حوار مع عالم: البروفيسور صالح ابراهيم

13595562_10154257991784120_628057999_n

في البداية نود أن نلقِ الضوء علي نشأتك بمصر و إتجاهك إلي البحث العلمي

وُلدت في السادس و العشرين من مارس عام 1964 لأسرة بقرية شومان بمحافظة الدقهلية. تلقيت تعليمي الأساسي و الثانوي بمدينة المنصورة, و كنت أحد أوائل الثانوية العامة مما أهلني للإلتحاق بكلية الطب جامعة المنصورة. ولكن بعد ثلاث سنوات إلتحقت بكلية طب بنها, وكانت تابعة لجامعة الزقازيق آنذاك, وتخرجت منها عام 1988. بعد إنتهائي من تأدية الخدمة العسكرية, كانت الإختيارات المتاحة هي الإلتحاق بالعمل الأكاديمي بالجامعة أو العمل بمستشفيات وزارة الصحة, و لكني علي العكس من ذلك أيقنت شغفي الشديد بعلوم المناعة و التشخيص الإكلينيكي, لذلك إتجهت إلي مركز أمراض الكلي بالمنصورة و حصلت علي دورات تدريبية معملية بالمجالات التطبيقية و التشخيصية المختلفة لعلم المناعة.

كيف بدأت رحلتك البحثية خارج مصر؟

بدأت رحلتي خارج مصر حينما شرعت بالبحث عن منحة دراسية للحصول علي درجة الدكتوراه في علم المناعة. قمت بمراسلة العديد من الجامعات و الهيئات البحثية الأجنبية, حتي تمكنت من الحصول علي موافقة مبدئية لدراسة الدكتوراه بقسم المناعة بجامعة هلسنكي بدولة فنلندا. في تلك الأثناء إضطرت لبيع كثير من ممتلكاتي حتي أتمكن من الحصول علي قدر من الأموال لتغطية النفقات الدراسية و المعيشية الباهظة بفنلندا. و بعد فترة وجيزة من وصولي إلي فنلندا, أيقنت مدي غلاء المعيشة بتلك الدولة, و أن جميع مدخراتي لن تكفِ سوي لعدة أشهر فقط. و هنا تدخل أستاذي المشرف علي رسالتي لعقد إتفاق, بحيث أدرس علي نفقتي الشخصية لعدة أشهر, و إذا أثبت تميزاً أكاديمياً ملحوظاً خلال تلك الفترة فسوف يقوم بمخاطبة الجامعة لتحمل كافة نفقاتي الدراسية و الشخصية. و هذا ما حدث بالفعل, حيث إستطعت تقديم أطروحتي للدكتوراه في فترة لم تزد عن ثلاث و نصف سنوات, في حين كان المعدل الطبيعي هو خمس سنوات, و أستطعت أيضاً نشر خمسة أبحاث في دوريات عالمية خلال فترة دراستي.

يعتبر البعض أن الحصول علي درجة الدكتوراه هو منتهي الآمال و قمة الإنجاز, و لكنك فضلت الإستمرار بالمجال البحثي, فكيف كانت مسيرتك بعد الدكتوراه؟

بعد حصولي علي درجة الدكتوراه, تقدمت إلي عدة جامعات بالولايات المتحدة الأمريكية لإستكمال دراستي لما بعد الدكتوراه. و بالفعل حصلت علي عدة عروض جيدة بجامعات مختلفة, و لكني فضلت الإلتحاق بجامعة برينستون, وهي إحدي أفضل الجامعات الأمريكية, للتعمق في دراسة البيولوجيا الجزيئية و علم المناعة الجزيئية. و في خلال الفترة ما بين عامي 1993 و 1996 قمت بنشر عدد من الأبحاث تنصب علي دراسة الأسس الجزيئية للتحمل المناعي (عدم الاستجابة المناعية) للخلايا البائية ( Molecular mechanisms of B-cells tolerance ) كما حصلت أيضاً علي تدريب و خبرة جيدة في مجالات تعديل الفئران وراثيا لإستخدامها كنماذج معملية لمحاكاة كثير من الأمراض البشرية.

بعد إنتهاء فترة دراستي بالولايات المتحدة الأمريكية كانت أمامي عدة خيارات, أحد تلك الخيارات هو العودة إلي مصر, أو البحث عن منصب أكاديمي في دولة أخري. و بعد فترة من التفكير, قررت الإتجاه إلي المانيا, حيث شغلت منصب قائد مجموعة بحثية بجامعة روستوك, وشرعت بتكوين مجموعتي البحثية, حيث إنصب إهتمامي علي دراسة العوامل الوراثية المُسببة للأمراض المناعية الذاتية  ( Genetics of autoimmune diseases ), كمرض التصلب المتعدد ( MultipleSclerosis ) , التقرحات الجلدية ( Skin Blistering ). بالإضافة إلي أمراض إلتهابات المفاصل و الفُصال العظمي. في تلك الأثناء كانت مجموعتي البحثية تعمل علي تعريف و دراسة شبكة التفاعلات الجينية التي تحكم مسببات تلك الأمراض ذات الطابع المناعي بإستخدام نماذج معملية من الفئران و التي قمنا بتعديلها بأنفسنا في المعمل. و في خلال عشر سنوات قضيتها بجامعة روستوك, إكتسبت مجموعتي البحثية سمعة طيبة و شهرة دولية مما أهلنا للحصول علي تمويل جيد من الهيئات العلمية الألمانية و الدولية علي حد السواء. ولاحقاً في عام 2008 تقدمت للحصول علي منصب أستاذ بجامعة ليبك ( Lübeck ) وسط منافسة شرسة من أكثر من خمسين متقدم لشغل هذا المنصب و بالفعل حصلت علي منصب أستاذ الوراثة في تخصص المناعة و إنتقلت للعمل بتلك الجامعة.

يرتبط الحصول علي لقب أستاذ بالعديد من التحديات العلمية و الوظيفية, فكيف تأثرت مسيرتك العلمية بعد الأستاذية؟

بعد حصولي علي الأستاذية كان هناك تحدٍ كبير بالنسبة لي؛ فهل أستمر في نفس إتجاهاتي البحثية و التي أكسبت مجموعتي البحثية تلك السمعة الطيبة, أم أتجه إلي إستكشاف آفاق جديدة, لاسيما و أن هناك ثورة كبيرة في علوم البيولوجيا الجزيئية المتعلقة بمجالات العلاج و التطبيب الشخصي ( Personalized medicine ). و لقد كنت دوماً أتسائل هل نفس العوامل الوراثية و الجينات هي التي تتحكم في نفس شبكة التفاعلات المرضية في الأعراق و الأجناس المختلف؟. فعلي سبيل المثال, معظم الدراسات الوراثية و التجارب السريرية ( Clinical trials ) يتم إجراؤها علي الجنس القوقازي بالولايات المتحدة الأمريكية و أوربا, بخاصة الذكور في الفئة العمرية من خمس و عشرين إلي ستين عاماً, في حين أن قليل جداً من الأبحاث يتم إجراؤها علي سكان آسيا أو إفريقيا و منطقة الشرق الأوسط. ومما يدعم وجهة نظري تلك ما أثبتته بعض الدراسات الحديثة من تغير التعبيرات الجينية في الحالات المرضية ( Genesexpression in diseases ) تبعاً لإختلاف المجموعات العرقية و الإثنية, مما يعني أن بعض العلاجات المُستخدمة حالياً لعلاج الكثير من الأمراض قد تكون غير فعّالة بالمرة لبعض المجموعات العرقية أو الأجناس المختلفة.

بناءًا علي ذلك, قامت مجموعتي البحثية بالتعاون مع الباحثين بجامعتي القاهرة و المنصورة بدراسة أعداد كبيرة من المرضي المتطوعين, بعد إستيفاء كافة الموافقات و الإشتراطات الأخلاقية و المهنية, وقمنا بعمل تحليل للشفرة الوراثية لهؤلاء المرضي ( Genotyping and sequencing ) لدراسة التعبيرات الجينية لعدد من الأمراض. و بالفعل خلصت دراستنا إلي ان هناك عدد من الجينات المشتركة التي تتحكم بشبكة التفاعلات المرضية, و لكن علي الجانب الآخر, هناك أيضاً مجموعة من الجينات المختلفة و المميزة لكل مجموعة عرقية أو جنسية. لذلك لا يمكننا الجزم بأن المعطيات العلمية المتعلقة بالأمراض الوراثية و التعبيرات الجينية هي أمر مُسلم به لمجرد أنها تمت بالولايات المتحدة أو أوربا…وراثياً نحن البشر مختلفون عن بعضنا البعض. و لعل تلك النتائج الحديثة هي ما حدت ببعض الدول العربية كالمملكة السعودية و الكويت و قطر بالإتجاه إلي الإستثمار في المعرفة العلمية و إثراء الإتجاهات البحثية التي تهدف إلي تعريف المزيد من المسببات الجينية للأمراض في الأعراق المختلفة. فمؤخراً قامت المملكة العربية السعودية بإستثمار ملايين الدولارات علي مشروع بحثي يُعرف بإسم الجينوم السعودي ( Saudi Genome Project ) والذي يهدف إلي عمل خرائط وراثية لأكثر من خمسين ألف شخص من كافة أنحاء المملكة, مما يفتح آفاقاً مستقبلية لدراسات واعدة.

اعداد و حوار: Mohammed Gendy

تصميم: Abdallah Taha

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي