حقبة البليوسين.. الطريق إلى الحالي

البليوسين

البليوسين||||||||

يتميز الجيولوجي بإنه هو الوحيد القادر على ترجمة معظم الرموز التي نحتها الزمان على أوجه الصخور، ليكشف لنا الأسرار التي طالما خفيت عنّا منذ ملايين السنين. ومن ضمن ما كشفه الجيولوجيون من أسرار كان العصور الجيولوجية، فليس كما كنا نعتقد سالفًا أن كوكب الأرض بدأ بوجود الإنسان، ولكن العكس صحيح، وهو أن الإنسان مستحدَثٌ عليه، وسنعرض من هذه العصور حقبة البليوسين.

البليوسين هو أحد الحقب الجيولوجية القريبة؛ فقد بدأ منذ (5.3) مليون سنة، وانتهى منذ (2.6) مليون سنة، وهو الحقبة الثانية من زمن النيوجين (بالإنجليزيَّة: Neogene)، وسمي البليوسين بهذا الاسم بواسطة «تشارلز ليل»، حيث يتكون الاسم من مقطعين «pleion» والذي يعني المزيد، و«cene» والتي تعني الجديد، أي «الاستمرار في الحالي»، وينقسم البليوسين عمريًا إلى مرحلة الزانكلي (بالإنجليزيَّة: Zanclean) التي تمتد منذ 5.3 حتى 3.6 مليون سنة مضت. ومرحلة البياشنزي (بالإنجليزيَّة: Piacenzian) التي تمتد منذ 3.6 حتى 2.6 مليون سنة مضت.

Gelasian
Late

(2.588–1.806  million years ago)

Piacenzian (3.600–2.588 million years ago)
Zanclean
Early

(5.332–3.600 million years ago)

ينقسم البليوسين أحفوريًا إلى ثلاثة أعمار طبقًا لمنظمة «ICSC»، بالإضافة إلى العمرين السابقين واللذين يعدان الأعمار المبكرة للبليوسين عمر آخر يسمى (Gelasian)  والذي بدأ من (2.5) مليون سنة، وانتهى (1.8) مليون سنة.

يمكن طِبَاقِيًا تحديد بداية ونهاية البليوسين، ولكن عُمريًا لا زال هناك شكوك حول فترة بداية ونهاية البليوسين، ولا يمكن تحديد بداية البليوسين بواسطة حدث عالمي يسهل التعرف إليه، ولكن يمكن التعرف عليه بواسطة الحدود الإقليمية بين الميوسين الأكثر دفئًا والبليوسين الأكثر برودة نسبيًا.

خريطة توضح وضع القارات خلال عصر البليوسين © Ron Blakey, NAU Geology

ونستعرض الشواهد والظواهر المميزة التي حدثت في حقبة البليوسين وما زالت مستمرة حتى الأن إلى حد كبير:

الجغرافيا القديمة

  • في البليوسين كانت القارات لا تزال في انحرافها القاري نحو الموضع الحالي بدأت في الحركة وبينها وبين الموضع الحالي ما يقرب من (250) كم، وانتهى البليوسين وبينه وبين الموضع الحالي ما يقرب من (70) كم.
  • اصطدمت أفريقيا بأوروبا والذي أدى إلى فتح البحر المتوسط والإغلاق التام لمحيط التيسيز.
  • انحسار البحر وكشف المنطقة الواصلة بين ألاسكا وآسيا.
  • اتصلت أمريكا الشمالية بأمريكا الجنوبية عن طريق برزخ بنما والذي كان له تأثيرًا كبيرًا على البيئة فيما بعد.

كان لبرزخ بنما تأثيرًا كبيرًا على درجات الحرارة في المياه؛ حيث أنهى وجود تيار المحيط الاستوائي، والذي استمر من الطباشيري حتى بداية السينوزويك، تكوين البرزخ كان له الأثر الرئيسي على درجات الحرارة العالمية منذ أن انقطعت تيارات المحيط الاستوائي مع بدء دورة أخرى لتبريد الأطلنطي مصاحبًا لها انخفاض درجة حرارة مياه كلًّ من القطب الشمالي والجنوبي في المحيط الأطلسي، وعلى الرغم من أن المحيطات ظلت دافئة نسبيًا أثناء البليوسين إلا أن انخفاض درجة حرارتها ظل مستمرًا.

  • تكونت القمم الجليدية في القطب الشمالي والذي ساعد على زيادة جفاف المناخ وزيادة برودة التيارات الضحلة في شمال المحيط الأطلنطي.
  • تكون القطب الشمالي منذ (3) مليون سنة وكانت الشواهد الدالة على ذلك نظائر الأكسجين.

المناخ

  • أصبح المناخ في البليوسين مناخًا موسميًا باردًا وجافًا مشابهًا للمناخ الحديث.
  • تكونت القارة القطبية الجنوبية وأصبحت مغطاة كليًا بالثلوج على مدار العام أثناء البليوسين أو قبل البليوسين بقليل.
  • تجمدت دائرة الوسط «خط الاستواء» قبل انتهاء الحقبة.

الحياة البحرية

كانت الحياة البحرية في حقبة البليوسين مشابهة إلى حد كبير الحياة في حقبة المايوسين حيث:

  • كانت البحار مليئة بالقرش الأكبر حجمًا على مر العصور (Megalodon) والذي يزن حوالي (50) طن.
  • استمرت الحيتان في التطور إلى أن أصبحت تشبه الحيتان الحديثة إلى حد كبير.
صورة توضح حجم فك قرش الميجالودون Serge Illaryonov/Wikimedia Commons / CC BY 3.0

الحياة البرية والبحرية

في حقبة البليوسين كانت كلٌّ من الحياة البرية والبحرية سواء حيوانية أو نباتية تشبه إلى حد كبير الحياة في العصر الحالي.

أولًا: الثدييات

  • اتصلت كلٌّ من أوراسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية بواسطة جزر أرضية ضيقة بالإضافة إلى أنه لم يكن من الصعب على الكائنات الهجرة بين أفريقيا وأسيا.
  • أدت هذه الهجرة إلى فساد بيئة الثدييات التي اُخترقت بواسطة الأنواع المهاجرة المختلفة، وتسبب هذا في زيادة المنافسة والهجرة حتى زيادة الانقراض.
  • على سبيل المثال هجرة الجمال من أمريكا الشمالية لأسيا أمثال (Titanotylopus)، بينما هاجرت بعض أنواع الدببة مثل (Agriotherium) حيث وجدت حفريات خاصة بها في أفريقيا أسيا وأمريكا الشمالية.
  • اقتصر وجود القرود وأشباه البشر (Australopithecus africanus) على أفريقيا حيث كانت بدايتهم على الرغم من وجود جماعات متفرقة في أوراسيا وأمريكا الشمالية.
  • ازدهر في عصر البليوسين كلٌّ من الفقمة وثعالب البحر.

صورة جمجمة لإمرأة بالغة من فصيلة Australopithecus africanus مصدر Stuart Humphreys
  •  اتصال كلٍّ من الأمريكتين بعضهما ببعض من خلال برزخ بنما حيث كانت أمريكا الجنوبية تشبه أستراليا حاليًا، عبارة عن قارة كبيرة منعزلة يسكنها مجموعة متنوعة من الثدييات المختلفة مثل الجرابيات (بالإنجليزيَّة: Giant Marsupias)، على الرغم من قدرة بعض الكائنات على الانتقال بين القارتين بصورة عشوائية وبطريق شاقة عن طريق الجزر التي كانت بين القارتين ولكن قبل حقبة البليوسين وهذا يفسر انتقال كائن الكسلان العملاق (بالإنجليزيَّة: Megalonyx) إلى أمريكا الشمالية.
  • على الرغم من أن الهجرة تؤدي إلى زيادة الأنواع وتنوعها إلا أنه كان مختلفا في هذه الحالة فقد كانت الهجرة في مصلحة الثدييات الشمالية، وربما أدى إلى الإطاحة بالثدييات الجنوبية أو قلل من أعدادهم بشكل كبير.
  • ظهر في نهاية حقبة البليوسين كائنات عملاقة من ذوات الحجم الكبير مثل (Woolly Mammoth)، والنمر السيني (بالإنجليزيَّة: Smilodon)، وظهور الكسلان العملاق (بالإنجليزيَّة: Megatherium)، والمدرع العملاق في أمريكا الجنوبية (بالإنجليزيَّة: Glyptodon)، واستمرت هذه الكائنات العملاقة حتى حقبة البليستوسين وانقرضت بعد ذلك نتيجة لتغير المناخ والتنافس مع الإنسان.
  • المدرع العملاق و هو أحد أسلاف المدرع في عصر البليوسين ويزن 1 طن Fievet/Wikimedia Commons/CC BY-SA 3.0

ثانيًا: الزواحف

  • تراجع تطور كلًّ من التماسيح، الثعابين، السحالي والسلاحف أثناء البليوسين.
  • اختفاء التماسيح من أوروبا على الرغم من برودة المناخ وهو الجو الملائم لذوات الدم البارد، وظهور سلاحف بأحجام ضخمة في أمريكا الجنوبية مثل (Stupendemys).

ثالثًا: الطيور

يشهد البليوسين آخر عهد للطيور المفترسة أمثال حاملات الخرق (بالإنجليزيَّة: Phorusrhacid)، والطيور الضخمة الموجودة في أمريكا الجنوبية التي تشبه الديناصورات آكلات اللحوم التي انقرضت منذ عشرات الملايين من السنين، ومن أحد أهم الطيور المفترسة الذي تمكن من النجاة حتى البليوسين هو التيتانيس (بالإنجليزيَّة: Titanis)، والذي يزن حوالي (300) باوند، والذي تمكن من عبور برزخ أمريكا الوسطي لكي يسكن في جنوب شرق أمريكا الشمالية ومع ذلك لم يتمكن من الصمود إلا لبداية البليستوسين.

هيكل طائر التيتانيس المفترس Amanda/Wikimedia Commons/CC BY 2.0

الحياة النباتيّة

  • لم يكن هناك أي صور من صور التطور في الحياة النباتية في حقبة البليوسين، ولقد استمرت هذه الحقبة على نفس المنوال للحقبتين السابقتين لها «الأوليجوسين والمايوسين».
  • التحول في مناخ البليوسين إلى مناخ موسمي جاف وبارد كان له تأثيرًا واضحًا على الحياه النباتية؛ حيث أدى إلى نقص نسبة النباتات الاستوائية في أنحاء العالم.
  • حدث تراجع في المساحات الخضراء حيث قلت نسبة الأدغال، والغابات المطيرة، والسافانا الجافة مقتصرة على المناطق الاستوائية، بينما زادت نسبة الغابات النفضية، والمراعي، والغابات الصنوبرية، وغابات التندرا تجاه دوائر العرض الشمالية وأوراسيا وظهرت الصحاري في أفريقيا وآسيا.

الأحداث التكتونية

  • شهدت حقبة البليوسين أحداث تكتونية كانت السبب في ظهور ما نراه اليوم من أشكال الأرض.
  • انضمام الألواح التكتونية لكلًّ من أمريكا الشمالية والجنوبية، والتي كانت نتيجة لحركة اللوح الكاريبي الذي تحرك في الاتجاه الشرقي وكوّن ممرًا بين القارتين بواسطة برزخ بنما.
  • كان اتصال الأمريكتين له أثره الواضح على كلًّ من الحياتين النباتية والحيوانية حيث مكّن الكائنات الحية من الهجرة بين القارتين مثل «المدرع الضخم والكسلان الضخم والأبوسوم» حيث انتقلوا من أمريكا الجنوبية للشمالية، أما الكلاب والقطط والدببة والأحصنة انتقلوا في الاتجاه المعاكس.
  • أدى اتصال الأمريكتين إلى فصل المحيط الأطلنطي عن المحيط الهادئ والذي أثر بدوره على الحياة البحرية، حيث كان هناك كائنات تشارك نفس البيئة لمليارات السنين انفصلوا إلى بيئتين من الطبيعي أن يؤدي هذا إلى تطور الأنواع المختلفة.
  • من الأحداث المثيرة في البليوسين أيضًا اصطدام كلٍّ من اللوح الهندي باللوح الآسيوي، والذي كون لنا اليوم أعلى الظواهر الطبيعية «سلسلة جبال الهيمالايا».
  • ارتفعت كلًّ من «كاسكيدز روكي أبلاتشيان والأكوادور» بأمريكا الشمالية.
  • جبل ألاسكا كان في حالة نشطة.
  • تكون حوض الترسيب العظيم بين نيفادا ويوتا.
  • في نهاية البليوسين في أمريكا الشمالية حدث ثوران كاسكيدي في الوقت الذي رُفعت فيه سيرانيفادا ومالت تجاه الغرب.
  • تكونت العديد من الجبال في أوروبا من أشهرها جبال الألب الذي أثر فيه فالق ما وحدث له عملية طي.

إعداد: عبدالرحمن مجدي
مراجعة علمية: أحمد فكرى
تدقيق لغوي: مريم سمير
تحرير: نسمة محمود

المصادر:

المصدر الأول
المصدر الثاني 
المصدر الثالث
المصدر الرابع

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي