إن البشرَ بشكلِِ عام لا يحبون تَلَقِي الأوامر، وطوال تاريخ البشريةِ المليء بالحروبِ والدماءِ، كان الطرف المغلوب دائمًا ما يقاوم المنتصر.
وعندما ظهرت الدول والإمبراطوريات لم يتغير الأمر كثيرًا، فما دامت هناك دول تحكُم شعوبًا وأممًا أخرى كانت هذه الشعوب ثثورُ من أجلِ الحصول على استقلالها. وفي السطور التالية نُقدم تاريخًا مُختَصَرًا لستةِِ من حروبِ الاستقلال التي خاضتها بعض الأمم عبر التاريخ.
حرب الاستقلال الاسكتلندية الأولى (1296 – 1328)
في عامِ 1286 تُوفي ملك اسكتلندا «ألكسندر الثالث»، تارِكًا العرش لحفيدتِه ووريثتِه الوحيدة «مارجريت» ذات الثلاثة أعوام، التي تُوفيت هي الأخرى بعدها بفترة قصيرة، ليُشعِل موتُها صراعًا على العرش الخالي بين:
(روبرت ذا بروس – Robert the Bruce) ومُنافِسه (جون باليول – John de Balliol).
وهنا توجه الأوصياء على العرش -مجموعة من النُبلَاء الاسكتلنديين- إلى الملك الإنجليزي «إدوارد الأول» ليُحَكِّموه، وطلبوا منه حسم قضية الملك الشرعي لاسكتلندا.
وافق إدوارد على أن يلعبَ دور الحَكَم بشرط أن يُقّْسِم كلا الرجلين المُرَشَحَين للعرش قَسَم الولاء للعرش الإنجليزي؛ وافق الرجلان، وحَكَمَ إدوارد بأن يذهب العرش لباليول، الذي سُرعان ما ندِم على قَسَمِهِ لإدوارد، عندما طالب الأخير أن يُرسلَ باليول الجنود الاسكتلنديين لمعاونتِه في حملتِه على فرنسا. وعندما رفض باليول تلبية هذا الطلب؛ جاء رد إدوارد بغزو اسكتلندا نفسها، لتبدأ بذلك حرب الاسكتلنديين من أجل الاستقلال، التي ستستمر32 عامًا.
في بداية الحرب حاول الاسكتلنديون مقاومة الغزو الإنجليزي، ولكن بلا جدوى؛ فتم أسر باليول وسَجنِه من قِبَل الإنجليز.
في تلك الفترة، ظهر رجل يُدعَى (وليام والاس – William Wallace)، من خارج دائرة الصراع على الحكم؛ ليقود مقاومة الاسكتلنديين لعدة سنوات، قبل أن يأسِره الإنجليز ويتم إعدامه. في النهاية طلب الاسكتلنديون المساعدة من فرنسا، وقبل أن يستطيع إدوارد التحرك ضد هذا التحالف ويُخضِع اسكتلندا بشكل كامل، كان للقدر خططُُ أخرى، ليموت إدوارد تاركًا حكم إنجلترا المهددة من الخارج، والمنقسمة داخليًا لابنِه.
في ذلك التوقيت، استغل «روبرت ذا بروس» ضعف خَصْمِه؛ ليرفع راية التمردِ ضد إنجلترا مرة أخرى؛ ليحقق الانتصار في معركة بانوكبورن في عام 1314.
حرب الاستقلال المِكسِيكِية (1810 – 1821)
بدأ الأمرُ عندما غزت فرنسا إسبانيا عام 1808 بغرض السيطرة على شبه الجزيرة الإيبيرية، كجزء من حروب نابليون في أوروبا. كانت تَبِعَات تلك الحرب مدمرة، ليس بالنسبة إلى إسبانيا فحسب، بل لمُستَعمراتها في الأمريكيتين كذلك، حيث ازداد سخط المواطنين هناك من إهمال الحكومة الإسبانية لهم، ومما اعتبروه ظلمًا واقعًا على الفقراء والسكان الأصليين «والمستيزو-mestizos» -وهي مجموعة عرقية ناتجة عن تزاوج الإسبان مع السكان الأصليين-.
وفي المكسيك؛ جمع قس كاثوليكي يُدعَى (ميغيل إيدالغو إي كوستيا – Miguel Hidalgo y Costilla) رَعَايَا أبرشيّتِه في بلدةِِ صغيرةِِ تُدعَى دولوريس، وبدأ يَحُثَهم على الثورة ضِد الإسبان، تلك الخُطبة الشهيرة التي ستُعرَف في التاريخ المِكسيكِي باسم (نداء دولوريس – Grito de Dolores)، وسُرعان ما بدأت الثورة تَبلُغ جميع أنحاء المستعمرة الإسبانية، حتى وصلت إلى العاصمة (مكسيكو سيتي – Mexico City).
ولأسباب مجهولة، بدأت قوات إيدالغو في التقهقر، وانتهى تمرد إيدالغو بالفشل. لكن الحرب لم تكن قد انتهت بعد، وفي السنوات التالية ظلت عدة جيوش ثورية تظهر في أنحاء البلاد.
كانت القوة الرئيسية التي قاتلت مع الإسبان ضد الثوار هي (الكريلول – criollol)، وهم الإسبان الذين وُلِدوا في المُستَعمرات الأَمرِيكِيَّة، وكان يتم اعتبارهم أعلى درجة من أولئك الذين اختَلطوا مع السكان الأصليين، وأقل درجة من الإسبان المَولودين في إسبانيا.
لم يتمكن أي من الطرفيين من تحقيق النصر على الآخر بشكلِِ حاسم؛ لتتجمد الأوضاع على الأرض في المِكسيك حتى عام 1820؛ عندما أقامَ الإسبان حكومة ليبرالية في المِكسيك، التي بدورِها بدأت تَحُد من سيطرة الكنيسىة الكاثوليكية والنُبلَاء على الحكم؛ لتهدد بذلك أوضاع وقوة النُخَب التقليدية؛ فقاموا بتغيير ولائهم وبدأوا القتال بجانب الثوار ضد الإسبان؛ حتى تمكن المكسيكيون من تحقيق استقلالهم في 27 سبتمبر 1821.
ثورة تكساس (1835 – 1836)
بعد أن نالت استقلالها من إسبانيا عام 1821؛ حصلت المِكسيك بالتَبعِية على السيطرة على مِنطَقة شاسِعة المساحة تُدعَى تِكساس، التي كانت ضمن مُمتَلكات الإسبان في القارة قبل مغادرتهم. وبطبيعة الحال سعت المِكسِيك، الناشِئة حديثًا حينها، إلى تنمية أراضيها الجديدة؛ وفي سبيل ذلك الغرض قامت الحُكومة المِكسيكِية بتَبَني سياسة تقوم على تخفيض الضرائِب وفتح باب الهجرةِ إلى المنطقة، وبالتحديد للمستوطنين الأمريكيين.
وفي المقابل وضعت الحكومة المِكسيكِية عددًا من الشروط منها؛ أن يعتنق المستوطنون الجدد الكاثوليكية، وأن يصبحوا مواطنين مكسيكيين، وأخيرًا أنه لن يُسمَح بالعبودية في تكساس -كان المستوطنون قادمين من الولايات المتحدة التي كانت حتى تلك اللحظة تسمح ببيع وشراء العبيد على أرضها وخاصة في الولايات الجنوبية بجوار تكساس-.
وبحلول عام 1830 تَجاوَز عدد المستوطِنين الأمريكيين عدد المواطنِيين المِكسيكِيين في تكساس، غير أنهم فقد رفضوا أخذ الجِنسيّة المِكسيكِية ليُصبحوا مواطنيين كما اشترطت الحكومة منذُ البداية. وفي الوقت نفسه كانت الحكومة الأمريكية في واشنطن -والتي كانت تطمع في منطقة تكساس ولكن لا تريد الحرب مع المكسيك- تشجع تلك الأفعال، وتدعم الأمريكيين هُناك، وإن كان بشكل غير مباشر.
على الجانبِ الآخر، شعر المكسيكيون بأن المستوطنين يستغلون كرمهم؛ فقامت الحكومة المِكسيكِية بإلغاءِ تسهيلاتِها السابقة، وأعادت رفع الضرائِب وأغلقَت باب الهجرة في وجه المزيد من المستوطنين في أمريكا. فرد المستوطنون على ذلك بإعلان رغبتهم في الانفصال عن المكسيك وجعل تكساس جمهورية مستقلة، وبدأوا في الاشتباك مع المكسيكيين، لتبدأ بذلك ثورة تكساس.
محاوِلًا إيقاف النمو المطرد لجيش المستوطنين؛ قاد رئيسُ المِكسيك في ذلك الوقت (أنتونيو لوبيز دي سانتا آنا – Antonio López de Santa Anna)، جنودَه إلى تكساس محاولًا وقف الثورة.
واستمر القتال بين الطرفين لما يقرُب من العام، تدفق خلاله عدد كبير من المتطوعين من الولايات المتحدة لمعاونة المستوطنين ضد سانتا آنا. وفي النهاية؛ تَمكَنَ الجنرال (سام هيوستن – Sam Houston) قائد قوات المستوطنين في تكساس -الذي سُيطلَق اسمه لاحقًا على أكبر مدن تكساس بعد أن أصبحت ولاية أمريكية- من مباغتة جيش سانتا آنا -غير المستعد- في معركة سان جاسينتو في 21 أبريل 1836.
واستمرت المعركة لمدة 20 دقيقة فقط، نجح بعدها الأمريكيون في هزيمة الجيش المكسيكي وأسر سانتا أنا، حيث أُجبِر على توقيع (معاهدات فيلاسكو – Treaties of Velasco) والاعتراف باستقلال تكساس.
وفي عام 1845 انضمت تكساس رسميًا إلى الولايات المتحدة لتصبح الولاية الأمريكية الثامنة والعشرين.
الثورة الهايتية (1791- 1804)
كان لاندِلاع الثورة الفِرنسِية في يوليو 1789 أَثر كبير امتَد خارج حُدود فرنسا بل وأوروبا كلها لتُشَكِل إلهَامًا للكَثِيرين؛ ففي نهايةِ المطاف، إذا كان الشعب الفرنسي قد تَمَكَن من الإطاحة بحكومتِه المستبدة، فما الذي يمنع غيرهم من أن يقوموا بالمثل؟!
كان هذا التساؤل هو بالضبط ما دار في أذهان مواطني وعبيد جزيرة سان دومينجو -هاييتي حاليًا-.
فقد كانت هناك أسباب عدة تدفع سكانَ الجزيرة للثورة على الحكومةِ الفرنسية، فالعبيد مثلًا -على الجزيرة- لم يتمتعوا بأي نَوِع من أنواعِ الحقوق، وحتى سكان المُستَعمرة من الأحرار كانوا ساخطين على فرنسا بسبب القيود التي تفرضها على التجارة في الجزيرة، التي لم يكن لمواطني الجزيرة أي رأي في وضعها.
ارتفع الغليانُ بين حَاكِم الجزيرة والسكان؛ فحاولت الجمعية الوطنية في باريس -البرلمان الفرنسي بعد الثورة- التخفيف من حدة التوتر عن طريق منح الجِنسية الفرنسية لجميع سكان الجزيرةِ الأحرار، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها دولة استِعمَارية بمثل هذه الخطوة حتى هذا الوقت غير أن هذا لم يزد الأمورَ إلا تعقيدًا، حيثُ أثار هذا الأمرُ غضبَ العبيد على الجزيرة. ووصلت الأمور حد اللاعودة في عام 1809؛ عندما قاد أحد العبيد المزارعين -ويُدعَى (توسان لوفرتور – Toussaint Louverture)- تمردًا بين السكان، وسرعان ما انتشر في كافة أنحاءِ الجزيرة لتبدأ بذلك الثورة الهاييتية.
وفي محاولة جريئة من جانب الفرنسيين لإخماد الثورة وإبقاء الجزيرة تحت سيطرة فرنسا؛ قررت باريس تحرير جميع العبيد في جزيرة سان دومينجو، وبالفعل نجحت مقامرة الفرنسيين في تهدئة الأمورِ في الجزيرة لبعض الوقت. غير أن هذا الهدوء لم يدم طويلًا؛ بسبب خَوفِ السكان من أن تُحاوِل فرنسا فرض العُبودية في الجزيرة مرة أُخرى، وهي الفكرة التي كانت تُراوِد الفرنسين بالفعل، ومِن ثَم اشتعلت الثورة ضد السيطرة الفرنسية من جديد.
تزامن هذا مع صعود نابيلون على عرش فرنسا، وإمساكِه بزِمَامِ الحُكم فيها وما تَبِع ذلك من اضطرابات، وخصوصًا الحرب الأوروبية بقيادة إنجلترا. كل ذلك جعل من محاولةِ فرنسا في السيطرةِ على مستعمراتِها عبر البحار مهمة صعبة للغاية. وبالفعل تمكن الثوار من إلحَاق الهزيمة بآخر القوات الفرنسية على الجزيرة في (معركة فيرتيير – The Battle of Vertières)، لتحصُل هاييتي على استقلالِها وتصبح أول أُمَّة ذات أغلَبِيَة سودَاء تتمكن من تحقيق ذلك.
حرب الاستقلال الهندية ( 1857 )
جاء تَغلُل البريطانيين في الهند بالتدريج وعلى عِدَة مراحل، ولَعِبَت شَرِكة «الهند الشرقية البريطانية» الدَور الأبرَز في تمهيد الطريق للبريطانيين لاستِعمَار كامِل الهند.
تأسست الشَرِكة عام 1600 بقرار من الملِكة إليزابيث الأولى بغرض مزاولة التِجارة في الهند ومِنطَقة جنوب شرق آسيا، في القرن التالي، وتحت رعاية وحماية التاج البريطاني توسَعت الشَرِكة -التي امتَلكت جيشها بحريتها الخاصة- في الهند، فاستخدمت عدة خدع وتكتيكات سياسية للسيطرة على الحُكَام المحليين في شبه القارة، لتتحول الشَرِكة إلى مؤَسَسَة استِعمَارية تملُك حق إدارة المناطِق المُستَعمَرة باسم التاج البريطاني.
ومن ضمن تلك الخدع التي استَعمَلتها الشَرِكة للاستِحوَاذ على الأراضي في الهند ما عُرِفَ باسم (مبدأ سقوط الحق – The doctrine of lapse)، الذي بمُقتضَاه تستَطيع الشَرِكة ضم أي إمارة هندية تحت سُلطتها إذا رأت أن حاكِم تلك الإمَارة يفتَقِد الكفاءَة اللازِمة للحُكم، أو إذا تُوفِي الحَاكِم دون أن يترُك وَرِيثًا ذَكرًا ليخلِفه.
علاوة على التهديد المُستَمِر الذي شعر به الحُكام المحليون نتيجة هذا المبدأ، فقد أحس الهنود عموًما بتهديد آخر ربما كان أكثر وقعًا عليهم، حيث شعروا أن البريطانيين يهددون ثقافتهم وتقاليدهم، فضلًا عن ذلك، كانت البعثات التبشيرية تسعى جاهدة لتغيير عقيدة الهنود -الذين كان معظمهم هندوس أو مسلمين- إلى المسيحية.
وجاءَت الشرارة التي أشعَلَت الثورة عندما تَسَلَم السيبوى -وهم جنود هنود دربَتهم بريطانيا ويقُودهم ضُباط إنجليز- من البريطانيين نوعًا جديدًا من الرصاصات لبنادقهم، كان هذا النوع من الرصاصات يتَطَلَب من الجُندي أن يُمزق الغُلاف الوَرَقِي الذي يضُم الطلقة والبارود المُستَخدَم لتلقيمها، غير أن تلك الطلقات كان تُدهَن بطبقة من الدهن لكي تسهل عملية تلقيمها، هنا اعتقدَ الجنود الهندوس أن البريطانيين استخدموا دهن الأبقار -المَحظور تناولها في العقيدة الهندوسية- لتَدهِن به الطلقات كنوع من الإمعان في إهانتهم، بينما اعتقد الجنود المسلمون أنها مدهونة بطبقة من دهن الخنزير -المُحَرَمة كذلك في العقيدة الإسلامية- لنفس الغرض. ورغم أن طبيعة المادة المُستَخدَمة غير مَعلُومَة، إلا أن هذه الإهانة البالغة من وجهة نظر الجنود الهنود أدت إلى تمردهم ضد ضباطهم البريطانيين. وقاد التمرد جندي هندي يُدعى (مانجال باندي-Mangal Pandey)، الذي كان من أول الجنود الذين ثاروا ضد قادتهم الأجانب.
تمكَن الثُوار من السيطرة على مِنطَقة دلهي المحوَرية وإحداث بعض الخسائِر للبريطانيين، ولكنهم في النهاية لم يستطيعوا الصُمود طويلًا أمام القوات البريطانية الأفضل تجهيزًا وتسليحًا التي تمَكَنَت أخيرًا من قمع الثورة.
كان لتمرد السيبوى -على الرغم من فشله- نتائج هامة؛ قفد أدرَكت الحكومة البريطانية سهولة خروج الأوضاع في الهند عن سيطرتها بما يهدد بفقدانها أهم ممتلكاتها على الإطلاق. ونتيجة لذلك؛ تَمَ إلغاء حقوق شَرِكَة الهند الشرقية الاستعمارية في شبه القارة واسِتبدالِها بنِظام الراج البريطاني الذي وَفَرَ درجة أكبر من التحكم والسيطرة السياسية والشخصية على الهند، لتبدأ بذلك المرحلة المعروفة تاريخيًا بعهد الهند البريطانية الذي استَمَر حتى استَقَلت الهند رسميًا عام 1946.
رغم أن ثورة 1857 لم تنجح في تحقيق استقلال الهند إلا إنها وَضَعت بذور الحركة القومية المُنادية بالاستِقلال والمناهِضة للإنجليز، التي ستدخُل في صِراع مُمتَد مع البريطانيين حتى يتحقق استقلال البِلاد بعد ما يقرب من القرن من ثورة السيبوي.
انتفاضة مدغشقر (1947 – 1948)
تأسس (حزب الحركة الديموقراطية من أجل نهضة مدغشقر – The Mouvement démocratique de la rénovation malgache) عام 1946؛ ليصبح أول حِزب سياسي في مدغشقر. وبدايةََ من مارس 1947، بدأ الحِزب في شَن هَجَمَات ضد القوات الفرنسية التي تحتَل الجزيرة، التي كانت فرنسا تُسيطِر عليها بقبضة استِعمَارية حديدية منذ عام 1897.
كان الحزب قد حَاوَل نَيل الاستِقلال من فرنسا بطريقة توافُقِية، عندما قَدَّم قادتُه -في أواخر عام 1946- إلى المسؤولين الفرنسيين طلبًا رسميًا بالاستِقلال، وهو الأمر الذي رفضَته إدارة المُستَعمَرة بشكل فوري. وعندما لم تجد الوسائل القانونية آذانًا صاغية لدى المُستَعمِريين الفرنسيين؛ لم يجد سكان مدغشقر بدََا من الثورة لطرد الفرنسيين من الجزيرة.
بدأت الانتفاضة بأن هَاجَم ما يَقرُب من مليون مُقاتِل من المُقاوَمة المدغشقرية مواقع الفرنسيين في طول الجزيرة وعرضها، واضطر الفرنسيون، خلال الشهور التالية، إلى إرسال تعزيزات عسكرية كثيفة إلى الجزيرة من مُستعمراتها الأفريقية القريبة بغرض قمع ثورة شعب مدغشقر من أجل الاستِقلال.
استَخدَمت القوات الفرنسية أساليب غير إنسانية لقمع الانتفاضة؛ فقامت بتدمير المنازل والقرى بلا تمييز، وشرعت في تَعذِيب كل من وَقَع في يديها من المُقاوَمة أو من المَدنيِين على حَدِِّ سواء، ونَفذَت إعدامات جماعية بحق السكان. وفي النهاية؛ قُدّر عدد ضحايا تلك الانتفاضة من سكان مدغشقر بما يتجاوز الـ100 ألف، بينما لم يُقتل غير 550 فرنسي.
ورغم أن ثورة شعب مدغشقر كانت ذات تكلِفَة فادِحة و لم يُكتَب لها النجاح في نهاية المطاف، إلا أن الحركة الوطنية استَمرَت في الجزيرة، حتى تَمَكَنت مدغشقر أخيرًا من انتِزاع استقلالِها في استِفتاء على الاستقلال عام 1960 لتَكتُب بذلك نهاية فصل طويل ودائم في تاريخها.
ترجمة: محمد عزام
مراجعة: د. تامر هاشم
تدقيق لغوي: مي محسن