يدهشنا عالم الحيوان، فبالرغم من حقيقة أن الحيوانات بكماء، إلا أنها تُصِرعلى تطوير قدراتها على التواصل معنا يومًا بعد يوم. إذا ما أخبرتك عن حيوانات تتكلم هل ستصدقني، أم ستظنها أحد حكايات «كليلة ودِمنة»؟
كشفت الأبحاث مؤخرًا عن أنثى «حوتٍ قاتلة-«Orcas، تمكنت من تقليد بعض الكلمات من لغة البشر ومنها «مرحبًا-Hello»، «وداعًا-Bye bye»، و«واحد، اثنان، ثلاثة- One, two, three»، حتى إنها استطاعت محاكاة بعض الأصوات ومنها: عواء الثعلب، صوت الفيل، وصرير الباب، بل إنها رددت بعض هذه الأصوات عند سماعها لأول مرة.
كعادتها تتواصل الحيتان القاتلة معًا عن طريق لهجة محلية خاصة بها، وهي مجموعة من إشارات التواصل التي تخص كل جماعة على حدة، وبالرغم من تعقٌّد هذه الطريقة؛ بسبب تخصصها العالي، ترديد الكلمات هو أكثر ما يدهشنا في مهارتها الصوتية.
هذا ماتوصلت إليه (رايشيل جرفين- Racheal Griffin) عالمة الأحياء المائية البريطانية، والتي توصلت أكثر عن الأنظمة الاجتماعية، والإدراك العقلي للحيتان.
همسات الحيتان:
لدراسة اللهجة المحلية الخاصة بالحيتان، وقدرتها على النطق بكلمات تَخُصُنا؛ قام العلماء باختبار«ويكي-Wikie» وهي حوتة فرنسية أسيرة، عمرها (14عامًا).
ثلاثون تسجيلًا لأصوات مختلفة، وكلمات عشوائية قالها المدربون وهي أصوات غير مألوفة لها من قبل، هذا هو الاختبار الذي أخضعها إياه المدربون على أمل أن تستطيع «ويكي» ترديدها، مع الأخذ في الاعتبار أن الاختبار برمته دار في الهواء الطلق –ليس تحت سطح الماء- وأن «ويكي» اعتادت أن تتجاوب مع الأمر «إفعلي هذا» في مقابل سمكة مكافأة.
عند مقارنة الأصوات التي أصدرتها «ويكي» بالتسجيلات الأصلية، وباستخدام خوارزمية -تظهر خطين متوازيين يمثل كل منهما تسجيل الحوتة، والتسجيلات الأصلية، تعرف بـ(ترتيب الخطوط عبر الوقت- Dynamic time warping)- استطاعت «ويكي» عن جدارة تقليد جميع الأصوات، قلدت بعضها عند سماعها لعشرة مرات فقط، وقالت «Hello» و«one, two, three» من أول مرة!
من طرائف التجربة، أن العلماء عند مقارنتهم بين التسجيلات الأصلية وتسجيلات الحوتة، كانوا معصوبي الأعين؛ ليحققوا أكثر النتائج شفافيةً.
ربما لم تكن محاكاتها ممتازة، لكن بالتأكيد يمكنك تمييز الكلمات، وهذا ما أكده المشرفون على الدراسة: فقد نطقت «ويكي» كلمة «Hello» بدقة (55%) من الوقت، ونطقت كلمة «Bye» بدقة (21%( من الوقت فقط، أما ترتيب الخطوط عبر الوقت «DWT»، فأثبت أن الحوتة قلدت الأصوات الغير مألوفة لها بشكل أفضل من الأصوات التي ألِفتها من قبل.
هناك حيوانات ناطقة أخرى:
ليست الحيتان فقط من يحاكي الأصوات، بل هناك كثيرٌ من الحيوانات الأخرى، دعنا نستعرض بعضًا منها:
قطة أخرى وهي «Lyrebird» لم تقلد أصوات الحيوانات فقط، بل وأصوات الآلات، وأبواق السيارات، حتى أن سلسلة «BBC earth » تحدثت عنها في (2009)، ولا يمكن أن نغفل عن الببغاوات مثل «الدّرّاء- Parakeets» و «الككتوه- cockatoos» التي تقلد كلام البشر بشكلٍ طريف، حتى أن ببغاءً رماديًا من إفريقيا استدعيَ للشهادة في قضيةِ قتل صاحبه؛ لقدرته الرهيبة على ترديد كل ما قاله المالك بدقة قبل أن يقتل، وحوتة قاتلة أخرى تتمكن من تقليد صوت أسد البحر؛ لأنها كانت تائهة عن قطيعها، وتحاول جذب انتباههم كما تقول «Griffen».
كلمات، لكن بلا معنى
دراسات أخرى من سان دييجو بلّغت عن حوتٍ آخر تمكن من ترديد كلمة «out»، وفيل يدعى «koshik» في جنوب كوريا يمكنه أن يقول «hello»، «good»، «no»، «sit down».
هل يعني ذلك أن الحيوانات تتفهم كلامنا أو تتحدث لغتنا؟ بالطبع لا. الأمر برمته أن الحيوانات –خاصة المأسورة- اعتادت على حياتها بين الناس، ومن الطبيعي أن تقلد كلماتٍ منهم؛ حتى تقوي رِباطها بهم. وهذا ما قالته «انجيلا ستوجير- Angela Stoeger»: المسؤولة عن الدراسة الخاصة بالفيل، والبيولوجية من جامعة فيينا.
في النهاية، ربما تمكنت بعض الحيتان القاتلة من محاكاة بضع الأصوات عند سماعها حتى من أول مرة، لكن هذا فقط لأن التجارب صممت فوق الماء. لم يختبر العلماء هذه القدرات تحت الماء بعد، وهذا سيكون اللغز الذي سيعمل العلماء المختصون في هذا المجال على حله في الآونة المقبلة.
ترجمة: أمنية يوسف فرج
مراجعة لُغويَّة: Israa Adel
تحرير: علي صلاح
المصدر: goo.gl/AWuD2D