ثابت هابل: تقدير سرعة تمدد الكون

693753main_pia15818-43_946-710

يُعتبر ثابت هابل وحدة قياس يتم استخدامها لقياس معدل التمدد الكوني. فمن المعروف أن الكون يمر بعملية تمدد مستمرة منذ بداية نشأته وحتى الآن تكاد تكون لا نهائية؛ حيث كانت البداية منذ 13.82 مليار سنة، حين حدث أول انفجار نطلق عليه نحن البشر بالانفجار الكبير (the Big Bang)، والذي أطلق الشرارة الأولى لنشأة الكون وتمدده. وبدلًا من أن تقل سرعة عملية التمدد تلك، نجد أن الأمر عكسيٌّ تمامًا؛ فكلما زاد حجم الكون، نجد أن معدل تمدد حجم الكون في ازدياد هو الآخر بشكلٍ مستمر.

الأمر الآخر المثير بخلاف معدل التمدد المتزايد، هو النتيجة النهائية لعملية التمدد نفسها. طبقًا لما تخبرنا به وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، ففي حالة توقف تمدد الكون، هذا يعني أن هناك شيءٌ ما كان له السبب في كبح عملية التمدد تلك وإيقافها، الذي ربما يكون الكتلة المظلمة (dark matter)، التي لا يمكن رؤيتها حتى الآن بأي وسيلة معروفة. أما في حالة استمرار زيادة التمدد، فربما تكون الطاقة المظلمة (dark energy) هي الوقود المسبب لهذا الأمر.

أفادت عدة قياسات مأخوذة من عدة مراصد فضائية في شهر يناير من هذا العام، أن معدل التمدد الكوني يختلف تِبعًا للجزء الذي يتم النظر إليه. ففي الأجزاء القريبة إلينا التي يرصدها مِسبارا هابل وجايا (Hubble Space Telescope and Gaia space telescope) نجد أن معدل التمدد الذي تم قياسه يساوي 45.6 ميل في الثانية (73.5 كيلومتر/ثانية) لكل ميجا بارسخ (megaparsec) -الميجا برسخ هي مليون برسخ بمايعادل 3.3 مليون سنة ضوئية- لذلك نجد أن عملية التمدد تسير بمعدل جنوني للغاية.

اكتشاف ثابت هابل

تم افتراض ثابت هابل لأول مرة من قبل عالم الفضاء الأمريكي إدوين هابل (Edwin Hubble) -سُمي تليسكوب هابل نسبة إليه-  والذي كان مهتمًا بدراسة المجرات، خاصة تلك البعيدة عنا للغاية. وفي عام 1929 وبناءً على أحد افتراضات العالم (هارلو شابلي-Harlow Shapley) التي تقول أن المجرات تبدو كأنها تسير مبتعدة عن مجرتنا درب التبانة -اكتشف هابل أنه كلما زاد بعد المجرة، كلما زادت سرعتها في الابتعاد عنا- وفي حين ظن العلماء في ذلك الوقت أن المجرات هي التي تبتعد عنا، اكتشف علماء الفضاء في الوقت الحالي أن ما تمت رؤيته حقيقةً هو تمدد الكون نفسه. حيث يمكنك دائمًا رؤية هذه الظاهرة بنفس السرعة بغض النظر عن موقعك في هذا الكون.

مع مرور الزمن، تم تطوير نتائج هابل الأولية نتيجة تطور حساسية التليسكوبات المستخدمة في عمليات القياس كتليسكوب هابل وتليسكوب جايا (Gaia) -الذي قام بدراسة أحد النجوم المتحولة يسمى (Cepheid variables)- والعديد من أجهزة الرصد التي تقوم بتقدير قيمة ثابت هابل بناءً على بعض القياسات المتعلقة بإشعاع الخلفية الكوني (the cosmic microwave background) وهي عبارة عن كمية كبيرة من الحرارة تنتشر في الخلفية المحيظة بالكون، وأحيانًا يطلق عليها البعض وميض الانفجار الكبير.

النجوم المتحولة Cepheid variables

هناك العديد من الأنواع المختلفة من النجوم المتحولة، لكن يعد أكثرهم فائدة لنا في قياس ثابت هابل هو Cepheid variable، وهي نجوم لها بريق ثابت يتغير تدريجيًا في فترة تتراوح دائما مابين يوم إلى 100، يعد أشهر هذه القائمة النجم بولاريس (Polaris)، ويقوم العلماء بقياس المسافة بيننا وبين تلك النجوم عن طريق قياس نسبة التغيير في البريق الصادر منها.

كلما زادت شدة بريق النجم بالنسبة لنا، كلما كان من السهل قياس المسافة بيننا. بعض هذة النجوم يمكن رؤيته من المراصد الأرضية، إلا إنه يفضل دائمًا استخدام المراصد الفضاية لإعطاء قياسات أكثر دقة.

في حين تمكن العالم هابل من قياس المسافة بين أحد تلك النجوم، والتي قُدرت بـ 900 ألف سنة ضوئية -والتي تعد مسافة مذهلة آنذاك- والتي لازالت تعد قريبة نسبيًا من الأرض. لكن عند التعمق أكثر في الكون، نجد أن هناك العديد من هذه النجوم يكون خافتًا وتبتعد عنا بسرعة أكبر من غيرها. ولحل هذه المشكلة، كان لا بد من تدخل تليسكوب هائل يستطيع الغوص في هذه الأعماق، وهنا تدخل تليسكوب هابل حيث بدأ عمله في تسعينيات القرن الماضي، ثم جاء التلسكوب جايا الذي تمكن من عمل خريطة للأماكن وشدة لمعان مايقرب من مليار نجم. وقد ساد هذا الكم من المعلومات في تحديد قيمة ثابت هابل بشكل أوضح.

وعلى الرغم من كل هذا، يظل هذا النوع من القياس ليس الأفضل في تقدير المسافات في الفضاء، إذ إنه لا زال محاط بالكثير من المشاكل، يتضمن بعضها وجود العديد من هذه النجوم في أماكن مليئة بالأتربة والغبار الكوني، التي تعيق تصوير بعض الموجات الضوئية، إضافةً إلى زيادة بُعد النجوم عنا بزيد من صعوبة رصدها.

هناك العديد من التقنيات التي يتم استخدامها لدعم القياسات المأخوذة من النجوم المتغيرة Cepheid، مثل معادلة تولي-فيشر (Tully-Fisher relation) التي تربط بين البريق الناتج من المجرات الحلزونية وسرعة دورانها المحورية حول نفسها.

طبقًا للدكتور (شوكو شاكي-Shoko Sakai) الباحث في المركز القومي للرصد الفضائي:

«الفكرة في مجملها هي أنه كلما زاد حجم المجرة، كلما زادت سرعة دورانها. وهذا يعني أنه إذا تمكنا من معرفة سرعة دوران المجرة، يمكنك بواسطة تلك المعادلة أن تستنتج البريق الناصع للمجرة والذي يعد الإضاءة الفعلية للمجرة؛ ومقارنة هذه الإضاءة بالإضاءة الظاهرية الذي يتم رصده فعليًا بواسطة التليسكوب وبالتالي يمكنك معرفة البعد الحقيقي للمجرة».

طريقة أخرى لتقدير المسافات تتم بواسطة التليسكوبات الخاصة برصد اشعاعات الخلفية الكونية -مثل تليسكوب بلانك- وهي تعتمد على تقنية خاصة تقوم بفحص التغيرات التي تحدث في إشعاعات المايكرويف في خلفية الكون، ومن خلالها تستطيع تقدير قيمة الثابت.

 

المصدر

ترجمة: مجدي ممدوح محمد

مراجعة علمية: آية غانم

تدقيق: Wael Yassir

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي