بعدما تحدثنا عن المجرات ونشأتها وأنواعها وتطورها، لابد من الحديث عن أكثر المناطق نشاطًا وعنفا وأهمية في المجرة ألا وهو مركزها، تلك المنطقة التي غالبًا ما تكون متوهجة بشدة، عنيفة وديناميكية، ولا أبالغ إن قلت إنها تحكم المجرة بأكملها.
معظم المجرات تكون مختلفة في الشكل وتوزيع نجومها، إلا أن هناك شيئًا ما مشترك بينها، كل أجزاء المجرة تدور حول شيءٍ ما موجود في الوسط، ولقد احتار العلماء لسنوات كي يكتشفوا ذاك الشيء، لقد اكتشفوا ثقبًا أسود، وليس مجرد ثقب أسود بل هو ثقب أسود فائق الكتلة، لذلك دعونا نلقي نظرة على مركز المجرة لنتعرف أكثر على تلك الثقوب السوداء، فتابعونا.
ثقب أسود فائق الكتلة «SMBH»
لسنوات عديدة كان علماء الفلك يمتلكون دليلًا غير مباشر على وجود الثقوب السوداء فائقة الكتلة وهو الكوازارات «quasars»، لكنهم لم يتمكنوا من رصد واحدٍ بشكل مباشر نظرًا لأنها بعيدة جدًا عنا، كما لاحظ العلماء أن الكوازارات تنتج ومضات من الطاقة بشكل متغير باستمرار، منتجة طاقة أكثر بتريليونات المرات من التي تنتجها شمسنا، وضمن حجم يعادل حجم المجموعة الشمسية. إن الآلية الوحيدة القادرة على إنتاج مثل هذا القدر من الطاقة من تحويل الجاذبية إلى اشعاع يكمن في ثقب أسود فائق الكتلة.
لكن بالحديث عن دليل مباشر لتلك الثقوب السوداء، فيجب علينا ملاحظة سلوك المواد التي تدور في مركز المجرة، فالسرعات المدارية للنجوم والغازات الموجودة هناك والتي تحيط بنقطة ما، تشير إلى أن هناك جسمًا هائلًا ذو جاذبية قوية ضمن نطاق ضيق يقوم بتسريع المواد بشكل كبير في الفضاء، لذلك من المرجح بنسبة كبيرة أن يكون ثقبًا أسود فائق الكتلة.
من المعروف أن الثقوب السوداء العادية تكونت من انهيار النجوم الضخمة تحت تأثير جاذبيتها، إلا أن عملية تكوين الثقوب السوداء فائقة الكتلة غير معروفة تحديدًا، فالبعض يفترض أنها تكونت من انهيار سحب غازية عملاقة جدًا في مرحلة مبكرة من تكوّن المجرة، وفكرة أخرى تقول بأن الثقب الأسود ظل يستهلك الكثير من المواد طوال مليارات من الأعوام حتى وصل لثقب أسود فائق الكتلة، وواحدة اخرى تقول بأن هناك عدة ثقوب سوداء اندمجت حتى كوّنت ثقبًا أسود فائق الكتلة.
أيًا تكن آلية تشكلها، فإن معظم علماء الفلك متفقون على أن تراكم المواد حولها يؤدي إلى ما يسمى بمجرات ذات أنوية نشطة «Active Galactic Nuclei (AGN)».
مجرات ذات أنوية نشطة «AGN»
هناك بعض المجرات تنتج المواد الموجودة في مركزها إشعاعًا أكثر بكثير من باقي أجزاء المجرة، تنتج كميات كبيرة من الكوازارات على شكل نفاثات تخرج من المركز، وتلك المنطقة غالبًا ما تكون أصغر من حجم مجموعتنا الشمسية لكنها تضم ثقبًا أسود فائق الكتلة.
يمكن استخدام الأشعة السينية لمعرفة ما يجري هناك لأنها يمكن أن تخترق لمدى بعيد إلى مركز المجرة، وبالاعتماد على ملاحظات الأشعة السينية وغيرها، فإنها تعطينا تخمينًا جيدًا حول مصدر الطاقة هناك، أي ثقب أسود فائق الكتلة، فعلى الرغم من أن هذا الثقب الأسود لا يمكن رؤيته بشكل مباشر، إلا أن المواد المتسارعة حوله والمتساقطة تصبح حارةً أكثر وأكثر مع بعض من الطاقة الناتجة التي تصل إلينا.
إن العديد من AGN تشير إلى وجود نتوء ضخم من الغازات حول تلك الثقوب السوداء.
ثقب أسود فائق الكتلة في مركز مجرتنا
منذ أكثر من عشرين عامًا قام مجموعة من أعضاء «UCLA-Galactic Center Group (GCG)» بتحديد ومتابعة مواضع آلاف النجوم بالقرب من مركز المجرة، وعلى وجه التحديد تم متابعة اثنين من النجوم، الأول كان S0-2 ذو فترة مدارية تبلغ 15,56 سنة، والنجم S0-102 ذو الفترة المدارية 11,5 سنة، ويبعد النجم S0-2 حوالي 17 ساعة ضوئية عن مركز المجرة، أي ما يعادل 4 مرات المسافة بين كوكب نبتون والشمس، من هذه المعطيات المدارية يمكن معرفة كتلة الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا، ولكن ما هو هذا الثقب الأسود؟
إن الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا هو خير مثال للثقوب السوداء فائقة الكتلة، فهو يبعد عنا 25 ألف سنة ضوئية، وكتلته تعادل 4 مليون مرة كتلة الشمس.
هذه الصورة توضح مدارات النجوم في نطاق arcsecond1.0×1.0 في مركز مجرتنا، تعتبر هذا البيانات أفضل دليل على وجود ثقب أسود فائق الكتلة في مركز مجرتنا. كل نجم من هذه النجوم قد تم متابعة مساره منذ عام 1998 والذي وجد أنها تتبع على الأقل نقطة تحول واحدة تدور حولها بسرعة كبيرة.
إعداد: Mohammed Abkareno
مراجعة: Mohamed S. El-Barbary
المصادر:
“Active Galactic Nuclei.” Accessed May 11, 2016.
Supermassive Black Hole | COSMOS [Internet]. [cited 2016 May 11]. Available from:
UCLA Galactic Center Group [Internet]. [cited 2016 May 11]. Available from:
