حروب الاستقال الستة

حروب-الاستقلال-الستة

لا تَلقى الأوامر ترحابًا وقبولًا لدى الأشخاص، فكلما وُجِدَت هذه الرغبة في السيطرة على الآخرين، وُجِدَ معها الدافع لمقاومة هذه السيطرة، وكلما أرادت الدول فرض هيمنتها على غيرها، وُجِدَت في المقابل الحروب لنَيل الاستقلال، وإليكم قائمةً من ستةِ شعوبٍ ودولٍ صارعت القوى التي تُريد السيطرة عليها وحققت استقلالها.

حرب الاستقال الاسكتلندية الأولى (1296-1328)

نُصِب العداء بين روبرت بروس(Robert Bruce) وجون بوليول (John de Bolliol)، وهما المتنافسان الرئيسيان على الحكم بعدما تُوفِّيَ الملك ألكسندر الثالث ملك أسكتلندا دون أن يُخلف وراءه وريثًا للملك. فمن أجل تقريرِ حاكمٍ شرعيٍّ للبلاد، قرر الأوصياء على عرش أسكتلندا أن يستعينوا بالملك إدوارد الأول (Edward I) ملك إنجلترا للفصل في هذا الأمر. أقسم كلٌّ من الملِكين المحتملين للبلاد بالولاء التام لإنجلترا، بعدها صوَّت الملك إدوارد لصالح بوليول ليتولى الحكم. ولكن سرعان ما ندم بوليول على هذا القسم، فقد أمره الملك إدوارد أن يرسل قواته لمحاربة فرنسا. رفض بوليول طلب الملك الإنجليزي، وكان جزاء الأسكتلنديين جرَّاء هذا الرفض أن اجتاح الملك إدوارد أراضيهم لتبدأ بذلك حرب الاثنين وثلاثين عامًا من أجل الاستقلال.

قاومت أسكتلندا القوات الإنجليزية ولكن دون جدوى في بداية الأمر. سُجِنَ بوليول وفي هذه الأثناء ظهرت شخصية وليام والاس (William Wallace) ليحل محل بوليول في المقاومة ضد الهيمنة الإنجليزية التي دامت لسنوات. طلبت أسكتلندا مساندة فرنسا، الأمر الذي أثار غضب الملك إدوارد، ولكنه تُوفِّيض قبل أن يتمكن من إخضاع أسكتلندا وتحويلها إلى مقاطعةٍ تدين بالولاء لإنجلترا، تاركًا خلفه ابنه ليحكم إنجلترا التي كانت تعاني من الانقسامات. لمع نجم روبرت بروس من جديد بعد خسارته الأولى للعرش، مانحًا لأسكتلندا استقلالها بعد معركة بانوكبيرن (Battle of Bannockburn) عام 1314.

حرب الاستقلال المكسيكية(1810-1821)

غزت فرنسا إسبانيا عام 1808 في محاولةٍ منها للسيطرةِ على شبة الجزيرة الأيبيرية، تسبَّبَت هذه الحرب في إثارة الجَلَبَة في المستعمرات الإسبانية الأمريكية بسبب إهمالهم، فقد اعتقد قاطنو هذه المستعمرات أن الحكومة الإسبانية تظلم الفقراء وتسمح بالتمييز العنصري ضد كلٍّ من سكان أمريكا الأصليين، والمهجنين، ومختلطي الأنساب. دَعَى راهبٌ كاثوليكي روماني من المستعمرة يُدعى ميغل هيدلجو إي كوستيا (Miguel Hegalgo y Costilla) إلى التمرد على الحكومة الإسبانية، كان ذلك في خطابه الشهير صرخة الآلام (Grito de Dolores) الذي كان مُلهمًا للغاية، وكان سببًا في انتشار الثورة لتشمل جميع المستعمرة، ولتصل في النهاية إلى العاصمة مكسيكو سيتي، ولكن لسببٍ مجهول تراجع هيدلجو وانتهت الثورة بالفشل.

لسنواتٍ تالية، اندلعت الثورة في مناطقَ صغيرةٍ بجانب إسبانيا الجديدة. جاءت معارضة المتمردين من الكريول(Crillos) وهم لاتنيون بأصولٍ إسبانية، شملهم العفو العام الإسباني لتخليهم عن أفعال التمرد، وقد أوقعت الفصائل المكسيكية المتنازعة –المؤيدون للحكم الملكي والمتمردون- المستعمرة في مأزق. أنشأت إسبانيا في عام 1820حكومةً ليبرالية حَدَّت من دور الكنيسة الكاثوليكية و طبقة النبلاء الذين شكَّلوا تهديدًا للنخبة الحاكمة، ولتحافظ على سلطتها ووضعها الحالي، حاربت القوات الملكية جنبًا إلى جنب مع المتمردين، وتمكنت المكسيك من نَيل استقلالها أخيرًا في السابع والعشرين من سبتمبر لعام 1812.

ثورة تكساس(1835-1836)

فرضت المكسيك سيطرتها على إقليم تكساس بعد أن نالت استقلالها، وتطلَّعت إلى تطويرِ هذا البلد الجديد. عملت حكومة المكسيك على جذب المواطنين الأمريكيين للإقامة في أراضيها عن طريق تخفيض الرسوم الجمركية واتباع سياسة الهجرة المفتوحة، وبالفعل، طُبِّقَت هذه السياسة ولكن مع وضعِ بعض الشروط، وهي أن يعتنق جميع القائمين في البلاد الكاثوليكية، وأن يتجنسوا بالجنسية المكسيكية، و أن تُلغى سياسة الرق.
تجاوز عدد المستوطنين الأمريكيين عدد المواطنين المكسيكيين بكثيرٍ في تكساس بحلول عام 1830، ومع ذلك، رفض المستوطنون أن يصبحوا مكسيكيي الجنسية، الأمر الذي أشعر المكسيكيين بأنهم مُستغلون من قبل الأمريكيين، لذلك قَرَّرت الحكومة المكسيكية أن تعيد تكساس إلى مكانتها السابقة وأن تغلق باب الهجرة، أثارت هذه القيود غضب الأمريكان الذين أرادوا أن تصبح تكساس بلدهم، حينها نشبت النزاعات بين القوى المتصارعة، وقد قاد الرئيس المكسيكي آنذاك أنطونيو لوبيز دا سنتا أنا( Antonio Lopez De Santa Anna) قواته لوقف زحف جيش المستوطنين معلنًا بذلك بداية ثورة تكساس. شنَّ قائد القوات العسكرية لتكساس سام هوستن (Sam Houston) بعد حوالي عام من القتال هجومًا مفاجئًا على معسكرات قوات الرئيس المسكسيكي سانتا أنا في الواحد والعشرين من إبريل لعام 1836. تمكَّن هوستن من أسر سانت أنا و إجباره على توقيع معاهدة فيلاسكو (Treaties of Velasco) التي بمقتضاها نالت تكساس استقلالها.

الثورة الهايتية(1719-1804)

«إذا استطاع عوام الشعب الفرنسي الإطاحة بحكومة بلادهم الجائرة، فلماذا لا يستطيع غيرهم فعل الأمر ذاته؟» هكذا تسائل عبيد وساكنو المستعمرة الفرنسية سانت دومينغ (Saint-Domingue) المعروفة حاليًا باسم هايتي (Haiti) متأثرين بالثورة الفرنسية الملهمة.
لم يحظَ عبيد مستعمرة سانت دومينغ بأيِّ حقوقٍ، وقد تملكهم الغضب بسبب القيود التجارية التي لا يستطيعون أن يبدوا رأيهم في شأنها. في بادرةٍ غير مسبوقة من قوى استعمارية، مَنحت الجمعية التشريعية العامة لباريس حقوق المواطنة لتحرير المُلوَّنين في المستعمرة، في محاولةٍ منها لتهدئة الوضع، و ذلك بعد أن تزايدت حدة التوترات بين سكان المستعمرة وحاكمها الظالم، ولكن الأمر أغضب جُموع العبيد أكثر، على الرغم من أنهم كانوا ليصبحوا مواطنين لا عبيدًا حينها. انطلقت شرارة التمرد في عام 1791 بقيادة أحد العبيد الذين نالوا حريتهم ويُدعى توسان لوفرتور (Toussanit Louverture)، وانتشرت في جميع أرجاء الجزيرة مُعلنةً بذلك بداية ثورة هايتي.
في خطوةٍ أخرى جريئة لإبقاء الإقليم تحت السيطرة، قامت فرنسا بتحرير جميع العبيد في سانت دومينغ لتهدأ بذلك التوترات بعض الوقت.
عندما تولى نابليون بونبارت زمام الأمور، ظهرت مخططات لإعادة سياسة العبودية مرةً أخرى، وتزامن ذلك مع الثورة على الهيمنة الفرنسية. استطاع متمردو هايتي هزيمة آخر دفعة من القوات الفرنسية في معركة فيرتيرس (Vertieres) بعد سنواتٍ من القتال، ليصبح بذلك ساكنو هايتي أول شعبٍ ذا قيادةٍ من أصحاب البشرة السوداء ينال استقلاله.

حرب الاستقلال الهندية(1857)

فُرِضَت القيود على المواطنين الهنود وتعرَّضوا للاضهاد في عام 1867 تحت ظل هيمنة شركة الهند الشرقية البريطانية (British East India Company). فمن خلال العديد من التحركات السياسية، استطاعت القوات البريطانية فرض سيطرتها على الأراضي الهندية وسلبها من مالكيها متبعين في ذلك سياسة سلب الأراضي (Doctrine of lapse)، كانت هذه هى الحيلة التي استولى البريطانيون من خلالها على الأرض الهندية إذا كان مالكها غير مؤهل لملكها، أو إذا مات المالك دون أن يكون له وريث ذكر. و بناءً على ما سبق، لم تُسرق الأراضي الهندية فحسب، بل كذلك الثقافة كانت في خطر.

حاول المُبشِّرون كثيرًا مع الأكثرية الهندوسية والمسلمة لإقناعهم بتغيير دينهم، وكانت نقطة تحوَّل الأحداث عندما أعطى الضباط البريطانيون رصاصاتٍ للجنود الهنود المُلقبين بالسيبوي (Sepoys)، وأمروهم أن يقضموا غلاف هذه الرصاصات بأسنانهم والتي كانت مغطاةً بدهون خنزير، وقد اعتقدت القوات الهندية بأن هذه الدهون قد تكون للخنزير الذي يتعارض استخدامه مع عقيدة المسلمين، أو دهونٍ لبقرةٍ الأمر الذي يأتي مخالفًا للهندوسية. وعلى الرغم من عدم معرفة ماهية هذه الشحوم، فقد دفعت هذه الإهانة جنود السيبوي إلى التمرد ضد الضباط البريطانيين، وكان الجندي الهندي مانجال بندي (Mangal Pandey) أول من ثار. استطاع المتمردون الاستيلاء على مدينة دلهي، ولكن تمكنت القوات البريطانية من إنهاء حالة التمرد في نهاية الأمر، واستجابةً لمطالب المتمردين، تم استبدال شركة الهند الشرقية بشركة راج البريطانية التي كانت تتحلَّى بضبط نفسٍ وسيطرةٍ سياسيةٍ أكثر من سابقتها.

الانتفاضة الملغاشية(1947-1948)

شُكِّل أول حزب سياسي في مدغشقر في عام 1947 وعُرِفَ باسم حركة التجديد الديمقراطية الملغاشية (Domocratic Movement for Renewal;MDRM)، التي بدأت بالتدرج في شنِّ هجماتٍ ضد الاحتلال العسكري الفرنسي للجزيرة. خضعت الجزيرة للحكم الاستعماري الغاشم لفرنسا منذ عام 1897، وعندما حاولت حركة التجديد الديمقراطي أن تستعيد السيطرة على البلاد بالقانون رفضت القوات الفرنسية مطالبها.
هاجم ما يقرب من مليون مقاتل مقاومة ملغاشي المواقع الفرنسية المتواجدة في جميع أرجاء البلاد في محاولةٍ لاستعادة السيطرة على أراضيهم وطرد المسؤولين الفرنسيين منها، وفي غضون شهورٍ تم إرسال قواتٍ عسكرية فرنسية من دول الجوار الإفريقية لصد المتمردين.

استخدمت فرنسا مُخططاتٍ عسكرية وحشية لتدمير منازل وقرى الشعب الملغاشي، فقد نَفَّذَت إعدامات جماعية، وأوقعت العذاب بالمدنيين والمقاتلين على حدٍّ سواء. خَلَّف الانتقام الفرنسي من الثورة الملغاشية ما يقارب المئة ألف قتيلٍ من الجانب الملغاشي، فيما يُقدَّر عدد الضحايا الفرنسيين بخمسمئة وخمسين، وعلى الرغم من أنهم لم ينالوا استقالاهم بانتفاضة 1947، إلا أنَّ الشعب الملغاشي تولَّى حكم البلاد ونال استقلاله عن طريق التصويت في عام 1960.

 

ترجمة: تسنيم مجدي
المصدر: https://www.britannica.com/list/6-wars-of-independence

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي