جسر أوريسند.. إبداع هندسي

Peberholm

||||

هل جرّب أحدكم السير على أحد الجسور العابرة لمياه أحد البحار ومن تحته يسير أحد القطارات السريعة في الطابق السفلي للجسر، وإذا به يتفاجأ أثناء رحلته على الجسر أنه لا يرى أشعة الشمس؛ ليجد الطريق أصبح يمر خلال المياه؟!
حسنًا، إنها ليست قصة من نسج الخيال! إنما هو جسر أوريسند الرابط بين السويد والدنمارك.

Oresund  Bridge - Malmo, Sweden

نظرة هندسية

إليكم نظرة هندسية للمشروع في عدة نقاط:

  • هو جسر يربط بين السويد والدنمارك، يبلغ طوله الإجمالي 7884 مترًا أي ما يقارب ثمانية كيلومتر، وبه جزء منشأ كجسر معلق مركب به مسار للسيارات ومسار للقطارات، هو الأطول فى العالم، كما أنَّ هذا الجسر خلق منطقة يسكنها حاليًا ما يقارب من 3.7 مليون نسمة.
  • تم تصميم هذا الجسر من قبل شركة هندسية دنماركية (COWI) وكان المهندس المعماري الرئيسي لهذا المشروع هو جورج ك.س. روتنا (George K.S. Rotne).
  • اِستمر بناء الجسر حوالي ست سنوات، من عام 1994 وحتى العام 2000.
  • يمتد هذا الجسر لمسافة 7884 مترًا -كما ذكرنا مسبقًا- تقع منهم مسافة 3739 مترًا ناحية السويد و3013 مترًا ناحية الدنمارك.
  • يتكون منشأ الجسر من جزء معلق مركب من طابقين أحدهما -وهو العلوي- مسار للسيارات والأخر -وهو السفلي- مسار للقطارات وهذا الجزء بطول 490 مترًا ويرتبط به من الطرفين أجزاء انشائية بأطوال بحور 160 مترًا و 141 مترًا، ويرتفع الجسر 57 مترًا فوق مستوى البحر.
  • يوجد برجين ضخمين بطول 204 مترًا هما المسؤولان عن حمل الجزء المركب ذو الـ 490 مترًا بطريقة الكابلات المعلقة.
  • العارضة الطولية الحاملة للجزء المعلق المركب هي عنصر إنشائي مركب من المعدن والخرسانة.
  • الطابق العلوي المخصص للسيارات منقسم إلى حارتين للسيارات وحارة إضافية للطوارئ، أمّا الطابق السفلي فيتكون من مسارين للقطارات.
  • فيما يخص الأجزاء الإنشائية ذات الأطوال المقاربة لـ 140 مترًا فهي تتكون من (جمالون) معدني مدمج به الطابق العلوي المخصص كمسار للسيارات وهو أرضية خرسانية مدعمة بعوارض (كمرات) معدنية بعرض الطريق، والطابق السفلي المخصص كمسار للقطارات ذا أرضية خرسانية.
  • أغلب الأجزاء الإنشائية للجسر، بما فيها الركائز الحاملة والبحور التي تمثل مسارات السيارات و القطارات، مصبوبة ومنشأة خارج موقع العمل وتم نقلها وتركيبها بشكل مسبق باستخدام رافعة عائمة كبيرة، باستثناء البرجين الضخمين فقط تم صبهما في موقع العمل وليس خارجه.

الحلم أصبح حقيقة

Released to Public: Oresund Bridge from Denmark to Sweden by Official Team (NASA)

لكن مهلًا، ففكرة إنشاء وسيلة ربط لتعبر مضيق أوريسند المائي هي فكرة ليست بالجديدة؛ فمنذ قرون مضت مثَّل هذا المضيق المائي عقبة أمام حركة المرور ونقل البضائع بين السويد والدنمارك، كما أنه مثَّل حاجز نفسي؛ لأن صعوبة الرحلة أعاق حركة التجارة وتكوين علاقات أقرب.

مع اِرتفاع الحركة الصناعية والعلاقات الدولية في أوروبا، أصبحت فكرة إنشاء وسيلة ربط معقولة ومنطقية، فمع مطلع القرن العشرين تم تقديم الكثير من المقترحات في هذا الشأن، ولكن مع ضعف التمويل والدعم السياسي لم تغادر هذه المقترحات لوحات الرسم ولم تتقدم خطوة للأمام.

ومع الاستقرار السياسي والاقتصادي على صعيد السويد والدنمارك وذلك بنهاية القرن العشرين، تهيأت الأمور بشكل جيد ليعود المشروع مطروحًا؛ ليتحول الحلم إلى حقيقة وذلك مع تكون روابط أقوى تطلبت تقارب أكثر بين الدول الإسكندنافية والقارة الأوروبية.

قرار بناء الجسر بين (كوبنهاجن) و(مالمو) بديلًا عن بناؤه بين (هيليسينكور) و(هلسينجبورج) جاء بناءًا على الرغبة في التقريب بين العاصمتين لكلا البلدين على جانبي منطقة أوريسند، وكتخطيط على المدى البعيد، وجود الجسر بالقرب من مطار كوبنهاجن لعب دورا هامًا.

إدارة مشتركة

شركة جسر أوريسند هي شركة مملوكة من قبل كلا الطرفين السويدي والدنماركي، وتم تأسيسها كمالك ومشغل للجسر، كما أنها المسؤولة عن توفير رحلات سريعة وآمنة ومريحة للمسافرين، وتقديم أسعار تنافسية للعملاء من القطاع الخاص والشركات.

كما أن الشركات الأم لشركة أوريسند هي الشركة الدنماركية أ/س أوريسند (A/S Øresund) و الشركة السويدية سفينسك-دانسكا بروفوربيندلسن، سفيداب أب (Svensk-Danska Broförbindelsen, SVEDAB AB)، حيث أن هاتين الشركتين قد قاما ببناء وتمويل البنية التحتية للمناطق النائية بالسويد والدنمارك.

وفي إطار التفاهم بين الدولتين، يحق لشركة جسر أوريسند فرض الرسوم وتحصيلها من قبل مستخدمي الجسر، كما يجب أن تغطي الإيرادات نفقات التشغيل وقيمة الفوائد والقيمة اللازمة لسداد الديون التي تمّ جمعها لإنشاء وصلة العبور بين الساحلين والأعمال المقامة على كلا جانبي ممر أوريسند.

الحقيقة أن مؤسسة جسر أوريسند هى شركة دنماركية – سويدية بالتالي يتم استخدام كلا اللغتين الدنماركية والسويدية وذلك احترامًا لمبدأ التواصل مع العملاء وتفهمًا لطبيعة التكامل المتواجدة بين الطرفين.

جزيرة (بيبرهولم)

Saltholm-oresund

للربط بين الجسر والنفق تم بناء جزيرة (بيبرهولم) الصناعية، حيث يتوازى مسار السيارات ومسار القطارات جنبا إلى جنب، وهي مجاورة لجزيرة (سالتهولم) الطبيعية من جهة الشمال، بطول أربعة كيلومترات، تم بناء الجزيرة من ناتج أعمال الحفر والنحر في قاع مياة مجرى أوريسند لتهيئة المسار للنفق البحرى وركائز الجسر.

فكرة إنشاء الجزيرة، جاء لتمكين وتسهيل حركة المرور بين الجسر، حيث السيارات والقطارات تسير في مستويين مختلفين، والنفق حيث مستويات السيارات والقطارات في نفس المستوى.

كما أنَّ النفق ذو الطول أربعة كيلومترًا، تم بناؤه باستخدام أجزاء إنشائية خرسانية مسبقة الصب خارج منطقة العمل، ثم تم نقلها و تجميعها لتكوِن شكل النفق داخل خندق تم حفره مسبقًا في قاع ممر أوريسند المائي.

جزيرة بيبرهولم الصناعية لم تربط فقط بين الجسر والنفق، بل أنه تركت لتنمو نباتات وحيوانات بحرية تامة وبدون تدخل بشري، فأصبحت مقصد لعلماء الطبيعة من السويد والدنمارك.

منذ إنشاء جزيرة بيبرهولم، حددت جمعية لوند المختصة بالنباتات أكثر من 500 نوع من النباتات، وعلى الرغم من تواجد شجر البتولا ونبات السالو وشجر البلوط وخشب الزان ونبات الصفصاف كلهم على الجزيرة، إلّا أن الرياح القوية أعاقت نموهم، كما أن متحف (كوبنهاجن) للحيوان قد جمع مجموعة من الخنافس والفراشات لوضعهم على الجزيرة.

كما أن أرض جزيرة بيبرهولم هي تربة خصبة تجتذب الطيور وتعتبر مأوى وموطن للضفادع الخضراء النادرة، كما أنها موطن لبعض العناكب والحشرات النادرة.

عامل الأمان

لتعبر جسر أوريسند يستغرق الأمر حوالي 10 دقائق، وتدفع المركبات رسوم العبور في محطة (ليرناكن) الكائنة في الجهة السويدية، كما أن مسار القطارات من المسارات الهامة لجسر أوريسند، حيث أن حوالي ثلثي الرحلات تتم عبر القطار، حيث أن رحلة القطار المتجه من (مالمو) إلى (كوبنهاجن) تأخذ نحو 35 دقيقة.

تتواجد وحدتين لمراقبة الحركة المرورية، متواجدتين في مركز الحركة المرورية و ذلك بعد محطة (ليرناكن) لتحصيل الرسوم، وتستخدم هذه الوحدات نظام متكامل من كاميرات المراقبة (CCTV cameras)، بالإضافة إلى نظام إنذار لمراقبة حركة المرور والاستعداد لأي حالة طوارئ…كما أن السرعة المحددة للسيارات داخل النفق هى 90 كم/ساعة داخل النفق، و 110 كم/ساعة بأي مكان أخر على طول الجسر.

أما عن الطوارئ، فعند حدوث أي طوارئ فيمكن اِستدعاء المساعدة من خلال استعمال الهواتف الموجودة على طول الجسر.كما أنَّ النفق مُزوّد بمخارج للطوارئ وغرف إنذار موزعة كل 88 متر، والتي تحتوي على تجهيزات للطوارئ مثل هاتف للطوارئ وطفايات للحريق وأجهزة إنذار للحرائق.

3.7 مليون نسمة

الربط بين (سكانيا) و(زيلاند)، فوجود جسر أوريسند قد خلق منطقة بعدد سكان بلغ 3.7 مليون نسمة.

فقد أصبح من السهل المعيشة لأحدهم على أحد الجوانب من الجسر و الانتقال لمقر عمله بالجانب الأخر، ونتيجة لذلك فقد زادت التنقلات باستخدام القطارات والسيارات منذ افتتاح الجسر، مما سهل علي عدد كبير من الدنماركيين الانتقال إلى (سكانيا).

نلاحظ زيادة قوية لإيرادات التنقلات المرورية عبر جسر أوريسند بنسبة 4.6% للفترة بين يناير إلى سبتمبر 2016، حيث أن الإيرادات الكلية 818 مليون كرونة دنماركية، ثم من بعد زادت بواقع 86 مليون كرونة دنماركية.
كما نلاحظ الزيادة الواضحة لمعدل التنقلات المرورية باستخدام الجسر لنفس الفترة من العامين2016 عنها في 2015.

العديد من الأنشطة الثقافية والترفيهية التسوق والأنشطة الخارجية التي يتم ممارستها في نطاق منطقة نصف قطرها حوالي 100 كيلومتر.

كما أن كثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية تعمل من خلال جامعة أوريسند، التي هي واحدة من أكبر جامعات أوروبا، والتي توفر كثيرًا من الفرص للطلاب.

كما أن قطاع الأعمال يستفيد من خلال واحدة من أقوى الأسواق المنزلية في شمال أوروبا، حيث أن (كوبنهاجن/مالمو) أصبحت المركز الشمالي لعدد كبير من الشركات العالمية.

أضف إلى ذلك أن التسويق الدولي لمنطقة أوريسند أضاف الكثير من القوة إلى إيرادات صادرات الشركات، فضلًا عن جذب العديد من فرص العمل الجديدة إلى تلك المنطقة.

تواريخ من عمر جسر أوريسند

23 مارس 1991 الجانبين السويدي والدنماركي يوقعان اتفاقية لبناء جسر أوريسند.
16 سبتمبر 1993 البدء على أرض العمل الدنماركية للأجزاء اللإنشائية والتي تشمل ثمانية كيلومترات من مسارات السيارات و18 كيلومترًا من مسارات القطارات.
أغسطس 1995 العمل علي الوصلة الساحلية والتي بدأت بأعمال حفر لقاع ممر أوريسند المائي.
1 أبريل 1997 نقل أول برج من البرجين الضخمين من مالمو إلي موقع العمل ليستقر على أرض تأسيس تم حفرها بعمق 17 مترًا تحت مستوى قاع المياه.
8 أغسطس 1997 تحرك القطعة الأولى من أصل 20 قطعة الخاصة بالنفق، من المصنع القائم بميناء كوبنهاجن الشمالي إلى دروخدين لتستقر في النفق المحفور مسبقًا في قاع المياه.
16 مارس 1999 اكتمال أعمال النفق وتسيير أول سيارة بداخله.
14 أغسطس 1999 استقرار أخر قطعة إنشائية من الجسر في مكانها؛ لتظهر ملامح الحلم وتتجلى لتصبح حقيقة.
1 ديسمبر 1999 تركيب القطاع الأخير من مسار القطارات الواصل بين مالمو وكوبنهاجن.
9-12 يونيو 2000 إتاحة جسر أوريسند للمارة والمسافرين، وحضور لمئات الآلاف من المواطنين لخوض هذه التجربة للعبور خلال أيام (الجسر المفتوح).
1 يوليو 2000 الافتتاح الرسمي لجسر أوريسند.
31 ديسمبر 2004 للمرة الأولى الحسابات السنوية للجسر تظهر انخفاضًا ملحوظًا لأعباء الفوائد بما يقارب 20 بليون كرونة دنماركية.
1 يوليو 2005 جسر أوريسند يحتفل بعيده الخامس، حيث زادت كثافة المرور بنسبة 74% عن عام الافتتاح.
11 يناير 2009 انفراد شركة (Danish DSB) بتشغيل مسار القطارات بعد أن كان مسندة لشركتي (Danish DSB) و(Swedish SJ).
1 يوليو 2010 جسر أوريسند يحتفل بمرور تسعة أعوام على افتتاحه.

 

إعداد و ترجمة : محمد يونس.

تدقيق لغوي: محمود الدعوشي.

مراجعة علمية: أحمد الشربيني.

 

المصادر

http://sc.egyres.com/eO94y

http://sc.egyres.com/1iQqn

http://sc.egyres.com/MxqEh

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي