّ عبر نسقٍ معيّنٍ من الأسلاك. ذلك لأنّ التّيّار يستحثّ المغناطيسيّة، والعكس صحيحٌ وفقًا لمعادلات ماكسويل للكهرومغناطيسيّة.

أوضحت (ماتش باتل):

في النّهاية، إنّنا لا نستخدم أيّ مادّةٍ، نحن نستخدم ترتيبًا دقيقًا للتّيّارات الكهربائيّة الّتي يمكن اعتبارها مادّةً خارقةً نشطةً.

لتوليد المجال المغناطيسيّ من مسافةٍ بعيدةٍ، ابتكرت (ماتش باتل) وفريقها أسطوانةً مجوّفةً مصنوعةً من حوالي 20 سلكًا تحيط بسلكٍ داخليٍّ طويلٍ. عندما يمرّ التّيّار الكهربائيّ عبر هذه الأسلاك، فإنّه يخلق مجالًا مغناطيسيًّا يبدو كما لو كان السّلك الدّاخليّ الطّويل خارج الجهاز بالفعل. إنّ مصدر المجال المغناطيسيّ هنا ليس من خارج الجهاز في الواقع، ولكن لا يمكن تمييز المجال نفسه عن المجال الّذي كان سينتج لو كان المصدر الفعليّ يقع خارج الجهاز. إنّه المكافئ الكهرومغناطيسيّ للاعب دمًى يتكلّم من بطنه [والتّكلّم من البطن، أو ما يسمّى برمي الصّوت، هو خدعةٌ ينفّذها بعض لاعبي الدّمى بأن يغيّر صوته بحيث يبدو صوته خارجًا من الدّمية].

صرّحت (ماتش باتل):

إنّنا نخلق وهمًا يوحي بوجود هذا المصدر المغناطيسيّ من بُعدٍ.

وقد نُشرت هذه النّتائج الّتي توصّل إليها الباحثون في 23 أكتوبر الماضي في مجلّة (Physical Review Letters).

التطبيقات الطبيّة

لا تزال هناك أسئلةٌ حول مدى نجاح هذه الطّريقة في التّطبيقات الواقعيّة. تتمثّل إحدى نقاط ضعف التّقنيّة في وجود منطقةٍ ذات مجالاتٍ مغناطيسيّةٍ قويّةٍ جدًّا بين أسطوانة السّلك والمجال النّاشئ على مسافةٍ منها.

تقول (ماتش باتل):

إنّ هذه المنطقة يمكن أن تتعارض مع بعض التّطبيقات البحثيّة، وعلى الرّغم من هذا فإنّ ما سيحدّد ما إذا كانت مشكلةً أم لا هو ما تحاول القيام به باستخدام هذا المجال.

تشمل التّطبيقات المحتملة بخلاف توصيل الدّواء، القدرة على إلغاء المجالات المغناطيسيّة عن بعدٍ، وهي تقنيّةٌ يمكن أن تكون مفيدةً في الحوسبة الكموميّة لتقليل التّشويش النّاشئ عن المجالات الخارجيّة الّتي يمكن أن تتداخل مع القياسات.

وقد يكون تحسين التّحفيز المغناطيسيّ عبر الجمجمة استخدامًا آخر لهذه التّقنيّة، حيث يُستخدم المغناطيس لتحفيز الخلايا العصبيّة في الدّماغ لعلاج الاكتئاب. ويمكن أن تؤدّي القدرة على التّحكّم في المجالات المغناطيسيّة عن بعدٍ إلى تحسين استهداف التّحفيز المغناطيسيّ عبر الجمجمة، بحيث يمكن للأطبّاء التّركيز بشكلٍ أفضل على مناطق معيّنةٍ في الدّماغ البشريّ.

يأمل الباحثون بعد ذلك في بناء تكوينٍ من الأسلاك يسمح بإنشاء مجالاتٍ مغناطيسيّةٍ ثلاثيّة الأبعاد عن بعدٍ.

شارك المقال:
2 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي