هل يُمكن للأقلّيّة تغييرَ رأي الأغلبيّة؟ لنُلقِ نظرةً على حركة النّساء لاكتساب الحق في الانتخاب في بداية القرن العشرين بالولايات المتّحدة الأمريكيّة. ففي يومٍ من الأيام كانتْ فكرةُ انتخاب النّساء مُهمّشةً نسبيًا، لكن الآن نسبة تصويت النّساء أكثر من نسبة الرّجال بالانتخابات الرئاسيّة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة. فكم عدد الأشخاص الذي تحتاجُه المجموعة لكي تتمكّنَ من تغيير وجهات النّظر السائدة؟ دراسة جديدة أثبتت أن كل ما يتطلبه الأمرُ هو 25% من الأقلّيّة.
قوة تأثير الـ (25)
ركّز الباحثون في جامعة لندن وجامعة بنسلفانيا على شيءٍ أكثرَ بساطةً من حقوق الانتخاب من أجل هذه الدراسة -تمَّ نشرُها في مجلة العلوم (the journal Science)- وهو أسماء الغُرباء. حيث طُلِب من مجموعةٍ من المتطوّعين بعد رؤيتهم صورة شخصٍ عشوائيًّا؛ أن يحدّدوا مع بعضهم البعض اسمًا لهذا الشَّخص. وإذا قاموا بالموافقة على اسمٍ بالإجماع سيحصلون على جائزةٍ نقديّة.
قسّم الباحثون 198 مشارك إلى 10 مجموعات، تتكوّن كلُّ مجموعةٍ من 20 إلى 30 شخصًا. في المرحلة الأولى، اتّفقتْ كل مجموعة على اسم. لكنْ زرع العلماء بعد ذلك مجموعةٍ من المُخالفين (المتمرّدين) الذين دعوا إلى اسمٍ آخر. بدأ عدد التابعين للمخالفين بنسبة بسيطة 15%. عدلوا بعد ذلك عدد المخالفين تدريجيًّا، وعندما وصلتْ النسبة إلى 25% أو أكثر من أحد المجموعات، تمكنوا من تشتيت إجماع المجموعة. ظلَّ هذا يحدث حتى بعد أن ضاعف الباحثون الجائزة النقديّة إلى ضعفين وثلاثة أضعافٍ للمجموعة التي ستُجمع على رأي. مما يجعلك تعتقد أن المشاركين التزموا بوجهة النظر السَّائدة. ولكن هذا لم يحدث.
عندما كانت نسبة المخالفين أقلَّ من 25%، اعتُقد أنهم لم ينجحوا. لكنْ بالمتوسّط تمكنتْ مجموعاتُ المخالفين الصَّغيرة من تغيير وجهة نظر 6% من مجموعتهم. فإذا كانت مجموعةٌ تتكوّن من 20 شخصًا، فهذا يعني أنهم تمكنوا من تغيير وجهة نظرِ شخصٍ واحدٍ. حتى المجموعات التي تتكوّن من 24% من المخالفين، كان نجاحُها ضعيفًا أيضًا. حيث إنَّ 25% كانت نقطةَ التحوّل، والنسبُ الأقلُّ من ذلك لم تفعل.
هل تُصبح هذه الدراسة مَنفذًا لثورة تطويريّة؟
دعونا لا نكون متسرّعين؛ فالحياة الواقعيّة أكثرُ تعقيدًا. فلا تعمل كلُّ المجموعات بنفس الطريقة التي تعمل بها المجموعات التي أُقيمت عليها الدَّراسة على الإنترنت. فعلى سبيل المثال، أعضاء المجموعات في واقع الحياة لا يتحدّثون إلى بعضهم البعض بهذه الدَّرجة الكبيرة، كما إنَّ المجموعة الواحدة تتكوّن من العديد من الأقلّيّات المُعارِضة في بعض الأحيان. ولا داعيَ لذكر أنه عندما يتعلَّق الأمرُ بالمسائل المُلحّة في يومنا الحالي مثل: التغيُّر المناخيّ والهجرة؛ فإنَّ الأشخاصَ يكون لديهم آراءٌ أعمقُ ويكونون أكثرَ تمسُّكًا بها من التي لديهم عن تسميةِ شخصٍ رأوه على الإنترنت.
ومع ذلك، فإنّ التّغيُّر الاجتماعيّ الحقيقيّ مُعقّدٌ جدًّا لدرجة أنه من الصعب استخراجُ نتائجَ أخرى. ما الذي يتطلبه الأمر لذهاب اللاسلطويّة مع التيّار الرئيسيّ؟ ما الذي يتطلبه الأمر لتنفجرَ حركة النّساء للتّصويت؟ من المستحيل الإجابة. ولكن بتبسيط المسألة، تمكّن الباحثون على الأقل من بناء نموذجٍ نظريٍّ لكيفيّة تَغيُّر المعايير الاجتماعيّة. لكنهم لم يتوقّعوا أن يعملَ في كل موقف. فهم ينظرون إليه كنقطةِ بدايةٍ مرنة ومدعومة بالتّجارب عندما يتعلّق الأمر بالفعاليّة.
فمن الواضح أنها تتصدّى لنظريّةٍ مقبولة. فكما وضّح المؤلّف الرئيسيّ لجامعة بنسلفانيا (دامون سنتولا- Damon Centola) لـ (Scientific American):
«فإنّ النموذج الاقتصاديّ التقليديّ -الشيء الرئيسيّ الذي نستجيب له بهذه الدّراسة- يقول في الأساس إنه بمجرد الوصول إلى التّساوي، فإن كل ما تحتاجه لتغييره هو زيادة النّسبة إلى 51%. فما تقوله هذه النتائج هو لا، عدد صغير من الأقلّيّة يمكن أن يكونَ حقَّا فعالًا، حتّى عندما يقاوم الناس وجهة نظر الأقلّيّة»
فبمعنى آخر، لستَ بحاجةٍ لأن تكون انهزاميًّا. حتى وإن لم تكن الأغلبيّة في صفّك، فإن مجموعتك يمكن أن تكون على بعد خطوة من نقطة التّحوُّل.