كانت حرب فيتنام، والمعروفة أيضًا باسم حرب الهند الصينيّة الثانيّة، نزاعًا في فيتنام ولاوس وكمبوديا من 1 نوفمبر 1955 إلى سقوط (سايغون-Saigon) عاصمة فيتنام الجنوبية في 30 أبريل 1975، حيث كانت الحرب بين شمال فيتنام وجنوب فيتنام، إذ كانت شمال فيتنام مدعومة من قبل الاتحاد السوفيتيّ والصين وحلفاء شيوعيين آخرين، وكانت جنوب فيتنام مدعومة من قبل الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبيّة، والفلبين، وأستراليا، وتايلاند، وحلفاء آخرين من المناهضين للشيوعية.
وكانت المنظمات العسكريّة الأساسيّة المشاركة في الحرب هي القوات المسلحة الأمريكيّة والجيش الجمهوريّ الفيتناميّ، ضد الجيش الشعبي الفيتنامي (PAVN) والجبهة الوطنيّة لتحرير فيتنام الجنوبيّة (فيت كونغ). وقد اعتبر البعض هذه الحرب حربًا بالوكالة في حقبة الحرب الباردة، والتي استمرت 19 عامًا، وانتهت المشاركة الأمريكيّة المباشرة في الحرب عام 1973، وشملت حرب فيتنام، الحرب الأهليّة اللاوسيّة وكذلك الحرب الأهلية الكمبوديّة، والتي انتهت بأن تصبح الدول الثلاث شيوعية في عام 1975.(1)
لمحة عن حرب فيتنام
بالنظر إلى جذور هذا الصراع، نجد أن الصراع نشأ مٌنذ حرب الهند الصينيّة الأولى بين الفرنسيين وقوات (فيت مين-Viet Minh) الشيوعيّة، وهي مجموعة تشكّلت بواسطة هو شي منه في عام 1941 بهدف استقلال فيتنام عن فرنسا. وبعد انسحاب الفرنسيين من حرب الهند الصينيّة في عام 1954، بدأت الولايات المتحدة في تقديم الدعم الماليّ والعسكريّ للدولة الفيتناميّة الجنوبيّة.(2) وبدأت الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة بـ(الفيت كونغ)، وهي جبهة فيتناميّة جنوبيّة كانت مدعومة من فيتنام الشماليّة، حرب عصابات في الجنوب.
ممر هو تشي منه
وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضيّ، غزت فيتنام الشماليّة لاوس لدعم المتمردين، وإنشاء (ممر هو تشي منه-Ho Chi Minh trail) لاستخدامه لأغراض التسلل والإمداد.(3)وفي عهد الرئيس جون كينيدي تصاعد التدخل الأمريكيّ من خلال برنامج المجموعة الاستشاريّة للمساعدة العسكريّة (MAAG)، والذي يقوم على إرسال مستشارين عسكريين أمريكيين إلى دولٍ أخرى ومن أشهرها كانت تلك النشطة في جنوب شرق آسيا قبل وأثناء حرب فيتنام، حيثُ ارتفع عدد المستشارين من أقل من ألف مستشار عسكريّ في عام 1959 إلى 16 ألف مستشار في عام 1963.(4)
وبحلول عام 1963، أرسل الفيتناميون الشماليون 40 ألف جندي للقتال في جنوب فيتنام، حيثُ كانت فيتنام الشماليّة مدعومة بشدة من قبل الاتحاد السوفياتيّ وجمهورية الصين الشعبيّة.(5) كما أرسلت الصين مئات من جنود جيش التحرير الشعبيّ الصينيّ إلى فيتنام الشماليّة للخدمة في الدفاع الجويّ.(6) وفي حادثة خليج تونكين، في أغسطس 1964، زُعِم أن مُدمِرة أمريكيّة اشتبكت مع مركبة هجوم سريعة فيتناميّة شماليّة. وردًا على ذلك؛ أقر الكونجرس الأمريكيّ قرار خليج تونكين ومنح الرئيس “ليندون جونسون” سلطة واسعة لزيادة الوجود العسكريّ الأمريكيّ في فيتنام.
وعليه، أمر جونسون بنشر وحدات قتاليّة في فيتنام لأول مرة ورفع مستوى القوات إلى 184 ألف جندي.(7) وبعد هذه الحادثة، انخرط الجيش الشعبيّ لفيتنام (PAVN) في حرب تقليديّة مع القوات الأمريكيّة والقوات الفيتناميّة الجنوبيّة. وعلى الرغم من التقدم الضئيل في الحرب، واصلت الولايات المتحدة حشد القوات بشكل كبير. وبنهاية عام 1966، بدأ وزير الدفاع الأمريكي روبرت ماكنمارا، أحد المهندسين الرئيسيين للحرب، بالتعبير عن شكوكه في النصر.(8)
في عام 1969، وبعد انتخاب الرئيس الأمريكيّ ريتشارد نِيكسون، بدأت سياسة «الفتنمة-Vietnamization» لإنهاء التدخل الأمريكي في حرب فيتنام.(9) وبحلول عام 1972، انسحبت القوات البريّة الأمريكيّة إلى حدٍ كبير وكان الدعم مقتصرًا على الدعم الجويّ ودعم المدفعية والمستشارين، وأدت اتفاقيات باريس للسلام في يناير 1973 إلى انسحاب جميع القوات الأمريكيّة.
وفي 15 أغسطس 1973، أقرّ الكونجرس الأمريكيّ قانونًا أنهى رسميًا التدخل العسكريّ الأمريكيّ المباشر في حرب فيتنام. ولكن، استمرَ القتال لمدة عامين آخرين، وفي 15 أبريل 1975، سقطت بنوم بنه عاصمة كمبوديا في يد الخمير الحُمْر، وفي 30 أبريل، سقطت سايغون، عاصمة نظام جنوب فيتنام الموالي للولايات المتحدة، في يد الجيش الشعبيّ الفيتناميّ؛ وكانت هذه بمثابة نهاية الحرب، وتم توحيد فيتنام الشماليّة والجنوبيّة في العام التالي.
كان حجم القتال هائلًا، حيثُ أنه بحلول عام 1970، كان الجيش الفيتناميّ الجنوبيّ هو رابع أكبر جيش في العالم، ولم يكن الجيش الشعبيّ الفيتناميّ متخلفًا عنه بكثير إذ كان الفارق بينهما مليون جنديّ نظاميّ. وكلفت الحرب تكلفة بشريّة هائلة، حيثُ يُقَدَر عدد الجنود والمدنيين الفيتناميين الذين قُتِلوا بين 966 ألف إلى 3.8 مليون، منهم حوالي 275 ألف كمبوديّ، و20 ألف من اللاوسييّن، و58 ألف و220 جنديًا أمريكيًّا ماتوا أيضًا في الصراع، وما زال 1626 آخرين في عداد المفقودين.(10)
خلال حرب فيتنام، ارتفع عدد الأمريكيين الذين يُعارضون التدخل الأمريكيّ في جنوب شرق آسيا بشكلٍ مُطَّرد، حيثُ أنه بحلول عام 1970 اعتقد ثلث الأمريكيين فقط أن الولايات المتحدة لم ترتكب خطأ بإرسال قوات للقتال في فيتنام.(11) وعارض جون كينيدي، بينما كان عضوًا في مجلس الشيوخ، التورط في فيتنام.(12)
واحتجَ العديدُ من الشباب الأمريكيّ على التجنيد، بينما دعا بعض المدافعين داخل حركة السلام إلى انسحاب أحاديّ الجانب للقوات الأمريكيّة من فيتنام. وعارض آخرون، مثل ستيفن سبيرو، وهو ناشط سياسيّ معروف بمعارضته لحرب فيتنام، الحرب على أساس نظريّة الحربِ العادلة. وأراد البعض إظهار التضامن مع شعب فيتنام، مثل نورمان موريسون ومحاكاته لتتش كوان دك، حيثُ أَضْرَم النار في نفسه تحت مكتب وزير الدفاع روبرت ماكنمارا في البنتاغون، كما فعل تتش كوان دك عندما أحرقَ نفسه اعتراضًا على الاضطهاد الذي يتعرض له البوذيين في جنوب فيتنام.(13)
وفي خِضَّم حرب فيتنام، بدأت احتجاجات جماهيريَة تعارض التدخل الأمريكيّ في فيتنام، واندلعت أعمال شغب في المؤتمر الوطنيّ الديمقراطيّ لعام 1968 أثناء الاحتجاجات ضد الحرب.(14) بعد التقارير الإخباريّة عن الانتهاكات العسكريّة الأمريكيّة، مثل مذبحة ماي لاي عام 1968، انضم بعض قدامى المحاربين إلى معارضين الحرب في فيتنام. وأدى إطلاق النار على أربعة طلاب في جامعة ولاية كينت في عام 1970 إلى احتجاجات جامعيّة على مستوى البلاد. وتراجعت الاحتجاجات المناهضة للحرب بعد توقيع اتفاق باريس للسلام وانتهاء المسوّدة في يناير 1973، وانسحاب القوات الأمريكيّة من فيتنام في الأشهرِ التاليّة.(15)
جرائم الحرب في فيتنام
ارتكب الجانبان عدد كبير من جرائمِ الحرب خلال حرب فيتنام، والتي شملت الاغتصاب، ومذابح المدنيين، وقصف الأهداف المدنيّة، والإرهاب، والتعذيب، وقتل أسرى الحرب، والسرقة والحرق العَمْد وتدمير الممتلكات دون ضرورة عسكريّة.
جرائم الحرب الفيتناميّة الجنوبيّة والكوريّة والأمريكيّة
في عام 1968، تم إنشاء مجموعة عمل جرائم حرب فيتنام (VWCWG) من قِبل البنتاغون وذلك في أعقاب مذبحة ماي لاي، وهي مجزرة وقعت على أياديّ جنود أمريكيين، لمحاولةٍ التأكد من صحة ادعاءات القوات المسلَّحة الأمريكيّة في فيتنام. وأشارت الأقوال التي أدلى بها الشهود وتقارير الحالة إلى 320 حادثة، وشملت الحالات المثبتة سبع مجازر بين عامي 1967 و1971 قُتِل فيها ما لا يقل عن 137 مدنيًا. و78 هجومًا آخر أسفر عن 57 قتيلًا على الأقل و56 جريحًا و15 اعتداءً جنسيًا؛ و141 حالة لجنود أمريكيين يعذبون محتجزين مدنيين أو أسرى حرب بالعصيّ أو بالماء أو الصعق الكهربائيّ.
قدر رودولف جوزيف روميل أن القوات الأمريكيّة ارتكبت حواليّ 5500 عملية قتل بين عاميّ 1960 و1972، تراوحت بين 4000 و10000 قتيل.(16) وأقامت القوات الأمريكيّة العديد من مناطق إطلاق النار لمنع مقاتليّ الفيت كونغ من الاحتماء في القرى الفيتناميّة الجنوبيّة. مثل هذه الممارسة، التي تنطوي على افتراض أن أيّ فرد يظهر في المناطق المحددة مقاتلًا معاديًّا يمكن أن تستهدفه الأسلحة بحُريّة، يعتبرها الصحفيّ لويس م. سيمونز «انتهاكًا صارخًا لقوانين الحرب».
ويقول نيك تورس، في كتابه «Kill Anything That Moves» الصادر عام 2013، بأن السعيّ الحثيث نحو زيادة عدد الجثث، واعتبار المدنيين الذين يهربون من الجنود أو المروحيات على أنهم فيت كونغ أدى إلى خسائر مدنيّة هائلة وجرائم حرب ارتكبتها القوات الأمريكيّة.(17) وكان الفيتناميون الجنوبيون يمارسون التعذيب وسوء المعاملة على أسرى الحرب والسجناء المدنيين. وأثناء زيارتهم لسجن كون سون في عام 1970، شهد عضوا الكونغرس الأمريكيّ أوغسطس هوكينز وويليام أندرسون، المحتجزين إما محبوسين في «أقفاص مُخصَّصة للحيوانات» أو مقيدين بالسلاسل في زنازينهم، وأنه يتم تزويدهم بطعامٍ رديء الجودة.
ووجدت مجموعة من الأطباء الأمريكيين الذين كانوا يتفقدون السجن في نفس العام أن العديد من النُزلاء يعانون من أعراض ناتجة عن الجمود القسريّ والتعذيب. وخلال زياراتهم لمراكز الاحتجاز تحت الإدارة الأمريكيّة في عاميّ 1968 و1969، سجل الصليب الأحمر الدوليّ العديد من حالات التعذيب والمعاملة اللاإنسانيّة قبل تسليم الأسرى إلى السلطات الفيتناميّة الجنوبيّة.(18)
كما اتُهِمت القوات الكوريّة الجنوبيّة بارتكاب جرائم حرب. أحد الأحداث الموثقة كان مذبحة فونج نهو وفونج نيت حيثُ ورد أن لواء مشاة البحريّة الثاني قتل ما بين 69 و79 مدنيًا في 12 فبراير 1968. كما اتُهِمت القوات الكوريّة الجنوبيّة بارتكاب مجازر أخرى، وهي: مجزرة بينه هوا، ومذبحة بنه تاي، ومجزرة ها ماي.
جرائم الحرب الفيتنامية الشمالية وفيت كونغ
كتب آمي بيداهزور أن:
«الحجم الإجماليّ والفتك لإرهاب الفيت كونغ ينافس أو يفوق كل الحملات الإرهابيّة التي شنت خلال الثلث الأخير من القرن العشرين.»
استنادًا إلى تعريف الإرهابيين على أنهم فاعلون غير حكوميين، نجد أن عمليات القتل والوفَيَات بين المدنيين تقدر بأكثر من 18 ألف بين عامي 1966 و1969. تُقدِر وزارة الدفاع الأمريكيّة أن فيت كونغ قد نفذت 36 ألف جريمة قتل وحواليّ 58 ألف عملية اختطاف من عام 1967 إلى عام 1973.
وتشير الإحصاءات إلى أن «حواليّ 80% من ضحايا الإرهاب كانوا مدنيين عاديين وحواليّ 20% فقط كانوا مسؤولين حكوميين ورجال شرطة وأفراد من قوات الدفاع عن النفس.» تضمنت تكتيكات فيت كونغ القَصْف المتكرر للمدنيين في مخيمات اللاجئين ووضع الألغام على الطرق السريعة التي يتردد عليها القرويون الذين ينقلون بضائعهم إلى الأسواق في المدن.
وتم ضبط بعض الألغام التي تنفجر بعد مرور المركبات الثقيلة، مما تسبب في مذابح واسعة على متن حافلات مدنيّة مكتظَّة وتشمل الفظائع البارزة لفيت كونغ مذبحة لأكثر من 3 آلاف مدنيّ غير مُسلح في هوو أثناء هجوم تيت وقتل 252 مدنيًا خلال مذبحة أوك سان.(19)
ما بعد حرب فيتنام
في 2 يوليو 1976، اندمجت شمال وجنوب فيتنام ليشكلوا معًا جمهورية فيتنام الاشتراكيّة. وقد وصف غابرييل غارسيا ماركيز، الكاتب الحائز على جائزة نوبل، فيتنام الجنوبية بأنها «جنة زائفة» بعد الحرب، عندما زارها في عام 1980:
«كانت تكلفة هذا الهذيان سخيفة: تم تشويه 360 ألف شخص، وأصبحت مليون امراة أرملة، وتمارس 500 ألف إمرأة الدعارة، وأصبح 500 ألف مُدمِن للمخدرات، وأُصيب مليون شخص بالتهاب السحايا السلي. من المُستحيل إعادة إصلاح هذا المجتمع وتحويله إلى مجتمعٍ جديد.»(20)
واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع اعتراف الأمم المتحدة بفيتنام ثلاث مرات، وهو ما مثل عقبة أمام تلقي المساعدات الدوليّة.(21)
الإبادة الجماعيّة في كمبوديا
وبحلول عام 1975، فقد الفيتناميون الشماليون نفوذهم على الخمير الحُمر، وفي 17 أبريل 1975، سقطت بنوم بنه، عاصمة كمبوديا، بيد الخمير الحُمر، تحت قيادة بول بوت، قتل الخمير الحُمر من 1 إلى 3 ملايين كمبوديّ من أصل حواليّ 8 ملايين نسمة، في واحدة من أكثر الإبادات الجماعيّة دمويّة في التاريخ.(22) وتصاعدت العلاقة بين فيتنام وكمبوديا بعد نهاية الحرب، وردًا على استيلاء الخمير الحُمر على فو كووك في 17 أبريل وتو تشو في 4 مايو 1975 والاعتقاد بأنهم مسؤولون عن اختفاء 500 فيتناميّ أصليّ في ثو تشو، شنت فيتنام هجومًا مضادًا لاستعادة هذه الجزر.
بعد عدة محاولات فاشلة للتفاوض من كِلا الجانبين، غزت فيتنام كمبوديا في عام 1978 وأطاحت بالخمير الحُمر، في الحرب الكمبوديّة الفيتناميّة. وردًا على ذلك، غزت الصين فيتنام في عام 1979، وخاض البلدان حربًا حدوديّة قصيرة، عُرفت باسم الحرب الصينيّة الفيتناميّة. ومن عام 1978 إلى عام 1979، غادر حواليّ 450 ألف فيتناميّ-صينيّ، فيتنام بالقوارب كلاجئين أو طُردوا.(23)
أطاحت جماعة باثيت لاو الشيوعيّة بالنظام الملكيّ في لاوس في ديسمبر 1975، وأسست جمهوريّة لاو الديمقراطيّة الشعبيّة تحت قيادة أحد أفرادها، سوفانوفونج. وكان تغيير النظام «سلميًا تمامًا، نوعًا من الثورة الناعمة الآسيوية.» وعلى الرغم من إرسال 30 ألف مسؤول سابق إلى معسكرات إعادة التأهيل، فقد عانوا فيها ظروفًا قاسية لعدة سنوات. واستمر الصراع بين متمرديّ الهمونغ والباثيت لاو في جيوب منعزلَّة بالجبال.(24)
ألْقت الولايات المتحدة الملايين من القنابل العنقوديّة على جنوب شرق آسيا مما جعل الوضع خطيرًا. في لاوس وحدها، لم تنفجر قرابة 80 مليون قنبلة وظلت مُبعثرة في جميع أنحاء البلاد، مما جعل مساحات شاسعة من الأراضي مستحيلة زراعتها وسنويًا يُقتل أو يُشوه 50 لاوسيًا.(25) وتشير التقديرات إلى أن المتفجرات المتبقيّة مدفونة في الأرض ولن يتم إزالتها بالكامل خلال القرون القلَّيلة القادمة. وغادر أكثر من 3 ملايين شخص فيتنام ولاوس وكمبوديّا في أزمة اللاجئين في الهند الصينيّة. وكانت معظم الدول الآسيويّة غير مُستعدة لقبول هؤلاء اللاجئين، وكثير منهم فرَّوا بالقوارب.(26)
تأثير حرب فيتنام على الولايات المتحدة
وفي حقبة ما بعد الحرب، عانى الأمريكيون في استيعاب دروس التدخل العسكريّ في الخارج. كما أشارَ الجنرال ماكسويل تيلور، أحد المهندسين الرئيسيين للحرب:
«أولًا: لم نكن نعرف أنفسنا، اعتقدنا أننا في طريقنا إلى حرب كوريّة أخرى، لكن هذه كانت دولة مختلفة. ثانيًا: لم نكن نعرف حلفائنا الفيتنامييّن الجنوبيين، ولا نعرف الكثير عن فيتنام الشماليّة. من هو هو تشي مينه؟ لا أحد يعرف. لذا، حتى نعرف العدو ونعرف حلفائنا ونعرف أنفسنا، من الأفضل لنا الابتعاد عن هذا النوع من الأعمال القذرة.»(27)
صاغ الرئيس رونالد ريغان مصطلح «متلازمة فيتنام» لوصف الرأي العام الأمريكيّ وإحجام السياسيين عن دعم المزيد من التدخلات العسكريّة في الخارج بعد فيتنام. وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب عام 2004، اعتقد 62% من الأمريكيين أنها حرب غير عادلة. وكشفت الاستطلاعات العامة الأمريكيّة عام 1978 أن ما يقرب من 72% من الأمريكيين يعتقدون أن الحرب كانت «خاطئة وغير أخلاقيّة.»(28)
وبين عاميّ 1953 و1975، قُدر أن الولايات المتحدة أنفقت 168 مليار دولار على الحرب (ما يعادل 1.38 تريليون دولار في 2019).(29) وأدى ذلك إلى عجز كبير في الميزانية. وتُشير أرقام أخرى إلى 138.9 مليار دولار من 1965 إلى 1974، أيّ عشرة أضعاف الإنفاق على التعليم في الولايات المتحدة و50 مرة أكثر من الإنفاق على الإسكان خلال تلك الفترة الزمنيّة.
وذُكِر أن الإنفاق الحربيّ كان يمكن أن يُسدد كل الرهانات العقاريّة في الولايات المتحدَّة في ذلك الوقت، وسوف يتبقى بعض الأموال بعد ذلك. بنهاية الحرب، قُتل أكثر من 58 ألف جنديًا أمريكيًا، وأصيب أكثر من 150 ألفًا، وأُُصيب ما لا يقل عن 21 ألفًا بإعاقة دائمة. وكان متوسط عمر القوات الأمريكيّة التي قُتِلت في فيتنام 23.11 سنة. وعانى حوالي 830 ألفًا من قدامى المحاربين في فيتنام من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).(30)
حرب فيتنام في الثقافة الشعبية
ظهرت حرب فيتنام في التلفزيون والأفلام وألعاب الفيديو والموسيقى والأدب. فنجد في فيتنام، كان أحد الأفلام البارزة هو فيلم Girl from Hanoi (1975)، الذي يُصوّر الحياة في زمن الحرب في هانوي. ومن الأعمال الأخرى البارزة هو يوميات دانغ توي ترام، الطبيبة الفيتناميّة التي تم تجنيدها، وقُتِلت في سن 27 على يد القوات الأمريكيّة بالقرب من كوانغ ناي، ويتم تصويرها أحيانًا على أنها آن فرانك حرب فيتنام. نُشرت مذكراتها لاحقًا في فيتنام باسم يوميّات دانغ توي ترام، حيثُ أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا وتم تحويلها لاحقًا إلى فيلم «لا تحترق.»
في الثقافة الشعبيّة الأمريكيّة، أصبح «المحارب الفيتناميّ المجنون»، الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، شخصيّة شائعة بعد الحرب. وكان أحد الأفلام الرئيسية الأولى المستندة إلى حرب فيتنام هو فيلم جون واين، القبعات الخضراء (1968)، وتم إصدار المزيد من الأفلام السينمائيّة خلال السبعينيّات والثمانينيّات من القرن الماضيّ. وأثرت الحرب على الموسيقيين وكتاب الأغاني في فيتنام والولايات المتحدة. سجلت فرقة Country Joe and the Fish أغنية «The Fish Cheer/I-Feel-Like-I’m-Fixin’-to-Die Rag» في عام 1965، وأصبحت واحدة من أكثر أناشيد الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام تأثيرًا.